24‏/10‏/2016

مفارقة الرئاسة اللبنانيون وانتخاباتها

مفارقة الرئاسة اللبنانية وانتخاباتها
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

       اثنا عشر رئيسا لبنانيا انتخبوا في ظروف مختلفة، لكنها متماثلة في منسوب التأثيرات الخارجية ، عشرة منهم حكموا فعليا ،فيما أغتيل اثنان،  الأول الشيخ بشير الجميل الذي انتخب إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 والذي اغتيل قبل أيام من القسم الدستوري واستلامه السلطة،والثاني الرئيس رينيه معوّض الذي اغتيل بعيد انتخابه بأسبوع والذي اعتبر نتاج تسوية اتفاق الطائف . وحكم بين العشرة الباقين، ثلاثة رؤساء مددت ولاياتهم ثلاث سنوات، الياس الهراوي وإميل لحود في عهد اتفاق الطائف بين الأعوام 1990 و2006 ، والثالث الرئيس بشارة الخوري وهو الرئيس الأول بعد الاستقلال.وأيضا بين الرؤساء العشرة ،ثلاث انتهت ولايتهم بفراغ رئاسي، إذ لم يتمكن المجلس من انتخاب بديل عنهما خلال المدة الدستورية، هما أمين الجميل 1988 ، اميل لحود  2006،وميشال سليمان 2014 ، الذي كان انتخابه نتاج تسوية الدوحة في العام 2008. ومن بين العشرة أيضا ثلاث رؤساء شغلوا قبل انتخابهم قيادة الجيش اللبناني، وهم فؤاد شهاب واميل لحود وميشال سليمان، وإذا انتخب ميشال عون رئيسا كما هو مؤكد يكون الرئيس الثاني بعد الرئيس فؤاد شهاب ، الذي عين كل منهما رئيسا للحكومة قبل وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى.
      وما يجمع بين الرؤساء الأثنا عشر ، هو حجم التدخل الخارجي في إيصال كل منهم للرئاسة. حتى أن ثمة إجماع بين مؤرخي انتخابات الرئاسة الأولى، انه لا رئيس صنع في لبنان، وان هناك دائما قطبة مخفية توصل مرشح على حساب آخر. فالرئيس الأول بعد الاستقلال بشارة الخوري، انتخب في ظل توافق فرنسي بريطاني وغطاء عربي ، على صيغة الثنائية التي اتسمت بها وثيقة 1943، فيما انتخب كميل شمعون إثر ما سمي بالثورة البيضاء لإنهاء ولاية الخوري الثانية، ورغم الثورة البيضاء التي أوصلته للرئاسة، انتهى عهده بثورة عليه نتيجة انحيازه للسياسات الغربية. ونتيجة لتسوية خارجية أيضا ، مع تأثير واضح للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، انتخب فؤاد شهاب رئيسا ، والذي حاول أن يحكم بعد انتهاء ولايته في الظل عبر إيصال شارل حلو للرئاسة بحبكة فرنسية واضحة. ومهما قيل عن لبننة الاستحقاق الرئاسي إبان انتخاب سليمان فرنجية في العام 1970، ثمة الكثير ممن يشككون بوصوله دون تدخل أو ضغط خارجي، وإن يُقال آن الصوت المرجح كان لكمال جنبلاط آنذاك في محاولة لإقصاء مرشح الشهابية اليأس سركيس، والذي انتخب مع دخول سوريا على خط الأزمة اللبنانية في العام 1976 وبغطاء عربي. فيما انتهى عهد الرئيس أمين الجميل في العام 1988 بحكومة عسكرية تقلّد رئاستها العماد ميشال عون، والذي أطيح به بعد اتفاق الطائف وتم نفيه إلى باريس.  
      اليوم يشهد لبنان مخاضا طويلا لانتخاب رئيس للجمهورية، بعد فراغ دستوري استمر لأكثر من سنتين ، وبعدما استهلك تعيين 45 جلسة لم يتم فيها التوصل لانتخاب رئيس، بات من المؤكد ونتيجة تسوية داخلية خلطت فيها الكثير من الأوراق، مع حبكة خارجية غير معلنة، من المؤكد وصول ميشال عون لرئاسة الجمهورية.لكن السؤال الأهم في ذلك ، ماذا بعد الانتخاب؟
       ثمة سوابق كثيرة في الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، إبان اتفاق الطائف والدوحة وقبلهما، متصلة بتشكيل الحكومات، والتي باتت المحور الرئيس بعد اتفاق الطائف لإدارة الحكم، حيث بات مجلس الوزراء هو الحاكم مع رئيس الجمهورية، وبالتالي ما هو مصير التكليف والتشكيلة الحكومية ؟ فهل سيكون الممر مرنا ومريحا في التعاطي ؟ أم  أن وعودا قد أعطيت وستجد صعوبات في تنفيذها؟ ما سبق من حالات تشي بهذه الافتراضات والتساؤلات،إذ ثمة حكومات استلزم تشكيلها أشهرا كثيرة ، عكست موازين قوى داخلية وخارجية محيطة بلبنان، وهو أمر قد تعوّدت عليه الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، وباتت جزءا من الحياة السياسية المعاشة، ووسط كل ما يجري، ثمة كلام واضح للعديد من السياسيين اللبنانيين الفاعلين، يؤكد أن مسيرة التشكيل ستطول ، وهي بطبيعة الأمر، ستعكس ما يجري حول لبنان من أحداث، وثمة من يقول، أن طبيعة الظروف الخارجية هي التي ستتحكم بمنسوب نجاح العهد القادم من عدمه، فهل يعي اللبنانيون ذلك ويكون الرئيس المقبل صناعة لبنانية خالصة؟ ثمة الكثير من المعطيات تشي بعكس ذلك.

