28‏/10‏/2013

الدكتور خليل حسين يحاضر في الكلية الحربية حول الإرهاب وكيفية مواجهته

مجلة الجيش ،العدد 335 ، ايار 213                                                                                      

الدكتور خليل حسين يحاضر في الكلية الحربية حول الإرهاب وكيفية مواجهته
الإرهاب مشكلة العصر، وقد تعددت الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لمكافحته، لكن من دون الاتفاق على تحديده حتى الآن.
الدكتور خليل حسين تناول الإرهاب وأشكاله وواقع انتشاره وتأثيراته في محاضرة ألقاها في الكلية الحربية وحضرها قائد الكلية العميد الركن شربل الفغالي ممثلاً قائد الجيش، وضباط من مختلف قطع الجيش ووحداته، وتلامذة ضباط السنة الثالثة.
استهلّ المحاضر كلامه بالحديث عن جذور العنف وأصوله حيث عرفت المجتمعات البشرية ظاهرة العنف والتصارع على النفوذ والسلطة منذ أقدم العصور بأشكال مختلفة ومتعددة. فالبرديات المصرية القديمة تحدثت عن الصراع الدموي بين الكهنة بسبب التنافس على المناصب. كما سجل التاريخ صراعات كثيرة في المدن اليونانية القديمة وفي أوروبا خلال العصور الوسطى.
وفي تعريفه للإرهاب قال: الإرهاب ليس مجرد عمليات مثيرة، إنما هو نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي، وهو استخدام قد تمارسه الجماعات السياسية أو الحكومات بهدف التأثير في القرار السياسي لغيرها. مشيرًا إلى أنّ ثمة العديد من المشاكل التي تحيط بالمفهوم وتجعل من الصعب إيجاد تعريف محدد له. ومن أهم هذه المشاكل، تشعب ظاهرة الإرهاب وتعدد أشكاله وأهدافه ودوافعه، فضلاً عن ممارسات القوى الكبرى وبعض الدول التي تستخدمه أو تشجع عليه...
وتطرّق إلى التعريفات الموسوعية للإرهاب قبل أن ينتقل إلى واقع التنظيمات الإرهابية وانتشارها، حيث قال: ثمَّة العديد من الإحصائيات المتباينة حول انتشار المنظمات والجماعات الإرهابية في العالم، ويرجع ذلك إلى عدم وجود اتفاق دولي على تعريف المنظمات الإرهابية، حيث أنّ بعض الإحصائيات تعد المنظمات الثورية أو الجماعات التي تطالب بحق تقرير المصير من الجماعات والمنظمات الإرهابية.
وتناول أشكال الإرهاب المختلفة والعمليات الإرهابية التي تأثرت بتطور الوسائل المعتمدة لتنفيذها، من عمليات الاغتيال والقتل بالسيوف القصيرة إلى عمليات التفجير بالطائرات، مرورًا بأعمال الخطف واحتجاز الرهائن والتفجير بالعبوات الناسفة...
وأشار إلى انتشار الإرهاب بشكل واسع في العالم عمومًا وفي الشرق الأوسط خصوصًا، لأسباب عديدة أبرزها البيئة السياسية والواقع الجيوسياسي والصراع العربي - الاسرائيلي وصراعات ونزاعات أخرى، فضلًا عن البيئة الاجتماعية والتعدد القومي والديني، واستبداد النظم السياسية، وغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتهميش الاقتصادي والاجتماعي.
وحول تأثيرات الإرهاب على الشرق الأوسط، أشار إلى تفكك البنى السياسية للأنظمة وانهيارها وتقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ، وانتشار النزاعات الطائفية والإثنية، وانهيار النظم الثقافية والحضارية وزيادة مظاهر التخلف.

