Middle East Online ميدل ايست اونلاين: "في استقالة اولمرت وتداعياتها"
23/09/2008
22/09/2008
في استقالة اولمرت وتداعياتها
في استقالة اولمرت وتداعياتها
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بصرف النظر عن الأسباب الحقيقية أو على الأقل غير المعلنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت، فان تداعيات الحدث ودلالاته تتخطى مجرد استقالة رئيس وزراء،بخاصة أنها كانت متوقعة إن لم تكن حتمية في سياق إحصاء الإخفاقات الموصوفة في خلال قيادته لإسرائيل,فمن الناحية العملية تشكل الاستقالة سقوطا مريعا لآخر رموز هزيمة إسرائيل في عدوانها على لبنان العام 2006.وإذا كان تقرير فينوغراد الشهير قد فتح الباب لهروب اولمرت من السلطة بطريقة تحفظ ماء الوجه السياسي لرموز الحرب،فان ملفات الفساد والرشوة نغصت عليه هذه الفرصة وجعلت سقوطه مرتبطا بمزيج من العوامل بعضها مفهوم والآخر غير ذلك، مقارنة بالسوابق التاريخية لمن سبقه في رئاسة الوزراء وبخاصة اسحق رابين على سبيل المثال.
في العام 1995 وفيما كانت المفاوضات العربية الإسرائيلية منطلقة بشكل غير مسبوق،أطلقت رصاصة الرحمة على السلام الموعود بين العرب وإسرائيل باغتيال رابين ووديعته المشهورة بشأن الجانب السوري من المفاوضات،وبصرف النظر عن طبيعة المقاربة ومكانتها وقوتها بين رابين واولمرت في الحياة السياسية الإسرائيلية،يبقى العامل الخارجي وأدوات الصراع مع العرب وتداعياته احد الأسباب الرئيسة في انعطاف السياسات الإسرائيلية وترجمتها بانقلابات السلطة في الداخل بهدف تمرير الوقت وكسبه بانتظار متغيرات جديدة تعيد الحياة السياسية الإسرائيلية إلى روعها ووعيها الباطني القائل بأن لا سلام مع العرب في ظروف الانكسار الإسرائيلي،وإذا كان لا بد منه فينبغي فرضه بالقوة ولمصلحة إسرائيل في كل الأحوال والحسابات المعلنة وغير المعلنة منها.
وفي مطلق الأحوال لا يعني ذلك أن اولمرت كان على وشك تقديم التنازلات للعرب وإقامة الدولة الفلسطينية وإعادة الجولان وما تبقى من جنوب لبنان،بقدر ما هي خطوة استباقية لما يمكن أن ينتظره في مرحلة ضبابية إسرائيليا وأمريكيا وحتى إقليميا.فاولمرت بين أقرانه من رؤساء الوزراء السابقين لا يشكل حالة استثنائية يُعتد بها في مواجهة خصومه الداخليين وأعدائه الخارجيين،فهو وريث ارئيل شارون الحاضر الغائب، والشاهد الذي لم يشهد هزيمة إسرائيل الثانية في لبنان بعد معاصرته الأولى؛وهو أيضا الآتي من فراغ جعبة إسرائيل من القيادات الكاريزمية، وبالتالي مثّل الشخص الذي عبأ الفراغ في السياسة التكتية المناسبة لا الاستراتيجية التي تعوّدت عليها إسرائيل.
وإذا كانت وزيرة خارجيته تسيبني ليفني قد تمكّنت من إبعاد غريمه شاؤول موفاز عن خلافته،فان لائحة طويلة من الاستحقاقات تنتظرها ولن يكون وضعها بأحسن حال من سلفها على الصعيدين الداخلي والخارجي،وفي هذا السياق يمكن إدراج العديد من الاستحقاقات ومنها:
- محاولة إعادة ترميم حزب كديما المسؤول المباشر عن إلحاق الهزيمة الإسرائيلية الموصوفة بمواجهة العرب وتحديدا المقاومة اللبنانية،وهي سابقة لا تتحملها إسرائيل بكل المقاييس،وهي بطبيعة الأمر مهمة ليست سهلة إن لم تكن مستحيلة بخاصة أنها ستوكل إلى رئيسة وزراء كانت مسؤولة عن الملف السياسي والدبلوماسي لحرب 2006 وتداعياتها المعروفة النتائج.
- محاولة إعادة ترميم الملف الداخلي لكاديما وسط صراعات مكشوفة على زعامته المستقبلية الحقيقية،ومنافسة شديدة من خصوم يعتبرون من ثعالب السياسة الإسرائيلية×إضافة إلى الوضع القوي لخصومها السياسيين والعسكؤيين من تكتل الليكود الذي يضم عتاهية السياسة والعسكر والذين يتربصون لأدائها السياسي في المرحلة القادمة.
- محاولة استغلال فترة الـ 42 يوما لتشكيل ائتلاف حكومي برئاسة ليفني وهو أمر يبدو انه لن يكون سهلا وسط ارتفاع منسوب الأصوات الداعية لانتخابات نيابية مبكرة تعيد خلط الواقع الداخلي الإسرائيلي بكافة تداعياته الداخلية والخارجية، الأمر الذي سيعرقل مسيرة ليفني المزروعة بالأشواك أصلا.
- نسف المواعيد المتعلقة بالسلطة الفلسطينية مجددا،وهو أمر معتاد في كل انعطافة تفاوضية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني منذ مفاوضات مدريد في بداية العقد الأخير من القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
- التملص ولو مرحليا لجهة المفاوضات غير المباشرة مع الجانب السوري،رغم الإعلان المسبق عن تجميدها قبل الاستقالة،الأمر الذي يبدو انه مؤجلا إلى قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة،وفي اقل تقدير إلى النصف الثاني من العام 2009 بعد ترتيب السياسات الخارجية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط إذا ظلت وقائع الأمور كما هي عليها الآن.
وإذا كانت الوقائع الداخلية الإسرائيلية تبدو ثقيلة جدا على ساستها وعسكرها وجمهورها بكافة تلاوينه وميوله،فانه من الصعب استبعاد المفاجآت التي تعودت إسرائيل على إطلاقها في الأوقات المستقطعة من عمر أزماتها الداخلية للهروب إلى الخارج بمغامرات عسكرية أو أمنية تغطي فشل ساستها وعسكرها،سيما وان موضوعاتها كثيرة التنوع والاستهدافات والغايات.
وعلى الرغم من الوضع الداخلي المتأزم أصلا سياسيا وعسكريا واقتصاديا، فان الهروب إلى الإمام ربما يشكل مخرجا لدى الرؤؤس الحامية في القيادات الإسرائيلية،وهناك سوابق كثيرة لمثل تلك الحالات؛وثمة سيناريوهات كثيرة في هذه المرحلة يمكن أن تقدم عليها،بدءا من الهجوم على غزة مرورا بالاعتداء على لبنان وصولا إلى محاولة ضرب إيران،ورغم صعوبة تنفيذ هذه الاحتمالات للعديد من الاعتبارات تبقى احتمالات واردة.
في العام 1969 وصلت غولدا مائير لرئاسة الحكومة بعد سنتين على نكسة العرب العام 1967،فيما وصلت تسيبني ليفني يعد سنتين على هزيمة إسرائيل،وفي العام 1974 استقالت مائير بعدما أوصلت حزب العمل للسلطة بعيد نصر العرب في العام 1973، فهل يعيد التاريخ نفسه بطريقة معكوسة؟
ربما من مفارقات النظام السياسي في إسرائيل دوام تداول السلطة في الحرب كما السلم وفي النصر كما الهزيمة،وفي كلا الحالتين تعيد إسرائيل إنتاج نفسها من جديد كدولة ديموقراطية راغبة في السلام ظاهرا وماضية إلى الحرب باطنا،إن في ذلك عبرة لذوي الألباب،فهل نحن العرب منهم؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بصرف النظر عن الأسباب الحقيقية أو على الأقل غير المعلنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت، فان تداعيات الحدث ودلالاته تتخطى مجرد استقالة رئيس وزراء،بخاصة أنها كانت متوقعة إن لم تكن حتمية في سياق إحصاء الإخفاقات الموصوفة في خلال قيادته لإسرائيل,فمن الناحية العملية تشكل الاستقالة سقوطا مريعا لآخر رموز هزيمة إسرائيل في عدوانها على لبنان العام 2006.وإذا كان تقرير فينوغراد الشهير قد فتح الباب لهروب اولمرت من السلطة بطريقة تحفظ ماء الوجه السياسي لرموز الحرب،فان ملفات الفساد والرشوة نغصت عليه هذه الفرصة وجعلت سقوطه مرتبطا بمزيج من العوامل بعضها مفهوم والآخر غير ذلك، مقارنة بالسوابق التاريخية لمن سبقه في رئاسة الوزراء وبخاصة اسحق رابين على سبيل المثال.
في العام 1995 وفيما كانت المفاوضات العربية الإسرائيلية منطلقة بشكل غير مسبوق،أطلقت رصاصة الرحمة على السلام الموعود بين العرب وإسرائيل باغتيال رابين ووديعته المشهورة بشأن الجانب السوري من المفاوضات،وبصرف النظر عن طبيعة المقاربة ومكانتها وقوتها بين رابين واولمرت في الحياة السياسية الإسرائيلية،يبقى العامل الخارجي وأدوات الصراع مع العرب وتداعياته احد الأسباب الرئيسة في انعطاف السياسات الإسرائيلية وترجمتها بانقلابات السلطة في الداخل بهدف تمرير الوقت وكسبه بانتظار متغيرات جديدة تعيد الحياة السياسية الإسرائيلية إلى روعها ووعيها الباطني القائل بأن لا سلام مع العرب في ظروف الانكسار الإسرائيلي،وإذا كان لا بد منه فينبغي فرضه بالقوة ولمصلحة إسرائيل في كل الأحوال والحسابات المعلنة وغير المعلنة منها.
وفي مطلق الأحوال لا يعني ذلك أن اولمرت كان على وشك تقديم التنازلات للعرب وإقامة الدولة الفلسطينية وإعادة الجولان وما تبقى من جنوب لبنان،بقدر ما هي خطوة استباقية لما يمكن أن ينتظره في مرحلة ضبابية إسرائيليا وأمريكيا وحتى إقليميا.فاولمرت بين أقرانه من رؤساء الوزراء السابقين لا يشكل حالة استثنائية يُعتد بها في مواجهة خصومه الداخليين وأعدائه الخارجيين،فهو وريث ارئيل شارون الحاضر الغائب، والشاهد الذي لم يشهد هزيمة إسرائيل الثانية في لبنان بعد معاصرته الأولى؛وهو أيضا الآتي من فراغ جعبة إسرائيل من القيادات الكاريزمية، وبالتالي مثّل الشخص الذي عبأ الفراغ في السياسة التكتية المناسبة لا الاستراتيجية التي تعوّدت عليها إسرائيل.
وإذا كانت وزيرة خارجيته تسيبني ليفني قد تمكّنت من إبعاد غريمه شاؤول موفاز عن خلافته،فان لائحة طويلة من الاستحقاقات تنتظرها ولن يكون وضعها بأحسن حال من سلفها على الصعيدين الداخلي والخارجي،وفي هذا السياق يمكن إدراج العديد من الاستحقاقات ومنها:
- محاولة إعادة ترميم حزب كديما المسؤول المباشر عن إلحاق الهزيمة الإسرائيلية الموصوفة بمواجهة العرب وتحديدا المقاومة اللبنانية،وهي سابقة لا تتحملها إسرائيل بكل المقاييس،وهي بطبيعة الأمر مهمة ليست سهلة إن لم تكن مستحيلة بخاصة أنها ستوكل إلى رئيسة وزراء كانت مسؤولة عن الملف السياسي والدبلوماسي لحرب 2006 وتداعياتها المعروفة النتائج.
- محاولة إعادة ترميم الملف الداخلي لكاديما وسط صراعات مكشوفة على زعامته المستقبلية الحقيقية،ومنافسة شديدة من خصوم يعتبرون من ثعالب السياسة الإسرائيلية×إضافة إلى الوضع القوي لخصومها السياسيين والعسكؤيين من تكتل الليكود الذي يضم عتاهية السياسة والعسكر والذين يتربصون لأدائها السياسي في المرحلة القادمة.
- محاولة استغلال فترة الـ 42 يوما لتشكيل ائتلاف حكومي برئاسة ليفني وهو أمر يبدو انه لن يكون سهلا وسط ارتفاع منسوب الأصوات الداعية لانتخابات نيابية مبكرة تعيد خلط الواقع الداخلي الإسرائيلي بكافة تداعياته الداخلية والخارجية، الأمر الذي سيعرقل مسيرة ليفني المزروعة بالأشواك أصلا.
- نسف المواعيد المتعلقة بالسلطة الفلسطينية مجددا،وهو أمر معتاد في كل انعطافة تفاوضية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني منذ مفاوضات مدريد في بداية العقد الأخير من القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
- التملص ولو مرحليا لجهة المفاوضات غير المباشرة مع الجانب السوري،رغم الإعلان المسبق عن تجميدها قبل الاستقالة،الأمر الذي يبدو انه مؤجلا إلى قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة،وفي اقل تقدير إلى النصف الثاني من العام 2009 بعد ترتيب السياسات الخارجية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط إذا ظلت وقائع الأمور كما هي عليها الآن.
وإذا كانت الوقائع الداخلية الإسرائيلية تبدو ثقيلة جدا على ساستها وعسكرها وجمهورها بكافة تلاوينه وميوله،فانه من الصعب استبعاد المفاجآت التي تعودت إسرائيل على إطلاقها في الأوقات المستقطعة من عمر أزماتها الداخلية للهروب إلى الخارج بمغامرات عسكرية أو أمنية تغطي فشل ساستها وعسكرها،سيما وان موضوعاتها كثيرة التنوع والاستهدافات والغايات.
وعلى الرغم من الوضع الداخلي المتأزم أصلا سياسيا وعسكريا واقتصاديا، فان الهروب إلى الإمام ربما يشكل مخرجا لدى الرؤؤس الحامية في القيادات الإسرائيلية،وهناك سوابق كثيرة لمثل تلك الحالات؛وثمة سيناريوهات كثيرة في هذه المرحلة يمكن أن تقدم عليها،بدءا من الهجوم على غزة مرورا بالاعتداء على لبنان وصولا إلى محاولة ضرب إيران،ورغم صعوبة تنفيذ هذه الاحتمالات للعديد من الاعتبارات تبقى احتمالات واردة.
في العام 1969 وصلت غولدا مائير لرئاسة الحكومة بعد سنتين على نكسة العرب العام 1967،فيما وصلت تسيبني ليفني يعد سنتين على هزيمة إسرائيل،وفي العام 1974 استقالت مائير بعدما أوصلت حزب العمل للسلطة بعيد نصر العرب في العام 1973، فهل يعيد التاريخ نفسه بطريقة معكوسة؟
ربما من مفارقات النظام السياسي في إسرائيل دوام تداول السلطة في الحرب كما السلم وفي النصر كما الهزيمة،وفي كلا الحالتين تعيد إسرائيل إنتاج نفسها من جديد كدولة ديموقراطية راغبة في السلام ظاهرا وماضية إلى الحرب باطنا،إن في ذلك عبرة لذوي الألباب،فهل نحن العرب منهم؟
التسميات:
الصراع العربي الاسرائيلي,
دول العالم
14/09/2008
13/09/2008
ماذا بعد قمة دمشق الرباعية؟ السفير13-9-2008
As-Safir Newspaper - خليل حسين : ماذا بعد قمة دمشق الرباعية؟: "ماذا بعد قمة دمشق الرباعية؟"
05/09/2008
القمة الفرنسية - السورية وتداعياتها المستقبلية
القمة الفرنسية - السورية وتداعياتها المستقبلية
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
تأتي القمة الفرنسية - السورية في ظروف مغايرة عن لقاءات سبقت بين البلدين،ففرنسا اليوم لعبت دورا في كبح جماح روسيا في جورجيا،في الوقت الذي استثمر الرئيس السوري بشار الأسد زيارته لموسكو،لإثارة الغرائز الروسية في لعب ادوار لافتة في النظام العالمي من خلال القضيتين الجورجية والبولندية،وطرحه دمشق بوابة لإعادة التوازن الإقليمي وربما الدولي عبر امكانية نشر منظومة صاروخية روسية في سوريا، ردا على نظام الدرع الصاروخي الأمريكي في وارسو. وإذا كانت هاتان القضيتان هما الأحدث والأبرز على الساحة الدولية التي لعب فيها البلدان أدوارا لافتة،فان ثمة مسائل أخرى تنتظر الجانبين،وهي قضايا لا تقل أهمية عنها.
فسوريا التي استثمرت الجغرافيا السياسية للمنطقة ببراعة المزاوجة بين القضايا الاستراتيجية والتكتية، عبر الوسائل البرغماتية في علاقاتها الخارجية وبخاصة الفرنسية منها،تمكنت من تجاوز الكثير من القضايا الإقليمية والدولية التي كادت تطيح بأدوات السياسة الخارجية التي تعتبر من ركائز القوة في النظام السياسي الداخلي، عبر احتواء محاولات عزلها تارة،أو عبر نسج تحالفات تشكل وجها من أوجه المجابهة الدبلوماسية مع الغرب ومنها تطوير وتكريس العلاقات مع إيران وروسيا مثلا.
وإذا كان القرار 1559 الدولي الشكل، والفرنسي - الأمريكي المضمون، قد عزز ملابسات العلاقات الفرنسية - السورية في الماضي القريب،فان تجاوز الكثير من مضامينه سيشكل بوابة العبور الباريسي بزيارة نيقولا ساركوزي إلى دمشق، وبالتالي سيكون لقاء القمة بداية الطريق لعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها من الناحية المبدئية، سيما وأنها تأتي في أعقاب سُلف سياسية متبادلة من بينها:
- انعقاد القمة اللبنانية - السورية في دمشق التي فتحت صفحة جديدة بين لبنان وسوريا،والتي توَّجت الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية كانت إلى وقت قريب من صنف اليوتوبيا السياسية.والني تعتبر بالمعنى الدبدلوماسي اعترافا قانونيا سعت أطراف لبنانية إليه بكل قوة ولم تحصل عليه منذ عقود طويلة.
