هل يشتد الخناق على إسرائيل؟
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في الخليج الاماراتية 29/2/2010
لم تكن “إسرائيل” يوما في مأزق كالذي فيه اليوم، كثير من المتغيرات حصلت، وفعلت فعلها في أسس الكيان التي ظلت ولفترات طويلة تمسك بها وتحاول تعظيم قدراتها، بهدف تكريس تفوقها الاستراتيجي وبالتالي امتلاكها لميزان قوي غير قابل للكسر، عسكرياً واستخبارياً وسياسياً واقتصادياً، في منطقة تمتلك دولها كل هذه المقومات لكن من دون الاستفادة منها في أطر المواجهة .
في الجانب السياسي، وإن تمكنت “إسرائيل” في فترة التسعينات من القرن الماضي الخروج علناً من حالة الحصار والانكماش الدبلوماسي الإقليمي عبر مشاريع التسوية التي استفاقت عليها، وأعطتها فرصاً للانفتاح الإضافي على بعض الدول العربية وكذلك الإقليمية كتركيا مثلاً، باتت اليوم في مأزق كبير، ما يستدعي إعادة صياغة لمجمل آليات عمل السياسة الخارجية . فكثيراً من الدول العربية التي انفتحت تجارياً عليها، أعادت النظر بخطواتها . وإذا كانت الاتفاقيات الاستراتيحية مع تركيا قد أعطتها أرجحية إقليمية، باتت اليوم في المقلب الآخر بعد سلسلة الحماقات الدبلوماسية التي ارتكبتها مع أنقرة، علاوة على عدم قدرتها على هضم بعض المتغيرات الناشئة في المنطقة نتيجة سياساتها مع الفلسطينيين خاصة والعرب عامة بما يتعلق بمشاريع السلام التي كانت تطرح من هنا أو هناك . وبمعنى آخر إن سياسات المحافظين الجدد الشرق أوسطية، كانت بمثابة العصا “الإسرائيلية” الغليظة في المنطقة، والتي تسببت لها في نهاية الأمر بمشكلات بنيوية في تظهير سياسات إقليمية قابلة للهضم السياسي من حانب العرب وغيرهم في المنطقة .
في الجانب العسكري، ظلت “إسرائيل” ولنصف قرن تقريباً صاحبة لقب الجيش الذي لا يقهر، وإن تمكنت من ترسيخ هذا المفهوم في الذاكرة الجماعية للعرب، بفعل التفوق الاستراتيجي العسكري النوعي، فإن يقظة حركات المقاومة في بعض دول الطوق أعطت نموذجاً آخر لهذه العبر، فمن أصل أربع حروب عربية “إسرائيلية” كلاسيكية، تمكّن العرب في واحدة منها من تحقيق نصر مجتزئ، سرعان ما تمكنت “إسرائيل” من هضمه وتحويله نصراً في الدبلوماسية والسياسة عبر كامب ديفيد مع مصر . بينما تمكّنت حركات المقاومة من تسجيل انتصارات موثقة كنموذج لبنان عام 2000 و،2006 وغزة عام 2009 . وبصرف النظر عن حجم الانتصارات وامكانيات استثماراتها العملية، فثمة سوابق يمكن البناء عليها في إطار توصيف آليات الصراع ونتائجها المحتملة . وفي مطلق الأحوال إن التخبط الذي تمر به “إسرائيل” حالياً حول احتمالات الحرب في المدى المنظور هو شكل من أشكال الشعور “الإسرائيلي” بعدم الثقة، وفقدانها على الأقل أدوات الردع النفسية تجاه أعدائها . فخطاب الأمين العام لحزب الله الأخير كان كافياً لإعادة النظر بالكثير من المواقف التي أطلقتها القيادات السياسية والعسكرية “الإسرائيلية” تجاه دمشق ولبنان مثلاً . طبعاً لا تزال “إسرائيل” تمتلك تفوقاً استراتيجياً عسكرياً ظاهراً، لكنها في الوقت نفسه لم تعد تمتلك الوسائل والأدوات التي تمكنها من تحويل هذه القوة إلى قدرة، قابلة للصرف السياسي والعسكري والنفسي في المنطقة للعديد من الاعتبارات غير القابلة للتحكم بها “إسرائيلياً” .
