PROFESSOR KHALIL HUSSEIN
موقع خاص للدراسات والابحاث الاستراتيجية
13/08/2025
تحديات القمة الأميركية الروسية
د.خليل حسين
رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
مفارقة العلاقات الأميركية الروسية ارتباطها بمؤثرات لا حصر لها، وفي معظم الحالات هي بحاجة لمتابعات دقيقة، بالنظر للتداعيات التي تؤثر على قضايا دولية وإقليمية غالبا ما يكون لهما قرار واضح فيها. واليوم تبدو العلاقة اكثر حراجة بخاصة لما للأزمة الأوكرانية من آثار قوية على طبيعة العلاقة وكيفية التعاطي مع القضايا المرتبطة بها.
وتخضع هذه العلاقات لطبيعة شخصية الرئيسين الأميركي والروسي، وكيفية التعامل مع القضايا الدولية، وبخاصة مع الرئيسين الحاليين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب. والاغرب في ذلك ما يشاع عن علاقة وثيقة تجمع الرجلين ولو في اطر غير منظورة للعلن، رغم التوترات التي تظهر بين البلدين واحيانا كثيرة في اطر عالية المستوى. وآخرها كان إعطاء الرئيس الأميركي أوامره لارسال غواصتين نوويتين كرسالة واضحة لموسكو ردا على تصريحات الرئيس الروسي الأسبق دمتري ميدفيديف، وهي مفارقة نادرا ما تظهر في التعاطي الدولي بين دول عظمى تمتلك أسلحة غير تقليدية.
وفي ظل هذه الأجواء الضاغطة يصار الى تأمين الظروف لعقد قمة رئاسية أميركية روسية في محاولة لايجاد فرص لتخفيف التوتر المتزايد ومحاولة الخروج برؤى لحل اعقد الازمات الدولية، أي الازمة الأوكرانية التي شغلت العالم وتركت آثارا كثيرة حتى على تجمعات قارية كالاتحاد الأوروبي مثلا.
ويبدو جليا ان قمة الاسكا منتصف اغسطس / آب الحالي وهي بالمناسبة ارض روسية تم بيعها للولايات المتحدة الاميركية في العام 1867، حيث يؤمل منها التوصل الى مسار يفتح المجال لتكوين بيئة لحل الازمة الاوكرانية ، والحد من تداعياتها الإقليمية والدولية؛ حيث جرت اتصالات أميركية أوروبية كعامل اشراك سيما وان الرئيس الاوكراني شارك فيها في محاولة لامكانية انضمامه الى القمة.
وفي أي حال من الأحوال، تعقد هذه القمة في ظروف مختلفة ومغايرة عن العديد من القمم السابقة، فهو اللقاء الأول في الولاية الثانية لدونالد ترامب،والمحاطة بظروف دولية غير مريحة لموسكو، ان لجهة وقائع النزاع الروسي الاوكراني، او المتغيرات التي حصلت في الشرق الأوسط وبخاصة الزلزال السوري وتداعياته الكبيرة على موقع روسيا ومستوى قدرتها على فرض ما تريد او اقله بداية طرح ما تريد.
لقد عمدت الولايات المتحدة الى رفع مستوى تدخلها في الازمة الاوكرانية مباشرة وعبر حلف الأطلسي بمواجهة موسكو، وتمكنت في بعض المراحل من كبح جماح القوة الروسية ، علاوة على تلقيها ضربات نوعية موجعة حتى في الداخل الروسي.فيما أدى سقوط النظام السوري الى تداعيات وازنة في حضور روسيا الشرق اوسطي، حيث تعتبر قواعدها في الساحل السوري الرئة التي تتنفس منها دوليا، وتؤمن لها الحلم الدائم في المياه الدافئة.
إزاء هذا الواقع، يبدو ان موسكو لن تكون قادرة على فرض رؤيتها في القمة، الا اذا طرحت مقايضات مرغوبة لدى الأطراف المعنية، وطبعا قبول أوكرانيا بها. وفي هذا المجال يشاع مثلا عن طرح ضم بعض الأراضي التي احتلتها روسيا في المعارك الأخيرة، إضافة الى شبه جزيرة القرم التي سبق وضمتها روسيا في العام 2014، وطبعا هو امر رفضه الرئيس الاوكراني فولديمير زيلنسكي، واعتبره طرحا معاديا للسلام.