15‏/10‏/2016

حدود الصدام الروسي الاميركي

حدود الصدام الروسي الأميركي وإمكاناته
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
         تسارعت عناصر وعوامل التوتر الروسي الأميركي في العديد من مناطق العالم ، لا سيما مؤخرا في الشرق الأوسط ، وبالتحديد  ذات الصلة بالأزمة السورية، ووصلت الأمور إلى مستويات غير مسبوقة، وتعدى بعضها حتى التهديد  باللهجات الدبلوماسية المهجنة، ليصل إلى ترتيبات لوجستية وعسكرية ذات طابع استراتيجي.
       وما عزز تلك الأجواء الساخنة، محاولة تفسير بعض التطورات الحاصلة في المنطقة ، على أنها عوامل مشجعة ومؤثرة في سياق تأجيج التوتر، رغم أن بعض تلك المظاهر هي عناصر تكتية تأتي في سياق حراك اقليمي متوتر أيضا، قد يستفيد منه أي طرف على حساب الآخر، ومن هذه المظاهر مثلا، التقارب التركي الروسي واستثماره في ضوء التوتر بين أنقرة وواشنطن بعد الانقلاب التركي الأخير، وأيضا على سبيل المثال المناورات الروسية المصرية واستثمارها في بعض جوانب علاقات مصر مع واشنطن وبعض دول الخليج ،على أنها محاولة مصرية لإعادة تموضع جديد في المنطقة ربطا ووصلا بالأزمة السورية. وعلى الرغم من أهمية هذه الوقائع ، إلا أنها  لا تلعب دورا  كبيرا في تغيير موازين القوى وبالتالي عدم الاتجاه نحو صدام مباشر بين الطرفين.
     من الواضح أنّ خشية موسكو تأتي على قاعدة أن تُقدم الإدارة الأميركية على شنّ ضربات ضد القوات العسكرية الحكومية السورية، فيما التقارير الموجهة من موسكو تحديداً، تشير إلى النية بمواجهة أي عمل عسكري تقوم فيه القوات الأميركية، في المقابل تشير التسريبات الأميركية إلى إمكان تغيير الإستراتيجية المتبعة، مع خيارات عسكرية ضد الدولة السورية، كانت حتى وقت قريب تكتفي بالإشارة إليه ولو مواربة. فماذا يعني ذلك؟ ليس جليا إلى الآن، إن كانت واشنطن ستكتفي برفع الصوت والتهديدات من دون الإقدام عليها، وليس واضحاً أيضا إن كانت الإجراءات الدفاعية التي اتخذتها موسكو ، كافية كي تثني الأميركيين عن عمل عسكري قد تقدم عليه. مع ذلك، تبدو الإجراءات المتخذة من قبل الطرفين، لا تشير فقط إلى مجرد كباش على الأراضي السورية أو ربطا بأزمتها، رغم تقدير الجانبين المسبق ، بأنهما لن يتسببا نهاية الأمر بمواجهة عسكرية مباشرة بينهما، لكن مع الظهور بأنهما واصلان إلى حدود هذه المواجهة، لكن دون المباشرة الفعلية لها.فموسكو اتخذت خطواتها، إزاء التوتر السائد مع واشنطن، بناء على تقدير وليس تأكيدات بأن واشنطن تنوي بالفعل القيام بشن ضربات عسكرية ضد الدولة السورية، ما يعني ، أن انتفاء النية أو التخفيف من صورها ،سوف يهدئ الأجواء بين الطرفين. وما يعزز تلك الأجواء، اعتبار واشنطن أن روسيا نشرت في سوريا منظومة أس اس 300 ـ في 4 ، كإجراء دفاعي. وبحسب مسؤول أميركي وصلت المنظومة إلى القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، لكن لم يثبت حتى الآن، أنها جاهزة للعمل. ويشار إلى أنّ منظومة الصواريخ هذه تغادر للمرة الأولى الحدود الروسية، وهي مصممة لمواجهة الطائرات وصواريخ «كروز». ومن الممكن أن  يثير نشر هذه المنظومة قلقاً خاصاً في الولايات المتحدة، اذ ليس لدى "جبهة النصرة" والجماعات الأخرى أي طائرات في سوريا، ما يعني أنها مخصصة لمواجهة أي نوع من صواريخ "كروز " الأميركية في حال هجوم في سوريا.
      في المحصلة ثمة عشرات بل مئات حالات التوتر عالية المنسوب قد ظهرت بين موسكو وواشنطن، إلا أنها لم تتطور إلى حدود المواجهات المباشرة، وظلت في اطر الاشتباك غير المباشر الذي ترجم بصور وأشكال مختلفة. وفي أي حال من الأحول ، ثمة ظروف خاصة حاكمة لعلاقة الطرفين في الوقت الراهن ، من بينها الفترة الانتقالية للإدارة الأميركية، وبالتالي عدم ذهاب الإدارة الحالية إلى مواجهات تكبل الإدارة القادمة وتعيق عملها، إضافة إلى أن الوضع الاقتصادي المعروف الذي تعاني منه روسيا بسبب العقوبات الاقتصادية ، لا يسمح لها بالتحرك وفق سقوف عالية.


