في استقالة اولمرت وتداعياتها
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بصرف النظر عن الأسباب الحقيقية أو على الأقل غير المعلنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت، فان تداعيات الحدث ودلالاته تتخطى مجرد استقالة رئيس وزراء،بخاصة أنها كانت متوقعة إن لم تكن حتمية في سياق إحصاء الإخفاقات الموصوفة في خلال قيادته لإسرائيل,فمن الناحية العملية تشكل الاستقالة سقوطا مريعا لآخر رموز هزيمة إسرائيل في عدوانها على لبنان العام 2006.وإذا كان تقرير فينوغراد الشهير قد فتح الباب لهروب اولمرت من السلطة بطريقة تحفظ ماء الوجه السياسي لرموز الحرب،فان ملفات الفساد والرشوة نغصت عليه هذه الفرصة وجعلت سقوطه مرتبطا بمزيج من العوامل بعضها مفهوم والآخر غير ذلك، مقارنة بالسوابق التاريخية لمن سبقه في رئاسة الوزراء وبخاصة اسحق رابين على سبيل المثال.
في العام 1995 وفيما كانت المفاوضات العربية الإسرائيلية منطلقة بشكل غير مسبوق،أطلقت رصاصة الرحمة على السلام الموعود بين العرب وإسرائيل باغتيال رابين ووديعته المشهورة بشأن الجانب السوري من المفاوضات،وبصرف النظر عن طبيعة المقاربة ومكانتها وقوتها بين رابين واولمرت في الحياة السياسية الإسرائيلية،يبقى العامل الخارجي وأدوات الصراع مع العرب وتداعياته احد الأسباب الرئيسة في انعطاف السياسات الإسرائيلية وترجمتها بانقلابات السلطة في الداخل بهدف تمرير الوقت وكسبه بانتظار متغيرات جديدة تعيد الحياة السياسية الإسرائيلية إلى روعها ووعيها الباطني القائل بأن لا سلام مع العرب في ظروف الانكسار الإسرائيلي،وإذا كان لا بد منه فينبغي فرضه بالقوة ولمصلحة إسرائيل في كل الأحوال والحسابات المعلنة وغير المعلنة منها.
وفي مطلق الأحوال لا يعني ذلك أن اولمرت كان على وشك تقديم التنازلات للعرب وإقامة الدولة الفلسطينية وإعادة الجولان وما تبقى من جنوب لبنان،بقدر ما هي خطوة استباقية لما يمكن أن ينتظره في مرحلة ضبابية إسرائيليا وأمريكيا وحتى إقليميا.فاولمرت بين أقرانه من رؤساء الوزراء السابقين لا يشكل حالة استثنائية يُعتد بها في مواجهة خصومه الداخليين وأعدائه الخارجيين،فهو وريث ارئيل شارون الحاضر الغائب، والشاهد الذي لم يشهد هزيمة إسرائيل الثانية في لبنان بعد معاصرته الأولى؛وهو أيضا الآتي من فراغ جعبة إسرائيل من القيادات الكاريزمية، وبالتالي مثّل الشخص الذي عبأ الفراغ في السياسة التكتية المناسبة لا الاستراتيجية التي تعوّدت عليها إسرائيل.
وإذا كانت وزيرة خارجيته تسيبني ليفني قد تمكّنت من إبعاد غريمه شاؤول موفاز عن خلافته،فان لائحة طويلة من الاستحقاقات تنتظرها ولن يكون وضعها بأحسن حال من سلفها على الصعيدين الداخلي والخارجي،وفي هذا السياق يمكن إدراج العديد من الاستحقاقات ومنها:
- محاولة إعادة ترميم حزب كديما المسؤول المباشر عن إلحاق الهزيمة الإسرائيلية الموصوفة بمواجهة العرب وتحديدا المقاومة اللبنانية،وهي سابقة لا تتحملها إسرائيل بكل المقاييس،وهي بطبيعة الأمر مهمة ليست سهلة إن لم تكن مستحيلة بخاصة أنها ستوكل إلى رئيسة وزراء كانت مسؤولة عن الملف السياسي والدبلوماسي لحرب 2006 وتداعياتها المعروفة النتائج.