في الجانب الأمني الاستخباري، ظل الموساد والشاباك وغيرهما من الأجهزة التي تفاخر تل أبيب بها، والتي أخذت حيزاً مهماً من الهيبة الإقليمية والدولية بفعل العمليات الناجحة التي تمكّنت من تحقيقها داخلياً وخارجياً . إلا أن أمراً آخر بات يظهر هذه الأيام، هو سلسلة فضائح وانكشافات استخبارية وقعت فيها، من انكشاف واسع لشبكاتها التجسسية في لبنان، مروراً بالإخفاقات الموصوفة لعدم تمكنها من إنجاز ملفات كثيرة تخص المقاومة في لبنان وغزة، علاوة على فضيحة اغتيال أحد قيادي حركة حماس في دبي مؤخراً . لقد اعتمدت “إسرائيل” عقيدة الاغتيالات والخطف للتخلص من رموز سجلوا أعمالاً لا يستهان بها ضدها، صحيح أنها تمكّنت من اغتيال عماد مغنية مثلاً، لكن كلفتها لا تزال تُدفع يومياً للقيادة “الإسرائيلية” السياسة والعسكرية بانتظار الرد الذي سيأتي يوماً من حزب الله، لكن متى وأين وكيف؟ تلك هي الأحجية التي عجزت عنها الاستخبارات “الإسرائيلية” في كافة أجهزتها وفروعها، وربما ستظل هذه الأحجية سنوات طويلة بمثابة السيف النفسي المسلط على “إسرائيل” . لقد خاضت “إسرائيل” والمقاومة حروبا استخبارية من الطراز الأول، تكبدت فيها “إسرائيل” خسائر بشرية ومعنوية باهظة الثمن، ويُقال إن سر انتصارات المقاومة في العام 2006 هو الجانب الاستخباري لدى حزب الله عن بنوك المعلومات “الإسرائيلية” وليس العكس . وربما ثمة فضائح كبيرة ستقع فيها “إسرائيل” إذا كُشف المستور عن بعض الحروب الاستخبارية السرية التي مورست ضدها .
وإن يكن الاقتصاد “الإسرائيلي” من الناحية المبدئية، لا يعاني عملياً من اختلالات بنيوية، وبالتالي قدرته على التكيّف مع بعض المستجدّات المالية والاقتصادية الدولية، إلا أن هذه القدرة مكتسبة من المساعدات الأمريكية المباشرة، علاوة على شبكات الاستثمارات الدولية التي تتأثر بدورها بأي وضع مؤثر وبخاصة الأمني منه، وبالتالي إن هذه القوة والقدرة مرهونة أولاً وأخيراً بمتغيّرات غير قابلة للضبط وفقاً للرغبة “الإسرائيلية”، من هنا الخشية “الإسرائيلية” الدائمة هي أمنية وليست اقتصادية بفعل تأثير الأول في الثاني؟
لقد حطّم العرب الأرقام القياسية في البحث عن المفردات السياسية التي تغطي سلسلة من الهزائم العسكرية، فمن النكبة إلى النكسة، ومن الحروب التحريرية إلى التحريكية، ومن اللاءات الثلاث “لا تفاوض لا صلح لا اعتراف”، إلى التسوية العادلة والشاملة والكاملة، فهل أتى الدور على “إسرائيل” هذه الأيام، أو أنها ستتعلم العِبَرَ من العرب؟ أو أن الخناق بدأ يشتد عليها؟ إن سر بقاء الأمم والشعوب واستمرارها مرهون بالقراءة الصحيحة والدقيقة للتاريخ، فهل سيقرأ العرب جيداً في كتبهم ليبقى بعض من جغرافيتهم يشدون بها الخناق على “إسرائيل”؟ إنها فرصة سانحة للمواجهة المعنوية بداية من باب مواجهة ضم “إسرائيل” للحرم الإبراهيمي، عل البرد والسلام ينزل هذه المرة على العرب والمسلمين بعدما اكتووا ببرد السلام الموعود قبل نار الحروب .
28/02/2010
19/02/2010
إيران وحياكة السجاد النووي
إيران وحياكة السجاد النووي
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في جريدة الخليج الاماراتية 17/2/2010
بصرف النظر عن القدرة والإمكانية التي توصّلت إليها التكنولوجيا الإيرانية، لجهة التخصيب ونسبته، وبالتالي وصولها إلى الخطوط الحمر من وجهة النظر الغربية، ثمة تساؤلات تطرح من غير جهة ومن بينها، ما هي خلفيات الإعلان في وقت تتصاعد فيها لهجات القوة؟وما هي الرسائل المتوخاة في هذا التوقيت بالذات ؟ وما هي قدرة الطرف الآخر على التقاط هذه الإشارات والعمل بموجبها أو على هديها؟
من الواضح أن إيران تمكّنت من بلع وهضم كافة وسائل الضغط التي مورست ضدها منذ قانون داماتو الأمريكي في العام ،1996 مروراً بكافة القرارات الدولية ذات الصلة بالعقوبات الاقتصادية وغيرها، وصولاً إلى التهديد بالخيارات العسكرية، وهي إن تمكّنت من تخطي جميع مفاصل العقوبات الدولية عليها، كان بدافع الوصول إلى المنتدى الدولي النووي، وهي إن أعلنت ذلك في الذكرى الواحدة والثلاثين لانتصار ثورتها، هدفت من خلاله، إطلاق رسائل متعددة الاتجاهات في منطقة تعج بكافة أسباب الانفجارات .
