الاسم: مشعل عبد الرحمن المويشر
عنوان الأطروحة:أزمة المياه ومستقبل العلاقات العربية – التركية بعد وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة في تركيا
دكتوراه في العلوم السياسية
الدرجة الممنوحة جيد جدا
25/09/2011
معوقات الزعامة التركية في المنطقة العربية
معوقات الزعامة التركية في المنطقة العربية
خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 27/9/ 2011
مفارقة السلوك السياسي العربي خلال العقدين الماضيين،كثرة التصفيق لفواعل إقليمية تبنّت قضايانا، لا حبا بنا ولا غاية في حلها، وجل ما في الأمر كانت وسائل وشعارات جذابة هدفها ركوب موجة الجماهير والأنظمة معا।والملفت مؤخرا التنافس الإيراني التركي على مواجهة إسرائيل كل على طريقته،في وقت نقف نحن العرب مشدوهين حائرين،مشغولين بالانتفاضات على أنظمتنا حتى وان كنا غير فاعلين فيها.
في عز العدوان الإسرائيلي على غزة العام 2008 ، رفعت تركيا صوتها عاليا في دافوس،وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 أدارت مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة، فيما اليوم تطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة وتخفض التمثيل الدبلوماسي.وفي نفس الوقت وافقت على وضع رادارات حلف الناتو على أرضها،مجموعة من المواقف والسلوكيات السياسية تعطي طابعا برغماتيا للسياسة التركية في منطقة شديدة التعقيد، تمتزج فيها المصالح بالمبادئ،كما القومي بالوطني إلى ما هنالك من تناقضات من الصعب جمعها إلا في ظروف استثنائية كما تمر بها منطقتنا العربية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه،هل ان تركيا قادرة على تحقيق طموحها بزعامة المنطقة؟ وهل ستُترك الساحة لها؟ .في الواقع وان كانت تركيا تتموضع في المرتبة الـ 16 عالميا لجهة القوة الاقتصادية،حيث نعمت باستقرار سياسي اجتماعي استثمر اقتصاديا ولو بجزئه الملفت سياحيا، أخذت في الآونة الأخيرة التحرك خارجيا عبر سياسة المساعدات الاقتصادية وهي ذراع من أذرع السياسات الخارجية لأي طموح إقليمي واعد،حيث تبلور باتجاه دول الجوار الجغرافي،وصولا إلى القرن الإفريقي عبر الصومال من بوابة المساعدات الإنسانية،وهي إشارات بالغة الدلالة وهي محاولات للانتقال إلى مراحل أكثر تقدما واتساعا ذات أبعاد قارية لا إقليمية فقط.
وإذا كانت هذه الفتوحات السياسية المغلفة بقفازات إنسانية قد ظهرت في غير مكان إقليمي، لها ما يبررها عمليا ومن بينها ضعف المواجهة العربية وغير العربية، تبقى لها دلالاتها الرمزية على الواقعين العربي والإقليمي وبخاصة الإسرائيلي والإيراني. فثمة تنافس قوي لا حدود له لتزعّم المنطقة من قبل ثالوث لكل منه خلفياته الإيديولوجية ومصالحه وحتى لطريقة تعامله مع كل مستجد تكتي أو استراتيجي.وفي مطلق الأحول نبقى نحن العرب حائرين تائهين لمن نصفق في معرض الدفاع عن قضايانا.
ثمة معوقات تركية من الصعب القفز فوقها لتحقيق قفزات نوعية في سياساتها الإقليمية والقارية، معوقات تبدو في غالبيتها بنيوية. فالجغرافية السياسية التركية تبدو أكثر ملائمة كموقع التصاقي،وهو خارج عن كونه احتضاني أو مركزي، ويتآلف مقصدا وتوجها مع الموقع السياحي لا السياسي.وصحيح ان العامل الديني وبالأخص المذهبي، يتآلف مع المحيط العربي،إلا انه يتباين لغويا،بمعنى ان العامل الديني والمذهبي لا يلعب دورا ثقافيا أو حضاريا متجانسا مع المحيط العربي،فضلا عن الخلفية التاريخية للدور العثماني في حكم المنطقة العربية ومحاولة تتريكها والقضاء على عوامل قوميتها العربية التي لم تظهر بقوة إلا بعد الثورة العربية الكبرى على الحكم العثماني في العام 1916. كما يرتبط بالعامل اللغوي عامل الهوية التي تعيشها تركيا بحيرة واضطراب، حيرة التوجه جنوبا وطموح التوجه شمالا، الحنين إلى جنوب حكمت فيه قرونا، وآمال الاندماج المستحيل شمالا؛ وصعوبة التوفيق بين حنين الدولة الإسلامية ورعاية مصالحها الاقتصادية أوروبيا،وبالتالي من الصعب على تركيا التضحية بمشاعر لا تصرف سياسيا ولا اقتصاديا.
ان عامل الكتلة البشرية يشكل تنافسا شديد التعقيد في منطقة مكتظة بالكتل السكانية ذات الألوان القومية غير المتآلفة تاريخيا.صحيح ان تركيا بتعدادها يشكل رقما لافتا ،إلا انه يواجه بكتل بشرية وازنة كمصر وإيران والسعودية والعراق،وبالتالي ثمة وزنا بشريا متصادم قوميا، العثماني والفارسي والعربي.