وفي مقابل ذلك، ثمة تنافسات واضحة بين قوى كثيرة حول موارد القطب الشمالي، ومن بينها روسيا وأميركا، إضافة الى نزاعات بين واشنطن وبعض الدول الأخرى المشاطئة للقطب مثل كندا، وبعض الدول الاسكندنافية، وفي هذا الاطار يبدو ان موسكو اعدت العدة لتقديم مواقف متصلة بالقطب الشمالي وموارده في القمة، وهو امر يسعى اليه الرئيس الأميركي بشكل واضح، وعليه ان الجانب الاقتصادي في القمة سيفتح المجال امام نقاشات ومفاوضات قادمة بين موسكو وواشنطن دون اغفال اطراف أخرى، ومن بينها الدول الأعضاء في مجلس القطب الشمالي.
وقياسا على سوابق جمعت الطرفين، يبدو ان هذه القمة ستكون مفتاحا لمسائل حيوية يحاول الطرفان إيجاد حلول لها، بخاصة وان متغيرات استراتيجية اعادت مسائل وضعت جانبا في فترة من الفترات وما لبثت ان اعيد إمكانية النقاش فيها، وهي مواضيع اقتصادية متصلة بموارد القطب الشمالي الذي يشهد تنافسا قويا، علاوة على العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا والتي استهلكت الكثير من قواها وامكاناتها.
ومن بين القضايا التي تشغل بال موسكو وتضعها في مقدمة اهتماماتها ، وهي ما تعتبره موسكو تهديدا لامنها الاستراتيجي القومي المتأتي من حلف الأطلسي عبر الازمة الأوكرانية، والذي سيكون الى جوانب أخرى في طليعة المباحثات بين الطرفين.
خلاصة القول، ان الظروف الدقيقة التي تحيط بأجواء قمة الاسكا، ستجبر الطرفان الروسي والأميركي على إيجاد بيئة متقاربة لوجهتي النظر المطروحة لكليهما، إضافة الى الأطراف الأخرى التي تحاول ان تشارك في نتائج ذلك اللقاء، ان لم يكن المحاولة لأن لا تكون النتائج على حساب مصالحها الخاصة. فغالبا ما تكون هذه القمم مناسبة لوضع أسس لحل نزاعات متراكمة استهلكت الكثير من الجهود دون التوصل لحلول مقبولة لدى أطرافها.
ان تورط روسيا في الازمة الأوكرانية من جهة وتورط الولايات المتحدة وحلف الأطلسي من جهة ثانية، وضع العالم امام وضع خطر، غالبا وفي ظروف مماثلة أدت سابقا الى اشعال أزمات وحروب كبرى وضعت البشرية امام تحديات لا حصر لها.
حياد لبنان بين الضرورة والاستحالة
د.خليل حسين
رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
حياد لبنان مطلب عميق الجذور في الحياة السياسية اللبنانية، انطلق بين مرحلة وأخرى وفي مناسبات مختلفة، ذلك منذ انشاء الكيان اللبناني في العام 1920 مرورا في العديد من المحطات التي افترق فيها اللبنانيون حول طبيعة النظام ومواقفه العربية والدولية؛ لكن اليوم تحديدا يبدو ان مطلب الحياد بات يقترب من اجماع اللبنانيين عليه بالنظر للمتغيرات الحاصلة في المنطقة وظهور مواقف تطالب بضم أجزاء من شمال لبنان وبقاعه الى سوريا ، بمعنى محاولة إعادة الاقضية الأربعة الى سوريا حين تشكيل الدول على قاعدة مؤتمري فرساي 1919 وسان ريمون 1920، وهي صورة تقترب من خطر وجودي على الكيان اللبناني كما رسم العام 1920.
ومما رفع من منسوب ذلك الخوف، تصريح المبعوث الأميركي توم براك حول إعادة تركيب لبنان الجغرافي وضم بعض اجزائه الى سوريا. وهو امر يبدو ان ثمة تشكل اجماع لبناني على رفضه في الظروف الحالية التي تمر بها سوريا والخوف من امتداد ما يحصل فيها الى لبنان، حيث الظروف الديموغرافية المتصلة بديموغرافية بعض الطوائف اللبنانية تلعب ادورا مؤثرة في هذا المجال.
في أي حال من الأحوال، يبدو ان ارتفاع منسوب الخطر الوجودي على الكيان اللبناني بلغ مستويات عالية ما جعل اللبنانيون يتهيبون من ذلك، ويحاولون ولو بطرق مختلفة رفض هذه المقترحات، حتى من الأطراف التي كانت تدعو سابقا للتحالف مع سوريا وحتى قبولها بفكرة الانضمام الى سوريا في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث لاقت فكرة الحياد آنذاك انتشارا واسعا على قاعدة رفض الانضمام ومحاولة التوصل الى مبدأ نظام الحياد في القانون الدولي الذي له شروط قانونية خاصة ينبغي وجودها لنبنيه ونجاحه ، او ايجادها والاعتراف به دوليا.