- إطلاق سوريا إشارات قوية إلى من يعنيهم الأمر وبالتأكيد فرنسا من بينهم، أن السياسة الخارجية السورية تجاه لبنان ستكون كغيرها من العلاقات التي تربط دمشق بباقي الدول العربية، مع التأكيد على وجوب احترام بعض خصوصية العلاقة من قبل الدول المعنية، بمعنى إن الدول المهتمة بمتابعة الملف اللبناني - السوري وما يرتبط به من قضايا ينبغي حسابها بدقة متناهية،وكأنها دعوة إلى اتفاقات "جنتلمان" تحفظ حقوق ومصالح الدول الأكثر رعاية بالمعنى السياسي والدبلوماسي.
- وعطفا على ما سبق،تشكل حالة المفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة ذات الرعاية التركية مدخلا لهضم الواقع السياسي في المنطقة،وبخاصة إشارة سوريا المباشرة إلى امكانية دخول لبنان هذه المفاوضات في وقت لاحق، وهذا ما يعتبر سُلفة سياسية سورية محفوظة الحقوق في مسار المفاوضات التي يمكن تطويرها لاحقا وبخاصة في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة.
- في مقابل ذلك، وان بدت فرنسا الشيراكية وبخاصة في أواخر عهدها،أكثر عدائية مع دمشق في تاريخ علاقتهما،فان فرنسا الساركوزية تبدو أكثر ميلا لاستيعاب الحالة السورية في شرق أوسط يستعد لدخول مخاض الحرب أو السلم،بعد تعثر مخاض الولادة الأمريكية للشرق الأوسط الجديد؛ والذي يبدو أن باريس تحاول تلقف هذا التعثر لاستنساخ محاولات فرنسية سابقة للعودة إلى المنطقة من البوابة الدمشقية هذه المرة، في الوقت المستقطع من عمر الإدارة الأمريكية الحالية.
- إن طموح فرنسا في إقامة اتحاد متوسطي لا يعبر بالضرورة عن طموح باريسي مخملي،بقدر ما هو طموح إقليمي أوروبي ومتوسطي،وقد حرص الرئيس ساركوزي في القمة الأخيرة على إعطاء سوريا ميزة تفضيلية وان كانت بروتوكولية ودبلوماسية فهي تعطي أبعادا جديدة للفهم الفرنسي الجاد لموقع سوريا في المنطقة وقدرتها على تسويق مشاريع عجزت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تسويقها في المنطقة مع سوريا أو بدونها.
- ثمة أفكار ومشاريع كثيرة راجت في الفترة السابقة جلها فرنسية المصدر، مفادها محاولة إبعاد دمشق عن طهران،وما يمكن أن يستتبع من تداعيات ذلك على الواقع السياسي في لبنان أولا وفي المنطقة تاليا،كما سُربت أفكار أخرى عن لعب دور ما في محاولة إقناع سوريا بالتوسّط مع طهران لإيجاد بيئات حل لأزمة الملف النووي مع الغرب،الأمر الذي يعني أن الدبلوماسية الفرنسية تجاه دمشق أشبه بدبلوماسية حد السيف؛فهي تعطيها فرصا تعتبر ريادية في ملفات دولية شائكة ومعقدة ،وفي نفس الوقت تدرك أن فرص نجاح مثل هذه الخيارات هي متواضعة جدا إن لم تكن معدومة.
إن محاولة استشراف مستقبل العلاقات بين البلدين مرهون بقضايا ليست بالضرورة متعلقة بهما مباشرة،وإنما تبدو مرتبطة بأداء سوريا تجاه بعض الملفات الإقليمية،ومدى الرضا الفرنسي عليه،طبعا بصرف النظر عن مستوى الأداء وفاعليته وحتى عن مستوى الرضا والقبول به.
فمثلا في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي ليست دمشق مضطرة لتقديم الكثير لكسب الود الفرنسي،فيما المقايضة وفواتير الدفع المسبق هي في واشنطن،وبهذا المعنى،ليست باريس قادرة على التأثير في تلك الملفات باعتبارها لا تملك الحل والربط ،وإنما تعتبر لاعبا غير فاعل،يبرز دوره قي بعض المحطات الاستثنائية العابرة التي لا يمكن التأسيس عليها في تقييم العلاقات السورية الفرنسية من خلالها.
في مقابل ذلك يظهر التأثير الفرنسي أكثر وضوحا في بعض الملفات لا سيما المتعلقة بالعلاقات اللبنانية - السورية.فعلى الرغم من تمكن واشنطن في الفترة الماضية من إبعاد الثقل الفرنسي المعنوي عن الساحة اللبنانية وما يؤثر فيها،ظلت باريس قادرة على الحراك الدبلوماسي في المحافل الدولية لتنفيذ سياساتها الخارجية المتعلقة بلبنان،ويعتبر القرار 1559 مثال بارز على ذلك، رغم بعض الاستثناءات المتعلقة بالدور الأمريكي فيه.وبالتالي إن الملف اللبناني يمكن أن يكون مقياسا مقبولا وواضح الأثر لمستقبل العلاقات الفرنسية - السورية.
ثمَّة إشارة غير معلنة،من كلا الطرفين،مفادها أن كل من باريس ودمشق عرف ما ينبغي فعله. فسوريا تريد ختم ملف عزلتها الدولية بالمخمل الباريسي الساركوزي،وفي نقس الوقت تدرك دمشق ثمنها السياسي المسبق الدفع أقله في هذه المرحلة إقامة علاقات دبلوماسية مع بيروت. فيما تطمح باريس للعب ادوار ريادية في المنطقة وهي تدرك صعوبة المنال بعيدا عن البوابة الدمشفية.
لذلك، فمن مفارقات انعقاد القمة،هي نتائج القمة اللبنانية - السورية مبدئيا،ومن مفارقات استمرار تطوير العلاقات مرتبط إلى حد كبير بمستوى الأداء السوري في الملفات اللبنانية مستقبلا.إضافة إلى ذلك ثمة محفزات كثيرة يمكن أن تلعب أدوارا ايجابية أخرى،من بينها إعادة تفعيل مسار الشراكة السورية - الأوروبية مجددا عبر البوابة الباريسية,فالعامل الاقتصادي مفتاح مرغوب به لدى سوريا،فيما محاولة إمساك خرائط الطرق في المشرق العربي أمر سعت وتسعى إليه فرنسا.
لقد اتسمت السياسة الخارجية الفرنسية بمظهر "المشاغبة الدبلوماسية" للحصول على ما يمكن الحصول عليه من الإدارة الأمريكية في ملفات المنطقة،كملف العراق ولبنان والصراع العربي الإسرائيلي وغيرها،ذلك كان في مراحل سابقة لم تكن الكيمياء السياسية بين باريس وواشنطن تفعل فعلها؛أما اليوم فقد اختلفت التفاعلات وبخاصة في خلال إدارة نيقولا ساركوزي،ما يتيح لباريس تحقيق مكاسب إضافية كانت عاجزة عنها سابقا،وربما تكون قمة الرئيسين الأسد وساركوزي بداية الأمل الفرنسي الذي يلوح في الأفق.
قبل عقد من الزمن ميّزت سوريا علاقاتها بفرنسا، عبر زيارة دولة قام بها الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى باريس،في وقت استقبل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في دمشق،والتقى الرئيس نيكسون في فيينا ولم يزر واشنطن قط. في المقابل فتحت باريس أبواب قصر الاليزيه للرئيس السوري بشار الأسد قبل تسلمه مقاليد الحكم في سوريا،فهل يعي الطرفان مغزى هذه السِّلف السياسية والدبلوماسية القائمة بين البلدين؟ وهل يمكن البناء عليها مستقبلا لكي تكون قابلة للحياة؟ الأمور مرهونة بظروف ما يطرأ من مستجدات إقليمية ودولية. أما الثابت في هذا المجال فهو أيضا وأيضا القدرة السورية الفائقة في قراءة التحولات وهضمها والبناء عليها، والعبرة هنا تكمن في فهم هذه المعادلة ليس فرنسيا فقط بل بالتحديد لبنانيا.
لقد خضع كل من لبنان وسوريا إلى ربع قرن من الانتداب الفرنسي، والنتيجة كانت أماً حنونا على لبنان،وخالة حانقة على سوريا. وطريف المفارقات في العلاقة المتبادلة بين الأم والشقيقين،تسترضي شقيق ابنها لتعزيز موقعها ولو على حساب ابنها،وتبيع ابنها حنانا غير قابل للإعراب السياسي في مجال العلاقات الدولية!.
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
تأتي القمة الفرنسية - السورية في ظروف مغايرة عن لقاءات سبقت بين البلدين،ففرنسا اليوم لعبت دورا في كبح جماح روسيا في جورجيا،في الوقت الذي استثمر الرئيس السوري بشار الأسد زيارته لموسكو،لإثارة الغرائز الروسية في لعب ادوار لافتة في النظام العالمي من خلال القضيتين الجورجية والبولندية،وطرحه دمشق بوابة لإعادة التوازن الإقليمي وربما الدولي عبر امكانية نشر منظومة صاروخية روسية في سوريا، ردا على نظام الدرع الصاروخي الأمريكي في وارسو. وإذا كانت هاتان القضيتان هما الأحدث والأبرز على الساحة الدولية التي لعب فيها البلدان أدوارا لافتة،فان ثمة مسائل أخرى تنتظر الجانبين،وهي قضايا لا تقل أهمية عنها.
فسوريا التي استثمرت الجغرافيا السياسية للمنطقة ببراعة المزاوجة بين القضايا الاستراتيجية والتكتية، عبر الوسائل البرغماتية في علاقاتها الخارجية وبخاصة الفرنسية منها،تمكنت من تجاوز الكثير من القضايا الإقليمية والدولية التي كادت تطيح بأدوات السياسة الخارجية التي تعتبر من ركائز القوة في النظام السياسي الداخلي، عبر احتواء محاولات عزلها تارة،أو عبر نسج تحالفات تشكل وجها من أوجه المجابهة الدبلوماسية مع الغرب ومنها تطوير وتكريس العلاقات مع إيران وروسيا مثلا.
وإذا كان القرار 1559 الدولي الشكل، والفرنسي - الأمريكي المضمون، قد عزز ملابسات العلاقات الفرنسية - السورية في الماضي القريب،فان تجاوز الكثير من مضامينه سيشكل بوابة العبور الباريسي بزيارة نيقولا ساركوزي إلى دمشق، وبالتالي سيكون لقاء القمة بداية الطريق لعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها من الناحية المبدئية، سيما وأنها تأتي في أعقاب سُلف سياسية متبادلة من بينها:
- انعقاد القمة اللبنانية - السورية في دمشق التي فتحت صفحة جديدة بين لبنان وسوريا،والتي توَّجت الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية كانت إلى وقت قريب من صنف اليوتوبيا السياسية.والني تعتبر بالمعنى الدبدلوماسي اعترافا قانونيا سعت أطراف لبنانية إليه بكل قوة ولم تحصل عليه منذ عقود طويلة.
- إطلاق سوريا إشارات قوية إلى من يعنيهم الأمر وبالتأكيد فرنسا من بينهم، أن السياسة الخارجية السورية تجاه لبنان ستكون كغيرها من العلاقات التي تربط دمشق بباقي الدول العربية، مع التأكيد على وجوب احترام بعض خصوصية العلاقة من قبل الدول المعنية، بمعنى إن الدول المهتمة بمتابعة الملف اللبناني - السوري وما يرتبط به من قضايا ينبغي حسابها بدقة متناهية،وكأنها دعوة إلى اتفاقات "جنتلمان" تحفظ حقوق ومصالح الدول الأكثر رعاية بالمعنى السياسي والدبلوماسي.
- وعطفا على ما سبق،تشكل حالة المفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة ذات الرعاية التركية مدخلا لهضم الواقع السياسي في المنطقة،وبخاصة إشارة سوريا المباشرة إلى امكانية دخول لبنان هذه المفاوضات في وقت لاحق، وهذا ما يعتبر سُلفة سياسية سورية محفوظة الحقوق في مسار المفاوضات التي يمكن تطويرها لاحقا وبخاصة في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة.
- في مقابل ذلك، وان بدت فرنسا الشيراكية وبخاصة في أواخر عهدها،أكثر عدائية مع دمشق في تاريخ علاقتهما،فان فرنسا الساركوزية تبدو أكثر ميلا لاستيعاب الحالة السورية في شرق أوسط يستعد لدخول مخاض الحرب أو السلم،بعد تعثر مخاض الولادة الأمريكية للشرق الأوسط الجديد؛ والذي يبدو أن باريس تحاول تلقف هذا التعثر لاستنساخ محاولات فرنسية سابقة للعودة إلى المنطقة من البوابة الدمشقية هذه المرة، في الوقت المستقطع من عمر الإدارة الأمريكية الحالية.
- إن طموح فرنسا في إقامة اتحاد متوسطي لا يعبر بالضرورة عن طموح باريسي مخملي،بقدر ما هو طموح إقليمي أوروبي ومتوسطي،وقد حرص الرئيس ساركوزي في القمة الأخيرة على إعطاء سوريا ميزة تفضيلية وان كانت بروتوكولية ودبلوماسية فهي تعطي أبعادا جديدة للفهم الفرنسي الجاد لموقع سوريا في المنطقة وقدرتها على تسويق مشاريع عجزت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تسويقها في المنطقة مع سوريا أو بدونها.
- ثمة أفكار ومشاريع كثيرة راجت في الفترة السابقة جلها فرنسية المصدر، مفادها محاولة إبعاد دمشق عن طهران،وما يمكن أن يستتبع من تداعيات ذلك على الواقع السياسي في لبنان أولا وفي المنطقة تاليا،كما سُربت أفكار أخرى عن لعب دور ما في محاولة إقناع سوريا بالتوسّط مع طهران لإيجاد بيئات حل لأزمة الملف النووي مع الغرب،الأمر الذي يعني أن الدبلوماسية الفرنسية تجاه دمشق أشبه بدبلوماسية حد السيف؛فهي تعطيها فرصا تعتبر ريادية في ملفات دولية شائكة ومعقدة ،وفي نفس الوقت تدرك أن فرص نجاح مثل هذه الخيارات هي متواضعة جدا إن لم تكن معدومة.
إن محاولة استشراف مستقبل العلاقات بين البلدين مرهون بقضايا ليست بالضرورة متعلقة بهما مباشرة،وإنما تبدو مرتبطة بأداء سوريا تجاه بعض الملفات الإقليمية،ومدى الرضا الفرنسي عليه،طبعا بصرف النظر عن مستوى الأداء وفاعليته وحتى عن مستوى الرضا والقبول به.
فمثلا في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي ليست دمشق مضطرة لتقديم الكثير لكسب الود الفرنسي،فيما المقايضة وفواتير الدفع المسبق هي في واشنطن،وبهذا المعنى،ليست باريس قادرة على التأثير في تلك الملفات باعتبارها لا تملك الحل والربط ،وإنما تعتبر لاعبا غير فاعل،يبرز دوره قي بعض المحطات الاستثنائية العابرة التي لا يمكن التأسيس عليها في تقييم العلاقات السورية الفرنسية من خلالها.
في مقابل ذلك يظهر التأثير الفرنسي أكثر وضوحا في بعض الملفات لا سيما المتعلقة بالعلاقات اللبنانية - السورية.فعلى الرغم من تمكن واشنطن في الفترة الماضية من إبعاد الثقل الفرنسي المعنوي عن الساحة اللبنانية وما يؤثر فيها،ظلت باريس قادرة على الحراك الدبلوماسي في المحافل الدولية لتنفيذ سياساتها الخارجية المتعلقة بلبنان،ويعتبر القرار 1559 مثال بارز على ذلك، رغم بعض الاستثناءات المتعلقة بالدور الأمريكي فيه.وبالتالي إن الملف اللبناني يمكن أن يكون مقياسا مقبولا وواضح الأثر لمستقبل العلاقات الفرنسية - السورية.
ثمَّة إشارة غير معلنة،من كلا الطرفين،مفادها أن كل من باريس ودمشق عرف ما ينبغي فعله. فسوريا تريد ختم ملف عزلتها الدولية بالمخمل الباريسي الساركوزي،وفي نقس الوقت تدرك دمشق ثمنها السياسي المسبق الدفع أقله في هذه المرحلة إقامة علاقات دبلوماسية مع بيروت. فيما تطمح باريس للعب ادوار ريادية في المنطقة وهي تدرك صعوبة المنال بعيدا عن البوابة الدمشفية.
لذلك، فمن مفارقات انعقاد القمة،هي نتائج القمة اللبنانية - السورية مبدئيا،ومن مفارقات استمرار تطوير العلاقات مرتبط إلى حد كبير بمستوى الأداء السوري في الملفات اللبنانية مستقبلا.إضافة إلى ذلك ثمة محفزات كثيرة يمكن أن تلعب أدوارا ايجابية أخرى،من بينها إعادة تفعيل مسار الشراكة السورية - الأوروبية مجددا عبر البوابة الباريسية,فالعامل الاقتصادي مفتاح مرغوب به لدى سوريا،فيما محاولة إمساك خرائط الطرق في المشرق العربي أمر سعت وتسعى إليه فرنسا.
لقد اتسمت السياسة الخارجية الفرنسية بمظهر "المشاغبة الدبلوماسية" للحصول على ما يمكن الحصول عليه من الإدارة الأمريكية في ملفات المنطقة،كملف العراق ولبنان والصراع العربي الإسرائيلي وغيرها،ذلك كان في مراحل سابقة لم تكن الكيمياء السياسية بين باريس وواشنطن تفعل فعلها؛أما اليوم فقد اختلفت التفاعلات وبخاصة في خلال إدارة نيقولا ساركوزي،ما يتيح لباريس تحقيق مكاسب إضافية كانت عاجزة عنها سابقا،وربما تكون قمة الرئيسين الأسد وساركوزي بداية الأمل الفرنسي الذي يلوح في الأفق.
قبل عقد من الزمن ميّزت سوريا علاقاتها بفرنسا، عبر زيارة دولة قام بها الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى باريس،في وقت استقبل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في دمشق،والتقى الرئيس نيكسون في فيينا ولم يزر واشنطن قط. في المقابل فتحت باريس أبواب قصر الاليزيه للرئيس السوري بشار الأسد قبل تسلمه مقاليد الحكم في سوريا،فهل يعي الطرفان مغزى هذه السِّلف السياسية والدبلوماسية القائمة بين البلدين؟ وهل يمكن البناء عليها مستقبلا لكي تكون قابلة للحياة؟ الأمور مرهونة بظروف ما يطرأ من مستجدات إقليمية ودولية. أما الثابت في هذا المجال فهو أيضا وأيضا القدرة السورية الفائقة في قراءة التحولات وهضمها والبناء عليها، والعبرة هنا تكمن في فهم هذه المعادلة ليس فرنسيا فقط بل بالتحديد لبنانيا.