- محاولة إعادة ترميم الملف الداخلي لكاديما وسط صراعات مكشوفة على زعامته المستقبلية الحقيقية،ومنافسة شديدة من خصوم يعتبرون من ثعالب السياسة الإسرائيلية×إضافة إلى الوضع القوي لخصومها السياسيين والعسكؤيين من تكتل الليكود الذي يضم عتاهية السياسة والعسكر والذين يتربصون لأدائها السياسي في المرحلة القادمة.
- محاولة استغلال فترة الـ 42 يوما لتشكيل ائتلاف حكومي برئاسة ليفني وهو أمر يبدو انه لن يكون سهلا وسط ارتفاع منسوب الأصوات الداعية لانتخابات نيابية مبكرة تعيد خلط الواقع الداخلي الإسرائيلي بكافة تداعياته الداخلية والخارجية، الأمر الذي سيعرقل مسيرة ليفني المزروعة بالأشواك أصلا.
- نسف المواعيد المتعلقة بالسلطة الفلسطينية مجددا،وهو أمر معتاد في كل انعطافة تفاوضية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني منذ مفاوضات مدريد في بداية العقد الأخير من القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
- التملص ولو مرحليا لجهة المفاوضات غير المباشرة مع الجانب السوري،رغم الإعلان المسبق عن تجميدها قبل الاستقالة،الأمر الذي يبدو انه مؤجلا إلى قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة،وفي اقل تقدير إلى النصف الثاني من العام 2009 بعد ترتيب السياسات الخارجية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط إذا ظلت وقائع الأمور كما هي عليها الآن.
وإذا كانت الوقائع الداخلية الإسرائيلية تبدو ثقيلة جدا على ساستها وعسكرها وجمهورها بكافة تلاوينه وميوله،فانه من الصعب استبعاد المفاجآت التي تعودت إسرائيل على إطلاقها في الأوقات المستقطعة من عمر أزماتها الداخلية للهروب إلى الخارج بمغامرات عسكرية أو أمنية تغطي فشل ساستها وعسكرها،سيما وان موضوعاتها كثيرة التنوع والاستهدافات والغايات.
وعلى الرغم من الوضع الداخلي المتأزم أصلا سياسيا وعسكريا واقتصاديا، فان الهروب إلى الإمام ربما يشكل مخرجا لدى الرؤؤس الحامية في القيادات الإسرائيلية،وهناك سوابق كثيرة لمثل تلك الحالات؛وثمة سيناريوهات كثيرة في هذه المرحلة يمكن أن تقدم عليها،بدءا من الهجوم على غزة مرورا بالاعتداء على لبنان وصولا إلى محاولة ضرب إيران،ورغم صعوبة تنفيذ هذه الاحتمالات للعديد من الاعتبارات تبقى احتمالات واردة.