أما حول مكافحة الإرهاب، فاعتبر الدكتور حسين أنه لا يوجد اتفاق حول معنى مكافحة أو مواجهة أو منع الإرهاب، فكلها مفاهيم لم يتمَّ الاتفاق على تعريف محدد لها، وبالتالي لم يتم التوصل إلى اعتماد سبل موحدة للمواجهة وآلياتها وإستراتيجياتها وتكتيكاتها. وقال إنّ الحديث عن حل لمشكلة الإرهاب لا يعني القضاء عليه قضاءً تامًا وبصورة كاملة، فمثل هذا القول لا يعدو كونه فرضًا نظريًا بحتًا. وحلّ مشكلة الإرهاب يعني تحجيم الخطر الإرهابي وحصره في حدود دنيا بحيث لا يشكل تهديدًا لحياة الجماعة واستقرارها.
وقد تعدَّدت الجهود الدولية لمواجهة هذه الظاهرة، منها الجهود الفردية التي تبذلها كل دولة على حدة، والجهود المتعدِّدة الأطراف التي تقوم بها مجموعات إقليمية محددة، مثل الجهود العربية من خلال جامعة الدول العربية، والجهود الأوروبية في إطار الاتحاد الأوروبي، ثم الجهود الجماعية على المستوى العالمي من خلال منظومة الأمم المتحدة والقانون الدولي.
وختم الدكتور حسين بالتنويه بجهود المؤسسة العسكرية في مكافحة الإرهاب في لبنان.
في ختام المحاضرة، ألقى العميد الركن شربل الفغالي كلمةً باسم قائد الجيش شكر فيها الدكتور خليل حسين على محاضرته القيّمة، وقدم له درع الكلية الحربية.

التجسس ليس جديداً

التجسس ليس جديداً
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 28/110/2013
     
خليل حسين
رحم الله زمناً كانت تسمى فيه مهمة الدبلوماسي لدى الدول الأخرى بالجاسوس الرسمي المعتمد، نظراً لطبيعة مهامه التي تختصر بكتابة التقارير عن كل شاردة وواردة في الدولة المضيفة . اليوم أصبحت كتابة التقارير من مخلفات القرون الوسطى، إذ لجأت الدول أو الأصح بعضها القليل إلى التجسس عبر تكنولوجيا المعلومات، وصولاً إلى وسائل وأساليب يعجز العقل عن استيعابها بسهولة .
والتجسس في عالم العلاقات الدولية بات أمراً معتاداً وأصبح شبه مقبول، لكن غير المقبول بين الدول أن تتم حالات التجسس بين الحلفاء والشركاء أنفسهم، فماذا يعني ذلك؟ هل هي حرب ناعمة على الجميع من دون استثناء الحلفاء قبل الأعداء .
ما قامت به الوكالة الوطنية للاستخبارات الأمريكية لا يعتبر سابقة في هذا المجال تحديداً، فهي المرة الثانية التي يكشف فيها عن مثل تلك الأفعال، الأولى في يونيو/حزيران الماضي والثانية قبل أيام نفذتها ضد فرنسا وألمانيا، ما يعني أن الاحتجاج الفرنسي الأول لم يكن سوى زوبعة في فنجان العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبالتالي فإن واشنطن لم تقم ولن تقيم وزناً أو دوراً لحلفائها حتى في شؤونهم الخاصة التي لا علاقة لها في السياسة أو الأمن .