12‏/10‏/2016

المضمر والمعلن في قانون جستا الاميركي

المعلن والمضمر في قانون جاستا الأميركي
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
الخليج 13.10.2016
       من الطبيعي أن تنشئ أية دولة بيئة قانونية لحماية رعاياها على أراضيها، لكن من غير الطبيعي، أن تنشئ هذه البيئة لمحاكمة دول وأشخاص خارج نطاقها الإقليمي ، سيما وأن من المبادئ القانونية الراسخة والمتعارف عليها في جميع الأنظمة القانونية في العالم، إقليمية القضاء وصلاحية المحاكم الداخلية في النطاق الإقليمي للدولة، وعدم امتداد هذه الصلاحية إلى خارج حدودها، إلا في أطر محددة وضيقة جدا، وهي تتبع ما يسمى بالقانون الدولي الخاص، الذي يرعى قواعد القانون الخاص للأشخاص وامتداداته خارج الأطر الإقليمية.
       وإذا كانت القواعد القانونية الخاصة ، تسلك مسارا محددا وواضحا في هذه الشؤون، فان قواعد القانون الدولي العام ومبادئ الشرعية الدولية التي تأسست عليها بالأصل الأمم المتحدة وميثاقها، الذي بات من ثوابت التعامل في العلاقات الدولية، قد حددت جميعها ويشكل واضح ، حق المساواة بين الدول واحترام سياداتها الخاصة تحت أي ظرف من الظروف، بل باتت السيادة إحدى المقدّسات السياسية التي تتمسك بها الدول، باعتبارها مظهرا من مظاهر كيان الدولة. وهذا ما نصت عليه بشكل واضح السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.
         واليوم وفي سابقة لا مثيل لها بين الدول، مشت الولايات المتحدة ممثلة بمجلسي النواب والشيوخ بمشروع قانون يخالف كل هذه الشرائع الدولية، وبكلام حق يراد به باطل، سنّت القانون لحماية رعاياها كما تدعي من الإعمال الإرهابية، وبشكل محدد استنادا إلى ما جرى في 11 أيلول / سبتمبر 2001، ما يعني إذا ما تم إقراره بالشكل النهائي، ستصبح كل دول العالم وأشخاصها ومسؤوليها تحت رحمة القوانين الأميركية، ما يعني نقل السيادة القضائية الأميركية في حدود صلاحياتها وأطرها التنفيذية على أي بقعة في العالم. ،ماذا يعني ذلك؟
      في المبدأ ثمة تجاوز بل اعتداء واضح على المبادئ القانونية الدولية، التي ترسخت بفعل الاتفاقيات الدولية الشارعة، أي وجوب التزام الدول بها، حتى في قوانينها الخاصة، وبالتالي عدم قدرة أي دولة التفلت منها. كما يعني هذا القانون الاعتداء أيضا على ميثاق الأمم المتحدة الذي أقر وفصل بشكل واضح وجوب احترام سيادات الدول، وعدم المس بها، بل اعتبر وفقا للمادة 52، وجوب مواجهة العدوان أو أي اعتداء فير مبرر من وجهة القانون الدولي، ما يعني مخالفة قانون جستا ، للبيئة الشرعية الدولية، وهي أعلى مقاييس التعامل في العلاقات الدولية.