لقد خضع كل من لبنان وسوريا إلى ربع قرن من الانتداب الفرنسي، والنتيجة كانت أماً حنونا على لبنان،وخالة حانقة على سوريا. وطريف المفارقات في العلاقة المتبادلة بين الأم والشقيقين،تسترضي شقيق ابنها لتعزيز موقعها ولو على حساب ابنها،وتبيع ابنها حنانا غير قابل للإعراب السياسي في مجال العلاقات الدولية!.
القمة السورية الروسية:علاقات الضرورة وتقاطع المصالح
القمة السورية الروسية:علاقات الضرورة وتقاطع المصالح
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
في وقت تستعد فيه موسكو لإشهار العين الحمراء على واشنطن من خلال معارك جورجيا، وفي الوقت الذي تمكنت فيه دمشق من كسر عزلة الغرب عليها بزيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي لها في أيلول القادم، تأتي قمة الرئيسين السوري بشار الأسد والروسي دميتري ميدفيديف لتكرس عرفا سبق أن تكرّس في علاقات البلدين مفاده علاقات الضرورة وتقاطع المصالح، في عالم استهدافهما ، في ظروف داخلية صعبة للطرفين ووقائع وأحداث إقليمية ودولية ضغطت عليهما بهدف تحجيم دورهما في نظام دولي لم تتمكن قوة فيه من منافسة واشنطن في قيادتها للعالم.وفي قراءة دقيقة لبعض ظروف البلدين تظهر خلفية القمة وآثارها على مستقبل ودور كل منهما في منطقة تعج بالمشاكل ومشاريع الحلول.
فموسكو التي حسمت أمرها في المسألة الجورجية بعد أكثر من عقد ونصف من تحمّل الشغب التبليسي،تمكّنت من القراءة الدقيقة للظروف الإقليمية والدولية وسددت ضربة غير قاضية لسياسات واشنطن في القوقاز لكنها تسجل في خانة ربح النقاط القابلة للصرف السياسي في غير منطقة ومنها الشرق الأوسط.وفي مقابل ذلك تمكنت دمشق أيضا من فك طوق غربي طاول احد ابرز اذرع سياساتها الخارجية في لبنان،وتوجته في قمة سورية لبنانية، ستمهد لانفتاح فرنسي على سوريا سيترجم في قمة لافتة في أوائل أيلول القادم.
إن ما يجمع سوريا وروسيا جوانب كثيرة تبدأ بعلاقات الضرورة التي تستهدف مواجهة سياسات دولية تعتبر معادية في مقاييس العلاقات الدولية،مرورا بتقاطع المصالح،ولا تنتهي بالاستثمار السياسي والاقتصادي والعسكري.وفي الواقع ثمة أسباب كثيرة حتّمت عقد القمة بين الجانبين، والتي بدأ التحضير لها منذ الربيع الماضي،ومن بينها محاولة إعادة إحياء الحوارات وتبادل وجهات النظر حول بعض الملفات لتكريس اتفاقات سابقة.
فلقاء الأسد ميدفيديف وهو الأول سيشكل مناسبة لتعارف الرئيسين عن قرب،في وقت تقبل المنطقة فيها على تطورات لافتة تستوجب التنسيق والتعاون في قرارات دقيقة وحساسة.فاللقاءات السورية الإسرائيلية غير المباشرة في تركيا استرعت نظر موسكو وهي بحاجة لبلورة الصورة باعتبارها تمسُّ طموحا روسيا في لعب دور ما في هذا الملف,باعتباره ذراعا خارجية روسية من الصعب التخلي عنه لمصلحة تركيا الدولة التي لطالما اعتبرتها حاجزا جغرافيا سياسيا في وجه امتداداتها الأمنية والعسكرية إلى المياه الدافئة في المتوسط.
فبصرف النظر عن مدى فاعلية الرعاية التركية لملف المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل،ثمة طموح روسي بإطلاق محادثات السلام في الشرق الأوسط في الخريف المقبل، إذا صدقت الوعود الأمريكية وهي مشكوك فيها، بخاصة أنها ستتزامن مع حمى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وعلاوة على ذلك ثمة إشارات أطلقت مؤخرا حول جس نبض سياسي غربي لدمشق حول امكانية أن تلعب دمشق دور ما في وساطة مع طهران حول البرنامج النووي،الأمر الذي يستلزم أيضا استكشاف الموقف الروسي باعتبار أن موسكو تشكل الرافعة الأساس لقوة الموقف الإيراني في مواجهة الغرب في هذا الملف.
ثمة العديد من الأسباب والخلفيات الموضوعية التي تستدعي التنسيق بين الجانبين ،وفي الواقع أرسى هذا التوجه وبخاصة بعد الحقبة السوفيتية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،رئيس الوزراء الحالي،الذي يعتبر رئيس الظل لروسيا،والذي يمكن أن يكون الطرف الثالث في لقاء القمة بين الرئيسين في سوتشي.
إن تفعيل السياسة الخارجية الروسية كان ثمرة جهود سعى إليها بوتين لإعادة مكانة روسيا الدولية في نظام دولي متعدد الأقطاب إلى جانب الولايات المتحدة. ولذلك وضعت موسكو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الداخلي في برنامج أولويات سياساتها، وسعت إلى توظيف السياسة الخارجية لخدمة الإصلاح الاقتصادي ما أدى إلى هيمنة الاعتبارات المصلحية وبخاصة الاقتصادية على أولويات السياسة الروسية. وكلما تعاظمت هذه المصالح، ازدادت فاعلية الدور الروسي ومحاولات التأثير والمناورة. كما أن روسيا مالت إلى ترجمة أهدافها ومصالحها إلى علاقات تعاونية تخدم مصالحها ومصالح الأطراف الأخرى.
ومهما يكن من أمر المتغيرات الطارئة في الشرق الأوسط تبقى هذه المنطقة بالتحديد موقعا وموئلا تجاذبته دول كثيرة طامحة للعب ادوار إقليمية ودولية مؤثرة،ويبدو إن موسكو تحديدا آخذة في هذا الاتجاه نظرا للحاجات والمصالح المتبادلة بينها وبين دول المنطقة وتحديدا سوريا ،ويظهر ذلك جليا عبر العديد من المسائل منها:
- إن الانتشار الأمريكي الكثيف جنوب روسيا في العقد الأخير من القرن الماضي،تحوَّل في كثير من مواقعه إلى قوى احتلال بعد حروب إقليمية كبيرة خاضتها بغطاء دولي،كنموذج أفغانستان والعراق،الأمر الذي حوَّل هذه القوات إلى قوة تهديد للمصالح الاستراتيجية الروسية.ومن الزاوية عينها تشكل هذه القوات خطرا مباشرا على أنظمة دول المنطقة كنموذج سوريا وإيران.
- إن حاجة روسيا للنمو الاقتصادي المستمر للتخلص من سيف المساعدات الخارجية المشروطة،مرهون بحيازتها للعملات الأجنبية الذي لا يمكن إن يتأتى إلا من مصادر بيع الأسلحة لمن يحتاجها،وفي المقابل تبدو دول المنطقة مهتمة بهذا المجال لإعادة بعض التوازن المفقود أصلا في المنطقة.
- إن تعثر مشاريع التسوية إن لم نقل إحباطها في المنطقة بقوة الدفع الإسرائيلية الأمريكية بعد مؤتمر مدريد ومندرجاته،اتاح لبعض دول المنطقة ومنها سوريا،وكذلك للدول الكبرى ومنها روسيا وتركيا،إعادة رسم سياساتها وعلاقاتها من جديد،بدافع تقاطع المصالح السياسية والاقتصادية.فتركيا الباحثة عن دور ضائع منذ قرن تقريبا وجدت النزاع العربي الإسرائيلي مدخلا له في الآونة الأخيرة للتقرب من إسرائيل وسوريا،فيما التوجه السوري شمالا نحو أنقرة وعدم ممانعتها لهذا الدور لم ينسها المتابعة شمالا باتجاه موسكو،أما الأخيرة المتوجسة من إعادة إحياء دور تركيا على حدودها الجنوبية،فلن تألو جهدا في تجاوزها للوصول نحو مركز الجذب الإقليمي المتمثل بسوريا.
- إن اقتناع موسكو بأن المشروع الإمبراطوري الأمريكي لن يتوقف عند حدود أوروبا القديمة- الجديدة،بل سيتعداه إلى روسيا نفسها،ما أوجد نقاط تقاطع كثيرة مع رؤية بعض قوى المنطقة ومنها سوريا لمشروع الشرق الأوسط الكبير - الجديد،المصنف كخريطة طريق لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة برمتها.
- كما إن إخراج روسيا عمليا من عقود نفط العراق يشكل مناسبة هامة للانفتاح الروسي على دول المنطقة ومنها إيران والسعودية،وان ترتيب بيئة اقتصادية نفطية جديدة تسلتزم تركيز بيئة سياسية ملائمة من الضروري أن تكون دمشق من بينها بالنظر لعلاقتها مع طهران وموقعها بالنسبة لدول المنطقة.
طبعا ثمة عقبات يمكن أن تواجه هذا التحليل المتفائل للعلاقة بين البلدين وبخاصة إذا ما أدرجت المصالح الإسرائيلية الروسية لجهة عدم قدرة موسكو تجاهل ثقل المليون يهودي روسي في إسرائيل،ومدى تأثر الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي بصفقات الأسلحة الروسية لدول المنطقة ومنها سوريا.
لكن مهما يكن من أمر ،ثمة مصلحة روسية سورية مشتركة تتقاطع في الكثير من المحطات السياسية والاقتصادية وحتى في الحسابات الجيو سياسية،وهذا ما يستدعي تقوية العلاقات القائمة ومحاولة الاستفادة من بعض المتغيرات قدر المستطاع ومنها التعثر الأمريكي في العراق .فهل تمكنت سوريا من تجاوز الألغام الإسرائيلية الأمريكية المزروعة على طريق موسكو؟ وهل سيقرأ الرئيسان الروسي والسوري في كتاب واحد؟
ثمة تطورات كثيرة يمكن أن تلوح في المستقبل القريب ما تستدعي قراءة سورية روسية في كتاب واحد،وبقدر ما تكون القراءة واحدة تكون المصالح متطابقة وقابلة للاستثمار المشترك في المجالات الاستراتيجية علاوة على التكتية ،فهل سيكون حساب حقل دمشق متطابقا مع بيدر موسكو؟سؤال مرتبط بمدى تطابق المصالح وعلاقات الضرورة بين البلدين.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
في وقت تستعد فيه موسكو لإشهار العين الحمراء على واشنطن من خلال معارك جورجيا، وفي الوقت الذي تمكنت فيه دمشق من كسر عزلة الغرب عليها بزيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي لها في أيلول القادم، تأتي قمة الرئيسين السوري بشار الأسد والروسي دميتري ميدفيديف لتكرس عرفا سبق أن تكرّس في علاقات البلدين مفاده علاقات الضرورة وتقاطع المصالح، في عالم استهدافهما ، في ظروف داخلية صعبة للطرفين ووقائع وأحداث إقليمية ودولية ضغطت عليهما بهدف تحجيم دورهما في نظام دولي لم تتمكن قوة فيه من منافسة واشنطن في قيادتها للعالم.وفي قراءة دقيقة لبعض ظروف البلدين تظهر خلفية القمة وآثارها على مستقبل ودور كل منهما في منطقة تعج بالمشاكل ومشاريع الحلول.
فموسكو التي حسمت أمرها في المسألة الجورجية بعد أكثر من عقد ونصف من تحمّل الشغب التبليسي،تمكّنت من القراءة الدقيقة للظروف الإقليمية والدولية وسددت ضربة غير قاضية لسياسات واشنطن في القوقاز لكنها تسجل في خانة ربح النقاط القابلة للصرف السياسي في غير منطقة ومنها الشرق الأوسط.وفي مقابل ذلك تمكنت دمشق أيضا من فك طوق غربي طاول احد ابرز اذرع سياساتها الخارجية في لبنان،وتوجته في قمة سورية لبنانية، ستمهد لانفتاح فرنسي على سوريا سيترجم في قمة لافتة في أوائل أيلول القادم.
إن ما يجمع سوريا وروسيا جوانب كثيرة تبدأ بعلاقات الضرورة التي تستهدف مواجهة سياسات دولية تعتبر معادية في مقاييس العلاقات الدولية،مرورا بتقاطع المصالح،ولا تنتهي بالاستثمار السياسي والاقتصادي والعسكري.وفي الواقع ثمة أسباب كثيرة حتّمت عقد القمة بين الجانبين، والتي بدأ التحضير لها منذ الربيع الماضي،ومن بينها محاولة إعادة إحياء الحوارات وتبادل وجهات النظر حول بعض الملفات لتكريس اتفاقات سابقة.
فلقاء الأسد ميدفيديف وهو الأول سيشكل مناسبة لتعارف الرئيسين عن قرب،في وقت تقبل المنطقة فيها على تطورات لافتة تستوجب التنسيق والتعاون في قرارات دقيقة وحساسة.فاللقاءات السورية الإسرائيلية غير المباشرة في تركيا استرعت نظر موسكو وهي بحاجة لبلورة الصورة باعتبارها تمسُّ طموحا روسيا في لعب دور ما في هذا الملف,باعتباره ذراعا خارجية روسية من الصعب التخلي عنه لمصلحة تركيا الدولة التي لطالما اعتبرتها حاجزا جغرافيا سياسيا في وجه امتداداتها الأمنية والعسكرية إلى المياه الدافئة في المتوسط.
فبصرف النظر عن مدى فاعلية الرعاية التركية لملف المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل،ثمة طموح روسي بإطلاق محادثات السلام في الشرق الأوسط في الخريف المقبل، إذا صدقت الوعود الأمريكية وهي مشكوك فيها، بخاصة أنها ستتزامن مع حمى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وعلاوة على ذلك ثمة إشارات أطلقت مؤخرا حول جس نبض سياسي غربي لدمشق حول امكانية أن تلعب دمشق دور ما في وساطة مع طهران حول البرنامج النووي،الأمر الذي يستلزم أيضا استكشاف الموقف الروسي باعتبار أن موسكو تشكل الرافعة الأساس لقوة الموقف الإيراني في مواجهة الغرب في هذا الملف.
ثمة العديد من الأسباب والخلفيات الموضوعية التي تستدعي التنسيق بين الجانبين ،وفي الواقع أرسى هذا التوجه وبخاصة بعد الحقبة السوفيتية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،رئيس الوزراء الحالي،الذي يعتبر رئيس الظل لروسيا،والذي يمكن أن يكون الطرف الثالث في لقاء القمة بين الرئيسين في سوتشي.
إن تفعيل السياسة الخارجية الروسية كان ثمرة جهود سعى إليها بوتين لإعادة مكانة روسيا الدولية في نظام دولي متعدد الأقطاب إلى جانب الولايات المتحدة. ولذلك وضعت موسكو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الداخلي في برنامج أولويات سياساتها، وسعت إلى توظيف السياسة الخارجية لخدمة الإصلاح الاقتصادي ما أدى إلى هيمنة الاعتبارات المصلحية وبخاصة الاقتصادية على أولويات السياسة الروسية. وكلما تعاظمت هذه المصالح، ازدادت فاعلية الدور الروسي ومحاولات التأثير والمناورة. كما أن روسيا مالت إلى ترجمة أهدافها ومصالحها إلى علاقات تعاونية تخدم مصالحها ومصالح الأطراف الأخرى.
ومهما يكن من أمر المتغيرات الطارئة في الشرق الأوسط تبقى هذه المنطقة بالتحديد موقعا وموئلا تجاذبته دول كثيرة طامحة للعب ادوار إقليمية ودولية مؤثرة،ويبدو إن موسكو تحديدا آخذة في هذا الاتجاه نظرا للحاجات والمصالح المتبادلة بينها وبين دول المنطقة وتحديدا سوريا ،ويظهر ذلك جليا عبر العديد من المسائل منها:
- إن الانتشار الأمريكي الكثيف جنوب روسيا في العقد الأخير من القرن الماضي،تحوَّل في كثير من مواقعه إلى قوى احتلال بعد حروب إقليمية كبيرة خاضتها بغطاء دولي،كنموذج أفغانستان والعراق،الأمر الذي حوَّل هذه القوات إلى قوة تهديد للمصالح الاستراتيجية الروسية.ومن الزاوية عينها تشكل هذه القوات خطرا مباشرا على أنظمة دول المنطقة كنموذج سوريا وإيران.
- إن حاجة روسيا للنمو الاقتصادي المستمر للتخلص من سيف المساعدات الخارجية المشروطة،مرهون بحيازتها للعملات الأجنبية الذي لا يمكن إن يتأتى إلا من مصادر بيع الأسلحة لمن يحتاجها،وفي المقابل تبدو دول المنطقة مهتمة بهذا المجال لإعادة بعض التوازن المفقود أصلا في المنطقة.
- إن تعثر مشاريع التسوية إن لم نقل إحباطها في المنطقة بقوة الدفع الإسرائيلية الأمريكية بعد مؤتمر مدريد ومندرجاته،اتاح لبعض دول المنطقة ومنها سوريا،وكذلك للدول الكبرى ومنها روسيا وتركيا،إعادة رسم سياساتها وعلاقاتها من جديد،بدافع تقاطع المصالح السياسية والاقتصادية.فتركيا الباحثة عن دور ضائع منذ قرن تقريبا وجدت النزاع العربي الإسرائيلي مدخلا له في الآونة الأخيرة للتقرب من إسرائيل وسوريا،فيما التوجه السوري شمالا نحو أنقرة وعدم ممانعتها لهذا الدور لم ينسها المتابعة شمالا باتجاه موسكو،أما الأخيرة المتوجسة من إعادة إحياء دور تركيا على حدودها الجنوبية،فلن تألو جهدا في تجاوزها للوصول نحو مركز الجذب الإقليمي المتمثل بسوريا.
- إن اقتناع موسكو بأن المشروع الإمبراطوري الأمريكي لن يتوقف عند حدود أوروبا القديمة- الجديدة،بل سيتعداه إلى روسيا نفسها،ما أوجد نقاط تقاطع كثيرة مع رؤية بعض قوى المنطقة ومنها سوريا لمشروع الشرق الأوسط الكبير - الجديد،المصنف كخريطة طريق لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة برمتها.
- كما إن إخراج روسيا عمليا من عقود نفط العراق يشكل مناسبة هامة للانفتاح الروسي على دول المنطقة ومنها إيران والسعودية،وان ترتيب بيئة اقتصادية نفطية جديدة تسلتزم تركيز بيئة سياسية ملائمة من الضروري أن تكون دمشق من بينها بالنظر لعلاقتها مع طهران وموقعها بالنسبة لدول المنطقة.