فالتجسس الذي شمل سبعين مليون مخابرة وتبادل معلومات عبر الإنترنت، تعني أنها شملت أشخاصاً لا يشكلون خطراً على الأمن القومي الأمريكي، فمن المفهوم أن عمليات التجسس تتم عادة على فئات محددة أو شرائح بعينها، فهل وصل الأمر بالاستخبارات الأمريكية أنها لم تعد تثق بأحد على الكوكب الذي نعيش فيه؟
والأمر لم يقتصر على الحليفة فرنسا وألمانيا، بل تعداها إلى حلفاء آخرين كالباكستان والهند وبعض الدول التي تصنف كأعداء مثل إيران التي تم تسجيل 14 مليار حالة اعتراض ضدها لرسائل ونصوص إلكترونية خلال شهر مارس/آذار الماضي أي في الفترة نفسها التي تمت فيها عمليات التجسس على فرنسا .
والمفارقة الأمريكية في هذا المجال أن عمليات التجسس وجمع المعلومات تتقاسمها الولايات المتحدة مع ثلاثة حلفاء استراتيجيين بالنسبة إليها هم ألمانيا وبريطانيا و”إسرائيل” . حيث توفر لهذه الأخيرة معلومات عن كل ما يدب على هذا الكوكب .
فمن المعلوم والمعروف، أن أبرز وسائل ثقل القوة أن تمتلك معلومات دقيقة عن خصمك، وليس بالضرورة امتلاك قدرات مادية تفوقه، وهذا ما تحاول تطبيقه الولايات المتحدة على حلفائها وأعدائها في آن معاً . وسر هذا التفوق في النجاح هو امتلاك العلم والتكنولوجيا التي باتت أمراً ضرورياً للعيش بكرامة .
لقد تمكنت وكالات الاستخبارات الأمريكية بكافة فروعها من تنظيم بيئة تكنولوجية فائقة الفعالية في اعتراض المكالمات الهاتفية ورسائل الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال، عبر برامج مثل “كي سكور” و”بريسم” ما يتيح لها تعداد الشهيق والزفير لكل حي على كوكبنا . وطبعاً إنها مقدرة لا عيب فيها، لكن العيب أن نقف مذهولين وحتى مشدوقين لما يجري حولنا
طبعاً ليست المرة الأولى ولا الثانية التي قامت بها الولايات المتحدة بالتجسس على غيرها، وطبعاً لن تكون الأخيرة ، لكن السؤال الذي ينبغي طرحه في هذا المجال هو، هل إن عظمة الدول وقدراتها المفرطة تجعل منها أسداً مجروحاً وبالتالي إيجاد الأعذار والمبررات لما تقوم به من أعمال تعتبر خروجاً على الشرعية الدولية وبخاصة ميثاق الأمم المتحدة .
والمفارقة الأغرب في سجل الولايات المتحدة أنها عممت هذا النوع من أسلوب العمل في التجسس الخارجي منذ العام ،2007 وفي الداخل الأمريكي منذ العام 2001 بعد تفجير البرجين، حيث بات المواطن الأمريكي خاضعاً لشتى صنوف الرقابة بما فيها تعداد دقات القلب في الدقيقة الواحدة! في المحصلة إنها تطبيق عملي لنظرية الحرب الناعمة التي ابتدعها المفكر الأمريكي جوزف ناي، وهي أن تكسب المعركة بصفر خسائر، إنها عمليات التجسس على الحلفاء قبل الأعداء . فأين نحن العرب من كل ذلك المعلوم قبل المجهول؟ هم يتجسسون لرقي شعوبهم ونحن نتجسس لتدمير شعوبنا، فعلاً إنها مفارقة .