         جانب آخر لهذا القانون، وهو تجاوزه عمليا لمندرجات القرار 1373 الصادر عن مجلس الأمن بعيد أحداث 11 أيلول، والذي اوجد الأطر القانونية الملزمة لتعاون الدول في مجال مكافحة الإرهاب، إذ بات هذا القرار تحديدا ، بمثابة العامود الفقري، والمرجع الأساس لتعامل الدول مع قضايا الإرهاب الدولي وآثاره ، لدرجة انه وُصِفَ بأنه جعل حكومات دول العالم أجمع ، بمثابة ضابطة عدلية لدى مجلس الأمن، ومن يتحكم بمساراته وسياساته ، والمقصود هنا الولايات المتحدة الأميركية تحديدا ، وهنا أليس من الطبيعي إثارة الأسئلة حول خلفيات القانون المضمرة؟  
         وإذا كان المقصود بهذا القانون تحديدا المملكة العربية السعودية، فان أثاره ستمتد على كافة الدول التي تعارض واشنطن وسياساتها في أي مكان وزمان، سيما وأن خلفياته الاقتصادية والتجارية واضحة للعيان؛ فثمة صراع في سوق النفط العالمي حول توزيع الحصص بين النفط الصخري، الذي تقوده الولايات المتحدة والنفط التقليدي الذي تتزعم صادراته المملكة،ما سيتسبب هذا القانون بتوتر العلاقات الاقتصادية والسياسية بين المملكة والولايات المتحدة، ونشوء بيئات قلق وخوف لدى المستثمرين ورجال الأعمال السعوديين،  كما سيخفض التبادل التجاري بين الطرفين والبالغ 74 مليار دولار منه 18 مليار دولار للصادرات و56 مليار دولار للواردات. ، في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة ، ثاني أكبر شريك تجاري في السوق السعودي.كما ستؤثر على الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة وأرصدتها والمقدّرة بـ 750 مليار دولار منها 117 مليار دولار مستثمرة في سندات الخزينة الأميركية مقابل استثمارات أميركية في المملكة لا تتجاوز 15 مليار دولار ؛ كما سيؤثر القانون على صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة وآخرها صفقة بقيمة 115 مليار دولار. كما سيؤثر القانون على 100 ألف طالب سعودي في الولايات المتحدة. فما العمل؟
        إما المواجهة عبر سحب السعودية استثماراتها من الولايات المتحدة، وإعاقة الاستثمارات الأميركية في السعودية، وتجميد صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة، وتغيير تسعيرة منتجاتها النفطية في السوق العالمي من الدولار إلى اليورو، وإقناع دول مجلس التعاون على اتخاذ مواقف مماثلة لها. وإما التفاهم من خلال المطالبة بتعديل القانون واستغلال الثغر القانونية الكثيرة فيه، ليصبح متوافقا مع ملاحظات الإدارة الأميركية.
        انه قانون يخفي ويضمر الكثير، تحت مسمى تحقيق العدالة ومكافحة الإرهاب، انه ببساطة شديدة ، قانون الابتزاز المالي والسياسي بامتياز...