في العام 1969 وصلت غولدا مائير لرئاسة الحكومة بعد سنتين على نكسة العرب العام 1967،فيما وصلت تسيبني ليفني يعد سنتين على هزيمة إسرائيل،وفي العام 1974 استقالت مائير بعدما أوصلت حزب العمل للسلطة بعيد نصر العرب في العام 1973، فهل يعيد التاريخ نفسه بطريقة معكوسة؟
ربما من مفارقات النظام السياسي في إسرائيل دوام تداول السلطة في الحرب كما السلم وفي النصر كما الهزيمة،وفي كلا الحالتين تعيد إسرائيل إنتاج نفسها من جديد كدولة ديموقراطية راغبة في السلام ظاهرا وماضية إلى الحرب باطنا،إن في ذلك عبرة لذوي الألباب،فهل نحن العرب منهم؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بصرف النظر عن الأسباب الحقيقية أو على الأقل غير المعلنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت، فان تداعيات الحدث ودلالاته تتخطى مجرد استقالة رئيس وزراء،بخاصة أنها كانت متوقعة إن لم تكن حتمية في سياق إحصاء الإخفاقات الموصوفة في خلال قيادته لإسرائيل,فمن الناحية العملية تشكل الاستقالة سقوطا مريعا لآخر رموز هزيمة إسرائيل في عدوانها على لبنان العام 2006.وإذا كان تقرير فينوغراد الشهير قد فتح الباب لهروب اولمرت من السلطة بطريقة تحفظ ماء الوجه السياسي لرموز الحرب،فان ملفات الفساد والرشوة نغصت عليه هذه الفرصة وجعلت سقوطه مرتبطا بمزيج من العوامل بعضها مفهوم والآخر غير ذلك، مقارنة بالسوابق التاريخية لمن سبقه في رئاسة الوزراء وبخاصة اسحق رابين على سبيل المثال.
في العام 1995 وفيما كانت المفاوضات العربية الإسرائيلية منطلقة بشكل غير مسبوق،أطلقت رصاصة الرحمة على السلام الموعود بين العرب وإسرائيل باغتيال رابين ووديعته المشهورة بشأن الجانب السوري من المفاوضات،وبصرف النظر عن طبيعة المقاربة ومكانتها وقوتها بين رابين واولمرت في الحياة السياسية الإسرائيلية،يبقى العامل الخارجي وأدوات الصراع مع العرب وتداعياته احد الأسباب الرئيسة في انعطاف السياسات الإسرائيلية وترجمتها بانقلابات السلطة في الداخل بهدف تمرير الوقت وكسبه بانتظار متغيرات جديدة تعيد الحياة السياسية الإسرائيلية إلى روعها ووعيها الباطني القائل بأن لا سلام مع العرب في ظروف الانكسار الإسرائيلي،وإذا كان لا بد منه فينبغي فرضه بالقوة ولمصلحة إسرائيل في كل الأحوال والحسابات المعلنة وغير المعلنة منها.
وفي مطلق الأحوال لا يعني ذلك أن اولمرت كان على وشك تقديم التنازلات للعرب وإقامة الدولة الفلسطينية وإعادة الجولان وما تبقى من جنوب لبنان،بقدر ما هي خطوة استباقية لما يمكن أن ينتظره في مرحلة ضبابية إسرائيليا وأمريكيا وحتى إقليميا.فاولمرت بين أقرانه من رؤساء الوزراء السابقين لا يشكل حالة استثنائية يُعتد بها في مواجهة خصومه الداخليين وأعدائه الخارجيين،فهو وريث ارئيل شارون الحاضر الغائب، والشاهد الذي لم يشهد هزيمة إسرائيل الثانية في لبنان بعد معاصرته الأولى؛وهو أيضا الآتي من فراغ جعبة إسرائيل من القيادات الكاريزمية، وبالتالي مثّل الشخص الذي عبأ الفراغ في السياسة التكتية المناسبة لا الاستراتيجية التي تعوّدت عليها إسرائيل.
وإذا كانت وزيرة خارجيته تسيبني ليفني قد تمكّنت من إبعاد غريمه شاؤول موفاز عن خلافته،فان لائحة طويلة من الاستحقاقات تنتظرها ولن يكون وضعها بأحسن حال من سلفها على الصعيدين الداخلي والخارجي،وفي هذا السياق يمكن إدراج العديد من الاستحقاقات ومنها:
- محاولة إعادة ترميم حزب كديما المسؤول المباشر عن إلحاق الهزيمة الإسرائيلية الموصوفة بمواجهة العرب وتحديدا المقاومة اللبنانية،وهي سابقة لا تتحملها إسرائيل بكل المقاييس،وهي بطبيعة الأمر مهمة ليست سهلة إن لم تكن مستحيلة بخاصة أنها ستوكل إلى رئيسة وزراء كانت مسؤولة عن الملف السياسي والدبلوماسي لحرب 2006 وتداعياتها المعروفة النتائج.