لقد مر لبنان بظروف قاسية جدا في مراحل مختلفة من تاريخه المعاصر، الا ان الظروف الحالية تشكل خطرا وجوديا حقيقيا ، فلبنان حاليا يعاني من مشاكل بنيوية لا تعد ولا تحصى، فهو وان بدأ مسيرة إعادة تركيب السلطة بعد سلسلة الفراغات في المؤسسات الدستورية وغيرها، فهو اليوم لا زال غارقا في مشاكل عضوية في بنيته، تبدأ في الاقتصاد والإدارة والامن، ولا تنتهي بضغوط النازحين ومخاطر التركيبة السكانية الذين اقتربوا من نصف تعداد السكان، وهو امر يعتبر قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار في أي لحظة ولأي سبب ، وبالتالي الانطلاق نحو تفجير الداخل.
في الواقع يشكل حياد لبنان وبرعاية دولية وتحديدا أميركية وفرنسية ، مشروع يمكن حماية لبنان من خلاله، الا ان المشكلة في الأساس هو تأمين وتوفير شروط عامة من بينها مثلا ، مواققة معظم اللبنانيين عليه، وهو امر بات شبه مؤمن ولو غير معلن بين الأطراف اللبنانية، وهو يمكن ان يكون مشروعا قابلا للحياة في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة.
إضافة الى ذلك، ان موافقة الدول الإقليمية ذات التأثير في الواقع اللبناني، ليس متوفرا كما يبدو او كما يجب، فاسرائيل وايران وتركيا وسوريا مثلا ، لا توافق حاليا على حياد لينان لما سيقيد مواقفها ويحد من تحركاتها ومصالحها. كما ان الامر ينسحب على الولايات المتحدة التي سترفض ذلك، فيما فرنسا وان ستوافق بالتأكيد ليس لها القدرة على فرض المشروع، وفي ظل غياب الدول العالمية العظمى والكبرى مثل الصين وروسيا، سيكون الامر للولايات المتحدة في هذا الموضوع.
تمر اليوم معظم دول الشرق الأوسط بمخاض عسير وسط محاولة إعادة تركيب الجغرافيا السياسية لدوله، وفي هذه الحال معظم الدول المعنية بذلك، باتت مهيأة لاعادة التركيب مجددا، مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان وغيرها، وغريب المفارقات في هذا الموضوع، لم يشر الى لبنان في أي خرائط سبق ان نشرت حول التقسيمات الجغرافية وإعادة التركيب والتكوين، حيث النظم التي تم الإشارة اليها هي على قاعدة الفدرالية كما انطلقت في العراق واليمن مثلا إضافة الى المشاريع السورية سابقا.
اذن ، ثمة العديد من المؤشرات الصعبة التي يعيش فيها لبنان حاليا، وهو امر يستدعي البحث بسرعة وجدية عن وسائل تمكنه البقاء ككيان في المنطقة ومحاولة التوصل بين بنيه الى إيجاد الوظيفة الاقليمية التي تسعفه في البقاء كدولة وكيان وسط تحديات لها اول وليس لها آخر. طبعا ثمة مصاعب كبيرة لا تسعف اللبنانيين في اختيار البدائل الممكنة، فالحياد الذي لم يوافق عليه اللبنانيون سابقا، ربما بات امرا مقبولا وقابلا للحياة وسط تهديد وجودي للكيان، وهنا لا تكمن المشكلة في موافقة اللبنانيين على الحياد، انما الظروف الإقليمية لدول المنطقة لن توافق على هذا المشروع باعتبار انه سيكف يدها عنه، كما ان الامر ينسحب أيضا على بعض الدول الكبرى التي اما ان ترفض كالولايات المتحدة او ليس بمقدورها الفرض كفرنسا، او دول غير مهتمة حاليا كروسيا والصين وغيرها.
خلاصة القول، ان لبنان بدأ يغادر المنطقة بخطى متسارعة، وضرورات البحث عن حل ينبغي ان يجده أبناءه، واذا كان الحياد غير مقبول سابقا للعديد من الاعتبارات ، ربما اليوم يشكل مدخلا لاعادة ترميم النظام بموافقة ورعاية إقليمية ودولية، رغم المصاعب الهائلة التي سيكون من شبه المستحيل إيجاد مخارج لها.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)