طبعا ثمة عقبات يمكن أن تواجه هذا التحليل المتفائل للعلاقة بين البلدين وبخاصة إذا ما أدرجت المصالح الإسرائيلية الروسية لجهة عدم قدرة موسكو تجاهل ثقل المليون يهودي روسي في إسرائيل،ومدى تأثر الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي بصفقات الأسلحة الروسية لدول المنطقة ومنها سوريا.
لكن مهما يكن من أمر ،ثمة مصلحة روسية سورية مشتركة تتقاطع في الكثير من المحطات السياسية والاقتصادية وحتى في الحسابات الجيو سياسية،وهذا ما يستدعي تقوية العلاقات القائمة ومحاولة الاستفادة من بعض المتغيرات قدر المستطاع ومنها التعثر الأمريكي في العراق .فهل تمكنت سوريا من تجاوز الألغام الإسرائيلية الأمريكية المزروعة على طريق موسكو؟ وهل سيقرأ الرئيسان الروسي والسوري في كتاب واحد؟
ثمة تطورات كثيرة يمكن أن تلوح في المستقبل القريب ما تستدعي قراءة سورية روسية في كتاب واحد،وبقدر ما تكون القراءة واحدة تكون المصالح متطابقة وقابلة للاستثمار المشترك في المجالات الاستراتيجية علاوة على التكتية ،فهل سيكون حساب حقل دمشق متطابقا مع بيدر موسكو؟سؤال مرتبط بمدى تطابق المصالح وعلاقات الضرورة بين البلدين.
قراءة في التقرير الأمريكي لانتهاكات حقوق الإنسان
قراءة في التقرير الأمريكي لانتهاكات حقوق الإنسان
د . خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
فيما كانت وزارة الخارجية الأمريكية تنشر بيانها السنوي حول انتهاكات حقوق الإنسان في العالم،كانت نفسها تجاهد في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرار يدين "إسرائيل" على مجازرها المتلاحقة في غزة،ولم يمض ساعات حتى عادت ووضعت ثقلها في المجلس نفسه لإدانة عملية القدس التي أتت ردا على الجرائم ضد الإنسانية التي تمارسها حكومة أيهود اولمرت بحق الشعب الفلسطيني.فأين الولايات المتحدة من حقوق الإنسان وقانونه الدولي؟
لقد دأبت الولايات المتحدة على تصنيف دول العالم في مراتب ومستويات بحسب ما تراه خرقا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان،والمفارقة في تقريرها عن العام 2007 ،ما شمله من مروحة واسعة من المسائل والدول،فيما التغاضي كان واضحا عن كيانات ودول تعتبر أبا وأما لانتهاكات موصوفة من الصعب القفز فوقها أو عدم الإشارة إليها،فضلا عن الممارسات التي تقوم هي نفسها بها.
وإذا كانت بعض الدول التي طالها التقرير لا يعفيها من المساءلة عما يوجه إليها،فإن ما يمكن أن بوجه إلى واشنطن يفوق التصور في هذا المجال وفي أي حال ثمة عنوان أساسي في هذا المجال وهو ازدواجية المعايير في التعاطي مع تلك المسائل على الصعيد الدولي وواشنطن مسؤولة قبل غيرها عن ذلك نظرا لسجلها الحافل في إعاقة عمل الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية والأهلية المهتمة في هذا الشأن.
فأين حق الشعوب في تقرير مصيرها وهو حق أساسي في كافة الشرائع الدولية،ففي العراق حيث تعتبر الولايات المتحدة دولة احتلال وفقا لتوصيف وتكييف القانون الدولي،ما الذي فعلته في سجن أبو غريب مثلا وما هي الإجراءات العملية التي قامت بها عدا عن بعض المحاكمات الصورية،ومن الذي يثبت أو ينفي ما يحدث حاليا في هذه السجون أو غيرها؟ وما الذي يجري حاليا من تنظيم لقاءات عراقية - أمريكية لتنظيم وشرعنة الاحتلال الأمريكي للعراق الذي سيمتد بحسب بعض المصادر الأمريكية نفسها لأكثر من ربع قرن قادم،ألا يعتبر هذا العمل انتهاكا فاضحا لحق شعب بكامله.
وفي المقلب الآخر من العالم وفي خاصرتها الرخوة ماذا يجري في سجن غوانتنامو وما تفعله هناك ؟هل هو المكان الصالح لسجن كائنات بشرية ؟وماذا عن التقارير التي نشرتها منظمات أهلية أمريكية عما يجري في هذه البقعة من العالم والتي صوَّرتها واشنطن على أنها المكان اللائق لعتاة الإرهابيين المفترضين.. وماذا عن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة نفسها التي تعتبر الأولى في العالم بدءا من التقدم التكنولوجي وانتهاء بالفقر المدقع والجريمة المنظمة الناجمة عن انتهاكات حق المواطن الأمريكي في حياة كريمة؟!
وماذا عن السجون الطائرة والمتنقلة في أصقاع العالم،ألا يعتبر انتهاكا للقوانين المحلية والدولية ؟ وماذا أيضا عن سلوكها ومنهجها في مكافحة الإرهاب الدولي الذي بات عنوانا لمحاكمة الشعوب والأديان؟وماذا عن تدخلها في شؤون الدول الداخلية وتنظيم الثورات الملونة بحجة حماية الأقليات والحرية والديموقراطية؟وماذا عن معايير الدول المارقة والفاشلة ومحاور الخير والشر؟
لقد نظمت "إسرائيل" حفلات الهلوكوست في غزة ورقص جنودها على جثث أطفال فلسطين الذي بلغ تعدادهم في حفلة الابادة الأخيرة أكثر من خمس وثلاثين بعضهم لم يتجاوز العمر شهرا واحدا،ماذا فعلت الولايات المتحدة لحقوق هؤلاء الأطفال قبل حقوق الإنسان،وماذا ورد في التقرير هل وردت عبارات الإدانة أم الإشادة؟
ثمة فشل مزمن من جانب المجتمع الدولي في ردع انتهاكات حقوق الإنسان ما اتاح لواشنطن التغاضي عن أفعال إسرائيل . وشكل ذلك عاملاً مشجعاً لها (قوة الاحتلال الحربي) للإمعان في تحديها للقانون الدولي والتصرف كدولة فوق القانون تحظى بحصانة سياسية وقانونية خاصة، والمضي قدماً في جرائمها وانتهاكاتها ضد المدنيين الفلسطينيين بل وتصعيدها إلى مستوى غير مسبوق. إذ شملت هذه الجرائم والانتهاكات: الاستخدام المفرط للقوة وجرائم القتل العمد والإعدامات خارج إطار القانون؛ التوسع الاستيطاني وضم الأراضي والاستمرار في تدشين جدار الضم؛ تدمير الممتلكات المدنية؛ فرض العقوبات الجماعية بما فيها الحصار وفرض قيود مشددة على الحركة والتنقل؛ التعذيب وسوء المعاملة؛ وإنكار العدالة للمدنيين الفلسطينيين بما في ذلك حرمانهم من التعويض عن الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال بحقهم بل وعدم التحقيق في الآلاف من تلك الجرائم. ، وقد أسفرت هذه الإجراءات عن أزمات إنسانية حادة وتدهور غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر،فهل ورد كل ذلك في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول انتهاكات حقوق الإنسان؟. وما ينطبق على الفلسطينيين ينسحب أيضا على اللبنانيين والعراقيين.فلبنان الذي عانى الأمرين من الانتهاكات الإسرائيلية وبخاصة ما يتعلق بالأسرى وحقول الألغام والقنابل العنقودية التي نشرت منها مليونا ومئتي ألفا في العدوان الأخير هل وجدت لها مكانا في التقرير؟
لقد نصَّبت الولايات المتحدة نفسها رقيبا على حقوق الإنسان في العالم وراحت تكيل بمكيالين إذا تعلق الأمر بإسرائيل وبأطفال فلسطين وبالغارات على جنوب لبنان واحتلال الجولان، أما بالنسبة لإسرائيل فتوصف بالدولة الديمقراطية المتمتعة بحقوق الإنسان وبالحريات المختلفة وتستفيد سنويا من 12 مليار دولار ومن الأسلحة الأمريكية المتطورة لقتل الأبرياء وتحطيم البنية التحتية لفلسطين. والحرب على أفغانستان والعراق ولبنان والسودان حيث أصبحت قناة سي.أن.أن هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة في العالم المسموح لها بتزويد البشرية جمعاء بما تراه خبرا أم لا؟ وفي مقابل ذلك تمنع العديد من المحطات من البث ، أين هو حق الاتصال وحق المعرفة وحق الإعلام؟.
ما يمكن قوله أن حقوق الإنسان وتقاريرها أصبحت أداة ضغط في يد القوى لفرض برامجها على الضعفاء،وأصبحت سلطة تمارس وتوظف في لغة السياسة والدبلوماسية وأصبحت تستعمل كوسيلة ضغط على عدد كبير من الدول التي تخرج عن سيطرة صانعي قرارات النظام الدولي.
إن إشكالية حقوق الإنسان معقدة وأصبحت في عصر العولمة والحرب على الإرهاب وسيلة ضغط في يد الدول القوية ومبررا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وللتحكم في مسار العلاقات الدولية وفق مصالحها وأهدافها، ومن أهم المتناقضات التي يعيشها العالم بشأن حقوق الإنسان إن دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية المدافع الأول عن حقوق الإنسان لا تعير اهتماما لهذا المبدأ في داخلها إذا تعلق الأمر بالأقليات مثل السود والهنود والأقليات الأخرى ومنهم العرب ونلاحظ كم من مواطن عربي اتهم وسجن وطرد من أميركا بدون محاكمة وبدون أدلة قاطعة وبدون سند شرعي. وما ينسحب على أميركا ينسحب على معظم الدول الأوروبية والدول المتقدمة؛ التي تبتعد كليا عن حقوق الإنسان.
إن التقرير الأمريكي لحقوق الإنسان للعام الماضي لا يختلف عما سبقه ولن يختلف عما سيخلفه،الفارق الوحيد هو تغيير أرقام السنوات ليس إلا،صحيح أن ثمة العديد من المسائل والقضايا اللافتة في مجتمعاتنا تستحق التوقف عندها،لكن الصحيح أيضا أن غيرة واشنطن على حقوق الإنسان في بعض دولنا هو كغيرة الذئب على حماية الحمل من مفترسه!
د . خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
فيما كانت وزارة الخارجية الأمريكية تنشر بيانها السنوي حول انتهاكات حقوق الإنسان في العالم،كانت نفسها تجاهد في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرار يدين "إسرائيل" على مجازرها المتلاحقة في غزة،ولم يمض ساعات حتى عادت ووضعت ثقلها في المجلس نفسه لإدانة عملية القدس التي أتت ردا على الجرائم ضد الإنسانية التي تمارسها حكومة أيهود اولمرت بحق الشعب الفلسطيني.فأين الولايات المتحدة من حقوق الإنسان وقانونه الدولي؟
لقد دأبت الولايات المتحدة على تصنيف دول العالم في مراتب ومستويات بحسب ما تراه خرقا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان،والمفارقة في تقريرها عن العام 2007 ،ما شمله من مروحة واسعة من المسائل والدول،فيما التغاضي كان واضحا عن كيانات ودول تعتبر أبا وأما لانتهاكات موصوفة من الصعب القفز فوقها أو عدم الإشارة إليها،فضلا عن الممارسات التي تقوم هي نفسها بها.
وإذا كانت بعض الدول التي طالها التقرير لا يعفيها من المساءلة عما يوجه إليها،فإن ما يمكن أن بوجه إلى واشنطن يفوق التصور في هذا المجال وفي أي حال ثمة عنوان أساسي في هذا المجال وهو ازدواجية المعايير في التعاطي مع تلك المسائل على الصعيد الدولي وواشنطن مسؤولة قبل غيرها عن ذلك نظرا لسجلها الحافل في إعاقة عمل الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية والأهلية المهتمة في هذا الشأن.
فأين حق الشعوب في تقرير مصيرها وهو حق أساسي في كافة الشرائع الدولية،ففي العراق حيث تعتبر الولايات المتحدة دولة احتلال وفقا لتوصيف وتكييف القانون الدولي،ما الذي فعلته في سجن أبو غريب مثلا وما هي الإجراءات العملية التي قامت بها عدا عن بعض المحاكمات الصورية،ومن الذي يثبت أو ينفي ما يحدث حاليا في هذه السجون أو غيرها؟ وما الذي يجري حاليا من تنظيم لقاءات عراقية - أمريكية لتنظيم وشرعنة الاحتلال الأمريكي للعراق الذي سيمتد بحسب بعض المصادر الأمريكية نفسها لأكثر من ربع قرن قادم،ألا يعتبر هذا العمل انتهاكا فاضحا لحق شعب بكامله.
وفي المقلب الآخر من العالم وفي خاصرتها الرخوة ماذا يجري في سجن غوانتنامو وما تفعله هناك ؟هل هو المكان الصالح لسجن كائنات بشرية ؟وماذا عن التقارير التي نشرتها منظمات أهلية أمريكية عما يجري في هذه البقعة من العالم والتي صوَّرتها واشنطن على أنها المكان اللائق لعتاة الإرهابيين المفترضين.. وماذا عن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة نفسها التي تعتبر الأولى في العالم بدءا من التقدم التكنولوجي وانتهاء بالفقر المدقع والجريمة المنظمة الناجمة عن انتهاكات حق المواطن الأمريكي في حياة كريمة؟!
وماذا عن السجون الطائرة والمتنقلة في أصقاع العالم،ألا يعتبر انتهاكا للقوانين المحلية والدولية ؟ وماذا أيضا عن سلوكها ومنهجها في مكافحة الإرهاب الدولي الذي بات عنوانا لمحاكمة الشعوب والأديان؟وماذا عن تدخلها في شؤون الدول الداخلية وتنظيم الثورات الملونة بحجة حماية الأقليات والحرية والديموقراطية؟وماذا عن معايير الدول المارقة والفاشلة ومحاور الخير والشر؟
لقد نظمت "إسرائيل" حفلات الهلوكوست في غزة ورقص جنودها على جثث أطفال فلسطين الذي بلغ تعدادهم في حفلة الابادة الأخيرة أكثر من خمس وثلاثين بعضهم لم يتجاوز العمر شهرا واحدا،ماذا فعلت الولايات المتحدة لحقوق هؤلاء الأطفال قبل حقوق الإنسان،وماذا ورد في التقرير هل وردت عبارات الإدانة أم الإشادة؟
ثمة فشل مزمن من جانب المجتمع الدولي في ردع انتهاكات حقوق الإنسان ما اتاح لواشنطن التغاضي عن أفعال إسرائيل . وشكل ذلك عاملاً مشجعاً لها (قوة الاحتلال الحربي) للإمعان في تحديها للقانون الدولي والتصرف كدولة فوق القانون تحظى بحصانة سياسية وقانونية خاصة، والمضي قدماً في جرائمها وانتهاكاتها ضد المدنيين الفلسطينيين بل وتصعيدها إلى مستوى غير مسبوق. إذ شملت هذه الجرائم والانتهاكات: الاستخدام المفرط للقوة وجرائم القتل العمد والإعدامات خارج إطار القانون؛ التوسع الاستيطاني وضم الأراضي والاستمرار في تدشين جدار الضم؛ تدمير الممتلكات المدنية؛ فرض العقوبات الجماعية بما فيها الحصار وفرض قيود مشددة على الحركة والتنقل؛ التعذيب وسوء المعاملة؛ وإنكار العدالة للمدنيين الفلسطينيين بما في ذلك حرمانهم من التعويض عن الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال بحقهم بل وعدم التحقيق في الآلاف من تلك الجرائم. ، وقد أسفرت هذه الإجراءات عن أزمات إنسانية حادة وتدهور غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر،فهل ورد كل ذلك في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول انتهاكات حقوق الإنسان؟. وما ينطبق على الفلسطينيين ينسحب أيضا على اللبنانيين والعراقيين.فلبنان الذي عانى الأمرين من الانتهاكات الإسرائيلية وبخاصة ما يتعلق بالأسرى وحقول الألغام والقنابل العنقودية التي نشرت منها مليونا ومئتي ألفا في العدوان الأخير هل وجدت لها مكانا في التقرير؟
لقد نصَّبت الولايات المتحدة نفسها رقيبا على حقوق الإنسان في العالم وراحت تكيل بمكيالين إذا تعلق الأمر بإسرائيل وبأطفال فلسطين وبالغارات على جنوب لبنان واحتلال الجولان، أما بالنسبة لإسرائيل فتوصف بالدولة الديمقراطية المتمتعة بحقوق الإنسان وبالحريات المختلفة وتستفيد سنويا من 12 مليار دولار ومن الأسلحة الأمريكية المتطورة لقتل الأبرياء وتحطيم البنية التحتية لفلسطين. والحرب على أفغانستان والعراق ولبنان والسودان حيث أصبحت قناة سي.أن.أن هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة في العالم المسموح لها بتزويد البشرية جمعاء بما تراه خبرا أم لا؟ وفي مقابل ذلك تمنع العديد من المحطات من البث ، أين هو حق الاتصال وحق المعرفة وحق الإعلام؟.
ما يمكن قوله أن حقوق الإنسان وتقاريرها أصبحت أداة ضغط في يد القوى لفرض برامجها على الضعفاء،وأصبحت سلطة تمارس وتوظف في لغة السياسة والدبلوماسية وأصبحت تستعمل كوسيلة ضغط على عدد كبير من الدول التي تخرج عن سيطرة صانعي قرارات النظام الدولي.
إن إشكالية حقوق الإنسان معقدة وأصبحت في عصر العولمة والحرب على الإرهاب وسيلة ضغط في يد الدول القوية ومبررا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وللتحكم في مسار العلاقات الدولية وفق مصالحها وأهدافها، ومن أهم المتناقضات التي يعيشها العالم بشأن حقوق الإنسان إن دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية المدافع الأول عن حقوق الإنسان لا تعير اهتماما لهذا المبدأ في داخلها إذا تعلق الأمر بالأقليات مثل السود والهنود والأقليات الأخرى ومنهم العرب ونلاحظ كم من مواطن عربي اتهم وسجن وطرد من أميركا بدون محاكمة وبدون أدلة قاطعة وبدون سند شرعي. وما ينسحب على أميركا ينسحب على معظم الدول الأوروبية والدول المتقدمة؛ التي تبتعد كليا عن حقوق الإنسان.