سياسيا،وان اتجهت تركيا جنوبا،فهي لم تقدِّم حتى الآن مشروعا سياسيا متكاملا ذات أبعاد إستراتيجية إقليمية، وغلب عليه التداخل والتفاعل مع أزمات محددة بعينها، ولم تتمكن من لعب ادوار رئيسة مستقلة فيها، ما يعزز الشكل الثانوي للتدخل في إدارة أزمات أكثر من كونه تدخلا فاعلا في سياق حل ما.كما طغى على هذا التدخل الطابع الاستثماري الاقتصادي غير المنتج سياسيا،في وقت تشهد المنطقة العربية تنافسا استثماريا شديدا، بدءا من الصين وانتهاء بكل القوى الاقتصادية الاستثمارية التقليدية في المنطقة.
إن التسلل السياسي التركي إلى المنطقة العربية من بوابة الشعارات الجذابة شعبيا،وبخاصة الجانب الإسرائيلي في المنطقة، يتناقض شكلا ومضمونا مع التركيبة السياسية التركية داخليا وخارجيا. فبداية لعبت دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل (2006) في مفاوضات ميتة سياسيا، ومن ثم دخلت هذا المضمار سِباحة ببعد إعلامي، عبر حادثة سفينة المعونة إلى غزة ،وصولا إلى التدخل في الحراك العربي بدءا من تونس مرورا بليبيا وسوريا وليس انتهاءً بمصر،وفي مجملها لم تجد مدخلا صحيحا لترتيب بيئة الزعامة القابلة للحياة. وفي المقلب الإقليمي الآخر، تدخلها في الملف النووي الإيراني مع الضلع البرازيلي الآخر، الذي توِّج أيضا بخيبة أمل غير قابلة للتخصيب السياسي.
لقد انطلقت بمعادلة "صفر خصومة" مع دول الجوار،تيمنا بالتجربة السويسرية، لكن سرعان ما اصطدمت بكم من الأسفار العدائية مع طهران وتل أبيب ودمشق،ناهيك عن التنافس الصامت مع الرياض،فهل تشكل السياسة التركية الحالية المدخل الملائم لطموحات الزعامة الإقليمية؟ في الواقع ثمة فراغ عربي مخيف يسمح للقريب والبعيد كما القوي والضعيف ان يتجاسر ويحلم بملء الفراغ السياسي والأمني والاقتصادي القائم في المنطقة العربية، لكن ثمة مؤشرات في المقابل،ان هذا الواقع من الممكن ان لا يستمر طويلا،في ظل إمكانية عودة مصر إلى موقعها الطبيعي للعب ادوار عربية وازنة ،بعد طول غياب، وهو أمر مطلوب ومرغوب به مصريا وعربيا وبخاصة شعبيا.فهل تفعلها مصر؟ لم يكن احد يتوقع ان يسمع من مركز القرار المصري،ان اتفاقية كامب ديفيد ليست مقدسة!.
في عز العدوان الإسرائيلي على غزة العام 2008 ، رفعت تركيا صوتها عاليا في دافوس،وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 أدارت مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة، فيما اليوم تطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة وتخفض التمثيل الدبلوماسي.وفي نفس الوقت وافقت على وضع رادارات حلف الناتو على أرضها،مجموعة من المواقف والسلوكيات السياسية تعطي طابعا برغماتيا للسياسة التركية في منطقة شديدة التعقيد، تمتزج فيها المصالح بالمبادئ،كما القومي بالوطني إلى ما هنالك من تناقضات من الصعب جمعها إلا في ظروف استثنائية كما تمر بها منطقتنا العربية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه،هل ان تركيا قادرة على تحقيق طموحها بزعامة المنطقة؟ وهل ستُترك الساحة لها؟ .في الواقع وان كانت تركيا تتموضع في المرتبة الـ 16 عالميا لجهة القوة الاقتصادية،حيث نعمت باستقرار سياسي اجتماعي استثمر اقتصاديا ولو بجزئه الملفت سياحيا، أخذت في الآونة الأخيرة التحرك خارجيا عبر سياسة المساعدات الاقتصادية وهي ذراع من أذرع السياسات الخارجية لأي طموح إقليمي واعد،حيث تبلور باتجاه دول الجوار الجغرافي،وصولا إلى القرن الإفريقي عبر الصومال من بوابة المساعدات الإنسانية،وهي إشارات بالغة الدلالة وهي محاولات للانتقال إلى مراحل أكثر تقدما واتساعا ذات أبعاد قارية لا إقليمية فقط.
وإذا كانت هذه الفتوحات السياسية المغلفة بقفازات إنسانية قد ظهرت في غير مكان إقليمي، لها ما يبررها عمليا ومن بينها ضعف المواجهة العربية وغير العربية، تبقى لها دلالاتها الرمزية على الواقعين العربي والإقليمي وبخاصة الإسرائيلي والإيراني. فثمة تنافس قوي لا حدود له لتزعّم المنطقة من قبل ثالوث لكل منه خلفياته الإيديولوجية ومصالحه وحتى لطريقة تعامله مع كل مستجد تكتي أو استراتيجي.وفي مطلق الأحول نبقى نحن العرب حائرين تائهين لمن نصفق في معرض الدفاع عن قضايانا.
