سويسرا بين استفتاء المآذن وتداعيات المخازن
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بصرف النظر عن الموقف الرسمي السويسري،من حظر بناء المآذن،ثمة مشكلة ستواجه السلطات السويسرية لما لنتائج هذا الاستفتاء من ارتدادات وتداعيات على طبيعة العلاقة التي تحكم المجتمع السويسري منذ بدايات نشأته الأولى،سيما وأن التركيبة السياسية الدستورية أتت لتراعي ظروف اجتماعية وعرقية وقومية معقدة.
وعلى الرغم من قلة المآذن المبنية فعليا وهي أربعة لا غير، فان التدقيق في نتائج الاستفتاء الذي بلغ 57.5 % لهو دليل واضح حول نجاح الأحزاب اليمنية في شحن شريحة واسعة من المجتمع السويسري بشكل غرائزي تحريضي على احد الرموز الدينية الإسلامية،واعتباره رمزا يهدد التركيبة النفسية – الاجتماعية للشعب السويسري.
فالتحدي الأكبر يكمن في التركيبة السكانية ليس لجهة الأعراق والقوميات فحسب وانما أيضا لجهة الأديان، فبحسب الإحصاءات الحكومية الأخيرة ثمة أربع مئة إلف مسلم بينهم 50 ألف ملتزم بالشعائر الدينية، من اصل تعداد سكاني يبلغ 7.5 ملايين نسمة، ما يجعل الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية في البلاد،الأمر الذي سيشكل حرجا كبيرا للحكومة الفدرالية السويسرية في التعاطي مع مثل هذا الموضوع الذي يشكل حساسية مفرطة،وبخاصة في ظل سوابق أوروبية أخرى مسّت مشاعر المسلمين وأدت إلى توترات سياسية واجتماعية واضحة في عدة بلدان كبريطانيا والدنمرك وفرنسا وغيرها.
والمفارقة الأكثر غرابة في هذه القضية بالذات حجم معارضتها في بلد عُرف بحياده السياسي والقانوني في قارة مزقتها حروب دينية ومذهبية في القرون الماضية ،فكانت نموذجا ومثالا يُحتذى به للعديد من المجتمعات والدول التي تشهد توترات عرقية أو مذهبية دينية، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة،كيف تمكنت القوى اليمنية من استقطاب هذه الشريحة الواسعة وكسب تأييدها في موضوع بمثل تلك الحساسية؟وما هي الأسباب الحقيقية لذلك؟أهي أسباب دعائية سياسية أم هو ميل سلوكي اجتماعي سياسي ضد الإسلام أو المسلمين؟ وبالتالي هل أن الإسلام والمسلمين باتوا فيروسا سياسيا أو إرهابيا كما يحلو للبعض توصيفهم،وبالتالي وجوب التعامل مع الموضوع بأكثر جدية ورعاية وعناية.
لقد عانت بعض الدول الأوروبية العديد من مظاهر العداء لبعض القوميات والاتنيات وحتى للعقائد والسياسات،وكانت امرأ مستهجنا حتى في مجتمعاتها وبيئاتها الطبيعية وتمكنت بسهولة من استيعاب وتجاوز تداعياتها،فعلى سبيل المثال لا الحصر تنامي السلوك النازي في ألمانيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وكتلته،كذلك في النمسا وحتى في روسيا نفسها،لكن كانت بمعظمها تعبيرات عن عدم الرضا والاعتراض على وقائع اجتماعية اقتصادية أو حتى قومية عرقية ولم تكن على سبيل المثال دينية أو مذهبية.
ربما نجحت الأحزاب اليمنية المتطرفة في غير مكان من الدول في جعل الإسلام في عقول الغربيين، مرتعا لخيال خصب قوامه الإرهاب والتطرف،لكن الأخطر في الموضوع هو الانتقال من لصق الإرهاب والتطرف والتشدد من المسلمين كأفراد وجماعات إلى الدين ورموزه وشعائره ودلالاته، فمن الآيات الشيطانية إلى الصور الكاريكاتيرية إلى المآذن ، علاوة على الحجاب وحتى الأسماء،وصولا إلى محاكمة النيات ولا يعرف المسلم ماذا ينتظره كما لا يعرف كيف سيكون رد فعله، مجموعة هائلة من الأسئلة التي لا تنتهي فصولا .
إن رفض أربعة كانتونات من اصل ست وعشرين كانتونا،سيؤدي إلى تعديل المادة 72 من الدستور السويسري التي تحكم العلاقات بين الدولة والديانات. وسيدرج حظر بناء مآذن في الدستور على انه إجراء "يرمي إلى الحفاظ على السلام بين أفراد مختلف المجموعات الدينية"، فهل سيكون هذا الإجراء القادم على المجتمع السويسري إجراء موفقا أم سيكون الأمر مقدمة لأمور أخرى لم تكن في الحسبان كما جرى في العديد من الدول الأوروبية بعد انهيار الكتلة الاشتراكية؟ كما جرى في يوغسلافيا وتشيك سلوفاكيا وغيرهما.
إن انقلاب نتائج الاستطلاعات حول هذا الموضوع لهو مؤشر لافت ومخيف في آن معا،فقبل الاستفتاء أظهرت نتائج الاستطلاعات أن 53% سيكون ضد هذا الإجراء،فلماذا أتت نتيجة الاستطلاع معاكسة تماما،اهو دليل آخر على سرعة تأثر السويسري بالدعايات والإعلانات بصرف النظر عن صحتها أو دقتها، فعلا انه أمر محيّر وهذا ما يزيد الخوف من التداعيات المستقبلية في بلد حاول الحفاظ على حياده وسط أعاصير عاتية في قرون ماضية.
فهل ستتمكن بعض الأحزاب كحزب الخضر الطعن بالنتيجة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ لما يُعتبر انتهاكا للحرية الدينية التي كفلتها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؟ وإذا كان الأمر ممكنا فكيف ستؤول الأمور؟وهل سيمر هذا الإجراء بأقل الخسائر الممكنة في مجتمع معقد التركيبة الاجتماعية والسياسية وحتى الدستورية؟
لا شك ثمة أزمة كبيرة ومعقدة بين المجتمعات الغربية والمسلمين إن كانوا خارجها أم داخلها،والمشكلة الأكبر تبرز في غياب صوت العقل والكلمة والحوار لجلاء ما هو غير واضح أو دخيل على العلاقة المفترضة بين الأديان والحضارات والثقافات،كما ينبغي عدم دفن الرؤوس في الرمال بهدف التنصل من المسؤولية أو إحالتها على الغير،ثمة ضرورة ملحة بل أمر وشرط واجب لتصحيح الاعوجاج القائم نتحمله نحن العرب والمسلمين قبل غيرنا لدرء المخاطر عنا وعن عقائدنا ومفاهيمنا وتقاليدنا.
لقد خُلع على سويسرا لقب الريادة في السرية المصرفية،فنجحت بل برعت في الاحتفاظ بمخازن الأموال العربية والإسلامية،فهل ستتمكن من تجاوز أزمة المآذن لتحافظ على الخزائن؟ انه سؤال محيّر،لن يعرف غير السويسريين الإجابة عليه بوضوح!
29/11/2009
22/11/2009
21/11/2009
نتائج باردة لانتخابات في مناطق عربية ساخنة
نتائج باردة لانتخابات في مناطق عربية ساخنة
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
ربما يفسر استمرار النخب الحاكمة لسنوات طويلة دليلا على الاستقرار الذي تسعى إليه الدول والحكومات بهدف إيجاد بيئة ملائمة للتنمية وجذب الاستثمار. يعتبر ذلك صحيحا عندما يتم التجديد للنخبة الحاكمة عبر آليات طبيعية وانتخابات شعبية شفافة. لكن الأمر يختلف عندما يكون الاستمرار في الحكم نتيجة الاستخدام المفرط للقوة أو التلاعب بالرأي العام، ومنع التعبير عن المصالح الاجتماعية الحقيقية. وعند ذلك ينبغي الحديث عن أزمة تداول السلطة أو أزمة التداول على السلطة. وتعبر الأزمة عن إخفاق النظام في القيام بوظائفه، ما يؤدي إلى تفاقم التناقضات والنزاعات، واحتدام للصراعات العلنية أو الدفينة وراء الاستقرار الشكلي. وبقدر ما يصبح العنف المقنع أو المعلن الوسيلة الوحيدة للخروج من أزمة لا تسمح الطرق القانونية بالخروج منها، يذهب جميع أطراف النظام إلى تطوير التقنيات والآليات الموازية وغير الشفافة للسياسة، التي تعبر بشكل أو بآخر عن استمرار السياسة المحرمة سياسيا بوسائل أخرى غير طبيعية وغير سياسية وبالتالي غير عقلانية. ومن هذه البدائل الأسواق السوداء لسياسة النزعات الطائفية والعشائرية والدينية. فهذه هي الطريق الوحيدة التي تستطيع القوى الاجتماعية من خلالها أن تفرض دورها، وتضمن حضورها السياسي، واستمرارها في عالم الصراع الدموي، بهدف الحفاظ على النفوذ والبقاء في السلطة.
هكذا يحول الاستمرار في الحكم بالقوة أو استمرار حكم القوة الصراع الاجتماعي من صراع على تداول السلطة والمسؤولية إلى حرب مواقع ونفوذ داخل الفضاء الاجتماعي، يسعى من خلالها الطرف الحاكم إلى تأكيد حضوره ليس عن طريق ما يحققه من إنجازات للمجتمع، فهذا ممنوع عليه بسبب انشغاله بالحرب، ولكن من خلال انتصاره على الخصم. وبالمثل لا تستطيع المعارضة أو القوى المحرومة أن تعبِّر عن نفسها وتتجاوز تهميشها إلا من خلال ما يمكن أن تسببه من مشاكل، وتحمله من تهديدات للنظام. وهو ما يمكن أن نلحظه أيضا في مستوى العلاقات الدولية التي تسيطر عليها اليوم القوة الأميركية تجاه الأطراف الأخرى المهمشة أو التي تريد تهميشها.
وإذا كان هذا التوصيف ينطبق على حال دولنا العربية بخصائصها العامة،فإنه ينطبق أيضا وبشكل أكثر قسوة في بعض الساحات العربية الملتهبة،حيث يُستثمر أكثر من عامل في تهميش مطالب سياسية واجتماعية هي من ابسط حقوق الإنسان كالانتخابات وتداول السلطة في النظام السياسي عبر الأطر الدستورية والشرعية.