- محاولة إعادة ترميم الملف الداخلي لكاديما وسط صراعات مكشوفة على زعامته المستقبلية الحقيقية،ومنافسة شديدة من خصوم يعتبرون من ثعالب السياسة الإسرائيلية×إضافة إلى الوضع القوي لخصومها السياسيين والعسكؤيين من تكتل الليكود الذي يضم عتاهية السياسة والعسكر والذين يتربصون لأدائها السياسي في المرحلة القادمة.
- محاولة استغلال فترة الـ 42 يوما لتشكيل ائتلاف حكومي برئاسة ليفني وهو أمر يبدو انه لن يكون سهلا وسط ارتفاع منسوب الأصوات الداعية لانتخابات نيابية مبكرة تعيد خلط الواقع الداخلي الإسرائيلي بكافة تداعياته الداخلية والخارجية، الأمر الذي سيعرقل مسيرة ليفني المزروعة بالأشواك أصلا.
- نسف المواعيد المتعلقة بالسلطة الفلسطينية مجددا،وهو أمر معتاد في كل انعطافة تفاوضية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني منذ مفاوضات مدريد في بداية العقد الأخير من القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
- التملص ولو مرحليا لجهة المفاوضات غير المباشرة مع الجانب السوري،رغم الإعلان المسبق عن تجميدها قبل الاستقالة،الأمر الذي يبدو انه مؤجلا إلى قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة،وفي اقل تقدير إلى النصف الثاني من العام 2009 بعد ترتيب السياسات الخارجية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط إذا ظلت وقائع الأمور كما هي عليها الآن.
وإذا كانت الوقائع الداخلية الإسرائيلية تبدو ثقيلة جدا على ساستها وعسكرها وجمهورها بكافة تلاوينه وميوله،فانه من الصعب استبعاد المفاجآت التي تعودت إسرائيل على إطلاقها في الأوقات المستقطعة من عمر أزماتها الداخلية للهروب إلى الخارج بمغامرات عسكرية أو أمنية تغطي فشل ساستها وعسكرها،سيما وان موضوعاتها كثيرة التنوع والاستهدافات والغايات.
وعلى الرغم من الوضع الداخلي المتأزم أصلا سياسيا وعسكريا واقتصاديا، فان الهروب إلى الإمام ربما يشكل مخرجا لدى الرؤؤس الحامية في القيادات الإسرائيلية،وهناك سوابق كثيرة لمثل تلك الحالات؛وثمة سيناريوهات كثيرة في هذه المرحلة يمكن أن تقدم عليها،بدءا من الهجوم على غزة مرورا بالاعتداء على لبنان وصولا إلى محاولة ضرب إيران،ورغم صعوبة تنفيذ هذه الاحتمالات للعديد من الاعتبارات تبقى احتمالات واردة.
في العام 1969 وصلت غولدا مائير لرئاسة الحكومة بعد سنتين على نكسة العرب العام 1967،فيما وصلت تسيبني ليفني يعد سنتين على هزيمة إسرائيل،وفي العام 1974 استقالت مائير بعدما أوصلت حزب العمل للسلطة بعيد نصر العرب في العام 1973، فهل يعيد التاريخ نفسه بطريقة معكوسة؟
ربما من مفارقات النظام السياسي في إسرائيل دوام تداول السلطة في الحرب كما السلم وفي النصر كما الهزيمة،وفي كلا الحالتين تعيد إسرائيل إنتاج نفسها من جديد كدولة ديموقراطية راغبة في السلام ظاهرا وماضية إلى الحرب باطنا،إن في ذلك عبرة لذوي الألباب،فهل نحن العرب منهم؟