ثمة معوقات تركية من الصعب القفز فوقها لتحقيق قفزات نوعية في سياساتها الإقليمية والقارية، معوقات تبدو في غالبيتها بنيوية. فالجغرافية السياسية التركية تبدو أكثر ملائمة كموقع التصاقي،وهو خارج عن كونه احتضاني أو مركزي، ويتآلف مقصدا وتوجها مع الموقع السياحي لا السياسي.وصحيح ان العامل الديني وبالأخص المذهبي، يتآلف مع المحيط العربي،إلا انه يتباين لغويا،بمعنى ان العامل الديني والمذهبي لا يلعب دورا ثقافيا أو حضاريا متجانسا مع المحيط العربي،فضلا عن الخلفية التاريخية للدور العثماني في حكم المنطقة العربية ومحاولة تتريكها والقضاء على عوامل قوميتها العربية التي لم تظهر بقوة إلا بعد الثورة العربية الكبرى على الحكم العثماني في العام 1916. كما يرتبط بالعامل اللغوي عامل الهوية التي تعيشها تركيا بحيرة واضطراب، حيرة التوجه جنوبا وطموح التوجه شمالا، الحنين إلى جنوب حكمت فيه قرونا، وآمال الاندماج المستحيل شمالا؛ وصعوبة التوفيق بين حنين الدولة الإسلامية ورعاية مصالحها الاقتصادية أوروبيا،وبالتالي من الصعب على تركيا التضحية بمشاعر لا تصرف سياسيا ولا اقتصاديا.
ان عامل الكتلة البشرية يشكل تنافسا شديد التعقيد في منطقة مكتظة بالكتل السكانية ذات الألوان القومية غير المتآلفة تاريخيا.صحيح ان تركيا بتعدادها يشكل رقما لافتا ،إلا انه يواجه بكتل بشرية وازنة كمصر وإيران والسعودية والعراق،وبالتالي ثمة وزنا بشريا متصادم قوميا، العثماني والفارسي والعربي.
سياسيا،وان اتجهت تركيا جنوبا،فهي لم تقدِّم حتى الآن مشروعا سياسيا متكاملا ذات أبعاد إستراتيجية إقليمية، وغلب عليه التداخل والتفاعل مع أزمات محددة بعينها، ولم تتمكن من لعب ادوار رئيسة مستقلة فيها، ما يعزز الشكل الثانوي للتدخل في إدارة أزمات أكثر من كونه تدخلا فاعلا في سياق حل ما.كما طغى على هذا التدخل الطابع الاستثماري الاقتصادي غير المنتج سياسيا،في وقت تشهد المنطقة العربية تنافسا استثماريا شديدا، بدءا من الصين وانتهاء بكل القوى الاقتصادية الاستثمارية التقليدية في المنطقة.
إن التسلل السياسي التركي إلى المنطقة العربية من بوابة الشعارات الجذابة شعبيا،وبخاصة الجانب الإسرائيلي في المنطقة، يتناقض شكلا ومضمونا مع التركيبة السياسية التركية داخليا وخارجيا. فبداية لعبت دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل (2006) في مفاوضات ميتة سياسيا، ومن ثم دخلت هذا المضمار سِباحة ببعد إعلامي، عبر حادثة سفينة المعونة إلى غزة ،وصولا إلى التدخل في الحراك العربي بدءا من تونس مرورا بليبيا وسوريا وليس انتهاءً بمصر،وفي مجملها لم تجد مدخلا صحيحا لترتيب بيئة الزعامة القابلة للحياة. وفي المقلب الإقليمي الآخر، تدخلها في الملف النووي الإيراني مع الضلع البرازيلي الآخر، الذي توِّج أيضا بخيبة أمل غير قابلة للتخصيب السياسي.
لقد انطلقت بمعادلة "صفر خصومة" مع دول الجوار،تيمنا بالتجربة السويسرية، لكن سرعان ما اصطدمت بكم من الأسفار العدائية مع طهران وتل أبيب ودمشق،ناهيك عن التنافس الصامت مع الرياض،فهل تشكل السياسة التركية الحالية المدخل الملائم لطموحات الزعامة الإقليمية؟ في الواقع ثمة فراغ عربي مخيف يسمح للقريب والبعيد كما القوي والضعيف ان يتجاسر ويحلم بملء الفراغ السياسي والأمني والاقتصادي القائم في المنطقة العربية، لكن ثمة مؤشرات في المقابل،ان هذا الواقع من الممكن ان لا يستمر طويلا،في ظل إمكانية عودة مصر إلى موقعها الطبيعي للعب ادوار عربية وازنة ،بعد طول غياب، وهو أمر مطلوب ومرغوب به مصريا وعربيا وبخاصة شعبيا.فهل تفعلها مصر؟ لم يكن احد يتوقع ان يسمع من مركز القرار المصري،ان اتفاقية كامب ديفيد ليست مقدسة!.
التسميات:
دول عربية,
قضايا دولية,
قضايا عربية
16/09/2011
فلسطين ومفارقة الرقم 194
فلسطين ومفارقة الرقم 194
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 14-9-2011
غريب المفارقات في الرقم 194 انه يحمل عنوانا لقضيتين أساسيتين في مسار القضية الفلسطينية من الناحية القانونية الدولية.فالقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والقاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ظل على مدى عقود شعار إنساني أكثر ما هو واقع قانوني أو سياسي،وفي مجمل الأحوال ظل حبرا على ورق،لا يعدو كونه توصية غير ملزمة التطبيق قانونا.