والمفارقة أن بعض هذه الساحات شهدت مطالبات لافتة بتعديلات دستورية وانتخابية بهدف إجراء انتخابات شفافة إن كانت تشريعية أو رئاسية، فاليمن شهد إجراء تعديلات على قانونه المتعلق بالانتخابات العامة والاستفتاء ، أما السودان فقد اعتمد مفوضية الدستور نظام انتخابي مختلط يمنح المرأة ربع الأصوات في البرلمان ، وفي العراق كانت مطالبات من نواب ونائبات لصياغة قانون انتخابي جديد بعيد عن المحاصصة الطائفية والعرقية،وفي لبنان الأمر عينه مع بعض الاختلافات البسيطة،أما في فلسطين فالأمر ليس مختلفا بالمطلق،ورغم ذلك لم تجرى الانتخابات التشريعية في أيا من هذه الدول سوى في لبنان رغم خصوصيتها وارتباطاتها بجوانب كثيرة ومتنوعة.
ففي السودان تبادلت الأحزاب السياسية الاتهامات بالتلاعب واسع النطاق في الآليات الانتخابية ذلك في أول انتخابات تتسم بالتعددية الحزبية التي ستشهدها البلاد منذ 24 عاما والمقررة في ابريل / نيسان 2010 .في وقت ظهرت أدلة واضحة على فراق متزايد بين الحزبين الرئيسيين في الائتلاف الحكومي السوداني واللذين كانا خاضا حربا أهلية استمرت عشرين عاما وانتهت بإبرام اتفاق للسلام عام 2005 .ورغم ذلك الحراك الداخلي بأدوات انتخابية يبدو أن إجرائها مرتبط بشكل أساسي بتداعيات أزمة دارفور،وربما تصل الأمور إلى اعتبارها استفتاءً على قضاياها في حال حصلت في موعدها المفترض.
وفي الوقت الذي كان اليمنيون يستعدون للاحتفال بمرور ستة عشر عاماً على إجراء أول انتخابات برلمانية في 27 نيسان / أبريل 1993، وهو الاحتفال الذي بدا مفرغاً من مضمونه بعد أن اتفق فرقاء العمل السياسي على تأجيل رابع انتخابات تشريعية مفترضة، كان مقرراً إجراؤها في 27 نيسان / ابريل 2009، والتمديد عامين إضافيين لمجلس النواب الحالي، الذي تسيطر عليه غالبية الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام)، بواقع 241 مقعداً من أصل 301 مقعد
وفي هذا الموعد الذي يسميه اليمنيون "يوم الديموقراطية"، لم يذهب الناخبون إلى صناديق الاقتراع كما كان مقرراً قانونياً ودستورياً، لأن إشكالات ومعوقات كثيرة وقفت في وجه التجربة الديموقراطية الناشئة في البلد، فحرمت المواطن اليمني هذا الحق، وشكلت في الوقت ذاته أزمة سياسية حادة أفضت بدورها إلى اتفاق التأجيل بين الأحزاب السياسية في نهاية شباط / فبراير ، ترجمه مجلس النواب بالتصويت على تعديل المادة (65) من الدستور بحيث تتيح تمريره حتى 27 نيسان / ابريل 2011.علاوة على ذلك فإن الأحداث الجارية بين السلطة والحوثيين تشكل مناسبة إضافية لتأجيل الانتخابات حتى في موعدها المرحّل أصلا.
وفي فلسطين،حيث أسباب الأزمة مزدوجة،الخلافات الفلسطينية الداخلية، وتداعيات السياسات الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية وشعبها وفصائلها.ففي انتخابات 2006 التي أجريت بإشراف ومراقبة دولية أميركية أوروبية لم تفعل فعلها الديموقراطي ذو الوجه الغربي بسبب فوز حركة حماس بالغالبية البرلمانية،وبدلا من أن تكون هذه السابقة في الحياة السياسية الفلسطينية نمطا يحتذى به،باتت نتائجها وبالا على السلطة والشعب وأثرت بشكل سلبي على مجريات ممارسة السلطة وآلياتها،وكانت أولى ضحاياها تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية وترحيلها أيضا إلى مواقيت ربما لن تحصل.
وفي العراق حيث أنجز القانون الانتخابي بعد مصاعب كثيرة ،رُحِّلت الانتخابات التشريعية أيضا إلى 21 كانون الثاني 2010 ، الموعد الذي اثر بعض التحفظات والذي يتزامن مع ذكرى عاشرواء، الأمر الذي اعتبره البعض عاملا سلبيا لجهة استغلال المناسبة في الحملات الدعائية والإعلانية،علاوة على ذلك ثمة ملاحظات كثيرة تطال آلية الانتخابات لجهة تمثيل المهجرين في الداخل والخارج الذي حددها القانون بـ 5% من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 320 عضوا،ما يشكل نسبة هزيلة مقارنة بأعدادهم البالغة أربعة ملايين من بينهم مليون عراقي يحق له الاقتراع والموزعين في غير بلد من العالم.وبصرف النظر عما إذا كانت ستجرى الانتخابات أم لا في موعدها المفترض ،فإن كثيرا من القضايا العراقية الهامة مرتبط بنتائجها وبتداعياتها،ومنها إعادة الانتشار الأمريكي والقضايا الأمنية ذات الصلة، علاوة على القضايا الاقتصادية ومنها النقط المغلف بالاتفاقية الأمنية.
أما لبنان الذي يعتبر ساحة الديموقراطية الأبرز في المنطقة العربية،فالانتخابات التشريعية التي جرت في حزيران 2009،ارتبطت بالعديد من الملفات الداخلية والخارجية،وجاءت نتائجها بخلاف ما هو متوقع لجهة الأحجام بين مختلف أطياف الشعب اللبناني. وإذا كانت الانتخابات التشريعية اللبنانية خالفت مثيلاتها بين البلدان العربية لجهة انجازها وعدم ترحيلها،فإن تداعياتها المباشرة وغير المباشرة أعادت تكريس سوابق لبنانية كثيرة لجهة إعادة إنتاج الزعامات المذهبية والطائفية نفسها،وأتت بنتائج معلبة لا تختلف بالمضمون مع أية انتخابات عربية أخرى.
ثمة مفارقات غريبة تحيط بالأمة العربية وبتطبيق نظمه الانتخابية حيث وجدت،والمفارقة الأبرز تكمن في تأجيج الصراعات الداخلية إما لترحيل الانتخابات إلى مواعيد ومواعيد لا تأتي في الغالب،وإما لإجرائها بعد التأكد من تداعيات الصراعات الداخلية على نتائجها لهذا الطرف أو ذاك،وفي كلا الحالين تكون الانتخابات بمثابة مصادرة الرأي العام واتجاهاته الحقيقية بأدوات وآليات ظاهرها دستوري شرعي وباطنها تسووي وقهري.
فالتدقيق في السلوك السياسي للقيادات السياسية العربية وبخاصة في الساحات الملتهبة سياسيا وأمنيا، تبرز العديد من المظاهر أهمها:
- أن لا دستور وقوانين تحكم العلاقة الواجب إتباعها بين الحاكمين والمحكومين،وجل ما يظهر محاولات خجولة للإيهام بأن متغيرات قد حصلت من وراء انتخابات يفترض أنها تمّت بأدوات وآليات شرعية.
- ثمة عداوة واضحة في الذاكرة الجماعية للنخب الحاكمة وبين مبدأ تداول السلطة.فثمة دساتير وقوانين تنظم العمليات الانتخابية بدقة لا تضاهيها أرقى النظم الديموقراطية،إلا أن إجرائها أو التلاعب فيها مرتبط بذهنية النخب الحاكمة،ومن السهل أن تجد مسؤولين منتخبين لمدى الحياة وكأن القاعدة باتت أن النظم الرئاسية الديموقراطية هي ملكية توارثية حتى ولو لبست لبوس الانتخابات الشعبية،وكل ما يخالفها هو استثناء عارض.
- والظاهرة اللافتة حديثا ظهور ما يسمى بديموقراطية الرقابة الأجنبية للانتخابات،حيث باتت موضة رائجة في معظم العمليات الانتخابية العربية ،إذ باتت تشكل غطاءً ممتازا لنتائج متوقعة أو غير متوقعة,واللافت أيضا أن النتائج إذا ما أتت بما لا تشتهي سفن السلطة سرعان ما تتنصل منها وتخلق الذرائع والمبررات لعدم الالتزام بها.
نفتقد الكثير، كما يلزمنا الكثير الكثير لنمارس ابسط حقوقنا في بلداننا العربية،ولا يستقيم الوضع إلا بجملة إجراءات سياسية اجتماعية ودستورية قانونية من بينها:
- التشديد على أهمية ظاهرة التوسع في إجراء الانتخابات وضرورة استمرارها، بصرف النظر عمّا يحيط بها من شوائب ونواقص وانتهاكات.
- وجوب خلق بيئة سياسية وأمنية واجتماعية مواتية، تسمح بحرية الرأي والتنظيم والاجتماع، بيئة تقوم على التعددية السياسية والفكرية.
- وجوب أن تكفل التشريعات والسياسات المتبعة، حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام باعتبارها تجسيدا لحق شعوبنا في المعرفة، وتوطئة لتعزيز قدرتها على المشاركة الفاعلة.
- وجوب احترام القواعد الدستورية الأساسية والأعراف والتقاليد المتصلة بالفصل بين السلطات، وتعزيز سلطة القضاء واستقلاليته وضمان نزاهته، تجسيدا لسيادة القانون والمساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص بينهم.
- التأكيد على مركزية مفهوم المواطنة كمصدر أساس للحقوق والواجبات.
- ضرورة رفع قبضة الأجهزة الأمنية عن الحياة العامة، وإفساح المجال أمام المجتمع المدني للقيام بدوره، وتعزيز دور الأحزاب السياسية.
- وجوب إبلاء قوانين الانتخابات أهمية كبيرة باعتباره حجر الأساس هيكلية قوانين العمل الوطني والسياسي العام، وباعتباره الوسيلة لتجديد النخب السياسية وإعادة تجديدها، ومدخلا للتداول على السلطة بين الأقلية والأغلبية البرلمانية.
- اعتماد أنظمة انتخابية تكفل أوسع مشاركة وأفضل تمثيل للشعب، أنظمة تقوم على مبدأ المساواة بين المواطنين.
- إنشاء مفوضيات لجان وطنية مركزية مستقلة للانتخابات، تشرف عليها من ألفها إلى يائها، على أن تتمتع بالنزاهة والحيدة والاستقلالية، وأن تكون لها الصلاحيات الكامل لقمع المخالفة ووقف المخالفين.
- تنظيم عمليات الرقابة المحلية،وتعزيز دور القضاء الإشرافي على الانتخابات.