المضمر والمعلن في قانون جستا الاميركي

المعلن والمضمر في قانون جاستا الأميركي
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
الخليج 13.10.2016
       من الطبيعي أن تنشئ أية دولة بيئة قانونية لحماية رعاياها على أراضيها، لكن من غير الطبيعي، أن تنشئ هذه البيئة لمحاكمة دول وأشخاص خارج نطاقها الإقليمي ، سيما وأن من المبادئ القانونية الراسخة والمتعارف عليها في جميع الأنظمة القانونية في العالم، إقليمية القضاء وصلاحية المحاكم الداخلية في النطاق الإقليمي للدولة، وعدم امتداد هذه الصلاحية إلى خارج حدودها، إلا في أطر محددة وضيقة جدا، وهي تتبع ما يسمى بالقانون الدولي الخاص، الذي يرعى قواعد القانون الخاص للأشخاص وامتداداته خارج الأطر الإقليمية.
       وإذا كانت القواعد القانونية الخاصة ، تسلك مسارا محددا وواضحا في هذه الشؤون، فان قواعد القانون الدولي العام ومبادئ الشرعية الدولية التي تأسست عليها بالأصل الأمم المتحدة وميثاقها، الذي بات من ثوابت التعامل في العلاقات الدولية، قد حددت جميعها ويشكل واضح ، حق المساواة بين الدول واحترام سياداتها الخاصة تحت أي ظرف من الظروف، بل باتت السيادة إحدى المقدّسات السياسية التي تتمسك بها الدول، باعتبارها مظهرا من مظاهر كيان الدولة. وهذا ما نصت عليه بشكل واضح السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.
         واليوم وفي سابقة لا مثيل لها بين الدول، مشت الولايات المتحدة ممثلة بمجلسي النواب والشيوخ بمشروع قانون يخالف كل هذه الشرائع الدولية، وبكلام حق يراد به باطل، سنّت القانون لحماية رعاياها كما تدعي من الإعمال الإرهابية، وبشكل محدد استنادا إلى ما جرى في 11 أيلول / سبتمبر 2001، ما يعني إذا ما تم إقراره بالشكل النهائي، ستصبح كل دول العالم وأشخاصها ومسؤوليها تحت رحمة القوانين الأميركية، ما يعني نقل السيادة القضائية الأميركية في حدود صلاحياتها وأطرها التنفيذية على أي بقعة في العالم. ،ماذا يعني ذلك؟
      في المبدأ ثمة تجاوز بل اعتداء واضح على المبادئ القانونية الدولية، التي ترسخت بفعل الاتفاقيات الدولية الشارعة، أي وجوب التزام الدول بها، حتى في قوانينها الخاصة، وبالتالي عدم قدرة أي دولة التفلت منها. كما يعني هذا القانون الاعتداء أيضا على ميثاق الأمم المتحدة الذي أقر وفصل بشكل واضح وجوب احترام سيادات الدول، وعدم المس بها، بل اعتبر وفقا للمادة 52، وجوب مواجهة العدوان أو أي اعتداء فير مبرر من وجهة القانون الدولي، ما يعني مخالفة قانون جستا ، للبيئة الشرعية الدولية، وهي أعلى مقاييس التعامل في العلاقات الدولية.