إن التقرير الأمريكي لحقوق الإنسان للعام الماضي لا يختلف عما سبقه ولن يختلف عما سيخلفه،الفارق الوحيد هو تغيير أرقام السنوات ليس إلا،صحيح أن ثمة العديد من المسائل والقضايا اللافتة في مجتمعاتنا تستحق التوقف عندها،لكن الصحيح أيضا أن غيرة واشنطن على حقوق الإنسان في بعض دولنا هو كغيرة الذئب على حماية الحمل من مفترسه!
التسميات:
الدراسات القانونية,
قضايا دولية
حدود الرعاية التركية للمفاوضات السورية الإسرائيلية
حدود الرعاية التركية للمفاوضات السورية الإسرائيلية
د.خليل حسين
رئيس المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية
مفارقة الرعاية التركية للمفاوضات السورية الإسرائيلية،تكمن في ظروف انطلاقها وامكانات نجاحها أو على الأقل التوصل إلى بيئة تفاوضية قابلة للحياة بين الجانبين على مستوى سياسي رفيع تنتج شيئا يمكن البناء عليه.فماذا في الظروف؟وما هي امكانات النجاح،في الواقع ثمة ملاحظات كثيرة ذات صلة يمكن الإضاءة عليها ومنها:
- في ظروف الانطلاق الإقليمية ثمة وقائع مغايرة ومختلفة عن السوابق التي تمت فيها لقاءات متعددة ومتكررة بين الجانبين ،أولى المحاولات اللافتة كانت بعد انتهاء حرب الخليج الثانية التي تم فيها تحرير الكويت من العراق،والتي شاركت فيها سوريا بقوات رمزية بأبعاد سياسية،وصورت المفاوضات آنذاك كأحد جوائز الترضية للانخراط السوري في سياق مسار أمريكي طويل للمنطقة،ورغم تهيئة الكثير من العوامل المساعدة كإطار التفاوض المتعدد الأطراف والإغراءات المالية والاقتصادية لم يتمكن الجانبان من التوصل إلى نهايات ثابتة ومؤكدة.
- كما أن ظروف الانطلاقة آنذاك كانت مغايرة للظروف الحالية وبخاصة لجهة أوراق السياسة الخارجية الداعمة للموقف السوري في المفاوضات،وهي متصلة بواقع العلاقات اللبنانية السورية آنذاك عبر تلازم المسارين والمصيرين في عملية التفاوض والنتائج التي يمكن ان تترتب عليها.
- في الرعاية الأولى اجتمعت أمم الأرض وهيئتها بدءا من الدول الخمس الكبرى مرورا بمنظمات إقليمية ودولية وصولا إلى دول ذات وزن مالي اقتصادي على المستوى الدولي، وعلى الرغم من وضوح الرعاية الأمريكية المباشرة وخفوت باقي الأطرف ظلت المظلة الدولية لها نكهة خاصة في رعاية المفاوضات أملا في قطف نتائج سياسية قابلة للتجير الدولي والإقليمي.
في مقابل تلك الوقائع والظروف ثمة ما يعاكسها في ظروف الرعاية التركية والتي يمكن أن تؤثر في النتائج المرجاة على الأقل ممن يرعاها ومن بينها:
- انطلقت المفاوضات بصورة غير مباشرة ويبدو أنها كانت جارية قبل الإعلان عنها بصرف النظر عن مستواها أو نوعيتها أو مداها أو أهدافها ،ثم تم الكشف عنها ليس بداعي الإعلان بقدر ما هو الإحراج لدمشق وهو أسلوب مسبوق اعتاد عليه الطرفان في محاولات سابقة،ورغم ذلك لا تعتبر إشارة مشجعة للراعي التركي الذي يأمل وككل راعي في مثل هذه الظروف يأمل إبقائها طي الكتمان إلى إن تصل الأمور إلى مكان يستثمر عمليا.
- إن الوضع الإقليمي لسوريا في هذه الفترة ليس كسلفه فهي خارج لبنان وقد فقدت عمليا ورقة هامة في آليات التفاوض،وعليه إن قدرات دمشق التفاوضية ستتأثر بهذا الواقع ،ولتفادي تلك الفجوات الاستراتيجية وطدت علاقاتها الاستراتيجية مع طهران لإعادة بعض التوازن حتى في المسارات التفاوضية بصرف النظر عن عدم وضوح نهاياتها.
- ثمة تباين في مرتكزات التفاوض،ففيما تعبر سوريا عن موقفها الواضح بالتمسك بمبادرة السلام العربية المقرة في قمة بيروت 2002،تجرى المفاوضات في اطر يمكن أن توصف خارج السياق الذي تفترضه المبادرة العربية السالفة الذكر،رغم وجود ما تبرره دمشق لهذه الفرضية.
ولو سلمنا جدلا بتجاوز تلك التباينات في الظروف بين الانطلاقة الحالية والسوابق المماثلة لها،ثمة شروط لنجاح الرعاية التركية وما تستلزم من شروط لاحقة لتخطي مبدأ الرعاية إلى التدخل كوسيط عند اللزوم وفي هذا الإطار يمكن إدراج ملاحظات من بينها:
- صحيح أن تركيا بدأت تنسج علاقات خارجية على قاعدة أنها دولة إقليمية كبرى تمكنها من بلورة إطار دبلوماسي للمساعدة في حل مشكلات لها انعكاساتها على الواقع التركي الجيو سياسي،إلا أنها في نفس الوقت ليست قادرة على لعب تلك الأدوار من دون تغطية من أطراف دولية فاعلة في النظام العالمي،وبالتالي افتقدت شرطا ضروريا ولازما لنجاح رعايتها وكما أسلفنا بصرف النظر عن حجم التوقعات والآمال المعقودة على نلك المفاوضات.
- إن مثلث العلاقات التركية مع كل من سوريا وإيران وإسرائيل يعطيها ميزة الانطلاق لكنها ليست كافية فحدود التأثير في مسارات التفاوض وان كانت من نوع الرعاية لا تمتلك قوة الدفع الكافية في منعطفات التعثر،فعلى الرغم من أن الرعاية تتطلب قدرة الضغط المعنوي على الأطراف،إلا أن هذه الحالة ليست متوفرة بالقدر الكافي للدفع باتجاه التواصل.فقدرة أنقرة على جذب سوريا باتجاه المفاوضات وإبعادها عن طهران لا تمتلك مفاتيحه بشكل كاف،في الوقت الذي تمتلك طهران أذرع سياسة خارجية قادرة من خلالها على فرملة أي تجاوز لخطوط تعتبرها مؤثرة في سياق تحالفها مع دمشق ومدى إسقاطاته وتداعياته في الساحة اللبنانية مثلا.في مقابل ذلك ثمة قدرة إسرائيلية لا يستهان بها للتأثير في قدرات تركيا ومثال ذلك استثمارها لموقعها الدولي ومدى قدرته في محاكاة الحنين التركي لدخول الاتحاد الأوروبي الذي يستلزم من وجهة النظر الإسرائيلية رضا تل أبيب على أنقرة ،ما يؤثر على حدود الرعاية التركية قبل الانتقال إلى مرتبات تفاوضية أعلى.
- إن توقيت انطلاقة التفاوض ليس مناسبا لجهة الاستحقاقات في الدول المؤثرة في مثل هذه الحالات،فالإدارة الأمريكية المعنية أولا وأخيرا في هذا الملف وبخاصة من وجهة النظر الإسرائيلية قد دخلت عمليا في كوما الانتخابات الرئاسية،وفي أحسن الأحوال لن تتمكن من التدخل وإعطاء أي دفع إلا في النصف الثاني من العام 2009 بعد ترتيب ملفات سياساتها الخارجية.
- إضافة إلى ذلك إن وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت ليس بأفضل حالاته،فهو يعاني من انهيارات سياسية متتالية على قاعدة اتهامات ذات أبعاد قضائية،وهو يترنح وقاب قوسين أو أدنى من السقوط ،الأمر الذي لا يؤهل تل أبيب الولوج في مفاوضات يعتد بها من الناحية المبدئية.
وعليه إذا كانت الأمور تؤخذ على محمل الجد فظروف نجاحها ليست متوفرة أو أقله تستلزم المزيد من الشروط الإضافية،أما وإذا كانت من نوع جس النبض السياسي بهدف تحضير علاجات لملفات أخرى فهي أيضا ليست مستوفية الشروط باعتبار أن بعض الملفات القابلة للمقايضة ليست من النوع القابل للدفع المسبق،وهي من الأمور القابلة للجر في ملفات وتداعيات كثيرة يصعب تصور نتائجها بوضوح ومدى أكلافها إذا ارتبطت بأطراف آخرين.
كثير من اللقاءات والمفاوضات عقدت بين سوريا وإسرائيل،وقليل من نتائجها يمكن البناء عليه،اثنا عشرة جولة ثنائية وأخرى متعددة،ومن ثم لقاءات على مستو سياسي وعسكري عال لم ينتج سوى "وديعة" سرعان ما تنكرت إليها إسرائيل لاحقا رغم تواضع موضوعاتها مقارنة مع الشعارات والآمال التي كانت معلقة على أساس موضوع التفاوض.
من مربط خيل اللاءات الثلاثة عام 1967 انطلق العرب لتحديد موقعهم في مواجهة إسرائيل،ومع انطلاق سباق البدل في مشاريع التسويات سقطت الخيول العربية واحدة تلو الأخرى، ولم يبق منها سوى قلة لا تعرف أين تتجه،أضاعت البوصلة وحُملت رايات السلام شمالا،بينما الجنوب ينتظر،فأين انتم يا عرب؟ وكأنهم في المريخ حتما!
د.خليل حسين
رئيس المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية
مفارقة الرعاية التركية للمفاوضات السورية الإسرائيلية،تكمن في ظروف انطلاقها وامكانات نجاحها أو على الأقل التوصل إلى بيئة تفاوضية قابلة للحياة بين الجانبين على مستوى سياسي رفيع تنتج شيئا يمكن البناء عليه.فماذا في الظروف؟وما هي امكانات النجاح،في الواقع ثمة ملاحظات كثيرة ذات صلة يمكن الإضاءة عليها ومنها:
- في ظروف الانطلاق الإقليمية ثمة وقائع مغايرة ومختلفة عن السوابق التي تمت فيها لقاءات متعددة ومتكررة بين الجانبين ،أولى المحاولات اللافتة كانت بعد انتهاء حرب الخليج الثانية التي تم فيها تحرير الكويت من العراق،والتي شاركت فيها سوريا بقوات رمزية بأبعاد سياسية،وصورت المفاوضات آنذاك كأحد جوائز الترضية للانخراط السوري في سياق مسار أمريكي طويل للمنطقة،ورغم تهيئة الكثير من العوامل المساعدة كإطار التفاوض المتعدد الأطراف والإغراءات المالية والاقتصادية لم يتمكن الجانبان من التوصل إلى نهايات ثابتة ومؤكدة.
- كما أن ظروف الانطلاقة آنذاك كانت مغايرة للظروف الحالية وبخاصة لجهة أوراق السياسة الخارجية الداعمة للموقف السوري في المفاوضات،وهي متصلة بواقع العلاقات اللبنانية السورية آنذاك عبر تلازم المسارين والمصيرين في عملية التفاوض والنتائج التي يمكن ان تترتب عليها.
- في الرعاية الأولى اجتمعت أمم الأرض وهيئتها بدءا من الدول الخمس الكبرى مرورا بمنظمات إقليمية ودولية وصولا إلى دول ذات وزن مالي اقتصادي على المستوى الدولي، وعلى الرغم من وضوح الرعاية الأمريكية المباشرة وخفوت باقي الأطرف ظلت المظلة الدولية لها نكهة خاصة في رعاية المفاوضات أملا في قطف نتائج سياسية قابلة للتجير الدولي والإقليمي.
في مقابل تلك الوقائع والظروف ثمة ما يعاكسها في ظروف الرعاية التركية والتي يمكن أن تؤثر في النتائج المرجاة على الأقل ممن يرعاها ومن بينها:
- انطلقت المفاوضات بصورة غير مباشرة ويبدو أنها كانت جارية قبل الإعلان عنها بصرف النظر عن مستواها أو نوعيتها أو مداها أو أهدافها ،ثم تم الكشف عنها ليس بداعي الإعلان بقدر ما هو الإحراج لدمشق وهو أسلوب مسبوق اعتاد عليه الطرفان في محاولات سابقة،ورغم ذلك لا تعتبر إشارة مشجعة للراعي التركي الذي يأمل وككل راعي في مثل هذه الظروف يأمل إبقائها طي الكتمان إلى إن تصل الأمور إلى مكان يستثمر عمليا.
- إن الوضع الإقليمي لسوريا في هذه الفترة ليس كسلفه فهي خارج لبنان وقد فقدت عمليا ورقة هامة في آليات التفاوض،وعليه إن قدرات دمشق التفاوضية ستتأثر بهذا الواقع ،ولتفادي تلك الفجوات الاستراتيجية وطدت علاقاتها الاستراتيجية مع طهران لإعادة بعض التوازن حتى في المسارات التفاوضية بصرف النظر عن عدم وضوح نهاياتها.
- ثمة تباين في مرتكزات التفاوض،ففيما تعبر سوريا عن موقفها الواضح بالتمسك بمبادرة السلام العربية المقرة في قمة بيروت 2002،تجرى المفاوضات في اطر يمكن أن توصف خارج السياق الذي تفترضه المبادرة العربية السالفة الذكر،رغم وجود ما تبرره دمشق لهذه الفرضية.
ولو سلمنا جدلا بتجاوز تلك التباينات في الظروف بين الانطلاقة الحالية والسوابق المماثلة لها،ثمة شروط لنجاح الرعاية التركية وما تستلزم من شروط لاحقة لتخطي مبدأ الرعاية إلى التدخل كوسيط عند اللزوم وفي هذا الإطار يمكن إدراج ملاحظات من بينها:
- صحيح أن تركيا بدأت تنسج علاقات خارجية على قاعدة أنها دولة إقليمية كبرى تمكنها من بلورة إطار دبلوماسي للمساعدة في حل مشكلات لها انعكاساتها على الواقع التركي الجيو سياسي،إلا أنها في نفس الوقت ليست قادرة على لعب تلك الأدوار من دون تغطية من أطراف دولية فاعلة في النظام العالمي،وبالتالي افتقدت شرطا ضروريا ولازما لنجاح رعايتها وكما أسلفنا بصرف النظر عن حجم التوقعات والآمال المعقودة على نلك المفاوضات.
- إن مثلث العلاقات التركية مع كل من سوريا وإيران وإسرائيل يعطيها ميزة الانطلاق لكنها ليست كافية فحدود التأثير في مسارات التفاوض وان كانت من نوع الرعاية لا تمتلك قوة الدفع الكافية في منعطفات التعثر،فعلى الرغم من أن الرعاية تتطلب قدرة الضغط المعنوي على الأطراف،إلا أن هذه الحالة ليست متوفرة بالقدر الكافي للدفع باتجاه التواصل.فقدرة أنقرة على جذب سوريا باتجاه المفاوضات وإبعادها عن طهران لا تمتلك مفاتيحه بشكل كاف،في الوقت الذي تمتلك طهران أذرع سياسة خارجية قادرة من خلالها على فرملة أي تجاوز لخطوط تعتبرها مؤثرة في سياق تحالفها مع دمشق ومدى إسقاطاته وتداعياته في الساحة اللبنانية مثلا.في مقابل ذلك ثمة قدرة إسرائيلية لا يستهان بها للتأثير في قدرات تركيا ومثال ذلك استثمارها لموقعها الدولي ومدى قدرته في محاكاة الحنين التركي لدخول الاتحاد الأوروبي الذي يستلزم من وجهة النظر الإسرائيلية رضا تل أبيب على أنقرة ،ما يؤثر على حدود الرعاية التركية قبل الانتقال إلى مرتبات تفاوضية أعلى.
- إن توقيت انطلاقة التفاوض ليس مناسبا لجهة الاستحقاقات في الدول المؤثرة في مثل هذه الحالات،فالإدارة الأمريكية المعنية أولا وأخيرا في هذا الملف وبخاصة من وجهة النظر الإسرائيلية قد دخلت عمليا في كوما الانتخابات الرئاسية،وفي أحسن الأحوال لن تتمكن من التدخل وإعطاء أي دفع إلا في النصف الثاني من العام 2009 بعد ترتيب ملفات سياساتها الخارجية.
- إضافة إلى ذلك إن وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت ليس بأفضل حالاته،فهو يعاني من انهيارات سياسية متتالية على قاعدة اتهامات ذات أبعاد قضائية،وهو يترنح وقاب قوسين أو أدنى من السقوط ،الأمر الذي لا يؤهل تل أبيب الولوج في مفاوضات يعتد بها من الناحية المبدئية.
وعليه إذا كانت الأمور تؤخذ على محمل الجد فظروف نجاحها ليست متوفرة أو أقله تستلزم المزيد من الشروط الإضافية،أما وإذا كانت من نوع جس النبض السياسي بهدف تحضير علاجات لملفات أخرى فهي أيضا ليست مستوفية الشروط باعتبار أن بعض الملفات القابلة للمقايضة ليست من النوع القابل للدفع المسبق،وهي من الأمور القابلة للجر في ملفات وتداعيات كثيرة يصعب تصور نتائجها بوضوح ومدى أكلافها إذا ارتبطت بأطراف آخرين.
كثير من اللقاءات والمفاوضات عقدت بين سوريا وإسرائيل،وقليل من نتائجها يمكن البناء عليه،اثنا عشرة جولة ثنائية وأخرى متعددة،ومن ثم لقاءات على مستو سياسي وعسكري عال لم ينتج سوى "وديعة" سرعان ما تنكرت إليها إسرائيل لاحقا رغم تواضع موضوعاتها مقارنة مع الشعارات والآمال التي كانت معلقة على أساس موضوع التفاوض.
من مربط خيل اللاءات الثلاثة عام 1967 انطلق العرب لتحديد موقعهم في مواجهة إسرائيل،ومع انطلاق سباق البدل في مشاريع التسويات سقطت الخيول العربية واحدة تلو الأخرى، ولم يبق منها سوى قلة لا تعرف أين تتجه،أضاعت البوصلة وحُملت رايات السلام شمالا،بينما الجنوب ينتظر،فأين انتم يا عرب؟ وكأنهم في المريخ حتما!