وعلى أمل أن يأتي العام 2010 الذي ازدحم بوعود الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية،لا يأمل المواطن العربي إلا أن يعزي نفسه بالقول، كل انتخابات ونحن وانتم بخير.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
ربما يفسر استمرار النخب الحاكمة لسنوات طويلة دليلا على الاستقرار الذي تسعى إليه الدول والحكومات بهدف إيجاد بيئة ملائمة للتنمية وجذب الاستثمار. يعتبر ذلك صحيحا عندما يتم التجديد للنخبة الحاكمة عبر آليات طبيعية وانتخابات شعبية شفافة. لكن الأمر يختلف عندما يكون الاستمرار في الحكم نتيجة الاستخدام المفرط للقوة أو التلاعب بالرأي العام، ومنع التعبير عن المصالح الاجتماعية الحقيقية. وعند ذلك ينبغي الحديث عن أزمة تداول السلطة أو أزمة التداول على السلطة. وتعبر الأزمة عن إخفاق النظام في القيام بوظائفه، ما يؤدي إلى تفاقم التناقضات والنزاعات، واحتدام للصراعات العلنية أو الدفينة وراء الاستقرار الشكلي. وبقدر ما يصبح العنف المقنع أو المعلن الوسيلة الوحيدة للخروج من أزمة لا تسمح الطرق القانونية بالخروج منها، يذهب جميع أطراف النظام إلى تطوير التقنيات والآليات الموازية وغير الشفافة للسياسة، التي تعبر بشكل أو بآخر عن استمرار السياسة المحرمة سياسيا بوسائل أخرى غير طبيعية وغير سياسية وبالتالي غير عقلانية. ومن هذه البدائل الأسواق السوداء لسياسة النزعات الطائفية والعشائرية والدينية. فهذه هي الطريق الوحيدة التي تستطيع القوى الاجتماعية من خلالها أن تفرض دورها، وتضمن حضورها السياسي، واستمرارها في عالم الصراع الدموي، بهدف الحفاظ على النفوذ والبقاء في السلطة.
هكذا يحول الاستمرار في الحكم بالقوة أو استمرار حكم القوة الصراع الاجتماعي من صراع على تداول السلطة والمسؤولية إلى حرب مواقع ونفوذ داخل الفضاء الاجتماعي، يسعى من خلالها الطرف الحاكم إلى تأكيد حضوره ليس عن طريق ما يحققه من إنجازات للمجتمع، فهذا ممنوع عليه بسبب انشغاله بالحرب، ولكن من خلال انتصاره على الخصم. وبالمثل لا تستطيع المعارضة أو القوى المحرومة أن تعبِّر عن نفسها وتتجاوز تهميشها إلا من خلال ما يمكن أن تسببه من مشاكل، وتحمله من تهديدات للنظام. وهو ما يمكن أن نلحظه أيضا في مستوى العلاقات الدولية التي تسيطر عليها اليوم القوة الأميركية تجاه الأطراف الأخرى المهمشة أو التي تريد تهميشها.
وإذا كان هذا التوصيف ينطبق على حال دولنا العربية بخصائصها العامة،فإنه ينطبق أيضا وبشكل أكثر قسوة في بعض الساحات العربية الملتهبة،حيث يُستثمر أكثر من عامل في تهميش مطالب سياسية واجتماعية هي من ابسط حقوق الإنسان كالانتخابات وتداول السلطة في النظام السياسي عبر الأطر الدستورية والشرعية.
والمفارقة أن بعض هذه الساحات شهدت مطالبات لافتة بتعديلات دستورية وانتخابية بهدف إجراء انتخابات شفافة إن كانت تشريعية أو رئاسية، فاليمن شهد إجراء تعديلات على قانونه المتعلق بالانتخابات العامة والاستفتاء ، أما السودان فقد اعتمد مفوضية الدستور نظام انتخابي مختلط يمنح المرأة ربع الأصوات في البرلمان ، وفي العراق كانت مطالبات من نواب ونائبات لصياغة قانون انتخابي جديد بعيد عن المحاصصة الطائفية والعرقية،وفي لبنان الأمر عينه مع بعض الاختلافات البسيطة،أما في فلسطين فالأمر ليس مختلفا بالمطلق،ورغم ذلك لم تجرى الانتخابات التشريعية في أيا من هذه الدول سوى في لبنان رغم خصوصيتها وارتباطاتها بجوانب كثيرة ومتنوعة.
ففي السودان تبادلت الأحزاب السياسية الاتهامات بالتلاعب واسع النطاق في الآليات الانتخابية ذلك في أول انتخابات تتسم بالتعددية الحزبية التي ستشهدها البلاد منذ 24 عاما والمقررة في ابريل / نيسان 2010 .في وقت ظهرت أدلة واضحة على فراق متزايد بين الحزبين الرئيسيين في الائتلاف الحكومي السوداني واللذين كانا خاضا حربا أهلية استمرت عشرين عاما وانتهت بإبرام اتفاق للسلام عام 2005 .ورغم ذلك الحراك الداخلي بأدوات انتخابية يبدو أن إجرائها مرتبط بشكل أساسي بتداعيات أزمة دارفور،وربما تصل الأمور إلى اعتبارها استفتاءً على قضاياها في حال حصلت في موعدها المفترض.
وفي الوقت الذي كان اليمنيون يستعدون للاحتفال بمرور ستة عشر عاماً على إجراء أول انتخابات برلمانية في 27 نيسان / أبريل 1993، وهو الاحتفال الذي بدا مفرغاً من مضمونه بعد أن اتفق فرقاء العمل السياسي على تأجيل رابع انتخابات تشريعية مفترضة، كان مقرراً إجراؤها في 27 نيسان / ابريل 2009، والتمديد عامين إضافيين لمجلس النواب الحالي، الذي تسيطر عليه غالبية الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام)، بواقع 241 مقعداً من أصل 301 مقعد
وفي هذا الموعد الذي يسميه اليمنيون "يوم الديموقراطية"، لم يذهب الناخبون إلى صناديق الاقتراع كما كان مقرراً قانونياً ودستورياً، لأن إشكالات ومعوقات كثيرة وقفت في وجه التجربة الديموقراطية الناشئة في البلد، فحرمت المواطن اليمني هذا الحق، وشكلت في الوقت ذاته أزمة سياسية حادة أفضت بدورها إلى اتفاق التأجيل بين الأحزاب السياسية في نهاية شباط / فبراير ، ترجمه مجلس النواب بالتصويت على تعديل المادة (65) من الدستور بحيث تتيح تمريره حتى 27 نيسان / ابريل 2011.علاوة على ذلك فإن الأحداث الجارية بين السلطة والحوثيين تشكل مناسبة إضافية لتأجيل الانتخابات حتى في موعدها المرحّل أصلا.
وفي فلسطين،حيث أسباب الأزمة مزدوجة،الخلافات الفلسطينية الداخلية، وتداعيات السياسات الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية وشعبها وفصائلها.ففي انتخابات 2006 التي أجريت بإشراف ومراقبة دولية أميركية أوروبية لم تفعل فعلها الديموقراطي ذو الوجه الغربي بسبب فوز حركة حماس بالغالبية البرلمانية،وبدلا من أن تكون هذه السابقة في الحياة السياسية الفلسطينية نمطا يحتذى به،باتت نتائجها وبالا على السلطة والشعب وأثرت بشكل سلبي على مجريات ممارسة السلطة وآلياتها،وكانت أولى ضحاياها تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية وترحيلها أيضا إلى مواقيت ربما لن تحصل.
وفي العراق حيث أنجز القانون الانتخابي بعد مصاعب كثيرة ،رُحِّلت الانتخابات التشريعية أيضا إلى 21 كانون الثاني 2010 ، الموعد الذي اثر بعض التحفظات والذي يتزامن مع ذكرى عاشرواء، الأمر الذي اعتبره البعض عاملا سلبيا لجهة استغلال المناسبة في الحملات الدعائية والإعلانية،علاوة على ذلك ثمة ملاحظات كثيرة تطال آلية الانتخابات لجهة تمثيل المهجرين في الداخل والخارج الذي حددها القانون بـ 5% من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 320 عضوا،ما يشكل نسبة هزيلة مقارنة بأعدادهم البالغة أربعة ملايين من بينهم مليون عراقي يحق له الاقتراع والموزعين في غير بلد من العالم.وبصرف النظر عما إذا كانت ستجرى الانتخابات أم لا في موعدها المفترض ،فإن كثيرا من القضايا العراقية الهامة مرتبط بنتائجها وبتداعياتها،ومنها إعادة الانتشار الأمريكي والقضايا الأمنية ذات الصلة، علاوة على القضايا الاقتصادية ومنها النقط المغلف بالاتفاقية الأمنية.
أما لبنان الذي يعتبر ساحة الديموقراطية الأبرز في المنطقة العربية،فالانتخابات التشريعية التي جرت في حزيران 2009،ارتبطت بالعديد من الملفات الداخلية والخارجية،وجاءت نتائجها بخلاف ما هو متوقع لجهة الأحجام بين مختلف أطياف الشعب اللبناني. وإذا كانت الانتخابات التشريعية اللبنانية خالفت مثيلاتها بين البلدان العربية لجهة انجازها وعدم ترحيلها،فإن تداعياتها المباشرة وغير المباشرة أعادت تكريس سوابق لبنانية كثيرة لجهة إعادة إنتاج الزعامات المذهبية والطائفية نفسها،وأتت بنتائج معلبة لا تختلف بالمضمون مع أية انتخابات عربية أخرى.
ثمة مفارقات غريبة تحيط بالأمة العربية وبتطبيق نظمه الانتخابية حيث وجدت،والمفارقة الأبرز تكمن في تأجيج الصراعات الداخلية إما لترحيل الانتخابات إلى مواعيد ومواعيد لا تأتي في الغالب،وإما لإجرائها بعد التأكد من تداعيات الصراعات الداخلية على نتائجها لهذا الطرف أو ذاك،وفي كلا الحالين تكون الانتخابات بمثابة مصادرة الرأي العام واتجاهاته الحقيقية بأدوات وآليات ظاهرها دستوري شرعي وباطنها تسووي وقهري.
فالتدقيق في السلوك السياسي للقيادات السياسية العربية وبخاصة في الساحات الملتهبة سياسيا وأمنيا، تبرز العديد من المظاهر أهمها:
- أن لا دستور وقوانين تحكم العلاقة الواجب إتباعها بين الحاكمين والمحكومين،وجل ما يظهر محاولات خجولة للإيهام بأن متغيرات قد حصلت من وراء انتخابات يفترض أنها تمّت بأدوات وآليات شرعية.