22‏/10‏/2013

دلالات الاعتذار عن عضوية مجلس الأمن3
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 22/10/2013
خليل حسين


في المبدأ تتسابق الدول على نسج التحالفات بهدف الفوز بعضوية جهاز من أجهزة الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن، لما له من دور فاعل ومقرر في الكثير من القضايا الدولية . والمفارقة أنه لم يسبق لدولة عضو في الأمم المتحدة، أن اعتذرت عن عضوية مجلس الأمن، ما يعني أن ثمة حالة اعتراض قوية على سياسات متبعة في المجلس نفسه تجاه قضايا استراتيجية، أو أن ثمة اعتراضاً على سياسات تتبعها إحدى الدول الدائمة العضوية في المجلس .
ولو أردنا التدقيق في مواقف الدول تجاه أداء مجلس الأمن في معالجة الكثير من القضايا الدولية، لوجدنا أن ثمة كماً هائلاً من الملاحظات الجوهرية التي تبديها تجاه السلوك السياسي المتبع في معالجة بعض القضايا الدولية المزمنة، ومرد ذلك إلى طبيعة الصلاحيات المعطاة للمجلس ولطبيعة النفوذ والسطوة التي تتعامل بها الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس في سياق التعاطي مع القضايا المطروحة، وبالتالي طبيعة القرارات التي يتخذها المجلس .
لقد ضجت المنتديات الدولية بالعديد من مشاريع الإصلاح التي استهدفت تحسين أداء الأمم المتحدة ومجلس الأمن بخاصة، إلا أن تركيبة النظام الدولي الذي ساد أعقاب الحرب العالمية الثانية وكذلك بعيد إنهيار الاتحاد السوفييتي، لم يكونا عاملين مساعدين لتطوير أسلوب عمل المنظمة الدولية، بل ساعدا بشكل أو بآخر في زيادة منسوب الاستغلال السياسي والعسكري لحق النقض الفيتو الذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى، وبالتالي المزيد من المعاناة للدول الأخرى التي كانت ديكوراً سياسياً لتجميل وتحسين صورة بعض القرارات الدولية .
والمفارقة في هذا المجال، اعتذار المملكة العربية السعودية عن قبول العضوية غير الدائمة في المجلس بعد انتخابها، والتي شكلت سابقة دولية في الأمم المتحدة لما لها من دلالات رمزية في هذا الاتجاه . وقد أتى هذا الموقف تعبيراً عن حالة اعتراض معلنة في بعض الجوانب من بينها المواقف المتعلقة بالقضية الفلسطينية وغيرها من المسائل العربية ذات الصلة بالصراع العربي “الإسرائيلي”، وكذلك طريقة مقاربة مجلس الأمن للأزمة السورية .
صحيح أن ثمة حالات كثيرة من التململ والتبرّم التي تبديها الدول العربية في مقاربتها للسلوك السياسي الذي ينتهجه مجلس الأمن في تعاطيه مع القضايا العربية، إلا أن تسجيل حالة الاعتراض في هذا التوقيت بالذات، له من الدلالات المهمة لاسيما أن المملكة لها من الثقل السياسي الإقليمي الذي لا يمكن تجاهله، وبخاصة السلوك الأمريكي في إدارة ملفات بعض أزمات المنطقة .
وبصرف النظر عن تداعيات هذا القرار على الوضع العربي في مجلس الأمن لاسيما أن المملكة انتخبت كممثل للمجموعة العربية، فإن هذه الخطوة ستثير جدلاً كبيراً في المحافل الدولية، بخاصة أن المنطقة مقبلة على جملة من الاستحقاقات المتعلقة بالأزمات القائمة حالياً، ومنها ملف المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية”، وملف مؤتمر جنيف 2 بخصوص الأزمة السورية . ومن هذا المنطلق يبدو أن
غياب طرف عربي فاعل عن هذا المحفل الدولي بالذات سيرخي بظلال كثيفة على كيفية التعاطي مع القضايا المطروحة أمامه .
إن تسجيل الموقف بطريق الاعتذار عن العضوية، يشكل صدمة سياسية بالغة الدلالات للولايات المتحدة الأمريكية بالنظر للعلاقات التي تربط كل من الرياض وواشنطن، وهي من الصدمات التي ينبغي الاستفادة منها، أقله تحفيز الولايات المتحدة وغيرها على تغيير أساليب التعاطي مع القضايا العربية في مجلس الأمن، علاوة على وجوب إعادة هيكلة علاقات واشنطن بالدول العربية في هذه الفترة بالذات بعد التحولات التي شهدتها أكثر من ساحة عربية .
ثمة اعتقاد شائع أن الأمم المتحدة لم تتمكن في كثير من الحالات من تقديم الجديد لأزمات العرب ومشاكلهم، بل ثمة من يقول إنها تسببت في نشوء العديد من الأزمات غير القابلة للحل، إلا أن تركيبة النظام الدولي القائم تظهر أن الأمم المتحدة قضاء لا مفر منه، وينبغي التعاطي معه كجزء من واقع دولي بصرف النظر عن منسوب الرضا أو الاعتراض على سلوكها وأدائها . فالأمم المتحدة منذ نشأتها قبل ثمانية وستين عاماً كانت محصلة لتوازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي اليوم انعكاس لواقع دولي لايزال يتشكل أو يحاول تثبيت صورة جديدة له . فهل سابقة الاعتذار عن عضوية مجلس الأمن تشكل صدمة يمكن أن تفعل فعلها في دوائر السياسات الدولية وبالتحديد الأمم المتحدة؟ إنه أمر مشكوك فيه حتى الآن!

21‏/10‏/2013

قراءة متأخرة في وثائق "إسرائيلية"

قراءة متأخرة في وثائق "إسرائيلية"
شرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 13/10/2013
     
خليل حسين
الشائع لدى القيادات “الإسرائيلية” أن العرب لا يقرأون، وإن قرأوا لا يدققون ولا يستفيدون من العبر . ربما يصح ذلك في بعض المواقع والظروف . لكن ما تكشّف من وثائق “إسرائيلية” عن حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 يدعونا نحن العرب للتفكر والتدبر في بعض الأمور، ليس خوفاً من تأكيد المؤكد، بل أخذ العبر قبل فوات الأوان .