ففي دائرة حماية الثورة من الداخل، كانت طهران بحاجة إلى إعلان نوعي يعيد بريق الثورة والنظام بعد عثرات انتخابات الرئاسة الأخيرة، وما تخللها من مظاهر أعادت خلط الأوراق الداخلية، ووضعت مجمل مكونات النظام على محك الاستغلال الخارجي، وبالإعلان النووي تمكّنت من إعادة صياغة البنية الشرعية من خلال الاحتفالات المليونية التي طغى عليها طابع الاستفتاء على مجمل السياسات الداخلية والخارجية . وبالتالي إن الرسالة الداخلية كانت شديدة الوضوح والتي لا بد وأن تستثمر أيضاً في مواجهة الضغوط الخارجية التي ستتسارع وتيرتها في المرحلة القادمة .
وإذا كانت الرسالة الداخلية قد أدّت قسطها عملياً، فإن الرسائل الخارجية تبقى الأهم وهي التي تحتاجها عملياً في إدارة ملفاتها في مواجهة الضغوط التي ستكون مختلفة عما سبقها . فبعدما كانت مجموعة الدول الخمس الكبرى إضافة إلى ألمانيا تنتظر الرد على مجمل الحوافز المقدمة لطهران في إطار مفاوضات الملف النووي، أتى هذا الإعلان ليزيد من شكوك الغرب بمدى جدية التعاطي، وبالتالي إمكانية التوصل إلى نتائج محددة، ما يعني أن إطار الحوافز لم يعد قادراً على استيعاب ما تتطلبه شروط الطرفين المتبادلة، وبالتالي ينبغي التفتيش عن أطر مغايرة، إما مزيد من التنازلات الغربية ما سيعزز وضع إيران في كسب الوقت، وإما اللجوء إلى خيارات تصعيدية ستكون مكلفة الثمن على جميع أطرافها . ويبدو من القراءة الدقيقة لمسارات إيران التفاوضية السابقة، أنها تمكّنت من الاستغلال الأمثل في هذا الإطار، فمثلاً، لقد تخلت إيران في العام 2000 عن الولوج في برنامجها النووي من بيئة الإطار العسكري إلى إطار الاستخدام السلمي بعد أن دخلت في بيئة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وآليات مراقبتها، وتمكّنت من استدراج الغرب إلى القبول بهذا الوضع عنوة، وتمكّنت أيضا من الوصول إلى درجة الخمسة بالمائة في تخصيب اليورانيوم، واليوم أعلنت التوصل إلى إنتاج بدرجة العشرين في المائة، ما يعني أن رسالة إيران إلى الغرب في المرحلة القادمة، أن المفاوضات القادمة إذا انطلقت ستكون من الناحية المبدئية قد تخطت هذه النسبة وبالتالي إن رفع سقف التفاوض الإيراني يبدو واضحا في المرحلة القادمة .
علاوة على رسائل التفاوض المشفرة إذا جاز التعبير، ثمة رسائل إلى من يعنيهم الأمر كروسيا على سبيل المثال، ففي الوقت الذي تم الكشف عن نسبة التخصيب، تم الإعلان عن التوصّل إلى صواريخ تضاهي “أس أس 300” الروسية الصنع، التي لم تسلمها موسكو إلى طهران حتى الآن، والتي تؤمن البيئة المناسبة لحماية المنشآت النووية الإيرانية، في الوقت الذي تحاول موسكو تمييز مواقفها عن بكين لجهة حماية إيران من سيف العقوبات الدولية . ففي الفترة الأخيرة ثمّة تراجع ملحوظ في مستوى الغطاء الروسي لإيران في مواجهة الغرب، يقابله نوع من الاندفاع الصيني نحو طهران، ويأتي هذا الانجاز بمثابة الرسالة الشديدة الوضوح لموسكو على عدم تسلم شبكة الصواريخ الدفاعية .
إن إعلان طهران عن وضع قدمها اليمنى على درج المنتدى النووي، هو مؤشر واضح على مستوى العزم الذي ستتابعه في المرحلة القادمة، ففي وقت تتزايد فيه التصريحات الواضحة بإمكانية اللجوء إلى الخيارات العسكرية لإيقاف الاندفاع الإيراني، أتت احتفالية إيران الواحدة والثلاثين على مستوى التحدّي ربما غير المتوقعة بهذا الحجم ليضع الغرب أمام خيارات أحلاها مر . فالخيارات العسكرية متوازية مع الخيارات الدبلوماسية، لكن المسألة تكمن في النتائج المتوخاة لكلا المسارين، في الأول نتائجه غير محدّدة أو معروفة نهاياتها، فيما الثاني لا يعدو كونه لعباً في الوقت المستقطع من عمر أزمات المنطقة . في الأول اندفاع “إسرائيلي” واضح وسط تهيّبٌ غربي أوضح، في الثاني رغبة إيرانية شديدة وتحفظ غربي واضح، في كلا الحالين الأطراف كلها تود الوصول إلى ما تطمح إليه بأقل الخسائر الممكنة، لكن في الخيارين ثمة أثمان كبيرة ستدفع .