- ثمة عداوة واضحة في الذاكرة الجماعية للنخب الحاكمة وبين مبدأ تداول السلطة.فثمة دساتير وقوانين تنظم العمليات الانتخابية بدقة لا تضاهيها أرقى النظم الديموقراطية،إلا أن إجرائها أو التلاعب فيها مرتبط بذهنية النخب الحاكمة،ومن السهل أن تجد مسؤولين منتخبين لمدى الحياة وكأن القاعدة باتت أن النظم الرئاسية الديموقراطية هي ملكية توارثية حتى ولو لبست لبوس الانتخابات الشعبية،وكل ما يخالفها هو استثناء عارض.
- والظاهرة اللافتة حديثا ظهور ما يسمى بديموقراطية الرقابة الأجنبية للانتخابات،حيث باتت موضة رائجة في معظم العمليات الانتخابية العربية ،إذ باتت تشكل غطاءً ممتازا لنتائج متوقعة أو غير متوقعة,واللافت أيضا أن النتائج إذا ما أتت بما لا تشتهي سفن السلطة سرعان ما تتنصل منها وتخلق الذرائع والمبررات لعدم الالتزام بها.
نفتقد الكثير، كما يلزمنا الكثير الكثير لنمارس ابسط حقوقنا في بلداننا العربية،ولا يستقيم الوضع إلا بجملة إجراءات سياسية اجتماعية ودستورية قانونية من بينها:
- التشديد على أهمية ظاهرة التوسع في إجراء الانتخابات وضرورة استمرارها، بصرف النظر عمّا يحيط بها من شوائب ونواقص وانتهاكات.
- وجوب خلق بيئة سياسية وأمنية واجتماعية مواتية، تسمح بحرية الرأي والتنظيم والاجتماع، بيئة تقوم على التعددية السياسية والفكرية.
- وجوب أن تكفل التشريعات والسياسات المتبعة، حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام باعتبارها تجسيدا لحق شعوبنا في المعرفة، وتوطئة لتعزيز قدرتها على المشاركة الفاعلة.
- وجوب احترام القواعد الدستورية الأساسية والأعراف والتقاليد المتصلة بالفصل بين السلطات، وتعزيز سلطة القضاء واستقلاليته وضمان نزاهته، تجسيدا لسيادة القانون والمساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص بينهم.
- التأكيد على مركزية مفهوم المواطنة كمصدر أساس للحقوق والواجبات.
- ضرورة رفع قبضة الأجهزة الأمنية عن الحياة العامة، وإفساح المجال أمام المجتمع المدني للقيام بدوره، وتعزيز دور الأحزاب السياسية.
- وجوب إبلاء قوانين الانتخابات أهمية كبيرة باعتباره حجر الأساس هيكلية قوانين العمل الوطني والسياسي العام، وباعتباره الوسيلة لتجديد النخب السياسية وإعادة تجديدها، ومدخلا للتداول على السلطة بين الأقلية والأغلبية البرلمانية.
- اعتماد أنظمة انتخابية تكفل أوسع مشاركة وأفضل تمثيل للشعب، أنظمة تقوم على مبدأ المساواة بين المواطنين.
- إنشاء مفوضيات لجان وطنية مركزية مستقلة للانتخابات، تشرف عليها من ألفها إلى يائها، على أن تتمتع بالنزاهة والحيدة والاستقلالية، وأن تكون لها الصلاحيات الكامل لقمع المخالفة ووقف المخالفين.
- تنظيم عمليات الرقابة المحلية،وتعزيز دور القضاء الإشرافي على الانتخابات.
وعلى أمل أن يأتي العام 2010 الذي ازدحم بوعود الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية،لا يأمل المواطن العربي إلا أن يعزي نفسه بالقول، كل انتخابات ونحن وانتم بخير.
التسميات:
الدراسات القانونية,
قضايا عربية
17/11/2009
مستقبل الحوار الأمريكي السوري وآفاقه
مستقبل الحوار الأمريكي السوري وآفاقه
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
ربما تعتبر الرسالة الأقوى التي وجهها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الولايات المتحدة،في بداية زيارته الأخيرة لباريس،بأن على فرنسا أن تتحرك سريعا في موضوع السلام في الشرق الأوسط،هي رسالة سورية واضحة الأبعاد والخلفيات،إذ أقرنها الرئيس السوري،بحالة الإحباط نتيجة السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي،باراك اوباما، منذ توليه الرئاسة.
صحيح أن الحوار الأمريكي السوري قد انطلق،لكن يستلزم المزيد من الدفع،باعتبار أن العوامل المؤثرة فيه هي كثيرة ومعقدة، فالرئيس باراك اوباما الذي فتح كوة لافتة في كيفية التعاطي مع دمشق ،عبر سياسة الحوار وتفكيك الألغام التي زرعها سلفه جورج بوش، لم تثمر حتى الآن سوى المزيد من الغموض رغم بعض النجاحات من هنا أو هناك،إلا أن المعوَّل عليه لم يظهر بعد، رغم السُلف السياسية التي قدمتها دمشق في غير ملف.
فخلال أقل من سنة زار دمشق سبعة وفود أمريكية كان أبرزها زيارات جورج ميتشل المكلف بملف تخصيب عملية التسوية في الشرق الأوسط، إلا أن بمجملها لم تنتج أمرا يصرف في السياسة.فالتدقيق في مجمل التقاطعات الأمريكية السورية تفيد أن ثمة تركيزا أمريكيا على الملف العراقي الذي يعتبر أولوية أمريكية وسورية،وعلى الرغم من تحقيق الكثير الذي يمكن البناء عليه،إلا أن واشنطن لم تكتف بهذا الحد من الانجازات ،بل حاولت في فترة لاحقة إعادة خلط أوراق هذا الملف من بوابة تفجيرات بغداد التي ألصقت بدمشق والتي وصلت فيها الأمور بالمطالبة بإنشاء محكمة دولية لذلك،وكأنها محكمة موازية أو بديلة عن المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشأت لأهداف وأغراض متشابه.
والأمر الأشد غرابة أو بالأحرى الأشد استخفافا بالعقول،ما حاولت واشنطن المضي به تلميحا وتصريحا، أن الحراك السياسي والدبلوماسي لعملية التسوية في المنطقة هدفها إبعاد سوريا عن إيران،بصرف النظر عن النتائج المحتملة لهذا الحراك. فيما الموقف السوري الذي يدرك ويفهم جيدا كيفية التعاطي الأمريكي في مثل هذه الملفات استفاد عمليا من الفجوة التي اخترقها في جدار العزلة الذي حيك حولها طوال إدارة جورج بوش.
ثمة قسم من الإستراتيجيين الأميركيين، ذوي التأثير المهم في الإدارة الحالية، يرى أن سوريا تمثل الدولة المحور في دعم وتعزيز التأثير الإيراني في لبنان والأراضي الفلسطينية، وإحدى الآليات التي يطرحها هؤلاء تشجيع ودعم المفاوضات السورية الإسرائيلية لإبعاد سوريا عن إيران، الأمر الذي سيؤدي إلى تهديد الوضع الإيراني في المنطقة، وما يحفز على تلك الرغبة التي يبديها الرئيس بشار الأسد في الانفتاح على الغرب والدول العربية المعتدلة عبر التسوية السلمية مع إسرائيل، لكن هل تكفي الرغبة وحدها لإنجاز التقارب مع أميركا ووصول الحوار إلى أفق أفضل؟ من الواضح أن الإدارة الأميركية تريد أكثر من الرغبة التي يجب أن ترافقها أمور عدة، أبرزها أن يرافق التسوية السلمية، الصعبة أساسًا، اصطفاف سوري واضح مع أميركا وإسرائيل والغرب عمومًا في موقفهم الموحّد من إيران الحليف الإستراتيجي لسوريا. وتتأتى هذه الحقيقة من نظرة أميركا نفسها لموقفها في الحوار، فهي لا تراه من زاوية خسارتها للمواجهة في الشرق الأوسط، وبالتالي بات يتطلب منها تقديم تنازلات لأطراف معينة، بل يعتقد فريق مهم في إدارة أوباما، أن على دمشق أن تقدم تنازلات معينة ليصار إلى انخراطها وقبولها في المجتمع الدولي.
في المقابل سوريا في مرحلة الترقّب وجمع الأوراق في انتظار المآل الذي ستصل إليه المنطقة في المرحلة القادمة، وإذا كانت دمشق تنظر بكلتا عينيها إلى البيت الأبيض ومستقبل العلاقات السورية الأميركية، فإنها تمسك بكلتا يديها أوراق القوى التي جمعتها والتي أتاحت لها فرصة الخروج من الحصار الذي فُرِضَ عليها بعد احتلال العراق واغتيال الحريري إلى الانفتاح على الإقليم وبعض المراكز الدولية.
إن الوصول إلى نتائج ذات قيمة عملية في الحوار الأميركي السوري، أمر مرتبط بمستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية ، باعتبار أن دمشق بحسب القراءة الأميركية هي جزء من المشكلة الإيرانية، وتسير توجهات واشنطن باتجاه تركيب عناصر الصورة الكاملة للشرق الأوسط، وهي عناصر لا تتوقف عند سوريا أو الحوار معها، ولكن تشمل اللاعبين المؤثرين الآخرين وفي مقدمتهم إيران، حيث يشكل العامل الإيراني عاملاً ضاغطًا على إدارة الرئيس باراك اوباما، وللتدليل على ذلك يلاحظ أن ثمة استعجال واضح لدى إدارة اوباما لمحاولة إيجاد صيغة ما للتعامل مع الوضع الإيراني دون إهمال أي خيار ممكن. وفي هذا الإطار يتعامل بعض سياسيي واشنطن مع الحوار مع سوريا باعتباره أحد الخيارات المهمة لإضعاف إيران..
إن مفارقة العلاقات الأمريكية السورية أنها لم تأخذ شكلا مستقرا أو واضحا يمكن الركون أو الاعتماد عليه في تفسير الكثير من المسائل الملحة ذات الصلة بجوهر ما يتقاطع أو يتباين بينهما. ومع ذلك لم تتمكن واشفطن من عدم الاعتراف بالدور المركزي الذي يمكن أن تلعبه سوريا في الكثير من الملفات الشائكة في المنطقة. ففي أكثر الفترات حراجة بين الدولتين ظلّت واشنطن تواقة للإبقاء على خيوط ولو دقيقة للبناء عليها،في المقابل أتقنت دمشق الاستفادة من سياسة حفة الهاوية وسياسة هضم المراحل في محاولة لتحسين ظروف التفاوض في ملفات تعتبرها إستراتيجية بالنسبة إليها.