بعد التفرّد والهيمنة : نظام عالمي بلا أقطاب
بعد التفرّد والهيمنة : نظام عالمي بلا أقطاب
د.خليل حسين
مدير المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية والدولية
يشهد العالم نوعًا من التعددية القطبية، فعلى الرغم من أن القوى الكبرى كالاتحاد الأوروبي، الهند، اليابان، روسيا، والولايات المتحدة تضمُّ بمفردها على نصف مجموع سكان العالم، وحوالي 75% من الناتج القومي الإجمالي العالمي و80% من معدل النفقات العالمية على قضايا الدفاع، ولكن المظاهر قد تبدو مختلفة ،فثمة العديد من مراكز القوى، والقليل من هذه الأقطاب دول قومية.
إن أبرز سمات النظام الدولي الحالي أن الدول القومية قد فقدت احتكارها للقوة، فالدولة تواجه تحديات من جميع الاتجاهات، سواء بواسطة المنظمات الإقليمية والدولية على الصعيد الخارجي، أو التنظيمات المسلحة من الداخل أو منظمات المجتمع المدني المتنوعة والمؤسسات، وبذلك فعناصر القوة وتأثيراتها باتت متوزّعة ولم تعد حكرا على الدولة.
وفي هذا العالم تظل الولايات المتحدة أكبر "تجميع فردي للقوة"، فهي تنفق أكثر من 500 مليار دولار سنويا على القوة العسكرية وتصبح أكثر من 700مليار دولار إذا أضيفت نفقات العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق، إلى جانب امتلاكها قوى برية وجوية وبحرية على درجة عالية من الكفاءة، ومكانتها كمصدر رئيسي للثقافة والمعلومات والابتكار.ورغم ذلك، ينبغي أن لا يُخفي أن مكانة الولايات المتحدة في العالم قد تراجعت، الأمر الذي أدى إلى تراجع نسبي في التأثير والمكانة الدوليتين.وفي هذا الإطار يمكن إدراج العديد من الملاحظات أبرزها:
- يمثل معدل الناتج القومي الإجمالي الأمريكي 25% من النسبة العالمية ورغم ذلك فإنه معرض للانخفاض مع الوقت، مع الأخذ في الاعتبار التباين في معدل نمو الناتج القومي الإجمالي بين الولايات المتحدة والقوى الآسيوية الصاعدة وبعض الدول الأخرى التي يصل نمو معدل الناتج القومي الإجمالي لها بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف الولايات المتحدة.
- لا يعتبر الناتج القومي الإجمالي المؤشر الوحيد على تراجع الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة؛ فثمَّة تراكم الثورات لدى العديد من الدول مثل الصين والكويت وروسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات؛ويرجع هذا التراكم بشكل أساسي إلى صادرات النفط والغاز؛ حيث جلبت لهذه الدول حوالي 3 تريليون دولار وبمعدل نمو سنوي تريليون دولار سنويا، الأمر الذي يجذب الشركات الأمريكية؛ فارتفاع أسعار النفط العالمية التي ترجع إلى تزايد الطلب الصيني والهندي من المتوقع أن تستمر لبعض الوقت ما يعني، أن حجم هذه التراكمات المالية سوف يزداد.
- تواجه الهيمنة الأمريكية تحدّيا في مجالات أخرى كالفاعلية العسكرية، فالقدرة العسكرية تختلف عن معدل الإنفاق العسكري، وقد أوضحت هجمات أيلول / سبتمبر 2001 كيف أن مجموعة لا وزن لها تمكّنت من إحداث نتائج كارثية على الولايات المتحدة..كما أن الأسلحة الحديثة المكلفة قد تبدو غير مفيدة في الصراعات الحديثة؛ حيث استبدلت أراضي المعارك التقليدية بحروب المدن والتي يستطيع فيها مجموعة من الجنود المسلحين تسليحا تقليديا أن يوقفوا ويفشلوا خططا عسكرية مكلفة.
- إن القوة ستزداد انفصالا عن التأثير، والدعوات الأمريكية للإصلاح ستتعرض لمزيد من التجاهل، والمساعدات الأمريكية ستنخفض، وفاعلية العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ستتقلص أيضا،؛ فالصين تمتلك التأثير على كوريا الشمالية أكثر بكثير من الولايات المتحدة، وقدرة الولايات المتحدة الضغط على إيران بمساندة الدول الأوروبية تقلصت بسبب الدعم الروسي والصيني لإيران.
إن صعود بعض القوى العالمية في فترة الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي لم يكن بمستوى الفاعلية التي تؤدي إلى تغيّرات لافتة في الفواعل الإقليمية والدولية،وبالتالي لم تظهر حالة منافسة حقيقية لواشنطن ويعود ذلك إلى عدة اعتبارات أبرزها:
- إن الفجوة بين القوة الأمريكية وأي منافس آخر محتمل كبيرة جدا.فعلى الرغم من أن الصين قد تصل مع الوقت إلى ناتج قومي إجمالي مماثل لنظيره الأمريكي ،لكن هذه الزيادة ستذهب إلى العدد الهائل من السكان والذي يمثل الفقراء نسبة لافتة منه، كما تشهد الهند تحدّيات ديموغرافية وتعاني من التضخم البيروقراطي ونقص البنية التحتية، وعلى الرغم من أن الناتج القومي الإجمالي للاتحاد الأوروبي أكبر من الولايات المتحدة فإنه لا يتحرك بشكل موحد كدولة واحدة، أما اليابان فتعاني من انكماش عدد السكان وغياب الثقافة التي تؤهلها للعب دور قوة عظمى، فيما روسيا تواجه صعوبات اقتصادية وتناقص في عدد السكان ومشكلات تتعلق بالتماسك الاجتماعي.
- على الرغم من أن إدارة الرئيس جورج بوش تسببت في بعض المتاعب للدول الأخرى إلا أن هذه الدول لم تتصرف على نحو يمثل تهديدا للمصالح القومية الحيوية، وبرغم الشكوك حول الحكمة والشرعية التي تتمتع بها السياسة الخارجية الأمريكية فإنها أدت فقط إلى امتناع الآخرين عن التعاون معها وليس مقاومتها.
- تعتمد العديد من القوى الكبرى على النظام الدولي للمحافظة على الرفاهية الاقتصادية والاستقرار السياسي وبالتالي لا تريد هذه القوى التعرّض لنظام يحقق لها مصالحها القومية، المرتبطة بتدفق السلع والخدمات والبشر والاستثمارات والطاقة والتكنولوجيا وهي أمور تلعب فيها الولايات المتحدة دورا بارزا.
- إن عدم ظهور التعددية القطبية لم يؤد إلى بقاء الأحادية القطبية، بل على العكس فقد انتهت هذه الأحادية، ويعود ذلك إلى ثلاثة اعتبارات الأول: تاريخي والمتعلق بعملية نمو الدول التي تشهد توليد وتراكم الموارد البشرية والمالية والتكنولوجية والتي تؤدي إلى الرفاهية كما تشكل العماد الرئيس للشركات والمؤسسات، ولكن هذه القوى الجديدة لا يمكن إيقافها، ما يثنتج بالتالي عدد أكبر من الفاعلين المؤثرين إقليميا وعالميا.والثاني: متعلق بالسياسة الأمريكية لجهة ما تمَّ تحقيقه وما فشلت فيه، فالولايات المتحدة ساعدت بسياساتها على ظهور مراكز قوى جديدة وأضعفت من موقفها في النظام الدولي.فالسياسة الأمريكية تجاه الطاقة مثلا كان لها دور كبير في نهاية القطبية الأحادية؛ حيث أدى تزايد الطلب الأمريكي على الطاقة بنسبة 20% في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع أسعار البترول من 20 دولارًا للبرميل إلى أكثر من 110 دولار للبرميل في أقل من عقد من الزمان،ما تسبب في نقل رؤوس الأموال إلى الدول التي تمتلك هذه الاحتياطات النفطية وبالتالي ساهمت واشنطن في تحويل منتجي النفط والغاز إلى مراكز للقوة الدولية.كما أن السياسة الاقتصادية الأمريكية لعبت دورًا في إرساء التحوّل نحو عالم بلا أقطاب، فالنفقات التي زادت نتيجة الحربين التي شنتهما الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان قد ساهمت في تراجع مركز الولايات المتحدة المالي من فائض في الموازنة عام 100 مليار عام 2001 إلى عجز 250 مليارًا عام 2007.ما أدَّى إلى مزيد من الضغط على الدولار وتحفيز التضخم والمساهمة في تراكم الثروة والقوة في أماكن أخرى من العالم.كما رسَّخت العولمة نظام غياب الأقطاب من خلال التدفقات عبر الحدود والتي تتم بعيدا عن سلطة الدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى تزيد من قوة الفاعلين الآخرين غير الدول كالشركات المتعدية الجنسية.
إن التحوّل في النظام الدولي سوف يترك آثارا سلبية على الولايات المتحدة نتيجة لتعدد مراكز القوى وسعي كل منها للتأثير الأمر الذي سيؤدي إلى صعوبة الوصول إلى توافق.فغياب أقطاب محددين سيؤدي إلى تزايد التهديدات التي تتعرض لها دولة مثل الولايات المتحدة من تنظيمات إرهابية ومن الدول المصدرة للنفط التي قد تخفض صادراتها للولايات المتحدة.ولكن برغم أن غياب القطبية هو أمر حتمي فإن الولايات المتحدة تبقى حتى الآن أكثر قدرة من أي فاعل آخر على تبديل طبيعة النظام الدولي إن أرادت ذلك.
الخلاصة إن غياب القطبية يعقد من الدبلوماسية، فغياب القطبية لا يؤدي فقط إلى تعدد الفاعلين بشكل غير منظم بل إلى غياب الهياكل الثابتة والعلاقات والتي كانت تتسم بها الأحادية والتعددية والثنائية القطبية.كما أن التحالفات في ظل غياب القطبية أيضا ستكون أكثر صعوبة، والعلاقات ستكون انتقائية وموقفية، ويصبح من الصعب تصنيف الدول كأعداء أو أصدقاء وبالتالي تختفي الثنائية الأمريكية "إما معنا أو ضدنا".
د.خليل حسين
مدير المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية والدولية
يشهد العالم نوعًا من التعددية القطبية، فعلى الرغم من أن القوى الكبرى كالاتحاد الأوروبي، الهند، اليابان، روسيا، والولايات المتحدة تضمُّ بمفردها على نصف مجموع سكان العالم، وحوالي 75% من الناتج القومي الإجمالي العالمي و80% من معدل النفقات العالمية على قضايا الدفاع، ولكن المظاهر قد تبدو مختلفة ،فثمة العديد من مراكز القوى، والقليل من هذه الأقطاب دول قومية.
إن أبرز سمات النظام الدولي الحالي أن الدول القومية قد فقدت احتكارها للقوة، فالدولة تواجه تحديات من جميع الاتجاهات، سواء بواسطة المنظمات الإقليمية والدولية على الصعيد الخارجي، أو التنظيمات المسلحة من الداخل أو منظمات المجتمع المدني المتنوعة والمؤسسات، وبذلك فعناصر القوة وتأثيراتها باتت متوزّعة ولم تعد حكرا على الدولة.
وفي هذا العالم تظل الولايات المتحدة أكبر "تجميع فردي للقوة"، فهي تنفق أكثر من 500 مليار دولار سنويا على القوة العسكرية وتصبح أكثر من 700مليار دولار إذا أضيفت نفقات العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق، إلى جانب امتلاكها قوى برية وجوية وبحرية على درجة عالية من الكفاءة، ومكانتها كمصدر رئيسي للثقافة والمعلومات والابتكار.ورغم ذلك، ينبغي أن لا يُخفي أن مكانة الولايات المتحدة في العالم قد تراجعت، الأمر الذي أدى إلى تراجع نسبي في التأثير والمكانة الدوليتين.وفي هذا الإطار يمكن إدراج العديد من الملاحظات أبرزها:
- يمثل معدل الناتج القومي الإجمالي الأمريكي 25% من النسبة العالمية ورغم ذلك فإنه معرض للانخفاض مع الوقت، مع الأخذ في الاعتبار التباين في معدل نمو الناتج القومي الإجمالي بين الولايات المتحدة والقوى الآسيوية الصاعدة وبعض الدول الأخرى التي يصل نمو معدل الناتج القومي الإجمالي لها بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف الولايات المتحدة.
- لا يعتبر الناتج القومي الإجمالي المؤشر الوحيد على تراجع الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة؛ فثمَّة تراكم الثورات لدى العديد من الدول مثل الصين والكويت وروسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات؛ويرجع هذا التراكم بشكل أساسي إلى صادرات النفط والغاز؛ حيث جلبت لهذه الدول حوالي 3 تريليون دولار وبمعدل نمو سنوي تريليون دولار سنويا، الأمر الذي يجذب الشركات الأمريكية؛ فارتفاع أسعار النفط العالمية التي ترجع إلى تزايد الطلب الصيني والهندي من المتوقع أن تستمر لبعض الوقت ما يعني، أن حجم هذه التراكمات المالية سوف يزداد.
- تواجه الهيمنة الأمريكية تحدّيا في مجالات أخرى كالفاعلية العسكرية، فالقدرة العسكرية تختلف عن معدل الإنفاق العسكري، وقد أوضحت هجمات أيلول / سبتمبر 2001 كيف أن مجموعة لا وزن لها تمكّنت من إحداث نتائج كارثية على الولايات المتحدة..كما أن الأسلحة الحديثة المكلفة قد تبدو غير مفيدة في الصراعات الحديثة؛ حيث استبدلت أراضي المعارك التقليدية بحروب المدن والتي يستطيع فيها مجموعة من الجنود المسلحين تسليحا تقليديا أن يوقفوا ويفشلوا خططا عسكرية مكلفة.
- إن القوة ستزداد انفصالا عن التأثير، والدعوات الأمريكية للإصلاح ستتعرض لمزيد من التجاهل، والمساعدات الأمريكية ستنخفض، وفاعلية العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ستتقلص أيضا،؛ فالصين تمتلك التأثير على كوريا الشمالية أكثر بكثير من الولايات المتحدة، وقدرة الولايات المتحدة الضغط على إيران بمساندة الدول الأوروبية تقلصت بسبب الدعم الروسي والصيني لإيران.
إن صعود بعض القوى العالمية في فترة الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي لم يكن بمستوى الفاعلية التي تؤدي إلى تغيّرات لافتة في الفواعل الإقليمية والدولية،وبالتالي لم تظهر حالة منافسة حقيقية لواشنطن ويعود ذلك إلى عدة اعتبارات أبرزها:
- إن الفجوة بين القوة الأمريكية وأي منافس آخر محتمل كبيرة جدا.فعلى الرغم من أن الصين قد تصل مع الوقت إلى ناتج قومي إجمالي مماثل لنظيره الأمريكي ،لكن هذه الزيادة ستذهب إلى العدد الهائل من السكان والذي يمثل الفقراء نسبة لافتة منه، كما تشهد الهند تحدّيات ديموغرافية وتعاني من التضخم البيروقراطي ونقص البنية التحتية، وعلى الرغم من أن الناتج القومي الإجمالي للاتحاد الأوروبي أكبر من الولايات المتحدة فإنه لا يتحرك بشكل موحد كدولة واحدة، أما اليابان فتعاني من انكماش عدد السكان وغياب الثقافة التي تؤهلها للعب دور قوة عظمى، فيما روسيا تواجه صعوبات اقتصادية وتناقص في عدد السكان ومشكلات تتعلق بالتماسك الاجتماعي.
- على الرغم من أن إدارة الرئيس جورج بوش تسببت في بعض المتاعب للدول الأخرى إلا أن هذه الدول لم تتصرف على نحو يمثل تهديدا للمصالح القومية الحيوية، وبرغم الشكوك حول الحكمة والشرعية التي تتمتع بها السياسة الخارجية الأمريكية فإنها أدت فقط إلى امتناع الآخرين عن التعاون معها وليس مقاومتها.
- تعتمد العديد من القوى الكبرى على النظام الدولي للمحافظة على الرفاهية الاقتصادية والاستقرار السياسي وبالتالي لا تريد هذه القوى التعرّض لنظام يحقق لها مصالحها القومية، المرتبطة بتدفق السلع والخدمات والبشر والاستثمارات والطاقة والتكنولوجيا وهي أمور تلعب فيها الولايات المتحدة دورا بارزا.
- إن عدم ظهور التعددية القطبية لم يؤد إلى بقاء الأحادية القطبية، بل على العكس فقد انتهت هذه الأحادية، ويعود ذلك إلى ثلاثة اعتبارات الأول: تاريخي والمتعلق بعملية نمو الدول التي تشهد توليد وتراكم الموارد البشرية والمالية والتكنولوجية والتي تؤدي إلى الرفاهية كما تشكل العماد الرئيس للشركات والمؤسسات، ولكن هذه القوى الجديدة لا يمكن إيقافها، ما يثنتج بالتالي عدد أكبر من الفاعلين المؤثرين إقليميا وعالميا.والثاني: متعلق بالسياسة الأمريكية لجهة ما تمَّ تحقيقه وما فشلت فيه، فالولايات المتحدة ساعدت بسياساتها على ظهور مراكز قوى جديدة وأضعفت من موقفها في النظام الدولي.فالسياسة الأمريكية تجاه الطاقة مثلا كان لها دور كبير في نهاية القطبية الأحادية؛ حيث أدى تزايد الطلب الأمريكي على الطاقة بنسبة 20% في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع أسعار البترول من 20 دولارًا للبرميل إلى أكثر من 110 دولار للبرميل في أقل من عقد من الزمان،ما تسبب في نقل رؤوس الأموال إلى الدول التي تمتلك هذه الاحتياطات النفطية وبالتالي ساهمت واشنطن في تحويل منتجي النفط والغاز إلى مراكز للقوة الدولية.كما أن السياسة الاقتصادية الأمريكية لعبت دورًا في إرساء التحوّل نحو عالم بلا أقطاب، فالنفقات التي زادت نتيجة الحربين التي شنتهما الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان قد ساهمت في تراجع مركز الولايات المتحدة المالي من فائض في الموازنة عام 100 مليار عام 2001 إلى عجز 250 مليارًا عام 2007.ما أدَّى إلى مزيد من الضغط على الدولار وتحفيز التضخم والمساهمة في تراكم الثروة والقوة في أماكن أخرى من العالم.كما رسَّخت العولمة نظام غياب الأقطاب من خلال التدفقات عبر الحدود والتي تتم بعيدا عن سلطة الدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى تزيد من قوة الفاعلين الآخرين غير الدول كالشركات المتعدية الجنسية.