         جانب آخر لهذا القانون، وهو تجاوزه عمليا لمندرجات القرار 1373 الصادر عن مجلس الأمن بعيد أحداث 11 أيلول، والذي اوجد الأطر القانونية الملزمة لتعاون الدول في مجال مكافحة الإرهاب، إذ بات هذا القرار تحديدا ، بمثابة العامود الفقري، والمرجع الأساس لتعامل الدول مع قضايا الإرهاب الدولي وآثاره ، لدرجة انه وُصِفَ بأنه جعل حكومات دول العالم أجمع ، بمثابة ضابطة عدلية لدى مجلس الأمن، ومن يتحكم بمساراته وسياساته ، والمقصود هنا الولايات المتحدة الأميركية تحديدا ، وهنا أليس من الطبيعي إثارة الأسئلة حول خلفيات القانون المضمرة؟  
         وإذا كان المقصود بهذا القانون تحديدا المملكة العربية السعودية، فان أثاره ستمتد على كافة الدول التي تعارض واشنطن وسياساتها في أي مكان وزمان، سيما وأن خلفياته الاقتصادية والتجارية واضحة للعيان؛ فثمة صراع في سوق النفط العالمي حول توزيع الحصص بين النفط الصخري، الذي تقوده الولايات المتحدة والنفط التقليدي الذي تتزعم صادراته المملكة،ما سيتسبب هذا القانون بتوتر العلاقات الاقتصادية والسياسية بين المملكة والولايات المتحدة، ونشوء بيئات قلق وخوف لدى المستثمرين ورجال الأعمال السعوديين،  كما سيخفض التبادل التجاري بين الطرفين والبالغ 74 مليار دولار منه 18 مليار دولار للصادرات و56 مليار دولار للواردات. ، في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة ، ثاني أكبر شريك تجاري في السوق السعودي.كما ستؤثر على الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة وأرصدتها والمقدّرة بـ 750 مليار دولار منها 117 مليار دولار مستثمرة في سندات الخزينة الأميركية مقابل استثمارات أميركية في المملكة لا تتجاوز 15 مليار دولار ؛ كما سيؤثر القانون على صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة وآخرها صفقة بقيمة 115 مليار دولار. كما سيؤثر القانون على 100 ألف طالب سعودي في الولايات المتحدة. فما العمل؟
        إما المواجهة عبر سحب السعودية استثماراتها من الولايات المتحدة، وإعاقة الاستثمارات الأميركية في السعودية، وتجميد صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة، وتغيير تسعيرة منتجاتها النفطية في السوق العالمي من الدولار إلى اليورو، وإقناع دول مجلس التعاون على اتخاذ مواقف مماثلة لها. وإما التفاهم من خلال المطالبة بتعديل القانون واستغلال الثغر القانونية الكثيرة فيه، ليصبح متوافقا مع ملاحظات الإدارة الأميركية.
        انه قانون يخفي ويضمر الكثير، تحت مسمى تحقيق العدالة ومكافحة الإرهاب، انه ببساطة شديدة ، قانون الابتزاز المالي والسياسي بامتياز...