في أدبياتنا السياسية عن الهزائم والانتصارات في معاركنا مع “إسرائيل” الكثير من المفردات والمصطلحات البراقة والقليل من العبر، إذا وجدت . تغنينا بانتصار أكتوبر (حرب تشرين) وفي الواقع كان الأمر يستحق ذلك حتى قبيل وقف إطلاق النار، لكن انقلاب الأمور رأساً على عقب لم يوقظ العرب إلا بعد فوات الأوان . تمكنت “إسرائيل” بعد وقت قليل من استيعاب الصدمة وتحويل الهزيمة إلى نصر سياسي موصوف، سحبت مصر من دائرة الصراع عبر كامب ديفيد، وجلبت جميع العرب إلى مفاوضات السلام الموعود .
اليوم، وبعد أربعين عاماً ثمة قراءة “إسرائيلية” لما جرى في الساعات الأولى للمعركة وما تبعها، أخرجت وثائق عسكرية واستخباراتية ذات دلالات خاصة، في الشكل تظهر القيادة العسكرية وعلى رأسها وزير الدفاع آنذاك موشى دايان المحرّض الأول على استعمال السلاح النووي ضد العرب ووقف وراءه قيادة الأركان، في وقت كانت القيادة السياسية بشخص رئيسة الوزراء غولدا مائير معارضة مع بعض التردد . ماذا يعني ذلك؟
في الواقع ثمة مبدأ أساسي حرصت “إسرائيل” على التعامل به مع العرب وغيرهم، خاصة الملف النووي، وهو سياسية الغموض . فهي لم تنكر امتلاكها هذا السلاح ولم تنف ذلك، وبين التأكيد والنفي ظل العرب يقدّرون ويعدّون هذا السلاح، ولم يفكروا يوماً في معادلة استراتيجية لمواجهته، إما بالمثل أو إيجاد بدائل ممكنة التحقق .
اليوم، تعلن “إسرائيل” صراحة ومن دون أي لبس، ليس امتلاكها السلاح النووي فقط، بل كيفية عرض العضلات السياسية والعسكرية لاستعماله لدى وجود أي تهديد وجودي أو كياني . وبصرف النظر عن وصول هذا التهديد في العام 1973 لهذا المستوى أم لا، فمجرد التفكير فيه من قبل القيادة العسكرية  السياسية فهو أمر موضوع على الطاولة، وحاضر للاستعمال، بصرف النظر أيضاً عمن يدعم أو يعارض، فالمسألة في استعماله مرتبطة بمستوى التهديد، وليس في أصل استعماله من عدمه .
ما يمكن استخلاصه من الوثائق “الإسرائيلية” العديد من الأمور، أولاً تخلي “إسرائيل” عن سياسة الغموض في برنامجها النووي . وثانياً أن “إسرائيل” لم، ولن تتردد في استعماله وهو أمر واضح ومعروف . وثالثاً هي رسالة واضحة الأبعاد والمعالم والتداعيات في زمن التحولات العربية وما أصاب بعض البلدان من إجبار على التخلي عن برامجها التسلحية غير التقليدية . ومحاولة حث العرب على التفكّر والتدبّر لما وصلوا إليه لحثهم أيضاً على المزيد من التنازلات المجانية .
وإن لم نكن في موقع أو موضع القادر على فرض الشروط أو اجتراح الحلول، هناك فرصة عربية يمكن الاستفادة منها وهي السعي إلى استثمار هذا الاعتراف وتحويله إلى مضبطة اتهام بحق “إسرائيل” . فالاعتراف “الإسرائيلي” الرسمي يمكن المضي به إلى نهاياته عبر المؤسسات الدولية ذات الصلة كالوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى بيئة المعاهدات الدولية ذات الصلة بمنع انتشار واستخدام السلاح غير التقليدي .
لقد غالت انظمتنا العربية كثيراً وتفننت بابتداع شعارات المواجهة مع “إسرائيل”، واستعانت بحجة ذلك على قمع شعوبها، وفي النهاية خسرت تأييد شعوبها ووقفت عاجزة عن مواجهة “إسرائيل”، بل أجهضت مشاريعها منذ البداية كنموذج العراق وسوريا، وتوِّجت بتدمير هذه الأنظمة تمهيداً لتفتيت شعوبها .
اليوم، أكدت “إسرائيل” المؤكد، في وقت بدأنا قراءة وثائق عمرها من عمر انتصار لم يكتمل، فهل بلغنا سن الرشد والفهم لما نقرأ أو نسمع؟ يبدو أن العرب مصّرون على ما هم فيه!