لقد تم الإعلان عن سلسلة من الإنجازات الإيرانية النوعية، وبصرف النظر عن دقة ما توصلت إليه التكنولوجيا الإيرانية، ومدى الإسهام في وضعها بين الدول الإقليمية العظمى تبقى الرسالة النووية الأشد وضوحاً لجهة الرغبة الإيرانية في التوصل إلى النادي النووي الذي يتيح لها في النهاية اللعب في السياسات الإقليمية والدولية في المربع الذي تختاره هي، لا الذي يريده غيرها لها .
عُرِفَ الإيرانيون بطول الصبر والأناة في حياكة السجاد ولو استمر الأمر عقدا في واحدة منها، ويبدو أن الإيرانيين تمكنوا من استنساخ التجربة نفسها في حياكة السجاد النووي، الذي يستلزم علاوة على الصبر والأناة حنكة ودهاء التفاوض الذي يبدو أنهم قطعوا أشواطا كبيرة فيه، والتي بدأت رسائلها تتناثر في غير اتجاه .
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في جريدة الخليج الاماراتية 17/2/2010
بصرف النظر عن القدرة والإمكانية التي توصّلت إليها التكنولوجيا الإيرانية، لجهة التخصيب ونسبته، وبالتالي وصولها إلى الخطوط الحمر من وجهة النظر الغربية، ثمة تساؤلات تطرح من غير جهة ومن بينها، ما هي خلفيات الإعلان في وقت تتصاعد فيها لهجات القوة؟وما هي الرسائل المتوخاة في هذا التوقيت بالذات ؟ وما هي قدرة الطرف الآخر على التقاط هذه الإشارات والعمل بموجبها أو على هديها؟
من الواضح أن إيران تمكّنت من بلع وهضم كافة وسائل الضغط التي مورست ضدها منذ قانون داماتو الأمريكي في العام ،1996 مروراً بكافة القرارات الدولية ذات الصلة بالعقوبات الاقتصادية وغيرها، وصولاً إلى التهديد بالخيارات العسكرية، وهي إن تمكّنت من تخطي جميع مفاصل العقوبات الدولية عليها، كان بدافع الوصول إلى المنتدى الدولي النووي، وهي إن أعلنت ذلك في الذكرى الواحدة والثلاثين لانتصار ثورتها، هدفت من خلاله، إطلاق رسائل متعددة الاتجاهات في منطقة تعج بكافة أسباب الانفجارات .
ففي دائرة حماية الثورة من الداخل، كانت طهران بحاجة إلى إعلان نوعي يعيد بريق الثورة والنظام بعد عثرات انتخابات الرئاسة الأخيرة، وما تخللها من مظاهر أعادت خلط الأوراق الداخلية، ووضعت مجمل مكونات النظام على محك الاستغلال الخارجي، وبالإعلان النووي تمكّنت من إعادة صياغة البنية الشرعية من خلال الاحتفالات المليونية التي طغى عليها طابع الاستفتاء على مجمل السياسات الداخلية والخارجية . وبالتالي إن الرسالة الداخلية كانت شديدة الوضوح والتي لا بد وأن تستثمر أيضاً في مواجهة الضغوط الخارجية التي ستتسارع وتيرتها في المرحلة القادمة .
وإذا كانت الرسالة الداخلية قد أدّت قسطها عملياً، فإن الرسائل الخارجية تبقى الأهم وهي التي تحتاجها عملياً في إدارة ملفاتها في مواجهة الضغوط التي ستكون مختلفة عما سبقها . فبعدما كانت مجموعة الدول الخمس الكبرى إضافة إلى ألمانيا تنتظر الرد على مجمل الحوافز المقدمة لطهران في إطار مفاوضات الملف النووي، أتى هذا الإعلان ليزيد من شكوك الغرب بمدى جدية التعاطي، وبالتالي إمكانية التوصل إلى نتائج محددة، ما يعني أن إطار الحوافز لم يعد قادراً على استيعاب ما تتطلبه شروط الطرفين المتبادلة، وبالتالي ينبغي التفتيش عن أطر مغايرة، إما مزيد من التنازلات الغربية ما سيعزز وضع إيران في كسب الوقت، وإما اللجوء إلى خيارات تصعيدية ستكون مكلفة الثمن على جميع أطرافها . ويبدو من القراءة الدقيقة لمسارات إيران التفاوضية السابقة، أنها تمكّنت من الاستغلال الأمثل في هذا الإطار، فمثلاً، لقد تخلت إيران في العام 2000 عن الولوج في برنامجها النووي من بيئة الإطار العسكري إلى إطار الاستخدام السلمي بعد أن دخلت في بيئة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وآليات مراقبتها، وتمكّنت من استدراج الغرب إلى القبول بهذا الوضع عنوة، وتمكّنت أيضا من الوصول إلى درجة الخمسة بالمائة في تخصيب اليورانيوم، واليوم أعلنت التوصل إلى إنتاج بدرجة العشرين في المائة، ما يعني أن رسالة إيران إلى الغرب في المرحلة القادمة، أن المفاوضات القادمة إذا انطلقت ستكون من الناحية المبدئية قد تخطت هذه النسبة وبالتالي إن رفع سقف التفاوض الإيراني يبدو واضحا في المرحلة القادمة .