ثمة لقاءان رئاسيان جمعا سوريا والولايات المتحدة، وفي كلا اللقاءان لم يكونا في واشنطن،الأول في جنيف والثاني في دمشق،فهل سيكسر الرئيس السوري بشار الأسد هذه السابقة التي كرّسها والده في طبيعة العلاقة وحدودها؟ أم أن ظروفا كثيرة قد تغيرت؟الواضح أن الانفتاح السوري غربا ومن البوابة الفرنسية تحديدا لا ينبئ بجديد في مستوى الحوار أو العلاقات بين البلدين، إذ أن اختيار الرئيس بشار الأسد باريس لإطلاق ما يشبه صفارة الإنذار وبالتحديد ملفات السلام في المنطقة لهو دليل واضح أن الإحباط السوري من المواقف الأمريكية قد بدا يأخذ مناحي أخرى.فمستقبل العلاقة بين البلدين مرهون بملفات إستراتيجية كبيرة ومعقدة عمرها من عمر الكيانات السياسية في المنطقة،ومن الصعب الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الحالية ستسهم بشكل واضح في تحسين ظروف وشروط تطوير وتحسين العلاقات بين البلدين.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
ربما تعتبر الرسالة الأقوى التي وجهها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الولايات المتحدة،في بداية زيارته الأخيرة لباريس،بأن على فرنسا أن تتحرك سريعا في موضوع السلام في الشرق الأوسط،هي رسالة سورية واضحة الأبعاد والخلفيات،إذ أقرنها الرئيس السوري،بحالة الإحباط نتيجة السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي،باراك اوباما، منذ توليه الرئاسة.
صحيح أن الحوار الأمريكي السوري قد انطلق،لكن يستلزم المزيد من الدفع،باعتبار أن العوامل المؤثرة فيه هي كثيرة ومعقدة، فالرئيس باراك اوباما الذي فتح كوة لافتة في كيفية التعاطي مع دمشق ،عبر سياسة الحوار وتفكيك الألغام التي زرعها سلفه جورج بوش، لم تثمر حتى الآن سوى المزيد من الغموض رغم بعض النجاحات من هنا أو هناك،إلا أن المعوَّل عليه لم يظهر بعد، رغم السُلف السياسية التي قدمتها دمشق في غير ملف.
فخلال أقل من سنة زار دمشق سبعة وفود أمريكية كان أبرزها زيارات جورج ميتشل المكلف بملف تخصيب عملية التسوية في الشرق الأوسط، إلا أن بمجملها لم تنتج أمرا يصرف في السياسة.فالتدقيق في مجمل التقاطعات الأمريكية السورية تفيد أن ثمة تركيزا أمريكيا على الملف العراقي الذي يعتبر أولوية أمريكية وسورية،وعلى الرغم من تحقيق الكثير الذي يمكن البناء عليه،إلا أن واشنطن لم تكتف بهذا الحد من الانجازات ،بل حاولت في فترة لاحقة إعادة خلط أوراق هذا الملف من بوابة تفجيرات بغداد التي ألصقت بدمشق والتي وصلت فيها الأمور بالمطالبة بإنشاء محكمة دولية لذلك،وكأنها محكمة موازية أو بديلة عن المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشأت لأهداف وأغراض متشابه.
والأمر الأشد غرابة أو بالأحرى الأشد استخفافا بالعقول،ما حاولت واشنطن المضي به تلميحا وتصريحا، أن الحراك السياسي والدبلوماسي لعملية التسوية في المنطقة هدفها إبعاد سوريا عن إيران،بصرف النظر عن النتائج المحتملة لهذا الحراك. فيما الموقف السوري الذي يدرك ويفهم جيدا كيفية التعاطي الأمريكي في مثل هذه الملفات استفاد عمليا من الفجوة التي اخترقها في جدار العزلة الذي حيك حولها طوال إدارة جورج بوش.
ثمة قسم من الإستراتيجيين الأميركيين، ذوي التأثير المهم في الإدارة الحالية، يرى أن سوريا تمثل الدولة المحور في دعم وتعزيز التأثير الإيراني في لبنان والأراضي الفلسطينية، وإحدى الآليات التي يطرحها هؤلاء تشجيع ودعم المفاوضات السورية الإسرائيلية لإبعاد سوريا عن إيران، الأمر الذي سيؤدي إلى تهديد الوضع الإيراني في المنطقة، وما يحفز على تلك الرغبة التي يبديها الرئيس بشار الأسد في الانفتاح على الغرب والدول العربية المعتدلة عبر التسوية السلمية مع إسرائيل، لكن هل تكفي الرغبة وحدها لإنجاز التقارب مع أميركا ووصول الحوار إلى أفق أفضل؟ من الواضح أن الإدارة الأميركية تريد أكثر من الرغبة التي يجب أن ترافقها أمور عدة، أبرزها أن يرافق التسوية السلمية، الصعبة أساسًا، اصطفاف سوري واضح مع أميركا وإسرائيل والغرب عمومًا في موقفهم الموحّد من إيران الحليف الإستراتيجي لسوريا. وتتأتى هذه الحقيقة من نظرة أميركا نفسها لموقفها في الحوار، فهي لا تراه من زاوية خسارتها للمواجهة في الشرق الأوسط، وبالتالي بات يتطلب منها تقديم تنازلات لأطراف معينة، بل يعتقد فريق مهم في إدارة أوباما، أن على دمشق أن تقدم تنازلات معينة ليصار إلى انخراطها وقبولها في المجتمع الدولي.
في المقابل سوريا في مرحلة الترقّب وجمع الأوراق في انتظار المآل الذي ستصل إليه المنطقة في المرحلة القادمة، وإذا كانت دمشق تنظر بكلتا عينيها إلى البيت الأبيض ومستقبل العلاقات السورية الأميركية، فإنها تمسك بكلتا يديها أوراق القوى التي جمعتها والتي أتاحت لها فرصة الخروج من الحصار الذي فُرِضَ عليها بعد احتلال العراق واغتيال الحريري إلى الانفتاح على الإقليم وبعض المراكز الدولية.
إن الوصول إلى نتائج ذات قيمة عملية في الحوار الأميركي السوري، أمر مرتبط بمستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية ، باعتبار أن دمشق بحسب القراءة الأميركية هي جزء من المشكلة الإيرانية، وتسير توجهات واشنطن باتجاه تركيب عناصر الصورة الكاملة للشرق الأوسط، وهي عناصر لا تتوقف عند سوريا أو الحوار معها، ولكن تشمل اللاعبين المؤثرين الآخرين وفي مقدمتهم إيران، حيث يشكل العامل الإيراني عاملاً ضاغطًا على إدارة الرئيس باراك اوباما، وللتدليل على ذلك يلاحظ أن ثمة استعجال واضح لدى إدارة اوباما لمحاولة إيجاد صيغة ما للتعامل مع الوضع الإيراني دون إهمال أي خيار ممكن. وفي هذا الإطار يتعامل بعض سياسيي واشنطن مع الحوار مع سوريا باعتباره أحد الخيارات المهمة لإضعاف إيران..
إن مفارقة العلاقات الأمريكية السورية أنها لم تأخذ شكلا مستقرا أو واضحا يمكن الركون أو الاعتماد عليه في تفسير الكثير من المسائل الملحة ذات الصلة بجوهر ما يتقاطع أو يتباين بينهما. ومع ذلك لم تتمكن واشفطن من عدم الاعتراف بالدور المركزي الذي يمكن أن تلعبه سوريا في الكثير من الملفات الشائكة في المنطقة. ففي أكثر الفترات حراجة بين الدولتين ظلّت واشنطن تواقة للإبقاء على خيوط ولو دقيقة للبناء عليها،في المقابل أتقنت دمشق الاستفادة من سياسة حفة الهاوية وسياسة هضم المراحل في محاولة لتحسين ظروف التفاوض في ملفات تعتبرها إستراتيجية بالنسبة إليها.
ثمة لقاءان رئاسيان جمعا سوريا والولايات المتحدة، وفي كلا اللقاءان لم يكونا في واشنطن،الأول في جنيف والثاني في دمشق،فهل سيكسر الرئيس السوري بشار الأسد هذه السابقة التي كرّسها والده في طبيعة العلاقة وحدودها؟ أم أن ظروفا كثيرة قد تغيرت؟الواضح أن الانفتاح السوري غربا ومن البوابة الفرنسية تحديدا لا ينبئ بجديد في مستوى الحوار أو العلاقات بين البلدين، إذ أن اختيار الرئيس بشار الأسد باريس لإطلاق ما يشبه صفارة الإنذار وبالتحديد ملفات السلام في المنطقة لهو دليل واضح أن الإحباط السوري من المواقف الأمريكية قد بدا يأخذ مناحي أخرى.فمستقبل العلاقة بين البلدين مرهون بملفات إستراتيجية كبيرة ومعقدة عمرها من عمر الكيانات السياسية في المنطقة،ومن الصعب الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الحالية ستسهم بشكل واضح في تحسين ظروف وشروط تطوير وتحسين العلاقات بين البلدين.
التسميات:
دول العالم,
قضايا دولية,
قضايا عربية
15/11/2009
مستقبل الحوار الأمريكي السوري وآفاقه
مستقبل الحوار الأمريكي السوري وآفاقه
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
ربما تعتبر الرسالة الأقوى التي وجهها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الولايات المتحدة،في بداية زيارته الأخيرة لباريس،بأن على فرنسا أن تتحرك سريعا في موضوع السلام في الشرق الأوسط،هي رسالة سورية واضحة الأبعاد والخلفيات،إذ أقرنها الرئيس السوري،بحالة الإحباط نتيجة السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي،باراك اوباما، منذ توليه الرئاسة.
صحيح أن الحوار الأمريكي السوري قد انطلق،لكن يستلزم المزيد من الدفع،باعتبار أن العوامل المؤثرة فيه هي كثيرة ومعقدة، فالرئيس باراك اوباما الذي فتح كوة لافتة في كيفية التعاطي مع دمشق ،عبر سياسة الحوار وتفكيك الألغام التي زرعها سلفه جورج بوش، لم تثمر حتى الآن سوى المزيد من الغموض رغم بعض النجاحات من هنا أو هناك،إلا أن المعوَّل عليه لم يظهر بعد، رغم السُلف السياسية التي قدمتها دمشق في غير ملف.
فخلال أقل من سنة زار دمشق سبعة وفود أمريكية كان أبرزها زيارات جورج ميتشل المكلف بملف تخصيب عملية التسوية في الشرق الأوسط، إلا أن بمجملها لم تنتج أمرا يصرف في السياسة.فالتدقيق في مجمل التقاطعات الأمريكية السورية تفيد أن ثمة تركيزا أمريكيا على الملف العراقي الذي يعتبر أولوية أمريكية وسورية،وعلى الرغم من تحقيق الكثير الذي يمكن البناء عليه،إلا أن واشنطن لم تكتف بهذا الحد من الانجازات ،بل حاولت في فترة لاحقة إعادة خلط أوراق هذا الملف من بوابة تفجيرات بغداد التي ألصقت بدمشق والتي وصلت فيها الأمور بالمطالبة بإنشاء محكمة دولية لذلك،وكأنها محكمة موازية أو بديلة عن المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشأت لأهداف وأغراض متشابه.