واليوم يشكل الرقم 194 تحديا إضافيا للقضية الفلسطينية،إذ ستكون مناسبة عرض قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رقما للدولة المعترف بها اذا تمت في سياق ترقيم الدول المنضمة للأمم المتحدة.وبصرف النظر عن رمزية الرقم ودلالاته، تبقى ان لعبة الأرقام وتواليها في قرارات الأمم المتحدة نوعا من المصادفة المسلية لا أكثر ولا أقل،إذ تحتل القضية الفلسطينية والقضايا العربية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي مئات التوصيات والقرارات غير القابلة للتنفيذ بفعل غرابة النصوص أو تكييفها القانوني الذي ظل ضمن الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة.
طبعا من الناحية القانونية الصرف،يستلزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية لكي تصبح صاحبة الرقم 194،أصوات ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة،وهو أمر قابل للتحقيق وسط التوازنات السياسية القائمة في الجمعية العامة،لكن الأمر لن ينتهي عند ذلك الحد،فتوصية الجمعية العامة تستلزم قرارا من مجلس الأمن بصفته الموضوعية لا الإجرائية،وبالتالي يستلزم أصوات أحدى عشرة دولة من بينها أصوات الدول الخمس الكبرى مجتمعة لتمرير القرار،وهو أمر غير متوفر بالتأكيد نظرا للموقف الأمريكي الصريح والمعلن بأنها ستستعمل حق النقض (الفيتو) لإفشال تمرير القرار وإصداره.
طبعا من الناحية القانونية الصرف،يعتبر صدور قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو كامل الحقوق في الأمم المتحدة،له وزنه المعنوي والعملي في سياق الممارسات الدولية لفلسطين مستقبلا،عدا عن ارتباط الموضوع بقضايا قانونية وسياسية كثيرة . إلا انه ينبغي ان لا يكون هذا الأمر هو نهاية الدنيا بالنسبة للفلسطينيين خاصة.فكثير من الدول قامت بداية بالاستناد إلى اعتراف "واقعي" وليس "قانوني" ،وتمكّنت عبر الممارسات والعلاقات الدولية من فرض الاعتراف القانوني بها ولو بعد حين.
وفي مجال المقاربة والمقارنة أيضا وعبر غريمتها الأساس "إسرائيل"،فقد ظلت تحارب وتحاول عقود عدة لتنال الاعتراف "الواقعي" بها من الدول العربية، فكانت تعتبر مجرد توقيع اتفاقات الهدنة مع دول الطوق العربية في العام 1949 اعترافا واقعيا وتحاول البناء عليه لتصويره وكأنه اعتراف قانوني،ولم تتمكن من انتزاع هذا التوصيف والتكييف القانوني إلا مع الدول التي وقعت معها اتفاقات سلام (مصر والأردن والسلطة الفلسطينية)،ورغم ذلك تمكنت مع الأيام من انتزاع الاعتراف الدولي - القانوني بها رغم معرفة المجتمع الدولي بحيثيات إعلان وبناء دولة إسرائيل بالطريقة التي أقيمت بها على أراضي فلسطين التاريخية.
لقد أقامت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الدنيا ولم تقعدها،ومارستا ضغوطا غير مسبوقة على الفلسطينيين لمنعهم من عرض قضية الاعتراف بالدولة،على قاعدة ربط موضوع الدولة الفلسطينية والاعتراف بها قانونا،بمفاوضات الحل النهائي مع إسرائيل، وهو أمر غير قابل للتطبيق في ظل إستراتيجية التفاوض الإسرائيلية المعتمدة مع السلطة الفلسطينية منذ مؤتمر مدريد العام 1991 وتوابعه اللاحقة.فحتى الآن لم يكن لصورة الدولة الموعودة سوى مقترحات متدرجة نزولا لا صعودا،وهي في واقع الأمر تراجعات إسرائيلية متتالية عن مواقف يتم التوصل إليها،يقابله تنازلات فلسطينية في ظل غياب تام لموازين قوى غير متكافئة بالمطلق.فكيف يمكن الاستناد على تقطيع الوقت لتحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية في ظل مفاوضات غير قائمة بالأصل عبر حكومة إسرائيلية لا تعير اهتماما لتلك المسارات منذ العام 1991.
ان الاعتراف القانوني بالدولة الفلسطينية يستلزم أولا وأخيرا، اقتناع فلسطيني وعربي،بأن الاعتراف لا يؤخذ بل ينتزع مثله مثل الاستقلال، فهل وصلنا نحن العرب إلى هذه القدرات أم لا؟.طبعا ان ذلك يبدو امرأ صعبا في ظل الواقع العربي والدولي الراهن، لكن معرفة كيفية الوصول إلى خلق بيئات مناسبة أمر ممكن ولو استغرق سنوات أخر.
في العام 1974، تمكّن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من إلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية،مطالبا بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية،تم ذلك بفضل دعم عربي موصوف،وبإستراتيجية غصن الزيتون بيد والبندقية بيد أخرى.اليوم سقطت البندقية بفعل خيار المفاوضات كما سقط غصن الزيتون مرة أخرى.وما زال الفلسطينيون والعرب يبحثون عن اعتراف عبر منظمة دولية تحكمها وتتحكم فيها توازنات سياسية لا مواثيق قانونية.