علاوة على رسائل التفاوض المشفرة إذا جاز التعبير، ثمة رسائل إلى من يعنيهم الأمر كروسيا على سبيل المثال، ففي الوقت الذي تم الكشف عن نسبة التخصيب، تم الإعلان عن التوصّل إلى صواريخ تضاهي “أس أس 300” الروسية الصنع، التي لم تسلمها موسكو إلى طهران حتى الآن، والتي تؤمن البيئة المناسبة لحماية المنشآت النووية الإيرانية، في الوقت الذي تحاول موسكو تمييز مواقفها عن بكين لجهة حماية إيران من سيف العقوبات الدولية . ففي الفترة الأخيرة ثمّة تراجع ملحوظ في مستوى الغطاء الروسي لإيران في مواجهة الغرب، يقابله نوع من الاندفاع الصيني نحو طهران، ويأتي هذا الانجاز بمثابة الرسالة الشديدة الوضوح لموسكو على عدم تسلم شبكة الصواريخ الدفاعية .
إن إعلان طهران عن وضع قدمها اليمنى على درج المنتدى النووي، هو مؤشر واضح على مستوى العزم الذي ستتابعه في المرحلة القادمة، ففي وقت تتزايد فيه التصريحات الواضحة بإمكانية اللجوء إلى الخيارات العسكرية لإيقاف الاندفاع الإيراني، أتت احتفالية إيران الواحدة والثلاثين على مستوى التحدّي ربما غير المتوقعة بهذا الحجم ليضع الغرب أمام خيارات أحلاها مر . فالخيارات العسكرية متوازية مع الخيارات الدبلوماسية، لكن المسألة تكمن في النتائج المتوخاة لكلا المسارين، في الأول نتائجه غير محدّدة أو معروفة نهاياتها، فيما الثاني لا يعدو كونه لعباً في الوقت المستقطع من عمر أزمات المنطقة . في الأول اندفاع “إسرائيلي” واضح وسط تهيّبٌ غربي أوضح، في الثاني رغبة إيرانية شديدة وتحفظ غربي واضح، في كلا الحالين الأطراف كلها تود الوصول إلى ما تطمح إليه بأقل الخسائر الممكنة، لكن في الخيارين ثمة أثمان كبيرة ستدفع .
لقد تم الإعلان عن سلسلة من الإنجازات الإيرانية النوعية، وبصرف النظر عن دقة ما توصلت إليه التكنولوجيا الإيرانية، ومدى الإسهام في وضعها بين الدول الإقليمية العظمى تبقى الرسالة النووية الأشد وضوحاً لجهة الرغبة الإيرانية في التوصل إلى النادي النووي الذي يتيح لها في النهاية اللعب في السياسات الإقليمية والدولية في المربع الذي تختاره هي، لا الذي يريده غيرها لها .
عُرِفَ الإيرانيون بطول الصبر والأناة في حياكة السجاد ولو استمر الأمر عقدا في واحدة منها، ويبدو أن الإيرانيين تمكنوا من استنساخ التجربة نفسها في حياكة السجاد النووي، الذي يستلزم علاوة على الصبر والأناة حنكة ودهاء التفاوض الذي يبدو أنهم قطعوا أشواطا كبيرة فيه، والتي بدأت رسائلها تتناثر في غير اتجاه .
التسميات:
دراسات امنية وعسكرية,
دول العالم,
قضايا دولية
07/02/2010
رد اسرائيل على تقرير غولدستون:عودٌ على بدء
رد اسرائيل على تقرير غولدستون:عودٌ على بدء
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي غي الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية 7/2/2010
قبل يوم واحد من انتهاء المدة المحددة، قدمت كل من اسرائيل وحركة حماس تقريرهما إلى الأمين العام للأمم المتحدة،بان كي مون،على خلفية ما طلبه تقرير غولدستون عبر مجلس حقوق الإنسان،ويبدو أن الأمور قد عادت إلى المربع الأول في مسار التحقيق بمحرقة غزة،ذلك يعود للعديد من الوقائع التي تسرّبت وبخاصة من التقرير الإسرائيلي،علاوة على الآليات التي يمكن أن تتبع لاحقا لمتابعة القضية.فما هو مضمون الرد الإسرائيلي ؟وما هي السيناريوهات المحتملة؟
فقبل ثلاثة شهور أوصى التقرير، مجلس الأمن بمطالبة إسرائيل البدء في تحقيقات مستقلة، وتتطابق مع المعايير الدولية في احتمال ارتكاب جرائم حرب على أيدي قواتها في قطاع غزة، وتشكيل لجنة من خبراء حقوق الإنسان لمراقبة مثل هذه الإجراءات. كما شدَّد التقرير على أنه إذا تقاعست إسرائيل عن القيام بذلك، فينبغي على مجلس الأمن إحالة الوضع في غزة إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
في المقابل، اتسم الرد الإسرائيلي بالغموض ومحاولة التملص من المتطلبات التي حث عليها التقرير،إذ أن الرد أتى في سياق الرد الأولي الذي ربطته اسرائيل باستفسارات من قبل الأمم المتحدة لفهم ما إذا كان تجاوبا مع توصية التقرير أم رفضا له.وفي الواقع يعكس هذا الرد الملتبس التباين الواضح بين مختلف القيادات السياسية والعسكرية حول كيفية التعاطي مع التقرير وما يمكن أن يتركه من تداعيات مستقبلية.كما أن الرد الإسرائيلي جاء كحل وسط بين القيادة العسكرية التي ترفض إنشاء لجنة تحقيق جديدة،وبين القيادة السياسية التي حاولت طمأنتها على قاعدة أن لجنة التحقيق المنوي تأليفها سوف تستمع إلى القادة السياسيين من بينهم رئيس الوزراء السابق اولمرت وغيره من أعضاء المجلس الوزاري المصغر،دون التركيز على القيادات العسكرية الوسطى العاملة على الأرض أثناء العدوان على غزة.