والأمر الأشد غرابة أو بالأحرى الأشد استخفافا بالعقول،ما حاولت واشنطن المضي به تلميحا وتصريحا، أن الحراك السياسي والدبلوماسي لعملية التسوية في المنطقة هدفها إبعاد سوريا عن إيران،بصرف النظر عن النتائج المحتملة لهذا الحراك. فيما الموقف السوري الذي يدرك ويفهم جيدا كيفية التعاطي الأمريكي في مثل هذه الملفات استفاد عمليا من الفجوة التي اخترقها في جدار العزلة الذي حيك حولها طوال إدارة جورج بوش.
ثمة قسم من الإستراتيجيين الأميركيين، ذوي التأثير المهم في الإدارة الحالية، يرى أن سوريا تمثل الدولة المحور في دعم وتعزيز التأثير الإيراني في لبنان والأراضي الفلسطينية، وإحدى الآليات التي يطرحها هؤلاء تشجيع ودعم المفاوضات السورية الإسرائيلية لإبعاد سوريا عن إيران، الأمر الذي سيؤدي إلى تهديد الوضع الإيراني في المنطقة، وما يحفز على تلك الرغبة التي يبديها الرئيس بشار الأسد في الانفتاح على الغرب والدول العربية المعتدلة عبر التسوية السلمية مع إسرائيل، لكن هل تكفي الرغبة وحدها لإنجاز التقارب مع أميركا ووصول الحوار إلى أفق أفضل؟ من الواضح أن الإدارة الأميركية تريد أكثر من الرغبة التي يجب أن ترافقها أمور عدة، أبرزها أن يرافق التسوية السلمية، الصعبة أساسًا، اصطفاف سوري واضح مع أميركا وإسرائيل والغرب عمومًا في موقفهم الموحّد من إيران الحليف الإستراتيجي لسوريا. وتتأتى هذه الحقيقة من نظرة أميركا نفسها لموقفها في الحوار، فهي لا تراه من زاوية خسارتها للمواجهة في الشرق الأوسط، وبالتالي بات يتطلب منها تقديم تنازلات لأطراف معينة، بل يعتقد فريق مهم في إدارة أوباما، أن على دمشق أن تقدم تنازلات معينة ليصار إلى انخراطها وقبولها في المجتمع الدولي.
في المقابل سوريا في مرحلة الترقّب وجمع الأوراق في انتظار المآل الذي ستصل إليه المنطقة في المرحلة القادمة، وإذا كانت دمشق تنظر بكلتا عينيها إلى البيت الأبيض ومستقبل العلاقات السورية الأميركية، فإنها تمسك بكلتا يديها أوراق القوى التي جمعتها والتي أتاحت لها فرصة الخروج من الحصار الذي فُرِضَ عليها بعد احتلال العراق واغتيال الحريري إلى الانفتاح على الإقليم وبعض المراكز الدولية.
إن الوصول إلى نتائج ذات قيمة عملية في الحوار الأميركي السوري، أمر مرتبط بمستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية ، باعتبار أن دمشق بحسب القراءة الأميركية هي جزء من المشكلة الإيرانية، وتسير توجهات واشنطن باتجاه تركيب عناصر الصورة الكاملة للشرق الأوسط، وهي عناصر لا تتوقف عند سوريا أو الحوار معها، ولكن تشمل اللاعبين المؤثرين الآخرين وفي مقدمتهم إيران، حيث يشكل العامل الإيراني عاملاً ضاغطًا على إدارة الرئيس باراك اوباما، وللتدليل على ذلك يلاحظ أن ثمة استعجال واضح لدى إدارة اوباما لمحاولة إيجاد صيغة ما للتعامل مع الوضع الإيراني دون إهمال أي خيار ممكن. وفي هذا الإطار يتعامل بعض سياسيي واشنطن مع الحوار مع سوريا باعتباره أحد الخيارات المهمة لإضعاف إيران..
إن مفارقة العلاقات الأمريكية السورية أنها لم تأخذ شكلا مستقرا أو واضحا يمكن الركون أو الاعتماد عليه في تفسير الكثير من المسائل الملحة ذات الصلة بجوهر ما يتقاطع أو يتباين بينهما. ومع ذلك لم تتمكن واشفطن من عدم الاعتراف بالدور المركزي الذي يمكن أن تلعبه سوريا في الكثير من الملفات الشائكة في المنطقة. ففي أكثر الفترات حراجة بين الدولتين ظلّت واشنطن تواقة للإبقاء على خيوط ولو دقيقة للبناء عليها،في المقابل أتقنت دمشق الاستفادة من سياسة حفة الهاوية وسياسة هضم المراحل في محاولة لتحسين ظروف التفاوض في ملفات تعتبرها إستراتيجية بالنسبة إليها.
ثمة لقاءان رئاسيان جمعا سوريا والولايات المتحدة، وفي كلا اللقاءان لم يكونا في واشنطن،الأول في جنيف والثاني في دمشق،فهل سيكسر الرئيس السوري بشار الأسد هذه السابقة التي كرّسها والده في طبيعة العلاقة وحدودها؟ أم أن ظروفا كثيرة قد تغيرت؟الواضح أن الانفتاح السوري غربا ومن البوابة الفرنسية تحديدا لا ينبئ بجديد في مستوى الحوار أو العلاقات بين البلدين، إذ أن اختيار الرئيس بشار الأسد باريس لإطلاق ما يشبه صفارة الإنذار وبالتحديد ملفات السلام في المنطقة لهو دليل واضح أن الإحباط السوري من المواقف الأمريكية قد بدا يأخذ مناحي أخرى.فمستقبل العلاقة بين البلدين مرهون بملفات إستراتيجية كبيرة ومعقدة عمرها من عمر الكيانات السياسية في المنطقة،ومن الصعب الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الحالية ستسهم بشكل واضح في تحسين ظروف وشروط تطوير وتحسين العلاقات بين البلدين.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
ربما تعتبر الرسالة الأقوى التي وجهها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الولايات المتحدة،في بداية زيارته الأخيرة لباريس،بأن على فرنسا أن تتحرك سريعا في موضوع السلام في الشرق الأوسط،هي رسالة سورية واضحة الأبعاد والخلفيات،إذ أقرنها الرئيس السوري،بحالة الإحباط نتيجة السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي،باراك اوباما، منذ توليه الرئاسة.
صحيح أن الحوار الأمريكي السوري قد انطلق،لكن يستلزم المزيد من الدفع،باعتبار أن العوامل المؤثرة فيه هي كثيرة ومعقدة، فالرئيس باراك اوباما الذي فتح كوة لافتة في كيفية التعاطي مع دمشق ،عبر سياسة الحوار وتفكيك الألغام التي زرعها سلفه جورج بوش، لم تثمر حتى الآن سوى المزيد من الغموض رغم بعض النجاحات من هنا أو هناك،إلا أن المعوَّل عليه لم يظهر بعد، رغم السُلف السياسية التي قدمتها دمشق في غير ملف.
فخلال أقل من سنة زار دمشق سبعة وفود أمريكية كان أبرزها زيارات جورج ميتشل المكلف بملف تخصيب عملية التسوية في الشرق الأوسط، إلا أن بمجملها لم تنتج أمرا يصرف في السياسة.فالتدقيق في مجمل التقاطعات الأمريكية السورية تفيد أن ثمة تركيزا أمريكيا على الملف العراقي الذي يعتبر أولوية أمريكية وسورية،وعلى الرغم من تحقيق الكثير الذي يمكن البناء عليه،إلا أن واشنطن لم تكتف بهذا الحد من الانجازات ،بل حاولت في فترة لاحقة إعادة خلط أوراق هذا الملف من بوابة تفجيرات بغداد التي ألصقت بدمشق والتي وصلت فيها الأمور بالمطالبة بإنشاء محكمة دولية لذلك،وكأنها محكمة موازية أو بديلة عن المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشأت لأهداف وأغراض متشابه.
والأمر الأشد غرابة أو بالأحرى الأشد استخفافا بالعقول،ما حاولت واشنطن المضي به تلميحا وتصريحا، أن الحراك السياسي والدبلوماسي لعملية التسوية في المنطقة هدفها إبعاد سوريا عن إيران،بصرف النظر عن النتائج المحتملة لهذا الحراك. فيما الموقف السوري الذي يدرك ويفهم جيدا كيفية التعاطي الأمريكي في مثل هذه الملفات استفاد عمليا من الفجوة التي اخترقها في جدار العزلة الذي حيك حولها طوال إدارة جورج بوش.
ثمة قسم من الإستراتيجيين الأميركيين، ذوي التأثير المهم في الإدارة الحالية، يرى أن سوريا تمثل الدولة المحور في دعم وتعزيز التأثير الإيراني في لبنان والأراضي الفلسطينية، وإحدى الآليات التي يطرحها هؤلاء تشجيع ودعم المفاوضات السورية الإسرائيلية لإبعاد سوريا عن إيران، الأمر الذي سيؤدي إلى تهديد الوضع الإيراني في المنطقة، وما يحفز على تلك الرغبة التي يبديها الرئيس بشار الأسد في الانفتاح على الغرب والدول العربية المعتدلة عبر التسوية السلمية مع إسرائيل، لكن هل تكفي الرغبة وحدها لإنجاز التقارب مع أميركا ووصول الحوار إلى أفق أفضل؟ من الواضح أن الإدارة الأميركية تريد أكثر من الرغبة التي يجب أن ترافقها أمور عدة، أبرزها أن يرافق التسوية السلمية، الصعبة أساسًا، اصطفاف سوري واضح مع أميركا وإسرائيل والغرب عمومًا في موقفهم الموحّد من إيران الحليف الإستراتيجي لسوريا. وتتأتى هذه الحقيقة من نظرة أميركا نفسها لموقفها في الحوار، فهي لا تراه من زاوية خسارتها للمواجهة في الشرق الأوسط، وبالتالي بات يتطلب منها تقديم تنازلات لأطراف معينة، بل يعتقد فريق مهم في إدارة أوباما، أن على دمشق أن تقدم تنازلات معينة ليصار إلى انخراطها وقبولها في المجتمع الدولي.