في العام 1948 لم تصبر الولايات المتحدة الأمريكية سوى إحدى عشرة دقيقة للاعتراف بدولة إسرائيل بعد الإعلان عنها. وغريب المفارقات أنها لم تتمكن حاليا من الصبر أكثر من احد عشر يوما قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة،للإعلان صراحة عن قرارها باتخاذ حق النقض ضد أي قرار سيطرح للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فعلا أنها طرفة سياسية مفرطة في مصادفات الأرقام لقضية شغلت الأمم المتحدة منذ نشأتها،فهل ستصبح فلسطين الدولة 194 في الأمم المتحدة، أم سيظل القرار 194 لحق العودة له الوهج السياسي والإعلامي. في كلتا الحالتين،تبقى الأرقام أرقاما، والعبرة تكمن في جعل الأرقام أوزانا قابلة للاستثمار لقضية باتت الوحيدة من قضايا النظام العالمي البائد دون حل أو تصور حل قادم!.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 14-9-2011
غريب المفارقات في الرقم 194 انه يحمل عنوانا لقضيتين أساسيتين في مسار القضية الفلسطينية من الناحية القانونية الدولية.فالقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والقاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ظل على مدى عقود شعار إنساني أكثر ما هو واقع قانوني أو سياسي،وفي مجمل الأحوال ظل حبرا على ورق،لا يعدو كونه توصية غير ملزمة التطبيق قانونا.
واليوم يشكل الرقم 194 تحديا إضافيا للقضية الفلسطينية،إذ ستكون مناسبة عرض قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رقما للدولة المعترف بها اذا تمت في سياق ترقيم الدول المنضمة للأمم المتحدة.وبصرف النظر عن رمزية الرقم ودلالاته، تبقى ان لعبة الأرقام وتواليها في قرارات الأمم المتحدة نوعا من المصادفة المسلية لا أكثر ولا أقل،إذ تحتل القضية الفلسطينية والقضايا العربية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي مئات التوصيات والقرارات غير القابلة للتنفيذ بفعل غرابة النصوص أو تكييفها القانوني الذي ظل ضمن الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة.
طبعا من الناحية القانونية الصرف،يستلزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية لكي تصبح صاحبة الرقم 194،أصوات ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة،وهو أمر قابل للتحقيق وسط التوازنات السياسية القائمة في الجمعية العامة،لكن الأمر لن ينتهي عند ذلك الحد،فتوصية الجمعية العامة تستلزم قرارا من مجلس الأمن بصفته الموضوعية لا الإجرائية،وبالتالي يستلزم أصوات أحدى عشرة دولة من بينها أصوات الدول الخمس الكبرى مجتمعة لتمرير القرار،وهو أمر غير متوفر بالتأكيد نظرا للموقف الأمريكي الصريح والمعلن بأنها ستستعمل حق النقض (الفيتو) لإفشال تمرير القرار وإصداره.
طبعا من الناحية القانونية الصرف،يعتبر صدور قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو كامل الحقوق في الأمم المتحدة،له وزنه المعنوي والعملي في سياق الممارسات الدولية لفلسطين مستقبلا،عدا عن ارتباط الموضوع بقضايا قانونية وسياسية كثيرة . إلا انه ينبغي ان لا يكون هذا الأمر هو نهاية الدنيا بالنسبة للفلسطينيين خاصة.فكثير من الدول قامت بداية بالاستناد إلى اعتراف "واقعي" وليس "قانوني" ،وتمكّنت عبر الممارسات والعلاقات الدولية من فرض الاعتراف القانوني بها ولو بعد حين.
وفي مجال المقاربة والمقارنة أيضا وعبر غريمتها الأساس "إسرائيل"،فقد ظلت تحارب وتحاول عقود عدة لتنال الاعتراف "الواقعي" بها من الدول العربية، فكانت تعتبر مجرد توقيع اتفاقات الهدنة مع دول الطوق العربية في العام 1949 اعترافا واقعيا وتحاول البناء عليه لتصويره وكأنه اعتراف قانوني،ولم تتمكن من انتزاع هذا التوصيف والتكييف القانوني إلا مع الدول التي وقعت معها اتفاقات سلام (مصر والأردن والسلطة الفلسطينية)،ورغم ذلك تمكنت مع الأيام من انتزاع الاعتراف الدولي - القانوني بها رغم معرفة المجتمع الدولي بحيثيات إعلان وبناء دولة إسرائيل بالطريقة التي أقيمت بها على أراضي فلسطين التاريخية.
لقد أقامت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الدنيا ولم تقعدها،ومارستا ضغوطا غير مسبوقة على الفلسطينيين لمنعهم من عرض قضية الاعتراف بالدولة،على قاعدة ربط موضوع الدولة الفلسطينية والاعتراف بها قانونا،بمفاوضات الحل النهائي مع إسرائيل، وهو أمر غير قابل للتطبيق في ظل إستراتيجية التفاوض الإسرائيلية المعتمدة مع السلطة الفلسطينية منذ مؤتمر مدريد العام 1991 وتوابعه اللاحقة.فحتى الآن لم يكن لصورة الدولة الموعودة سوى مقترحات متدرجة نزولا لا صعودا،وهي في واقع الأمر تراجعات إسرائيلية متتالية عن مواقف يتم التوصل إليها،يقابله تنازلات فلسطينية في ظل غياب تام لموازين قوى غير متكافئة بالمطلق.فكيف يمكن الاستناد على تقطيع الوقت لتحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية في ظل مفاوضات غير قائمة بالأصل عبر حكومة إسرائيلية لا تعير اهتماما لتلك المسارات منذ العام 1991.