إن أمر التقريرين ومدى مطابقتهما لمطالب تقرير غولدستون، مرهون بتقرير الأمين العام الذي سيعرض في الخامس من الشهر الحالي على الجمعية العامة.وبصرف النظر عن مضمون التقرير، ثمة معوقات كثيرة ستعترض المتابعة ما يجعله قابعا في متاهات السياسات الدولية التي يتحكم فيها مجلس الأمن في نهاية المطاف.
إن مجلس حقوق الإنسان لا صلاحية له لرفع القضية مباشرة إلى المحكمة الجنائية الدولية، فيما مجلس الأمن هو صاحب الصلاحية في ذلك، كما له شروطه الخاصة وآلياته المحددة وفقا لنظامه الداخلي وكذلك للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.كما أن إحالة القضية من مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة الجنائية مرتبطة بعدة شروط ، متعلقة بقرار يصدر عنه ذات صفة موضوعية لا إجرائية، أي بمعنى آخر وجوب صدور القرار على الأقل بتسعة أصوات يكون من بينها أصوات الدول الخمس الكبرى، أي لا ينبغي لأية دولة من الخمس التي تمتلك حق النقض معارضة القرار والتصويت ضده.
كما أن إحالة القضية على المحكمة الجنائية الدولية يعتبر عملاً عقابياً للطرف الموجّه ضده (كأشخاص وليس دولة)، والمقصود هنا الضباط الإسرائيليون الميدانيون والقادة الذين أعطوا الأوامر العسكرية ونفذوها، إذ إن المسؤولية لا تقع فقط على الجنود أو الفئات التي نفذت بل القادة العسكريين وحتى السياسيين منهم في بعض الحالات إذا توسَّع التحقيق.
كما أن رفع مجلس الأمن القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، مرتبط بأمر آخر، هو تقرير المجلس نفسه، أن الدولة التي وُجِه إليها القرار وهي إسرائيل، ليست قادرة على إجراء التحقيق وفق المعايير الدولية، أو هي ليست راغبة بذلك. باعتبار أن المحكمة الجنائية الدولية ليست بديلاً عن المحاكم الوطنية، وإنما تعتبر مكملاً ومساعداً للمحاكم الوطنية وفقا لنظامها الأساسي.
في الحالة الأولى، وهو أن القرار ذات صفة موضوعية لا إجرائية، ما يستدعي إجماع الدول الخمس الكبرى على ذلك، وهو أمر بالتأكيد متعذر لجهة رفض الولايات المتحدة التصويت عليه، باعتبارها بداية قد صوتت ضد التقرير، فكيف سيكون موقفها عند بدء تنفيذ الإجراءات العملية له، وفي الجانب الثاني، وهو اشتمال التحقيق على كل من نفذ وأعطى الأمر من ضباط وسياسيين وغيرهم، وهنا تبدو القضية أشد تعقيداً من الوجهة السياسية والقانونية. فالمحكمة الجنائية الدولية هي بحكم نظامها الأساسي وآلياتها القانونية توجّه اتهاماتها إلى الأشخاص بذواتهم الشخصية لا بانتمائهم لدولهم، ، كما لا تقتصر القضية على هذا الأمر، بل الموضوع الأساس إذا تعدى نطاق التحقيق الرتب العسكرية إلى الرؤساء والقادة السياسيين، فمثلا ماذا لو وجهت التهمة إلى رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي أو وزير الدفاع أو للمجلس الأمني المصغر، وهم جميعهم يتمتعون بحصانات سياسية ودبلوماسية على الأقل في إطار الدولة؟ فكيف سيتم التحقيق معهم في إسرائيل نفسها وفقا للمعايير الدولية؟
صحيح أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يسقط الحصانة عن القادة السياسيين للدول، ويعتبرهم مسؤولين عن أوامرهم التي تؤدي إلى جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب أو غيرها، إلا أنّ صعوبة تنفيذ ذلك يبدو أمراً صعباً من الناحية العملية، إذ مهما بلغت قوة القوانين الدولية تبقى سيادات الدول الأكثر حضوراً وقوة على الصعيد الدولي، وبخاصة الدول ذات الشأن الدولي أو صاحبة العلاقات الإستراتيجية مع من يهيمن على النظام العالمي.