في المقابل سوريا في مرحلة الترقّب وجمع الأوراق في انتظار المآل الذي ستصل إليه المنطقة في المرحلة القادمة، وإذا كانت دمشق تنظر بكلتا عينيها إلى البيت الأبيض ومستقبل العلاقات السورية الأميركية، فإنها تمسك بكلتا يديها أوراق القوى التي جمعتها والتي أتاحت لها فرصة الخروج من الحصار الذي فُرِضَ عليها بعد احتلال العراق واغتيال الحريري إلى الانفتاح على الإقليم وبعض المراكز الدولية.
إن الوصول إلى نتائج ذات قيمة عملية في الحوار الأميركي السوري، أمر مرتبط بمستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية ، باعتبار أن دمشق بحسب القراءة الأميركية هي جزء من المشكلة الإيرانية، وتسير توجهات واشنطن باتجاه تركيب عناصر الصورة الكاملة للشرق الأوسط، وهي عناصر لا تتوقف عند سوريا أو الحوار معها، ولكن تشمل اللاعبين المؤثرين الآخرين وفي مقدمتهم إيران، حيث يشكل العامل الإيراني عاملاً ضاغطًا على إدارة الرئيس باراك اوباما، وللتدليل على ذلك يلاحظ أن ثمة استعجال واضح لدى إدارة اوباما لمحاولة إيجاد صيغة ما للتعامل مع الوضع الإيراني دون إهمال أي خيار ممكن. وفي هذا الإطار يتعامل بعض سياسيي واشنطن مع الحوار مع سوريا باعتباره أحد الخيارات المهمة لإضعاف إيران..
إن مفارقة العلاقات الأمريكية السورية أنها لم تأخذ شكلا مستقرا أو واضحا يمكن الركون أو الاعتماد عليه في تفسير الكثير من المسائل الملحة ذات الصلة بجوهر ما يتقاطع أو يتباين بينهما. ومع ذلك لم تتمكن واشفطن من عدم الاعتراف بالدور المركزي الذي يمكن أن تلعبه سوريا في الكثير من الملفات الشائكة في المنطقة. ففي أكثر الفترات حراجة بين الدولتين ظلّت واشنطن تواقة للإبقاء على خيوط ولو دقيقة للبناء عليها،في المقابل أتقنت دمشق الاستفادة من سياسة حفة الهاوية وسياسة هضم المراحل في محاولة لتحسين ظروف التفاوض في ملفات تعتبرها إستراتيجية بالنسبة إليها.
ثمة لقاءان رئاسيان جمعا سوريا والولايات المتحدة، وفي كلا اللقاءان لم يكونا في واشنطن،الأول في جنيف والثاني في دمشق،فهل سيكسر الرئيس السوري بشار الأسد هذه السابقة التي كرّسها والده في طبيعة العلاقة وحدودها؟ أم أن ظروفا كثيرة قد تغيرت؟الواضح أن الانفتاح السوري غربا ومن البوابة الفرنسية تحديدا لا ينبئ بجديد في مستوى الحوار أو العلاقات بين البلدين، إذ أن اختيار الرئيس بشار الأسد باريس لإطلاق ما يشبه صفارة الإنذار وبالتحديد ملفات السلام في المنطقة لهو دليل واضح أن الإحباط السوري من المواقف الأمريكية قد بدا يأخذ مناحي أخرى.فمستقبل العلاقة بين البلدين مرهون بملفات إستراتيجية كبيرة ومعقدة عمرها من عمر الكيانات السياسية في المنطقة،ومن الصعب الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الحالية ستسهم بشكل واضح في تحسين ظروف وشروط تطوير وتحسين العلاقات بين البلدين.
02/11/2009
الأسد وساركوزي والقراءة في كتاب واحد
الأسد وساركوزي والقراءة في كتاب واحد
د.خليل حسين
أستاذ المنظمات والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.khalilhussein.blogspot.com
تأتي زيارة الرئيس السوري،بشار الأسد، في الثاني عشر من الشهر الحالي،في سياق سياسة خارجية سورية وفرنسية،بدأها الجانبان مؤخرا،بعد توتر في العلاقات كان سببها القرار الدولي 1559 المتعلق بلبنان.وفي واقع الأمر ارتدت العلاقة بين الجانبين لبوس الغموض والتوجّس في بعض الحالات التي دخل فيها أطراف آخرون على خط معالجة بعض القضايا ذات الصلة بالشؤون الإستراتيجية، أو التي تمسُّ مصالح البلدين بشكل مباشر. فالقراءة الدقيقة لبعض محطات العلاقة تظهر عددا من الأسباب والعوامل التي ساعدت في استقرارها أو تأزمها،فما هي هذه العوامل ؟وكيف تعاطى الطرفان معها؟وما هي الظروف المستجدّة التي ستظهّر نتائج الزيارة ؟
بالطبع ليست زيارة الرئيس بشار الأسد هي سابقة في نوعها أو توقيتها أو الأهداف المتوخاة منها،بل هي الرابعة؛ بدأها في العام 1999 قبل وصوله لسدّة الرئاسة، واتبعها بزيارتين رئاسيتين.وإذا كانت البداية في عهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك التي وصفت بأنها الإطلالة الدولية الأولى له، لم تستمر كما هدفت لها دمشق،نتيجة سياسات شيراك لاحقا ومضيه وراء السياسات الأميركية في الشرق الأوسط وبالتحديد القرار 1559 ، رغم محاولة التمايز الفرنسي آنذاك.
فسوريا التي حوصرت سياسيا في عهد الرئيس الأميركي،جورج بوش،تمكّنت فيما بعد من هضم سياسة العقوبات والتهميش، وفتحت كوة كبيرة في جدار سياسة العزل المفروضة عليها،عبر عدة وسائل واذرع في سياستها الخارجية؛الأمر الذي كان مؤشرا واضحا عرفت باريس كيف تتلقفها والبناء عليها.فكانت زيارة الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي لدمشق منعطفا لافتا لمستقبل العلاقات بين البلدين،فيما توجتها حضور الأسد لقمة دول الاتحاد من اجل المتوسط ، التي شهدت مواقف وإشارات واضحة في غير ملف من بينها الشراكة السورية الأوروبية ومتطلباتها.
وإذا كانت هذه المستجدات ، المنطلقات المبدئية لإعادة رسم صورة ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الجانبين، فإن عاملا آخرا يبدو مساعدا بل دافعا إضافيا لذلك، وهو رتابة الحوار الأميركي السوري وعدم تقدّمه كما رغب وأوحى به الرئيس باراك اوباما.فواشنطن التي لعبت دورا أساسيا في توتير العلاقة بين دمشق وباريس بعد احتلالها للعراق،عادت وضمن إستراتيجية خارجية وضعت سوريا في لائحة الدول التي يمكن الحوار معها لأهداف كثيرة ومتنوعة ليست بالضرورة مرتبطة بالمصالح المباشرة للبلدين،وانما لملفات لها علاقة بدول أخرى كالعراق ولبنان وغيرهما؛ورغم ذلك لم تقدم واشنطن الشيء العملي الذي يرضي سوريا ومن بينها ملفات الصراع العربي – "الإسرائيلي" وملفات السلام،واكتفت بمطالب ابتعادها عن طهران وما يرتبط به من قضايا،مقابل وعود السلام وسبع زيارات لوفود أميركية إلى دمشق لم تثمر شيئا يُصرف في السياسة.
في الواقع،ثمَّة رغبة فرنسية وسورية مشتركة لقيام علاقات متميّزة من منطلق مصالح متقاطعة في اغلب الأحيان والحالات. فمن حيث المبدأ لا زالت باريس تعتبر المشرق العربي حلما دفينا في سياستها الخارجية يصعب عليها تركه،وهي بالتالي تحتاج إلى موطئ قدم سياسي للعودة إلى الساحة الدولية من الأبواب المشرقية الفاعلة،فهي وإن لم تتمكن من الاستحواذ على ذلك عبر البوابة اللبنانية مباشرة،فهي تدرك أن مفتاح ذلك هو دمشق لا غيرها. في المقابل،إن عدم قدرة الولايات المتحدة على تقديم ولو القليل جعل من سوريا وبشكل دائم تواقة للبحث عن خيارات دولية أخرى فاعلة نسبيا للاتكاء عليها في حالات الضغوط والمطالب والمواقف الصعبة، وهي سياسة سورية مستقرة منذ بداية السبعينيات وقادها الرئيس الراحل حافظ الأسد،الذي ترجمها في زيارة دولة لباريس رغم ندرة زياراته الخارجية،التي أعطت انطباعا متمايزا لمستقبل العلاقات السورية الفرنسية آنذاك.
وإذا كان الإطار العام يبدو بهذا الشكل من تقاطع المصالح في الفترات السابقة،فثمة ملفات يمكن أن تلعب فيها دمشق دورا ما في هذه المرحلة،ومن هنا تأتي زيارة الرئيس بشار الأسد، في هذه المرحلة لتعطيها أبعادا إضافية ذات قيمة لبعض ملفات المنطقة.ومن بينها ملف البرنامج النووي الإيراني والتحفظ الإيراني على الدور الفرنسي في مشروع التخصيب الروسي الفرنسي المشترك. ومشروع تشكيل الحكومة اللبنانية،والوضع العراقي، إضافة إلى ملفات السلام وغيرها
ففي الوقت الذي لم تصل فيه محادثات فيينا بين إيران ومجوعة الستة وكذلك عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سوى لموافقة إيرانية مشروطة للتخصيب الخارجي مع التحفظ على الدور الفرنسي،يمكن لباريس استثمار الزيارة في هذا الملف عبر إمكانية وساطة سورية مع طهران لإيجاد مخارج لذلك،سيما وان إشارات متعددة أطلقت في السابق لهذه الخيارات.وفي واقع الأمر ورغم حساسية هذا الموضوع لطهران،فثمة مصالح إستراتيجية سورية إيرانية مشتركة تسمح لدمشق أمكانية الولوج في تلك المحاولات بصرف النظر عن حجم أو فاعلية التأثير ونهاياته المرجوة للأطراف.
وفي جانب آخر،تأتي الزيارة في وقت لا زالت الأطراف اللبنانية تتخبط بمحاولات تشكيل الحكومة منذ خمسة أشهر،وعلى الرغم من نفي علاقة الخارج بهذا الأمر ،إلا أن ثمة أمورا كثيرة يصعب استبعادها وبالتحديد في هذا الخصوص،وربما يأتي الطلب الفرنسي هذه المرة من سوريا بطريق مباشر لإقناع بعض اللبنانيين بتقديم تنازلات تسهِّل تشكيل الحكومة اللبنانية.