ان الاعتراف القانوني بالدولة الفلسطينية يستلزم أولا وأخيرا، اقتناع فلسطيني وعربي،بأن الاعتراف لا يؤخذ بل ينتزع مثله مثل الاستقلال، فهل وصلنا نحن العرب إلى هذه القدرات أم لا؟.طبعا ان ذلك يبدو امرأ صعبا في ظل الواقع العربي والدولي الراهن، لكن معرفة كيفية الوصول إلى خلق بيئات مناسبة أمر ممكن ولو استغرق سنوات أخر.
في العام 1974، تمكّن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من إلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية،مطالبا بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية،تم ذلك بفضل دعم عربي موصوف،وبإستراتيجية غصن الزيتون بيد والبندقية بيد أخرى.اليوم سقطت البندقية بفعل خيار المفاوضات كما سقط غصن الزيتون مرة أخرى.وما زال الفلسطينيون والعرب يبحثون عن اعتراف عبر منظمة دولية تحكمها وتتحكم فيها توازنات سياسية لا مواثيق قانونية.
في العام 1948 لم تصبر الولايات المتحدة الأمريكية سوى إحدى عشرة دقيقة للاعتراف بدولة إسرائيل بعد الإعلان عنها. وغريب المفارقات أنها لم تتمكن حاليا من الصبر أكثر من احد عشر يوما قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة،للإعلان صراحة عن قرارها باتخاذ حق النقض ضد أي قرار سيطرح للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فعلا أنها طرفة سياسية مفرطة في مصادفات الأرقام لقضية شغلت الأمم المتحدة منذ نشأتها،فهل ستصبح فلسطين الدولة 194 في الأمم المتحدة، أم سيظل القرار 194 لحق العودة له الوهج السياسي والإعلامي. في كلتا الحالتين،تبقى الأرقام أرقاما، والعبرة تكمن في جعل الأرقام أوزانا قابلة للاستثمار لقضية باتت الوحيدة من قضايا النظام العالمي البائد دون حل أو تصور حل قادم!.
التسميات:
الصراع العربي الاسرائيلي,
دول عربية,
قرارات دولية,
قضايا عربية
09/09/2011
عقد على 11 ايلول 2001
عقدٌ على 11 أيلول 2001
خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 9-9-2011
http://www.alkhaleej.ae/portal/c2527047-4a11-4499-9add-f171d1c029bb.aspx
قبل عقد من الزمن، بدأ التقويم الأمريكي الجديد للعالم ونظامه، إذ اعتبرت 11 أيلول مفصلا ومنعطفا في قراءتها للأحداث ومن بينها ما جرى في صباح ذلك اليوم. لا أحد ينكر ان الهجوم على البرجين والبنتاغون،بدلالتهما الرمزية ذات الأبعاد الإستراتيجية قد رسمت قراءة أخرى لتعاطي واشنطن مع الكثير من الملفات والأزمات التي لم تجد لها حلا. ورغم ذلك تابعت بنفس الوسائل،وربما بأشكال مختلفة ما كانت بدأته قبل هذا التاريخ من محاربة للإرهاب وتطويع بعض القوى الإقليمية والدولية، في سياق سياسات الإمساك بالنظام العالمي الجديد.
وغريب المفارقات في الحدث والتعاطي معه،جعل الولايات المتحدة الأمريكية كأي بلد من بلدان العالم الثالث،فلجأت إلى الحلول الأمنية والعسكرية،وتناست القيم والمبادئ التي تنادي بها.فكان الأثر الداخلي اشد وطأة على حقوق الإنسان مثلا،فبدت وما زالت كأي نظام بوليسي امني قمعي يتدخل في التفاصيل المملة للحياة الشخصية، وبحجة الهاجس الأمني استباحت لنفسها ما تنتقده على غيرها،فبات المواطن الأمريكي تحت رقابة مشددة،دون حتى سند قانوني أو شرعي متعارف عليهما في دولة نشأت أصلا على احترام القيم الديموقراطية والحرية،واحترام الآخر وفكره ومعتقداته ووسائل ممارسته لها.
وإذا كانت القيم والمبادئ قد سقطت في الداخل لاعتبارات غير مفهومة حتى أميركيا، فان التداعيات الخارجية بعد عقد من الزمن بدت وكأنها من قلب أمور العالم رأسا على عقب.فباتت الشعارات والمبادئ والقيم لا وزن لها في العالم الحر،وباتت المصالح فوق أي اعتبار بصرف النظر عن الوصول إليها عبر القوة الناعمة أو غيرها. وباتت الدول الحليفة والصديقة في مصاف الدول العدوة.كما باتت الدول الأخرى وجلها من الدول النامية محط أنظار وشغف السياسات الأمريكية للسيطرة والاحتلال.
خلال عقد من الزمن احتلت دولتان أفغانستان والعراق، وشنت حربه شبه عالمية على لبنان ومن بعدها على غزة.عدا عن الحروب الصغيرة هنا هناك. كانت سابقة في التاريخ الدولي أن عوقبت دولة بالاحتلال بحجة محاربة تنظيم إرهابي على أراضيها (أفغانستان)،كما سجلت سابقة أخرى باحتلال دولة بذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل لا وجود لها(العراق). حرب شعواء على الإرهاب في غير مكان في العالم، ورغم ضرورته ومشروعيته في بعض المحطات الزمنية والمكانية فقد بدا وكأنه محاربة أشباح من الصعب الإحاطة بها والقضاء عليها.