إن التحوّل في النظام الدولي سوف يترك آثارا سلبية على الولايات المتحدة نتيجة لتعدد مراكز القوى وسعي كل منها للتأثير الأمر الذي سيؤدي إلى صعوبة الوصول إلى توافق.فغياب أقطاب محددين سيؤدي إلى تزايد التهديدات التي تتعرض لها دولة مثل الولايات المتحدة من تنظيمات إرهابية ومن الدول المصدرة للنفط التي قد تخفض صادراتها للولايات المتحدة.ولكن برغم أن غياب القطبية هو أمر حتمي فإن الولايات المتحدة تبقى حتى الآن أكثر قدرة من أي فاعل آخر على تبديل طبيعة النظام الدولي إن أرادت ذلك.
الخلاصة إن غياب القطبية يعقد من الدبلوماسية، فغياب القطبية لا يؤدي فقط إلى تعدد الفاعلين بشكل غير منظم بل إلى غياب الهياكل الثابتة والعلاقات والتي كانت تتسم بها الأحادية والتعددية والثنائية القطبية.كما أن التحالفات في ظل غياب القطبية أيضا ستكون أكثر صعوبة، والعلاقات ستكون انتقائية وموقفية، ويصبح من الصعب تصنيف الدول كأعداء أو أصدقاء وبالتالي تختفي الثنائية الأمريكية "إما معنا أو ضدنا".
التسميات:
دراسات استراتيجية,
قضايا دولية
السودان وعدالة المحكمة الجنائية الدولية
السودان وعدالة المحكمة الجنائية الدولية
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
من مفارقات العدالة التي تقودها المحكمة الجنائية الدولية بحق السودان ورئيسها عمر حسن البشير، أنها تحاول تكريس سوابق قانونية دولية لا محل لها من الإعراب في القانون الدولي الجنائي،إذ يبدو أنها محاولة لتكريس ازدواجية في التعامل مع قضايا تبدو في ظاهرها متشابهة رغم أن وقائعها ونتائجها مختلفة.
ففي سابقة في العلاقات الدولية والقانون الدولي، وفي إحدى اخطر التعديات الخارجية على السودان واستقلاله وسيادته واستقراره السياسي، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو ـ أوكامبو ، توجيه أول مذكرة توقيف دولية ضد رئيس دولة السودان عمر حسن البشير، ذلك بعد ستة أعــوام على تأسيسـها، وأربعة ملفات فتحتها ولم تغلق أياً منها ، و١٢ متهماً لم تتمــكن من اعتقال نصفهم، ما يطرح سابقــة مثــيرة للجدل لا تتوقف عند حدود القانون. فما هي ابرز القواعد القانونية الواردة في النظام الأساسي للمحكمة وبالتالي هل تنطبق على الحالة السودانية ورئيسها؟ وماذا في الخلفيات القانونية وأبعادها السياسية؟وما هي نتائجها وآثارها على العدالة الدولية المفترضة؟.
تنص المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة على أن للمحكمة اختصاصا في محاكمة من يرتكبون الجرائم التالية :أ- جريمة الإبادة الجماعية ( تنص المادة 6 في هذا الصدد على انه يدخل في جريمة الإبادة الجماعية قتل أعضاء جماعة ما ، أو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي شديد بأعضاء جماعة ما ،...الخ).
ب) الجرائم ضد الإنسانية (وتشير المادة 7 في هذا الصدد على أمثلة كالقتل والتعذيب، الإبادة ، الاستعباد ، الاغتصاب ، الاستعباد الجنسي....الخ).جـ - جرائم الحرب ( ووفقا للمادة 8 : تتمثل تلك الجرائم في : الخرق الخطير لاتفاقية جنيف 1949 ، الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف المطبقة في الصراع الدولي المسلح متضمنة نقل الدولة المحتلة لأجزاء من سكانها المدنيين إلى إقليم الدولة التي تحتلها ، الهجمات المباشرة ضد التراث الثقافي، ...الخ). وتشمل جرائم الحرب أيضا الصراعات المسلحة التي يقوم بها شخص غير دولي (وفقا للمادة 3 من اتفاقية جنيف لعام 1949 ، بروتوكول جنيف الثاني لعام 1977) .د- جريمة العدوان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المحكمة يجب أن تمارس اختصاصاً حول جريمة العدوان بمجرد تبنى الفقرة التي تعرف الجريمة وتفرض الشروط التي في ظلها تمارس المحكمة اختصاصها فيها فيما يتعلق بهذه الجريمة (المادة 5 ، فقرة 2) .
2- تمارس المحكمة اختصاصها ووفقا للمادة 11 ، فيما يتعلق فقط بالجرائم التي ترتكب بعد دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز التنفيذ) ، إذا ما حدث موقف ارتكبت فيه جريمة أو أكثر من الجرائم المذكورة ، وذلك بأن يحال ذلك الموقف إلى المدعي بواسطة طرف رسمي أو مجلس الأمن. وبالإضافة إلى ذلك ، قد يبادر المدعي نفسه بإجراء تحقيقات على أساس المعلومات المتوافرة عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. ولن يتم البدء أو الشروع في تحقيق أو ادعاء لمدة 12 شهراً بعد أن يطلب مجلس الأمن من المحكمة القيام بذلك. وذلك في قرار يتبناه المجلس في ظل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.3- وإذا ما أصبحت الدولة طرفاً في هذا النظام الأساسي ، يمكنها أن تعلن عدم قبولها اختصاص المحكمة فيما يتعلق بفئة جرائم الحرب عندما يتم الادعاء بأن مواطنيها قد ارتكبوا جريمة ما أو ارتكبت الجريمة على أرضها ، وذلك في خلال فترة 7 أعوام بعد دخول النظام الأساسي حيز التنفيذ بالنسبة للدولة المعنية.
كما أن النظام الأساسي للمحكمة أظهر أوجه سلبية لسير عمل المحكمة منها:
1 - أضافت المادة 16 منه أداة وظيفية قضائية إلى مجلس الأمن، فأناطت بمجلس الأمن حق الإحالة والتدخل والتوجيه وحتى التعطيل الكامل لأجهزة المحكمة ومنحت المادة 87 في فقرتها 5 و6 و7 مجلس الأمن سلطة تنفيذية لإلقاء القبض على متهم أو مشبوه نيابة عن المحكمة! 2 منحت المواد 17 و18 و20 من نظام المحكمة، المحكمة الجنائية الدولية صفة او امتياز المحكمة العليا على المحاكم الجنائية الوطنية تراقب أعمالها وتشرف على أحكامها بل أنيط بها سحب الدعوى منها بالنصوص من ناحية وبقوة قواعدها الدولية التي تسمو على القواعد الوطنية. 3 تُنصّب مواد النظام مدعي عام المحكمة كمدع عام مطلق الصلاحيات تعمل بإمرته وتوجيهاته وإشرافه جميع سلطات الادعاء العام الوطنية، فهو يمنحها حق العمل أو يسحب منها دورها الوطني!
وبصرف النظر عن الاتهامات التي وجهها مدعي عام المحكمة لويس مورينو ـ أوكامبو لأول مرة إلى رئيس في منصبه، طالباً إصدار مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير تمهيداً لمحاكمته، وبمعزل عن خطورة التهمة ـ البشير متهم بأنه »الرأس المدبّر« لإبادة جماعية منظمة في إقليم دارفور ـ تفترض الضرورة الموضوعية الإضاءة على نقاط قانونية هامة منها:
- إن قرار المدعي العام يوجه ضد مواطن يتبع لدولة لم توقع على اتفاقية روما (٢٠٠٢) لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. إذ تنص الفقرة الثانية من المادة ١٢ من اتفاقية روما بعدم صلاحية المحكمة تجاه المواطنين الذين يتبعون إلى دولة لم تصادق على الاتفاقية.
- إن صلاحية المحكمة الدولية بحد ذاتها هي في غير محلها، فملف دارفور موضوع الاتهام كان قد أحيل إليها من مجلس الأمن في العام ٢٠٠٥ بالقرار ١٥٩٣ في وقت تفرض فيه اتفاقية روما أن تكون أي إحالة من هذا النوع قائمة على قضية تهدد السلم والأمن الدوليين، أي قضية نزاع دولي وهي ليست حال دارفور، وألا فلماذا لا تقحم المحكمة الدولية نفسها في كشمير والشيشان ومجازر اسرائيل في لبنان؟
- إن كلاما سابقا للمدعي العام، في شباط العام 2007، اتهم فيه الوزير السوداني أحمد هارون وأحد قادة ميليشيا الجنجويد علي كوشيب، بأنهما المسؤولان الأكبران عن كل جرائم دارفور بين عامي ٢٠٠٣ و ٢٠٠5 فكيف تغيّر الحال إلى توصيف الرئيس البشير بأنه هو المسؤول الأكبر عن جرائم دارفور منذ العام ٢٠٠٣؟
- لو سلمنا جدلا أن العضوية في اتفاقية روما ليست شرطاً أو مانعاً لتطبيق بنودها، فلماذا والحال كذلك لا تطبَّق على الجنود الاميركيين والإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم حرب في العراق وفلسطين ولبنان، والتي أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل رفضهما المصادقة عليها؟
وإذا كان الجانب القانوني لا ينطبق على حالة الرئيس عمر البشير فما هي الخلفية السياسية للقضية؟
المسألة الأولى تتعلق بشخص البشير بالذات، فهو واحد من قلّة من الزعماء العرب والمسلمين، ممّن تحوّل في السودان من رجل عسكري إلى رجل دولة سياسي ، واستطاع التحرّك على طريق مليئة بالألغام داخليا وإقليميا ودوليا، بهدف إقرار السلام في بلده رغم العقبات، محافظا على استقلاليته من التبعات الأجنبية رغم التهديد والإغراء، ويكاد يكون الوحيد الذي لم تستدرجه مواقف عدائية في أحرج الظروف كالمشاركة في حصار عدائي أجنبي.
المسالة الثانية وتتعلق بالسودان، فمع فلسطين والعراق، أصبح السودان من بين الدول العربية الدولة الأولى المستهدفة عالميا بأقصى درجات الضغوط ، لتفتيته وتقسيمه، وإضعافه أمنيا، والحيلولة دون نهوضه اقتصاديا واستقراره سياسيا.
إن أولى التداعيات ستكون على الوضع في دارفور تحديدا وبدلا من أن تكون سياق المسالة بداية حل،فستكون بداية لتفجير أوسع وأكبر،أما الضحية الثانية فستكون قوات السلام الأفريقية والدولية ما يعني أن جولة من الفوضى قادمة على السودان من الصعب أن تنحصر فيه.
ربما قدر العرب أن يبقوا الأوائل في تسجيل السوابق من كافة الأنواع،اليوم عمر البشير عبر المحكمة الجنائية الدولية،وقبله صدام حسين عبر محكمة جنائية عراقية خاصة،وربما غدا رئيس آخر عبر محكمة مختلطة،فإلى أين تسير العدالة الدولية ومحاكمها؟وهل بات من صدقية يحتذى بها؟إنها أسئلة محيرة تبحث عن أجوبة في عقول الشعوب العربية قبل حكامها!
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
من مفارقات العدالة التي تقودها المحكمة الجنائية الدولية بحق السودان ورئيسها عمر حسن البشير، أنها تحاول تكريس سوابق قانونية دولية لا محل لها من الإعراب في القانون الدولي الجنائي،إذ يبدو أنها محاولة لتكريس ازدواجية في التعامل مع قضايا تبدو في ظاهرها متشابهة رغم أن وقائعها ونتائجها مختلفة.
ففي سابقة في العلاقات الدولية والقانون الدولي، وفي إحدى اخطر التعديات الخارجية على السودان واستقلاله وسيادته واستقراره السياسي، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو ـ أوكامبو ، توجيه أول مذكرة توقيف دولية ضد رئيس دولة السودان عمر حسن البشير، ذلك بعد ستة أعــوام على تأسيسـها، وأربعة ملفات فتحتها ولم تغلق أياً منها ، و١٢ متهماً لم تتمــكن من اعتقال نصفهم، ما يطرح سابقــة مثــيرة للجدل لا تتوقف عند حدود القانون. فما هي ابرز القواعد القانونية الواردة في النظام الأساسي للمحكمة وبالتالي هل تنطبق على الحالة السودانية ورئيسها؟ وماذا في الخلفيات القانونية وأبعادها السياسية؟وما هي نتائجها وآثارها على العدالة الدولية المفترضة؟.
تنص المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة على أن للمحكمة اختصاصا في محاكمة من يرتكبون الجرائم التالية :أ- جريمة الإبادة الجماعية ( تنص المادة 6 في هذا الصدد على انه يدخل في جريمة الإبادة الجماعية قتل أعضاء جماعة ما ، أو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي شديد بأعضاء جماعة ما ،...الخ).
ب) الجرائم ضد الإنسانية (وتشير المادة 7 في هذا الصدد على أمثلة كالقتل والتعذيب، الإبادة ، الاستعباد ، الاغتصاب ، الاستعباد الجنسي....الخ).جـ - جرائم الحرب ( ووفقا للمادة 8 : تتمثل تلك الجرائم في : الخرق الخطير لاتفاقية جنيف 1949 ، الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف المطبقة في الصراع الدولي المسلح متضمنة نقل الدولة المحتلة لأجزاء من سكانها المدنيين إلى إقليم الدولة التي تحتلها ، الهجمات المباشرة ضد التراث الثقافي، ...الخ). وتشمل جرائم الحرب أيضا الصراعات المسلحة التي يقوم بها شخص غير دولي (وفقا للمادة 3 من اتفاقية جنيف لعام 1949 ، بروتوكول جنيف الثاني لعام 1977) .د- جريمة العدوان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المحكمة يجب أن تمارس اختصاصاً حول جريمة العدوان بمجرد تبنى الفقرة التي تعرف الجريمة وتفرض الشروط التي في ظلها تمارس المحكمة اختصاصها فيها فيما يتعلق بهذه الجريمة (المادة 5 ، فقرة 2) .
2- تمارس المحكمة اختصاصها ووفقا للمادة 11 ، فيما يتعلق فقط بالجرائم التي ترتكب بعد دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز التنفيذ) ، إذا ما حدث موقف ارتكبت فيه جريمة أو أكثر من الجرائم المذكورة ، وذلك بأن يحال ذلك الموقف إلى المدعي بواسطة طرف رسمي أو مجلس الأمن. وبالإضافة إلى ذلك ، قد يبادر المدعي نفسه بإجراء تحقيقات على أساس المعلومات المتوافرة عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. ولن يتم البدء أو الشروع في تحقيق أو ادعاء لمدة 12 شهراً بعد أن يطلب مجلس الأمن من المحكمة القيام بذلك. وذلك في قرار يتبناه المجلس في ظل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.3- وإذا ما أصبحت الدولة طرفاً في هذا النظام الأساسي ، يمكنها أن تعلن عدم قبولها اختصاص المحكمة فيما يتعلق بفئة جرائم الحرب عندما يتم الادعاء بأن مواطنيها قد ارتكبوا جريمة ما أو ارتكبت الجريمة على أرضها ، وذلك في خلال فترة 7 أعوام بعد دخول النظام الأساسي حيز التنفيذ بالنسبة للدولة المعنية.
كما أن النظام الأساسي للمحكمة أظهر أوجه سلبية لسير عمل المحكمة منها:
1 - أضافت المادة 16 منه أداة وظيفية قضائية إلى مجلس الأمن، فأناطت بمجلس الأمن حق الإحالة والتدخل والتوجيه وحتى التعطيل الكامل لأجهزة المحكمة ومنحت المادة 87 في فقرتها 5 و6 و7 مجلس الأمن سلطة تنفيذية لإلقاء القبض على متهم أو مشبوه نيابة عن المحكمة! 2 منحت المواد 17 و18 و20 من نظام المحكمة، المحكمة الجنائية الدولية صفة او امتياز المحكمة العليا على المحاكم الجنائية الوطنية تراقب أعمالها وتشرف على أحكامها بل أنيط بها سحب الدعوى منها بالنصوص من ناحية وبقوة قواعدها الدولية التي تسمو على القواعد الوطنية. 3 تُنصّب مواد النظام مدعي عام المحكمة كمدع عام مطلق الصلاحيات تعمل بإمرته وتوجيهاته وإشرافه جميع سلطات الادعاء العام الوطنية، فهو يمنحها حق العمل أو يسحب منها دورها الوطني!
وبصرف النظر عن الاتهامات التي وجهها مدعي عام المحكمة لويس مورينو ـ أوكامبو لأول مرة إلى رئيس في منصبه، طالباً إصدار مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير تمهيداً لمحاكمته، وبمعزل عن خطورة التهمة ـ البشير متهم بأنه »الرأس المدبّر« لإبادة جماعية منظمة في إقليم دارفور ـ تفترض الضرورة الموضوعية الإضاءة على نقاط قانونية هامة منها:
- إن قرار المدعي العام يوجه ضد مواطن يتبع لدولة لم توقع على اتفاقية روما (٢٠٠٢) لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. إذ تنص الفقرة الثانية من المادة ١٢ من اتفاقية روما بعدم صلاحية المحكمة تجاه المواطنين الذين يتبعون إلى دولة لم تصادق على الاتفاقية.
- إن صلاحية المحكمة الدولية بحد ذاتها هي في غير محلها، فملف دارفور موضوع الاتهام كان قد أحيل إليها من مجلس الأمن في العام ٢٠٠٥ بالقرار ١٥٩٣ في وقت تفرض فيه اتفاقية روما أن تكون أي إحالة من هذا النوع قائمة على قضية تهدد السلم والأمن الدوليين، أي قضية نزاع دولي وهي ليست حال دارفور، وألا فلماذا لا تقحم المحكمة الدولية نفسها في كشمير والشيشان ومجازر اسرائيل في لبنان؟
- إن كلاما سابقا للمدعي العام، في شباط العام 2007، اتهم فيه الوزير السوداني أحمد هارون وأحد قادة ميليشيا الجنجويد علي كوشيب، بأنهما المسؤولان الأكبران عن كل جرائم دارفور بين عامي ٢٠٠٣ و ٢٠٠5 فكيف تغيّر الحال إلى توصيف الرئيس البشير بأنه هو المسؤول الأكبر عن جرائم دارفور منذ العام ٢٠٠٣؟
- لو سلمنا جدلا أن العضوية في اتفاقية روما ليست شرطاً أو مانعاً لتطبيق بنودها، فلماذا والحال كذلك لا تطبَّق على الجنود الاميركيين والإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم حرب في العراق وفلسطين ولبنان، والتي أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل رفضهما المصادقة عليها؟
وإذا كان الجانب القانوني لا ينطبق على حالة الرئيس عمر البشير فما هي الخلفية السياسية للقضية؟
المسألة الأولى تتعلق بشخص البشير بالذات، فهو واحد من قلّة من الزعماء العرب والمسلمين، ممّن تحوّل في السودان من رجل عسكري إلى رجل دولة سياسي ، واستطاع التحرّك على طريق مليئة بالألغام داخليا وإقليميا ودوليا، بهدف إقرار السلام في بلده رغم العقبات، محافظا على استقلاليته من التبعات الأجنبية رغم التهديد والإغراء، ويكاد يكون الوحيد الذي لم تستدرجه مواقف عدائية في أحرج الظروف كالمشاركة في حصار عدائي أجنبي.