في مقابل ذلك، ثمَّة تصريحات للرئيس السوري في مجال مشاريع السلام لها دلالات لافتة أطلقها إبان زيارته لكرواتيا،من بينها أن سوريا تفتقد إلى الشريك الآخر للسلام في ظل حكومة نتنياهو،وبالتالي ليس بمقدور الولايات المتحدة تقديم شيء يذكر في هذا المجال ولو في حدود الرعاية ،أليست رسالة واضحة لواشنطن بعدم قدرتها على أن تكون راعية،وهل أن زيارة الأسد لباريس إشارة لمن يعنيهم الأمر للقيام بفعل ما في أجواء ضبابية تلف المنطقة برمتها.كما أن إشارة الرئيس السوري بشار الأسد، في إحدى تصريحاته الأخيرة،"بأن سوريا شعبيا ورسميا" مستعدة للسلام، هي سابقة في هذا المجال،لجهة ذكره أنَّ السلام هو مطلب شعبي وليس رسميا فقط ، فهل تتلقف باريس هذه الإشارة وتبني عليها؟
لقد اتكأت السياستان السورية والفرنسية على مصالح متقاطعة تكتيا واستراتيجيا،وتمكَّن كلا الطرفان من تحقيق مكاسب هامة في حالات كثيرة،فهل تعيد هذه الزيارة بناء ما تصدَّع في فترات سابقة، يبدو أن الطرفين بحاجة للقراءة في كتاب واحد بصرف النظر عن حجم الانجازات التي يمكن أن تتحقق،لكن الرغبة متوفرة لدى الطرفان بالتأكيد.فالرئيس ساركوزي علق آمالا كثيرة على السياسة الخارجية السورية بخاصة بعد خروجها من لبنان وهذا ما دفعه لزيارة دمشق في عز المحاولات الأميركية لعزلها ، الأمر الذي عرفت سوريا كيف تقرأه وتعيد إنتاجه في مواقف وسياسات اعتادت عليها ولو في أحلك الظروف.
د.خليل حسين
أستاذ المنظمات والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.khalilhussein.blogspot.com
تأتي زيارة الرئيس السوري،بشار الأسد، في الثاني عشر من الشهر الحالي،في سياق سياسة خارجية سورية وفرنسية،بدأها الجانبان مؤخرا،بعد توتر في العلاقات كان سببها القرار الدولي 1559 المتعلق بلبنان.وفي واقع الأمر ارتدت العلاقة بين الجانبين لبوس الغموض والتوجّس في بعض الحالات التي دخل فيها أطراف آخرون على خط معالجة بعض القضايا ذات الصلة بالشؤون الإستراتيجية، أو التي تمسُّ مصالح البلدين بشكل مباشر. فالقراءة الدقيقة لبعض محطات العلاقة تظهر عددا من الأسباب والعوامل التي ساعدت في استقرارها أو تأزمها،فما هي هذه العوامل ؟وكيف تعاطى الطرفان معها؟وما هي الظروف المستجدّة التي ستظهّر نتائج الزيارة ؟
بالطبع ليست زيارة الرئيس بشار الأسد هي سابقة في نوعها أو توقيتها أو الأهداف المتوخاة منها،بل هي الرابعة؛ بدأها في العام 1999 قبل وصوله لسدّة الرئاسة، واتبعها بزيارتين رئاسيتين.وإذا كانت البداية في عهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك التي وصفت بأنها الإطلالة الدولية الأولى له، لم تستمر كما هدفت لها دمشق،نتيجة سياسات شيراك لاحقا ومضيه وراء السياسات الأميركية في الشرق الأوسط وبالتحديد القرار 1559 ، رغم محاولة التمايز الفرنسي آنذاك.
فسوريا التي حوصرت سياسيا في عهد الرئيس الأميركي،جورج بوش،تمكّنت فيما بعد من هضم سياسة العقوبات والتهميش، وفتحت كوة كبيرة في جدار سياسة العزل المفروضة عليها،عبر عدة وسائل واذرع في سياستها الخارجية؛الأمر الذي كان مؤشرا واضحا عرفت باريس كيف تتلقفها والبناء عليها.فكانت زيارة الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي لدمشق منعطفا لافتا لمستقبل العلاقات بين البلدين،فيما توجتها حضور الأسد لقمة دول الاتحاد من اجل المتوسط ، التي شهدت مواقف وإشارات واضحة في غير ملف من بينها الشراكة السورية الأوروبية ومتطلباتها.
وإذا كانت هذه المستجدات ، المنطلقات المبدئية لإعادة رسم صورة ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الجانبين، فإن عاملا آخرا يبدو مساعدا بل دافعا إضافيا لذلك، وهو رتابة الحوار الأميركي السوري وعدم تقدّمه كما رغب وأوحى به الرئيس باراك اوباما.فواشنطن التي لعبت دورا أساسيا في توتير العلاقة بين دمشق وباريس بعد احتلالها للعراق،عادت وضمن إستراتيجية خارجية وضعت سوريا في لائحة الدول التي يمكن الحوار معها لأهداف كثيرة ومتنوعة ليست بالضرورة مرتبطة بالمصالح المباشرة للبلدين،وانما لملفات لها علاقة بدول أخرى كالعراق ولبنان وغيرهما؛ورغم ذلك لم تقدم واشنطن الشيء العملي الذي يرضي سوريا ومن بينها ملفات الصراع العربي – "الإسرائيلي" وملفات السلام،واكتفت بمطالب ابتعادها عن طهران وما يرتبط به من قضايا،مقابل وعود السلام وسبع زيارات لوفود أميركية إلى دمشق لم تثمر شيئا يُصرف في السياسة.
في الواقع،ثمَّة رغبة فرنسية وسورية مشتركة لقيام علاقات متميّزة من منطلق مصالح متقاطعة في اغلب الأحيان والحالات. فمن حيث المبدأ لا زالت باريس تعتبر المشرق العربي حلما دفينا في سياستها الخارجية يصعب عليها تركه،وهي بالتالي تحتاج إلى موطئ قدم سياسي للعودة إلى الساحة الدولية من الأبواب المشرقية الفاعلة،فهي وإن لم تتمكن من الاستحواذ على ذلك عبر البوابة اللبنانية مباشرة،فهي تدرك أن مفتاح ذلك هو دمشق لا غيرها. في المقابل،إن عدم قدرة الولايات المتحدة على تقديم ولو القليل جعل من سوريا وبشكل دائم تواقة للبحث عن خيارات دولية أخرى فاعلة نسبيا للاتكاء عليها في حالات الضغوط والمطالب والمواقف الصعبة، وهي سياسة سورية مستقرة منذ بداية السبعينيات وقادها الرئيس الراحل حافظ الأسد،الذي ترجمها في زيارة دولة لباريس رغم ندرة زياراته الخارجية،التي أعطت انطباعا متمايزا لمستقبل العلاقات السورية الفرنسية آنذاك.
وإذا كان الإطار العام يبدو بهذا الشكل من تقاطع المصالح في الفترات السابقة،فثمة ملفات يمكن أن تلعب فيها دمشق دورا ما في هذه المرحلة،ومن هنا تأتي زيارة الرئيس بشار الأسد، في هذه المرحلة لتعطيها أبعادا إضافية ذات قيمة لبعض ملفات المنطقة.ومن بينها ملف البرنامج النووي الإيراني والتحفظ الإيراني على الدور الفرنسي في مشروع التخصيب الروسي الفرنسي المشترك. ومشروع تشكيل الحكومة اللبنانية،والوضع العراقي، إضافة إلى ملفات السلام وغيرها
ففي الوقت الذي لم تصل فيه محادثات فيينا بين إيران ومجوعة الستة وكذلك عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سوى لموافقة إيرانية مشروطة للتخصيب الخارجي مع التحفظ على الدور الفرنسي،يمكن لباريس استثمار الزيارة في هذا الملف عبر إمكانية وساطة سورية مع طهران لإيجاد مخارج لذلك،سيما وان إشارات متعددة أطلقت في السابق لهذه الخيارات.وفي واقع الأمر ورغم حساسية هذا الموضوع لطهران،فثمة مصالح إستراتيجية سورية إيرانية مشتركة تسمح لدمشق أمكانية الولوج في تلك المحاولات بصرف النظر عن حجم أو فاعلية التأثير ونهاياته المرجوة للأطراف.
وفي جانب آخر،تأتي الزيارة في وقت لا زالت الأطراف اللبنانية تتخبط بمحاولات تشكيل الحكومة منذ خمسة أشهر،وعلى الرغم من نفي علاقة الخارج بهذا الأمر ،إلا أن ثمة أمورا كثيرة يصعب استبعادها وبالتحديد في هذا الخصوص،وربما يأتي الطلب الفرنسي هذه المرة من سوريا بطريق مباشر لإقناع بعض اللبنانيين بتقديم تنازلات تسهِّل تشكيل الحكومة اللبنانية.
في مقابل ذلك، ثمَّة تصريحات للرئيس السوري في مجال مشاريع السلام لها دلالات لافتة أطلقها إبان زيارته لكرواتيا،من بينها أن سوريا تفتقد إلى الشريك الآخر للسلام في ظل حكومة نتنياهو،وبالتالي ليس بمقدور الولايات المتحدة تقديم شيء يذكر في هذا المجال ولو في حدود الرعاية ،أليست رسالة واضحة لواشنطن بعدم قدرتها على أن تكون راعية،وهل أن زيارة الأسد لباريس إشارة لمن يعنيهم الأمر للقيام بفعل ما في أجواء ضبابية تلف المنطقة برمتها.كما أن إشارة الرئيس السوري بشار الأسد، في إحدى تصريحاته الأخيرة،"بأن سوريا شعبيا ورسميا" مستعدة للسلام، هي سابقة في هذا المجال،لجهة ذكره أنَّ السلام هو مطلب شعبي وليس رسميا فقط ، فهل تتلقف باريس هذه الإشارة وتبني عليها؟
لقد اتكأت السياستان السورية والفرنسية على مصالح متقاطعة تكتيا واستراتيجيا،وتمكَّن كلا الطرفان من تحقيق مكاسب هامة في حالات كثيرة،فهل تعيد هذه الزيارة بناء ما تصدَّع في فترات سابقة، يبدو أن الطرفين بحاجة للقراءة في كتاب واحد بصرف النظر عن حجم الانجازات التي يمكن أن تتحقق،لكن الرغبة متوفرة لدى الطرفان بالتأكيد.فالرئيس ساركوزي علق آمالا كثيرة على السياسة الخارجية السورية بخاصة بعد خروجها من لبنان وهذا ما دفعه لزيارة دمشق في عز المحاولات الأميركية لعزلها ، الأمر الذي عرفت سوريا كيف تقرأه وتعيد إنتاجه في مواقف وسياسات اعتادت عليها ولو في أحلك الظروف.
التسميات:
العلاقات الدولية,
قضايا عربية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)