في المقلب الآخر من الموضوع، إذا لم يتمكن مجلس الأمن لسبب أو لآخر من إحالة القضية على المحكمة الجنائية الدولية، كيف ستتجه الأمور، ثمة خيار آخر متعلق بمدّعي المحكمة الجنائية نفسها، وفي هذا الإطار يمكنه التحرّك عفوا إذا كوَّن ملفاً فيه قرائن وأدلة وهي بطبيعة الأمر موجودة بكثرة، لكن السؤال يُطرح من جديد، إذا تمكن اوكامبو من تخطي الشروط الإجرائية كموافقة قاضي البداية، هل سيحرك القضية عفواً، أم كما هي السوابق سيغض الطرف عنها، كما حصل في بعض القضايا المتعلقة أيضاً بجرائم إسرائيل في لبنان؟
ثمة مفارقة في التوصيات والقرارات الدولية المتعلقة بجرائم اسرائيل،أن بأغلبها تُترك الثغرات القانونية الملائمة لتفلت اسرائيل من العقاب، في مقابل عدم قدرتنا نحن العرب على الخروج من المواجهات الإعلامية والانتقال إلى تكوين ملفاتنا القانونية الموثقة للمواجهة، فتقرير مجلس حقوق الإنسان يعد سابقة قانونية ينبغي استغلاله، لكن يبدو أن مسار الأمور تتجه فعلا إلى المربع الأول،ذلك واضحا من طبيعة الرد الإسرائيلي كما الآليات التي ستتبع لاحقا!
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي غي الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية 7/2/2010
قبل يوم واحد من انتهاء المدة المحددة، قدمت كل من اسرائيل وحركة حماس تقريرهما إلى الأمين العام للأمم المتحدة،بان كي مون،على خلفية ما طلبه تقرير غولدستون عبر مجلس حقوق الإنسان،ويبدو أن الأمور قد عادت إلى المربع الأول في مسار التحقيق بمحرقة غزة،ذلك يعود للعديد من الوقائع التي تسرّبت وبخاصة من التقرير الإسرائيلي،علاوة على الآليات التي يمكن أن تتبع لاحقا لمتابعة القضية.فما هو مضمون الرد الإسرائيلي ؟وما هي السيناريوهات المحتملة؟
فقبل ثلاثة شهور أوصى التقرير، مجلس الأمن بمطالبة إسرائيل البدء في تحقيقات مستقلة، وتتطابق مع المعايير الدولية في احتمال ارتكاب جرائم حرب على أيدي قواتها في قطاع غزة، وتشكيل لجنة من خبراء حقوق الإنسان لمراقبة مثل هذه الإجراءات. كما شدَّد التقرير على أنه إذا تقاعست إسرائيل عن القيام بذلك، فينبغي على مجلس الأمن إحالة الوضع في غزة إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
في المقابل، اتسم الرد الإسرائيلي بالغموض ومحاولة التملص من المتطلبات التي حث عليها التقرير،إذ أن الرد أتى في سياق الرد الأولي الذي ربطته اسرائيل باستفسارات من قبل الأمم المتحدة لفهم ما إذا كان تجاوبا مع توصية التقرير أم رفضا له.وفي الواقع يعكس هذا الرد الملتبس التباين الواضح بين مختلف القيادات السياسية والعسكرية حول كيفية التعاطي مع التقرير وما يمكن أن يتركه من تداعيات مستقبلية.كما أن الرد الإسرائيلي جاء كحل وسط بين القيادة العسكرية التي ترفض إنشاء لجنة تحقيق جديدة،وبين القيادة السياسية التي حاولت طمأنتها على قاعدة أن لجنة التحقيق المنوي تأليفها سوف تستمع إلى القادة السياسيين من بينهم رئيس الوزراء السابق اولمرت وغيره من أعضاء المجلس الوزاري المصغر،دون التركيز على القيادات العسكرية الوسطى العاملة على الأرض أثناء العدوان على غزة.
إن أمر التقريرين ومدى مطابقتهما لمطالب تقرير غولدستون، مرهون بتقرير الأمين العام الذي سيعرض في الخامس من الشهر الحالي على الجمعية العامة.وبصرف النظر عن مضمون التقرير، ثمة معوقات كثيرة ستعترض المتابعة ما يجعله قابعا في متاهات السياسات الدولية التي يتحكم فيها مجلس الأمن في نهاية المطاف.