المثمر والمعلم في قانون جستا الاميركي

المعلن والمضمر في قانون جاستا الأميركي
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
الخليج 13.10.2016
       من الطبيعي أن تنشئ أية دولة بيئة قانونية لحماية رعاياها على أراضيها، لكن من غير الطبيعي، أن تنشئ هذه البيئة لمحاكمة دول وأشخاص خارج نطاقها الإقليمي ، سيما وأن من المبادئ القانونية الراسخة والمتعارف عليها في جميع الأنظمة القانونية في العالم، إقليمية القضاء وصلاحية المحاكم الداخلية في النطاق الإقليمي للدولة، وعدم امتداد هذه الصلاحية إلى خارج حدودها، إلا في أطر محددة وضيقة جدا، وهي تتبع ما يسمى بالقانون الدولي الخاص، الذي يرعى قواعد القانون الخاص للأشخاص وامتداداته خارج الأطر الإقليمية.
       وإذا كانت القواعد القانونية الخاصة ، تسلك مسارا محددا وواضحا في هذه الشؤون، فان قواعد القانون الدولي العام ومبادئ الشرعية الدولية التي تأسست عليها بالأصل الأمم المتحدة وميثاقها، الذي بات من ثوابت التعامل في العلاقات الدولية، قد حددت جميعها ويشكل واضح ، حق المساواة بين الدول واحترام سياداتها الخاصة تحت أي ظرف من الظروف، بل باتت السيادة إحدى المقدّسات السياسية التي تتمسك بها الدول، باعتبارها مظهرا من مظاهر كيان الدولة. وهذا ما نصت عليه بشكل واضح السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.
         واليوم وفي سابقة لا مثيل لها بين الدول، مشت الولايات المتحدة ممثلة بمجلسي النواب والشيوخ بمشروع قانون يخالف كل هذه الشرائع الدولية، وبكلام حق يراد به باطل، سنّت القانون لحماية رعاياها كما تدعي من الإعمال الإرهابية، وبشكل محدد استنادا إلى ما جرى في 11 أيلول / سبتمبر 2001، ما يعني إذا ما تم إقراره بالشكل النهائي، ستصبح كل دول العالم وأشخاصها ومسؤوليها تحت رحمة القوانين الأميركية، ما يعني نقل السيادة القضائية الأميركية في حدود صلاحياتها وأطرها التنفيذية على أي بقعة في العالم. ،ماذا يعني ذلك؟
      في المبدأ ثمة تجاوز بل اعتداء واضح على المبادئ القانونية الدولية، التي ترسخت بفعل الاتفاقيات الدولية الشارعة، أي وجوب التزام الدول بها، حتى في قوانينها الخاصة، وبالتالي عدم قدرة أي دولة التفلت منها. كما يعني هذا القانون الاعتداء أيضا على ميثاق الأمم المتحدة الذي أقر وفصل بشكل واضح وجوب احترام سيادات الدول، وعدم المس بها، بل اعتبر وفقا للمادة 52، وجوب مواجهة العدوان أو أي اعتداء فير مبرر من وجهة القانون الدولي، ما يعني مخالفة قانون جستا ، للبيئة الشرعية الدولية، وهي أعلى مقاييس التعامل في العلاقات الدولية.
         جانب آخر لهذا القانون، وهو تجاوزه عمليا لمندرجات القرار 1373 الصادر عن مجلس الأمن بعيد أحداث 11 أيلول، والذي اوجد الأطر القانونية الملزمة لتعاون الدول في مجال مكافحة الإرهاب، إذ بات هذا القرار تحديدا ، بمثابة العامود الفقري، والمرجع الأساس لتعامل الدول مع قضايا الإرهاب الدولي وآثاره ، لدرجة انه وُصِفَ بأنه جعل حكومات دول العالم أجمع ، بمثابة ضابطة عدلية لدى مجلس الأمن، ومن يتحكم بمساراته وسياساته ، والمقصود هنا الولايات المتحدة الأميركية تحديدا ، وهنا أليس من الطبيعي إثارة الأسئلة حول خلفيات القانون المضمرة؟  
         وإذا كان المقصود بهذا القانون تحديدا المملكة العربية السعودية، فان أثاره ستمتد على كافة الدول التي تعارض واشنطن وسياساتها في أي مكان وزمان، سيما وأن خلفياته الاقتصادية والتجارية واضحة للعيان؛ فثمة صراع في سوق النفط العالمي حول توزيع الحصص بين النفط الصخري، الذي تقوده الولايات المتحدة والنفط التقليدي الذي تتزعم صادراته المملكة،ما سيتسبب هذا القانون بتوتر العلاقات الاقتصادية والسياسية بين المملكة والولايات المتحدة، ونشوء بيئات قلق وخوف لدى المستثمرين ورجال الأعمال السعوديين،  كما سيخفض التبادل التجاري بين الطرفين والبالغ 74 مليار دولار منه 18 مليار دولار للصادرات و56 مليار دولار للواردات. ، في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة ، ثاني أكبر شريك تجاري في السوق السعودي.كما ستؤثر على الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة وأرصدتها والمقدّرة بـ 750 مليار دولار منها 117 مليار دولار مستثمرة في سندات الخزينة الأميركية مقابل استثمارات أميركية في المملكة لا تتجاوز 15 مليار دولار ؛ كما سيؤثر القانون على صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة وآخرها صفقة بقيمة 115 مليار دولار. كما سيؤثر القانون على 100 ألف طالب سعودي في الولايات المتحدة. فما العمل؟
        إما المواجهة عبر سحب السعودية استثماراتها من الولايات المتحدة، وإعاقة الاستثمارات الأميركية في السعودية، وتجميد صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة، وتغيير تسعيرة منتجاتها النفطية في السوق العالمي من الدولار إلى اليورو، وإقناع دول مجلس التعاون على اتخاذ مواقف مماثلة لها. وإما التفاهم من خلال المطالبة بتعديل القانون واستغلال الثغر القانونية الكثيرة فيه، ليصبح متوافقا مع ملاحظات الإدارة الأميركية.
        انه قانون يخفي ويضمر الكثير، تحت مسمى تحقيق العدالة ومكافحة الإرهاب، انه ببساطة شديدة ، قانون الابتزاز المالي والسياسي بامتياز...