المسالة الثانية وتتعلق بالسودان، فمع فلسطين والعراق، أصبح السودان من بين الدول العربية الدولة الأولى المستهدفة عالميا بأقصى درجات الضغوط ، لتفتيته وتقسيمه، وإضعافه أمنيا، والحيلولة دون نهوضه اقتصاديا واستقراره سياسيا.
إن أولى التداعيات ستكون على الوضع في دارفور تحديدا وبدلا من أن تكون سياق المسالة بداية حل،فستكون بداية لتفجير أوسع وأكبر،أما الضحية الثانية فستكون قوات السلام الأفريقية والدولية ما يعني أن جولة من الفوضى قادمة على السودان من الصعب أن تنحصر فيه.
ربما قدر العرب أن يبقوا الأوائل في تسجيل السوابق من كافة الأنواع،اليوم عمر البشير عبر المحكمة الجنائية الدولية،وقبله صدام حسين عبر محكمة جنائية عراقية خاصة،وربما غدا رئيس آخر عبر محكمة مختلطة،فإلى أين تسير العدالة الدولية ومحاكمها؟وهل بات من صدقية يحتذى بها؟إنها أسئلة محيرة تبحث عن أجوبة في عقول الشعوب العربية قبل حكامها!
التسميات:
الدراسات القانونية,
قرارات دولية,
قضايا دولية,
قضايا عربية
ماذا بعد قمة دمشق الرباعية؟
ماذا بعد قمة دمشق الرباعية؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
اختصرت قمة دمشق ثلاث منظمات إقليمية يجمع بينها هواجس وقلق كثير،ويتقاطع بينها مصالح وأهداف ليست بالضرورة قليلة.فرئاسات الاتحاد الأوروبي والقمة العربية ومجلس التعاون الخليجي إضافة إلى دولة رابعة لها العمق التاريخي الفاعل في المنطقة، حاولت رسم خريطة طريق وسط متغيرات قادمة، ستؤثر في كثير من وقائع ومعطيات تركت ظلالا كثيفة في خلال السنوات الماضية.
وربما ما أطلق على القمة من تسمية الحوار من اجل الاستقرار، يعبر عن خطورة المرحلة التي تمر بها المنطقة،وبالتالي الحاجة الماسة للبحث عن إطار يجمع تنظيم الخلافات،ومن ثم التركيز على بيئة لتنظيم مشاريع الحلول إذا توفرت بعض المعطيات والظروف.
والتدقيق بين سطور ما قيل قبل القمة وبعدها،يظهر تباين الاهتمامات والأهداف،رغم تقاطع بعض الغايات.فلكل طرف فيها وجهته الخاصة،التي يطمح في نهايتها الحصول على مكاسب سياسية ربما تتعدى حجمه الإقليمي الفعلي.وعلى الرغم من أن الطموح في السياسات الدولية أمر شائع ومرغوب به،فإن الأمل شيء والواقع شيء آخر.
وربما المفارقة الأبرز في هذه القمة المسألة الإيرانية الحاضرة الغائبة،حتى يكاد يقال أن كثيرا من الآمال قد عُلقت على مستقبل التحركات المحتملة تجاه طهران في وقت لا تمتلك هذه الأطراف القدرة العملية على تغيير الواقع غير المرغوب به من قبل الغرب بشكل عام.فإشارة الرئيس الفرنسي للبرنامج النووي الإيراني يعكس الهمَّ الأوروبي الأمريكي الإسرائيلي الدائم الحضور في المحافل الإقليمية والدولية،والمزيد من التدقيق يظهر الرغبة الفرنسية في إقحام دمشق في الموضوع الإيراني بصرف النظر عن حجم التأثير فيه،وكأن غير المعلن منه محاولة إيجاد البيئة الملائمة لإبعاد دمشق عن طهران، في مرحلة يشعر فيه البلدان بأهمية التقارب وضرورة التنسيق والتعاون.
الرغبة الفرنسية الثانية في هذه القمة هي محاولة إعادة تعويم دور افتقدته باريس لعقود طويلة في الشرق الأوسط، بعد سياسة ملء الفراغ التي اتبعتها واشنطن في منتصف القرن الماضي والتي أبعدت بموجبها كل من فرنسا وإنكلترا عن منطقة شديدة الحساسية تجاه جميع تلك الدول.فالطموح الفرنسي الذي ارتكز ولعقود طويلة على البوابة اللبنانية، قرأ متغيرات المنطقة بعناية ودراية دقيقتين وشعر بأهمية البوابة الدمشقية وامكاناتها الفارقة في عودة باريس لأمجادها الضائعة في المنطقة.
وإذا كانت دمشق قد قدّمت سُلفة سياسية لافتة لباريس عبر قرار إقامة العلاقات الدبلوماسية مع لبنان،ما شجع ساركوزي على حسم موضوع زيارته لدمشق،فان هذه الأخيرة قد استثمرت قمتها الرباعية لتثبت ختم ملف العزلة الدولية التي فرضتها واشنطن منذ أربع سنوات،ولتؤكد مجددا أن وزنها الإقليمي أكبر من أن تعزل أو تهمش في مراحل مصيرية تمر فيها المنطقة.وما يؤكد هذا التصور تقصّد الرئيس السوري بشار الأسد إطلاق جملة إشارات واضحة وفي اتجاهات متعددة.ففي الشأن اللبناني رؤية سورية أن لا استقرار في لبنان ما لم يتم معالجة التطرف في شماله "الذي تغذيه بعض الدول"،وهي إشارة واضحة على بقاء الوضع العربي ومحاوره على ما هو عليه،وهي إشارة ستفسر لاحقا من بعض القوى اللبنانية وغير اللبنانية بأنها رغبة سورية للعودة إلى لبنان من بوابته الشمالية طرابلس.
أما القراءة السورية الثانية في هذه القمة وهي ركيزة أساسية في انعقادها،فترتكز على المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل عبر الرعاية التركية.فما تمَّ في اللقاءات الأربع أسست لبيئة قابلة للبناء عليها لكن مع وقف التنفيذ لاعتبارات تتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وما سينتج عنها من إدارة وسياسات جديدة،وبطبيعة الأمر تعتبر هذه الرؤية السورية رؤية واقعية باعتبار أن ملف السلام لا يمكن إنجاز الكثير فيه في مرحلة أمريكية انتقالية أولا،وفي ظل حكومة إسرائيلية متهاوية ثانيا.
في الجانبين التركي والقطري ثمة رغبة للعب ادوار وسيطة في أزمات كبيرة،ومع اختلاف نوعية التأثير وكيفيته،ثمة مفارقة في الدورين،فقطر التي ترأس مجلس التعاون الخليجي حاليا تهيأت قبلا عبر شبكة علاقات إقليمية عززتها بقدرات مالية؛فيما تركيا التي لا تملك المال امتلكت الجغرافيا السياسية المؤثرة في بؤر الصراع في المنطقة،وعليه فقطر التي تعتبر من الدول العربية والخليجية صغيرة المساحة،وُضعت في مكان الحل والربط في قضايا مصيرية لبعض الدول العربية كمثال لبنان واتفاق الدوحة الذي سيحل محل اتفاق الطائف شيئا فشيئا.فيما تركيا التي تُهيئ لإعادتها كدولة حاجزة في الشرق الأوسط بوجه موسكو مستقبلا مع عودة روائح الحرب الباردة،تكتسب أهمية محورية في قضايا إقليمية حساسة كالصراع العربي - الإسرائيلي والبرنامج النووي الإيراني.
طبعا فيما سبق، ثمة تقاطع وتباين بين أطراف اجتمعت ولكل منها حساباتها الخاصة، لكن في المحصلة ثمة محاولة للإجابة على بعض القضايا ومنها:
- محاولة فرنسا اللعب في الوقت الضائع وبتشجيع أمريكي بهدف تقليص و احتواء مشاكل غير محسوبة النتائج ربما تحصل في المنطقة..
- محاولة خلق الظروف المناسبة لتطوير المفاوضات السورية - الإسرائيلية من الوسائل غير المباشرة إلى المباشرة.
- تكريس واقع المفاوضات الثنائية بين العرب وإسرائيل،وإشراك لبنان فيها في مراحل لاحقة ليست ببعيدة.
- محاولة الضغط على طهران لجهة البرنامج النووي وهذه المرة من البوابة السورية تحديدا.
- إبقاء الواقع العربي الراهن على ما هو عليه،باعتبار أن القمة لم تتمكن من إنتاج مناخات قادرة على تبديد أجواء المحاور العربية السائدة حاليا.
ربما تعتبر الظروف التي تمر بها المنطقة حاليا من أدق الظروف وأصعبها،فهي على مفترق طرق،فلا يفصل بين التهدئة والانفجار سوى خيط رفيع يصعب تمييزه وسط حسابات الربح والخسارة لكل الأطراف المعنية،من هنا أتت القمة الرباعية لتضفي على هذه الحسابات مزيدا من التوجّس والقلق لما يمكن أن ينتج عنها لاحقا، بخاصة أن أي طرف من الأطراف ليس قادرا لوحده على إنجاز ما يصبو إليه،في الوقت الذي يتوجب عليه تقديم تنازلات مقابل تحصيل مكاسب معينة.
أما الأخطر في مثل هذه الأوضاع أن تجتمع تقاطع المصالح بين عدة دول على أمر واحد،ويصبح الهدف منصبا على النقطة الأضعف،عندها يصبح الخوف على لبنان مبررا.في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي أنتج الاتفاق الثلاثي بعد حروب داخلية لبنانية استعرت لسنوات؛ثم استتبعت بمثلها وأنتج اتفاق الطائف،فهل ما يجري اليوم في شمال لبنان وبقاعه بعيد عما سبقه؟ أن في ذلك عبرة لذوي الألباب!
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
اختصرت قمة دمشق ثلاث منظمات إقليمية يجمع بينها هواجس وقلق كثير،ويتقاطع بينها مصالح وأهداف ليست بالضرورة قليلة.فرئاسات الاتحاد الأوروبي والقمة العربية ومجلس التعاون الخليجي إضافة إلى دولة رابعة لها العمق التاريخي الفاعل في المنطقة، حاولت رسم خريطة طريق وسط متغيرات قادمة، ستؤثر في كثير من وقائع ومعطيات تركت ظلالا كثيفة في خلال السنوات الماضية.
وربما ما أطلق على القمة من تسمية الحوار من اجل الاستقرار، يعبر عن خطورة المرحلة التي تمر بها المنطقة،وبالتالي الحاجة الماسة للبحث عن إطار يجمع تنظيم الخلافات،ومن ثم التركيز على بيئة لتنظيم مشاريع الحلول إذا توفرت بعض المعطيات والظروف.
والتدقيق بين سطور ما قيل قبل القمة وبعدها،يظهر تباين الاهتمامات والأهداف،رغم تقاطع بعض الغايات.فلكل طرف فيها وجهته الخاصة،التي يطمح في نهايتها الحصول على مكاسب سياسية ربما تتعدى حجمه الإقليمي الفعلي.وعلى الرغم من أن الطموح في السياسات الدولية أمر شائع ومرغوب به،فإن الأمل شيء والواقع شيء آخر.
وربما المفارقة الأبرز في هذه القمة المسألة الإيرانية الحاضرة الغائبة،حتى يكاد يقال أن كثيرا من الآمال قد عُلقت على مستقبل التحركات المحتملة تجاه طهران في وقت لا تمتلك هذه الأطراف القدرة العملية على تغيير الواقع غير المرغوب به من قبل الغرب بشكل عام.فإشارة الرئيس الفرنسي للبرنامج النووي الإيراني يعكس الهمَّ الأوروبي الأمريكي الإسرائيلي الدائم الحضور في المحافل الإقليمية والدولية،والمزيد من التدقيق يظهر الرغبة الفرنسية في إقحام دمشق في الموضوع الإيراني بصرف النظر عن حجم التأثير فيه،وكأن غير المعلن منه محاولة إيجاد البيئة الملائمة لإبعاد دمشق عن طهران، في مرحلة يشعر فيه البلدان بأهمية التقارب وضرورة التنسيق والتعاون.
الرغبة الفرنسية الثانية في هذه القمة هي محاولة إعادة تعويم دور افتقدته باريس لعقود طويلة في الشرق الأوسط، بعد سياسة ملء الفراغ التي اتبعتها واشنطن في منتصف القرن الماضي والتي أبعدت بموجبها كل من فرنسا وإنكلترا عن منطقة شديدة الحساسية تجاه جميع تلك الدول.فالطموح الفرنسي الذي ارتكز ولعقود طويلة على البوابة اللبنانية، قرأ متغيرات المنطقة بعناية ودراية دقيقتين وشعر بأهمية البوابة الدمشقية وامكاناتها الفارقة في عودة باريس لأمجادها الضائعة في المنطقة.
وإذا كانت دمشق قد قدّمت سُلفة سياسية لافتة لباريس عبر قرار إقامة العلاقات الدبلوماسية مع لبنان،ما شجع ساركوزي على حسم موضوع زيارته لدمشق،فان هذه الأخيرة قد استثمرت قمتها الرباعية لتثبت ختم ملف العزلة الدولية التي فرضتها واشنطن منذ أربع سنوات،ولتؤكد مجددا أن وزنها الإقليمي أكبر من أن تعزل أو تهمش في مراحل مصيرية تمر فيها المنطقة.وما يؤكد هذا التصور تقصّد الرئيس السوري بشار الأسد إطلاق جملة إشارات واضحة وفي اتجاهات متعددة.ففي الشأن اللبناني رؤية سورية أن لا استقرار في لبنان ما لم يتم معالجة التطرف في شماله "الذي تغذيه بعض الدول"،وهي إشارة واضحة على بقاء الوضع العربي ومحاوره على ما هو عليه،وهي إشارة ستفسر لاحقا من بعض القوى اللبنانية وغير اللبنانية بأنها رغبة سورية للعودة إلى لبنان من بوابته الشمالية طرابلس.
أما القراءة السورية الثانية في هذه القمة وهي ركيزة أساسية في انعقادها،فترتكز على المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل عبر الرعاية التركية.فما تمَّ في اللقاءات الأربع أسست لبيئة قابلة للبناء عليها لكن مع وقف التنفيذ لاعتبارات تتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وما سينتج عنها من إدارة وسياسات جديدة،وبطبيعة الأمر تعتبر هذه الرؤية السورية رؤية واقعية باعتبار أن ملف السلام لا يمكن إنجاز الكثير فيه في مرحلة أمريكية انتقالية أولا،وفي ظل حكومة إسرائيلية متهاوية ثانيا.
في الجانبين التركي والقطري ثمة رغبة للعب ادوار وسيطة في أزمات كبيرة،ومع اختلاف نوعية التأثير وكيفيته،ثمة مفارقة في الدورين،فقطر التي ترأس مجلس التعاون الخليجي حاليا تهيأت قبلا عبر شبكة علاقات إقليمية عززتها بقدرات مالية؛فيما تركيا التي لا تملك المال امتلكت الجغرافيا السياسية المؤثرة في بؤر الصراع في المنطقة،وعليه فقطر التي تعتبر من الدول العربية والخليجية صغيرة المساحة،وُضعت في مكان الحل والربط في قضايا مصيرية لبعض الدول العربية كمثال لبنان واتفاق الدوحة الذي سيحل محل اتفاق الطائف شيئا فشيئا.فيما تركيا التي تُهيئ لإعادتها كدولة حاجزة في الشرق الأوسط بوجه موسكو مستقبلا مع عودة روائح الحرب الباردة،تكتسب أهمية محورية في قضايا إقليمية حساسة كالصراع العربي - الإسرائيلي والبرنامج النووي الإيراني.
طبعا فيما سبق، ثمة تقاطع وتباين بين أطراف اجتمعت ولكل منها حساباتها الخاصة، لكن في المحصلة ثمة محاولة للإجابة على بعض القضايا ومنها:
- محاولة فرنسا اللعب في الوقت الضائع وبتشجيع أمريكي بهدف تقليص و احتواء مشاكل غير محسوبة النتائج ربما تحصل في المنطقة..
- محاولة خلق الظروف المناسبة لتطوير المفاوضات السورية - الإسرائيلية من الوسائل غير المباشرة إلى المباشرة.
- تكريس واقع المفاوضات الثنائية بين العرب وإسرائيل،وإشراك لبنان فيها في مراحل لاحقة ليست ببعيدة.
- محاولة الضغط على طهران لجهة البرنامج النووي وهذه المرة من البوابة السورية تحديدا.
- إبقاء الواقع العربي الراهن على ما هو عليه،باعتبار أن القمة لم تتمكن من إنتاج مناخات قادرة على تبديد أجواء المحاور العربية السائدة حاليا.
ربما تعتبر الظروف التي تمر بها المنطقة حاليا من أدق الظروف وأصعبها،فهي على مفترق طرق،فلا يفصل بين التهدئة والانفجار سوى خيط رفيع يصعب تمييزه وسط حسابات الربح والخسارة لكل الأطراف المعنية،من هنا أتت القمة الرباعية لتضفي على هذه الحسابات مزيدا من التوجّس والقلق لما يمكن أن ينتج عنها لاحقا، بخاصة أن أي طرف من الأطراف ليس قادرا لوحده على إنجاز ما يصبو إليه،في الوقت الذي يتوجب عليه تقديم تنازلات مقابل تحصيل مكاسب معينة.
أما الأخطر في مثل هذه الأوضاع أن تجتمع تقاطع المصالح بين عدة دول على أمر واحد،ويصبح الهدف منصبا على النقطة الأضعف،عندها يصبح الخوف على لبنان مبررا.في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي أنتج الاتفاق الثلاثي بعد حروب داخلية لبنانية استعرت لسنوات؛ثم استتبعت بمثلها وأنتج اتفاق الطائف،فهل ما يجري اليوم في شمال لبنان وبقاعه بعيد عما سبقه؟ أن في ذلك عبرة لذوي الألباب!
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)