إن مجلس حقوق الإنسان لا صلاحية له لرفع القضية مباشرة إلى المحكمة الجنائية الدولية، فيما مجلس الأمن هو صاحب الصلاحية في ذلك، كما له شروطه الخاصة وآلياته المحددة وفقا لنظامه الداخلي وكذلك للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.كما أن إحالة القضية من مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة الجنائية مرتبطة بعدة شروط ، متعلقة بقرار يصدر عنه ذات صفة موضوعية لا إجرائية، أي بمعنى آخر وجوب صدور القرار على الأقل بتسعة أصوات يكون من بينها أصوات الدول الخمس الكبرى، أي لا ينبغي لأية دولة من الخمس التي تمتلك حق النقض معارضة القرار والتصويت ضده.
كما أن إحالة القضية على المحكمة الجنائية الدولية يعتبر عملاً عقابياً للطرف الموجّه ضده (كأشخاص وليس دولة)، والمقصود هنا الضباط الإسرائيليون الميدانيون والقادة الذين أعطوا الأوامر العسكرية ونفذوها، إذ إن المسؤولية لا تقع فقط على الجنود أو الفئات التي نفذت بل القادة العسكريين وحتى السياسيين منهم في بعض الحالات إذا توسَّع التحقيق.
كما أن رفع مجلس الأمن القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، مرتبط بأمر آخر، هو تقرير المجلس نفسه، أن الدولة التي وُجِه إليها القرار وهي إسرائيل، ليست قادرة على إجراء التحقيق وفق المعايير الدولية، أو هي ليست راغبة بذلك. باعتبار أن المحكمة الجنائية الدولية ليست بديلاً عن المحاكم الوطنية، وإنما تعتبر مكملاً ومساعداً للمحاكم الوطنية وفقا لنظامها الأساسي.
في الحالة الأولى، وهو أن القرار ذات صفة موضوعية لا إجرائية، ما يستدعي إجماع الدول الخمس الكبرى على ذلك، وهو أمر بالتأكيد متعذر لجهة رفض الولايات المتحدة التصويت عليه، باعتبارها بداية قد صوتت ضد التقرير، فكيف سيكون موقفها عند بدء تنفيذ الإجراءات العملية له، وفي الجانب الثاني، وهو اشتمال التحقيق على كل من نفذ وأعطى الأمر من ضباط وسياسيين وغيرهم، وهنا تبدو القضية أشد تعقيداً من الوجهة السياسية والقانونية. فالمحكمة الجنائية الدولية هي بحكم نظامها الأساسي وآلياتها القانونية توجّه اتهاماتها إلى الأشخاص بذواتهم الشخصية لا بانتمائهم لدولهم، ، كما لا تقتصر القضية على هذا الأمر، بل الموضوع الأساس إذا تعدى نطاق التحقيق الرتب العسكرية إلى الرؤساء والقادة السياسيين، فمثلا ماذا لو وجهت التهمة إلى رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي أو وزير الدفاع أو للمجلس الأمني المصغر، وهم جميعهم يتمتعون بحصانات سياسية ودبلوماسية على الأقل في إطار الدولة؟ فكيف سيتم التحقيق معهم في إسرائيل نفسها وفقا للمعايير الدولية؟
صحيح أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يسقط الحصانة عن القادة السياسيين للدول، ويعتبرهم مسؤولين عن أوامرهم التي تؤدي إلى جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب أو غيرها، إلا أنّ صعوبة تنفيذ ذلك يبدو أمراً صعباً من الناحية العملية، إذ مهما بلغت قوة القوانين الدولية تبقى سيادات الدول الأكثر حضوراً وقوة على الصعيد الدولي، وبخاصة الدول ذات الشأن الدولي أو صاحبة العلاقات الإستراتيجية مع من يهيمن على النظام العالمي.
في المقلب الآخر من الموضوع، إذا لم يتمكن مجلس الأمن لسبب أو لآخر من إحالة القضية على المحكمة الجنائية الدولية، كيف ستتجه الأمور، ثمة خيار آخر متعلق بمدّعي المحكمة الجنائية نفسها، وفي هذا الإطار يمكنه التحرّك عفوا إذا كوَّن ملفاً فيه قرائن وأدلة وهي بطبيعة الأمر موجودة بكثرة، لكن السؤال يُطرح من جديد، إذا تمكن اوكامبو من تخطي الشروط الإجرائية كموافقة قاضي البداية، هل سيحرك القضية عفواً، أم كما هي السوابق سيغض الطرف عنها، كما حصل في بعض القضايا المتعلقة أيضاً بجرائم إسرائيل في لبنان؟
ثمة مفارقة في التوصيات والقرارات الدولية المتعلقة بجرائم اسرائيل،أن بأغلبها تُترك الثغرات القانونية الملائمة لتفلت اسرائيل من العقاب، في مقابل عدم قدرتنا نحن العرب على الخروج من المواجهات الإعلامية والانتقال إلى تكوين ملفاتنا القانونية الموثقة للمواجهة، فتقرير مجلس حقوق الإنسان يعد سابقة قانونية ينبغي استغلاله، لكن يبدو أن مسار الأمور تتجه فعلا إلى المربع الأول،ذلك واضحا من طبيعة الرد الإسرائيلي كما الآليات التي ستتبع لاحقا!
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)