خلال عقد من الزمن نشأ وتكرّس نظام اقتصادي ومالي جديد أيضا، لكن سرعان ما تهاوى الكثير من قواعده ومحتوياته. أزمة عقارية بدأت في الولايات المتحدة سرعان ما ضربت الاقتصاد الأمريكي وامتدت تداعياته دوليا،خسائر ببلايين الدولارات، وانهيار بورصات وبنوك واستثمارات،وغريب مفارقتها،ان تداعياتها في الداخل الأمريكي اقل بكثير من تداعياتها على الاقتصاد العالمي.كما ان من سوابق هذه الانهيارات حدوثها مرتين في عقد واحد وفي فترة لم تتجاوز الثلاث سنوات.
كل ذلك حصل وسط ترويج لشرق أوسط جديد عماده نظريات الفوضى الخلاقة وأخواتها. ولم يكد ينتهي العقد الأول من حدث 11 أيلول 2001، حتى حط رحال تغيير الأنظمة في المنطقة العربية،وكأنها أولى الضحايا الفعليين بعد عشر سنوات من المكافحة للبقاء، ومفارقة متغيرات الأنظمة العربية أنها عانت من ضغطين شديدين،خارجي عبر مشاريع الدمقرطة والتغيير الأمريكية، وداخليا الخوف من تسلم الإسلاميين السلطة في الدول العربية.
وإذا كان سقوط الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية في بداية العقد الأخير من الألفية الثانية قد شكل منعطفا لانطلاقة النظام العالمي الجديد؛ فقد شكل العقد الأول من الألفية الثالثة سياقا منهجيا لتكريس زعامة الولايات المتحدة كقوة وحيدة لقيادة النظام العالمي ،بمعتقداته وأفكاره، ووسائل إداراته للأزمات الداخلية والخارجية.
عقد من الزمن مرَّ على الولايات المتحدة وهي مضطرة في كل عام للبحث عن نصر معنوي هنا أو هناك لتبرير الزعامة الدولية ووسائل عملها.وكانت في كل مرة مضطرة للتذكير بمحاربة الإرهاب، وفي الذكرى العاشرة للحدث سيكون الحدث باردا بخاصة ان من وجه الاتهام إليه (ابن لادن) قد قتل على يد الأمريكيين أنفسهم.
في 11 أيلول 2011 ،ستكون الولايات المتحدة مضطرة للبحث عن مبررات إضافية بصرف النظر عن حجم وقوة الإقناع فيها،لتبرير الكثير من السلوكيات السياسية وربما غير السياسية التي ستقوم بها. فالقاعدة ضربت من الرأس وأصبحت قواعد،لكن الإرهاب ظل قائما من وجهة النظر الأمريكية. علاوة على أنظمة جديدة تُركّب في الشرق الأوسط، لا أحد يعرف ماذا سيكون إعرابها السياسي في القواعد الأمريكية الدولية، هل ستكون جزءا من عدة الشغل في السياسات الإقليمية والدولية؟أم سيكون لها رأي آخر؟
يبقى أننا نحن العرب،نكاد نكون الأمة الوحيدة في العالم التي نالت القسط الأكبر من تداعيات الحدث الأمريكي، حضاريا حيث طعنا بفكرنا ومعتقداتنا وسلوكنا،وصوِّرنا على أننا خارج التاريخ والجغرافيا أيضا.واقتصاديا تحملنا الوزر الأكبر من خيبات النظام الاقتصادي والمالي العالمي، سياسيا واجتماعيا ندفع اليوم ثمن أنظمة فرضت علينا عقودا ودهورا.فماذا بعد 11 أيلول 2011؟.
خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 9-9-2011
http://www.alkhaleej.ae/portal/c2527047-4a11-4499-9add-f171d1c029bb.aspx
قبل عقد من الزمن، بدأ التقويم الأمريكي الجديد للعالم ونظامه، إذ اعتبرت 11 أيلول مفصلا ومنعطفا في قراءتها للأحداث ومن بينها ما جرى في صباح ذلك اليوم. لا أحد ينكر ان الهجوم على البرجين والبنتاغون،بدلالتهما الرمزية ذات الأبعاد الإستراتيجية قد رسمت قراءة أخرى لتعاطي واشنطن مع الكثير من الملفات والأزمات التي لم تجد لها حلا. ورغم ذلك تابعت بنفس الوسائل،وربما بأشكال مختلفة ما كانت بدأته قبل هذا التاريخ من محاربة للإرهاب وتطويع بعض القوى الإقليمية والدولية، في سياق سياسات الإمساك بالنظام العالمي الجديد.
وغريب المفارقات في الحدث والتعاطي معه،جعل الولايات المتحدة الأمريكية كأي بلد من بلدان العالم الثالث،فلجأت إلى الحلول الأمنية والعسكرية،وتناست القيم والمبادئ التي تنادي بها.فكان الأثر الداخلي اشد وطأة على حقوق الإنسان مثلا،فبدت وما زالت كأي نظام بوليسي امني قمعي يتدخل في التفاصيل المملة للحياة الشخصية، وبحجة الهاجس الأمني استباحت لنفسها ما تنتقده على غيرها،فبات المواطن الأمريكي تحت رقابة مشددة،دون حتى سند قانوني أو شرعي متعارف عليهما في دولة نشأت أصلا على احترام القيم الديموقراطية والحرية،واحترام الآخر وفكره ومعتقداته ووسائل ممارسته لها.