                   

10‏/10‏/2013

حسن احمد / أثر الانقلابات العسكرية في مسار العلاقات العراقية – السورية

اسم الطالب :حسن أحمد
عنوان الرسالة: أثر الانقلابات العسكرية في مسار العلاقات العراقية – السورية
الشهادة الممنوحة:  درجة الماجستير في العلوم السياسية
تاريخ المناقشة: 7-10-2013
 
تعتبر ثنائية العلاقات العراقية – السورية واحدةً من أبرز العلاقات العربية الثنائية بشكل عام والمشرقية منها بوجه خاص إثارةً للجدل. ولطالما كانت هذه العلاقات شديدة التقلب بين الدفء العارم (الذي وصل بالبلدين أحياناً كثيرة إلى حدود الوحدة الشاملة أو الجزئية) والعداوة السافرة (التي كادت أن تقود إلى الحرب بينهما في أكثر من مناسبة)، ناهيك عما بين الدرجتين من تعاون وعداء وتبادل وتخطيط لانقلابات متبادلة، وتوقيع اتفاقيات استراتيجية، ودعم لا محدود لقوى المعارضة المسلحة أحياناً لدى الطرفين. ورغم توالي سقوط وقيام الأنظمة لدى الطرفين فان ذلك لم يغير من تقلبات العلاقات المتطرفة بينهما، كاسرين بذلك نظرية عداء الانظمة ذات الايديولوجيات المتشابهة في محاولة لتفسير حالة العداء المزمن بين بغداد ودمشق زمن البعث في كلا.
تكمن فرضية البحث الاساسية بنظر الطالب في محاولة إثبات أن التغيرات اللا ديمقراطية في أنظمة البلدين كانت هي الحائل الأول، ليس دون قيام الوحدة بينهما فحسب، بل كذلك دون قيام أسس العلاقات الثنائية الناجحة بينهما. وتساءل الطالب عبر اشكالية البحث عدة اسئلة من بينها: كيف يمكن أن تتغير آلية العلاقات السورية – العراقية المتقلبة بقيام أنظمة ديمقراطية فيهما وصولاً إلى حالة التكامل التي ينشدها البلدان؟ وكيف يمكن منع قيام عوامل ومؤثرات أخرى تلعب دوراً فاعلاً وسلبياً للحيلولة دون هذا التكامل؟
قسم الطالب رسالته إلى فصلين سبقهما فصل تمهيدي.وجاء في الفصل التمهيدي شرح واف لمفهوم الانقلاب العسكري ودور الجيش في السياسة بشكل عام.وتناول الفصل الأول أثر الانقلابات العسكرية السورية في العلاقات العراقية السورية، أما الفصل الثاني فقد تناول موضوع الانقلابات العسكرية في العراق في الأعوام 1958، 1963 و1968 وتأثيرها في العلاقات العراقية السورية. ثم الخاتمة والاستنتاجات التي جاءت كمحصلة لقراءة أثر هذه الانقلابات في البلدين على سير العلاقات الثنائية بينهما مع محاولة رؤية وقراءة الخارطة الاقليمية المحيطة بالبلدين والمنطقة
    ناقش الطالب حسن أحمد رسالته "أثر الانقلابات العسكرية في مسار العلاقات العراقية – السورية" بتاريخ 7/10/2013،امام اللجنة المكونة من الدكاترة محمد المجذوب وجورج عرموني وخليل حسين ووليد عبد الرحيم، وبعد المناقشة والمداولة قبلت  اللجنة الرسالة ورأت ان الطالب يستحق درجة الماجستير في العلوم السياسية بتقدير جيد

 بيروت: 7/10/2013                                             أ.د. خليل حسين

 

 

06‏/10‏/2013

هل النووي الإيراني بعد الكيماوي السوري؟

هل النووي الإيراني بعد الكيماوي السوري؟     
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 6/10/2013
خليل حسين


ربما لا تعد الاتصالات بين الرؤساء بعد قطعية سياسية ودبلوماسية سابقة يبنى عليها الكثير، إلا أن ما جرى في نيويورك على هامش لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة من اتصال بين الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني، له من الدلالات المؤشرة على انعطافة لافتة ليس في السياستين الأمريكية والإيرانية فحسب، وإنما لها الانعكاسات البارزة على الصعيد الاقليمي أيضاً .
فالعلاقات بين البلدين دخلت في “كوما سياسية” منذ ثلث قرن ونيف، تخللها الكثير من المفاصل الخطرة التي توصف في أحيان كثيرة بسياسات حافة الهاوية، والتي انزلقت إلى حروب الواسطة في الكثير من المواقع الشرق أوسطية، وبالتحديد لبنان وسوريا وفلسطيين . فما الذي استجد وتغيّر؟ وهل ثمة آفاق جديدة يبنى عليها؟
في المبدأ، وإن تكن لقاءات قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاءات علاقات عامة، فإن التدقيق في ثنايا الكثير منها يؤكد سعي جميع أطرافها إلى التحضير لها لغايات وأهداف مرسومة سلفاً . ويأتي الاتصال الإيراني  الأمريكي تتويجاً غير معلن لسلسلة من المواقف السياسية والدبلوماسية المتبادلة في ملفات هم من بين لاعبيها الأساسيين وبخاصة ملف الأزمة السورية .
فالاتفاق على صيغة القرار 1821 المتعلق بملف سوريا الكيماوي، فتح الباب لتفاهمات واسعة هي من الطبيعة والأبعاد الاستراتيجية نفسها التي تبحث عنها الولايات المتحدة الأمريكية من ضمن استراتيجيتها العامة في المنطقة، وبالتحديد القسم المتعلق بأمن “إسرائيل” . فصيغة القرار المذكور وضع الملفات الشائكة في منطقة الشرق الأوسط ضمن خريطة طريق تبدو موحدة في الطريق إلى ذلك .
إن التدقيق في وقائع الاهتمام الأمريكي خلال بدايات العقد الماضي إلى الآن، يظهر اهتمام واشنطن المباشر، وكذلك تل أبيب في مسائل الأسلحة غير التقليدية ومحاولتهما الدؤوبة لحسم هذا الملف سلماً أو حرباً . وقد تمّت تجربة الكباش العسكري في هذه الملفات في مناسبتين بارزتين، الأولى في عدوان “إسرائيل” على لبنان ،2006 ومن بعدها العدوان على غزة ،2009 وفي كلتا الحالتين لم تتمكن أمريكا ولا “إسرائيل” من تسجيل مكسب عسكري قابل للاستثمار السياسي في ملف الاسلحة غير التقليدية .
إن مقاربة الكثير من الوقائع والمسارات السياسية والدبلوماسية للأزمة السورية الجارية حالياً، تؤشر إلى أن ثمة حراكاً دولياً تقوده كل من موسكو وواشنطن، لإيجاد سلة متكاملة من بينها البرنامج النووي الإيراني، بعدما جرى تفكيك ألغام الملف الكيماوي السوري، ففي الكواليس الدبلوماسية الدولية ثمة مشاريع ومقترحات قدمت لطهران أبرزها أولاً حق المشاركة الفاعلة في مؤتمر “جنيف 2” بخصوص الأزمة السورية مع تأكيدات ما يلبي استثماراتها السياسية في الأزمة السورية، وأول المواقف السياسية المدفوعة سلفاً القرار 1821 بصيغته الدبلوماسية الفائقة التي أتاحت لكل طرف الادعاء بأنه الرابح الأكبر فيه . وثانياً رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران بعدما أثقلها هذا الملف، في مقابل التخلي عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% والاكتفاء بالتخصيب بنسبة 5% تحت إشراف شفاف من وكالة الطاقة الذرية، وهو الحد الآمن للاستعمال ضمن أطر الأغراض المدنية لا العسكرية، وثالثاً الاعتراف لطهران بدور سياسي إقليمي ما، بعد تحجيم أذرعها السياسية والأمنية في بعض المناطق الشرق الأوسطية .
لقد أنهكت الأزمة السورية جميع أطرافها المباشرين وغير المباشرين، كما أنهكت العقوبات الاقتصادية على إيران أغلبية الوسائل الاستثمارية الاقليمية التي يمكن استغلالها، وبات الجميع بحاجة ماسة إلى مخرج يعيد التقاط الأنفاس السياسية في المنطقة، بعدما استنزفت قوى مادية ومعنوية كثيرة لأطرافها .اليوم تبدو الوقائع والمتغيرات أكثر وضوحاً، للدخول في تسويات تبدو مقبولة بنظر أطرافها الأساسيين، لكن العبرة في إمكانية الوصول إلى نهايات محددة ترضي طموحات الآخرين وتلبيها ومن بينها “إسرائيل”، وهي بيت القصيد في كل تلك الأزمة التي عمرها من عمر كيانات سياسية كثيرة ولدت في المنطقة!