وإذا كانت القيم والمبادئ قد سقطت في الداخل لاعتبارات غير مفهومة حتى أميركيا، فان التداعيات الخارجية بعد عقد من الزمن بدت وكأنها من قلب أمور العالم رأسا على عقب.فباتت الشعارات والمبادئ والقيم لا وزن لها في العالم الحر،وباتت المصالح فوق أي اعتبار بصرف النظر عن الوصول إليها عبر القوة الناعمة أو غيرها. وباتت الدول الحليفة والصديقة في مصاف الدول العدوة.كما باتت الدول الأخرى وجلها من الدول النامية محط أنظار وشغف السياسات الأمريكية للسيطرة والاحتلال.
خلال عقد من الزمن احتلت دولتان أفغانستان والعراق، وشنت حربه شبه عالمية على لبنان ومن بعدها على غزة.عدا عن الحروب الصغيرة هنا هناك. كانت سابقة في التاريخ الدولي أن عوقبت دولة بالاحتلال بحجة محاربة تنظيم إرهابي على أراضيها (أفغانستان)،كما سجلت سابقة أخرى باحتلال دولة بذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل لا وجود لها(العراق). حرب شعواء على الإرهاب في غير مكان في العالم، ورغم ضرورته ومشروعيته في بعض المحطات الزمنية والمكانية فقد بدا وكأنه محاربة أشباح من الصعب الإحاطة بها والقضاء عليها.
خلال عقد من الزمن نشأ وتكرّس نظام اقتصادي ومالي جديد أيضا، لكن سرعان ما تهاوى الكثير من قواعده ومحتوياته. أزمة عقارية بدأت في الولايات المتحدة سرعان ما ضربت الاقتصاد الأمريكي وامتدت تداعياته دوليا،خسائر ببلايين الدولارات، وانهيار بورصات وبنوك واستثمارات،وغريب مفارقتها،ان تداعياتها في الداخل الأمريكي اقل بكثير من تداعياتها على الاقتصاد العالمي.كما ان من سوابق هذه الانهيارات حدوثها مرتين في عقد واحد وفي فترة لم تتجاوز الثلاث سنوات.
كل ذلك حصل وسط ترويج لشرق أوسط جديد عماده نظريات الفوضى الخلاقة وأخواتها. ولم يكد ينتهي العقد الأول من حدث 11 أيلول 2001، حتى حط رحال تغيير الأنظمة في المنطقة العربية،وكأنها أولى الضحايا الفعليين بعد عشر سنوات من المكافحة للبقاء، ومفارقة متغيرات الأنظمة العربية أنها عانت من ضغطين شديدين،خارجي عبر مشاريع الدمقرطة والتغيير الأمريكية، وداخليا الخوف من تسلم الإسلاميين السلطة في الدول العربية.
وإذا كان سقوط الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية في بداية العقد الأخير من الألفية الثانية قد شكل منعطفا لانطلاقة النظام العالمي الجديد؛ فقد شكل العقد الأول من الألفية الثالثة سياقا منهجيا لتكريس زعامة الولايات المتحدة كقوة وحيدة لقيادة النظام العالمي ،بمعتقداته وأفكاره، ووسائل إداراته للأزمات الداخلية والخارجية.
عقد من الزمن مرَّ على الولايات المتحدة وهي مضطرة في كل عام للبحث عن نصر معنوي هنا أو هناك لتبرير الزعامة الدولية ووسائل عملها.وكانت في كل مرة مضطرة للتذكير بمحاربة الإرهاب، وفي الذكرى العاشرة للحدث سيكون الحدث باردا بخاصة ان من وجه الاتهام إليه (ابن لادن) قد قتل على يد الأمريكيين أنفسهم.
في 11 أيلول 2011 ،ستكون الولايات المتحدة مضطرة للبحث عن مبررات إضافية بصرف النظر عن حجم وقوة الإقناع فيها،لتبرير الكثير من السلوكيات السياسية وربما غير السياسية التي ستقوم بها. فالقاعدة ضربت من الرأس وأصبحت قواعد،لكن الإرهاب ظل قائما من وجهة النظر الأمريكية. علاوة على أنظمة جديدة تُركّب في الشرق الأوسط، لا أحد يعرف ماذا سيكون إعرابها السياسي في القواعد الأمريكية الدولية، هل ستكون جزءا من عدة الشغل في السياسات الإقليمية والدولية؟أم سيكون لها رأي آخر؟
يبقى أننا نحن العرب،نكاد نكون الأمة الوحيدة في العالم التي نالت القسط الأكبر من تداعيات الحدث الأمريكي، حضاريا حيث طعنا بفكرنا ومعتقداتنا وسلوكنا،وصوِّرنا على أننا خارج التاريخ والجغرافيا أيضا.واقتصاديا تحملنا الوزر الأكبر من خيبات النظام الاقتصادي والمالي العالمي، سياسيا واجتماعيا ندفع اليوم ثمن أنظمة فرضت علينا عقودا ودهورا.فماذا بعد 11 أيلول 2011؟.
التسميات:
دول العالم,
دول عربية,
قرارات دولية,
قضايا اسلامية,
قضايا دولية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)