ماذا بعد الانتخابات النيابية اللبنانية؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
ربما تعتبر الانتخابات النيابية ونتائجها من أغرب الانتخابات النيابية في تاريخ لبنان السياسي.فقد ارتبطت بمجموعة عوامل وان لم تشكل سابقة ،إلا أنها ارتدت هذه المرة خلفيات وأبعاد يبدو في ظاهرها ستؤسس لمراحل مختلفة عما سبقها.بيد أن التدقيق فيها ومقاربتها مع العوامل المحيطة بها،توضح صورا مغايرة تماما في المضمون.
فبصرف النظر عن الأحجام والأوزان التي ستتكون في مراحل لاحقة،ثمَّة اصطفاف سياسي جديد تحت لبوس ومسميات مختلفة،إلا أن نتائجها من الصعب أن تغيّر من الواقع السياسي اللبناني.ذلك يعود إلى عدة معطيات خارجية لها أثر مباشر على الواقع والتركيبة السياسية اللبنانية.فما هي هذه المؤثرات؟وما هي تداعياتها على النتائج ومسار الحكم داخليا؟.
في المقام الأول، ثمَّة’ حالة من الستاتيكو السياسي تمر بها المنطقة،عنوانها تقطيع الوقت لأواخر هذا العام، يتحدد في خلالها النتائج الأولية للحوار الأميركي - الإيراني حول البرنامج النووي،وبالتالي تحديد المفاصل التي تحكم ضوابط الوضع القائم في المنطقة، وبالتالي إن الوضع اللبناني برمته موضوع على لائحة الانتظار،باعتبار أن الساحة اللبنانية تشكل موقعا هاما لحركات الشدِّ والجذب الإقليمي والدولي.وبالتالي إن النتائج السياسية للانتخابات مجمدة أقله خلال هذه الفترة.
المعطى الثاني متعلق،بسياسة المحاور العربية بشكل عام،والعلاقات السورية السعودية بشكل خاص؛وعلى الرغم من أثر متبادل بين الوضعين الداخلي والخارجي لهذه العلاقة،فإن الجديد فيها يتمثل في أثر نتائج الانتخابات على هذه العلاقة واستعداد الطرفين لتقبل نتائجها.وفي مطلق الأحوال،إن عامل الحوار الأميركي الإيراني له الأثر المباشر في هذا المعطى،ويشكل عاملا أساسيا في تحديد معطياته وحجم تقدمه أو تراجعه وبالتالي انعكاساته على الساحة اللبنانية.
وإذا كانت النتائج السياسية مرهونة بهذين الملفين الإقليميين الكبيرين،فإن نتائج الانتخابات في الملفات الداخلية هو واضح وسيكون له تداعيات كثيرة،اقلها في المواضع التي تتأثر في الظروف الخارجية وتخدم معطيات حركتها وآثارها.
أولى التداعيات ستكون على الوضع الحكومي بالتحديد،فبحكم الدستور تعتبر الحكومة مستقيلة،فماذا عن الحكومة ومن يستطيع تشكيلها بالكيفية التي يمكنها القيام بعملها في المرحلة القادمة؟ وهل سيكون الثلث المعطل أولى الألغام في طريقها؟ وإذا لم تشكل في المرحلة الأولى سيكون ذلك مؤشرا واضحا على إمكانية استمرار الأزمة لفترات طويلة ؟وإذا كان الأمر كذلك هل ستبقى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بحكم المصرِّفة للأعمال لأربع سنوات قادمة؟ربما تعتبر هذه الأسئلة أسئلة افتراضية يصعب التكهّن بمساراتها بدقة،لكن المؤشرات العامة تجيز طرح مثل هذه الأسئلة الخطرة،سيما وان تاريخ لبنان السياسي شهد الكثير من الحالات المماثلة لجهة أزمة الحكم والحكومة.
ثاني التداعيات المحتملة، تتعلق بالحوار لجهة القيادات الوافدة إليه والمغادرة منه باعتباره قام في الأساس على طبيعة التركيبة السياسية الممثلة في البرلمان؛إضافة إلى ذلك ثمَّة أمر متعلق به لجهة المواضيع والملفات التي ستطرح،هل ستبقى كما هي أم سيضاف عليه،أو سيعزل منه مواضيع وملفات؟وفي مطلق الأحوال سيكون من الناحية المبدئية مقاربة جديدة لمجمل الحوار وملفاته،إن لجهة التركيبة الجديدة لقياداتها وموضوعاتها وأسلوب عملها. إلا أن المهم في كل ذلك فعالية هذا الحوار وإمكاناته العملية لجهة القدرة على ترجمة مقررات معينة في حال اتخاذها.
ثالث التداعيات ستكون الاختبار العملي والفعلي على مدى التزام الأطراف اللبنانيين،بتفاهم الدوحة الذي يعتبره البعض تفاهما له مبرراته وظروفه ونتائجه المرحلية وبالتالي مدة صلاحيته قد انتهت وينبغي العودة إلى اتفاق الطائف،فيما يرى البعض الآخر إن اتفاق الطائف قائم ومستلزمات اتفاق الدوحة لا زالت موجودة وهي تدعم اتفاق الطائف وظروف استمراره،وبالتالي ينبغي التوفيق والتعامل مع ظروف وشروط الاثنين معا.الأمر الذي سيشكل مادة سجالية دستورية وفقهية ظاهرا، لكنها تخفي أبعادا وخلفيات سياسية أخرى.
إن مقاربة الوقائع اللبنانية الانتخابية والسياسية وما يتعلق فيها من تفاصيل، تبدو مرشحة للتفاعل في المرحلة القادمة وليس بالضرورة الاتجاه نحو تغييرات دراماتيكية سريعة،بل ربما تشهد عمليات تقطيع وقت متواز مع ما يستلزمه العامل الخارجي،الأمر الذي يستدعي إحضار عدة شغل سياسية لمجمل الأطراف الداخلية ،ما سيبرز مزيدا من الانقسام الذي يمكن أن يتجه في مراحل لاحقة إلى مادة تفجيرية في الواقع اللبناني المهتز أصلا.
وإذا كانت هذه الآثار نتاج واقع الستاتيكو الموجود في المنطقة،فماذا لو اختلفت ظروف هذا المعيار،وما هي نتائجه المفترضة لاحقا؟ في المبدأ الكثير من الوقائع يمكن أن تتغير بنسب متفاوتة،إن لجهة ملفاتها أو موادها أو عدتها؛وهي بجميعها يمكن أن تأخذ حدودا متطرفة يصعب ضبط نتائجها وآثارها.فملف المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ستكون مادة دسمة في تأجيج الانقسام اللبناني،على قاعدة إدخال عنصر جديد فيه عبر اتهامات موجهة إلى حزب الله،الأمر الذي سيرخي بتداعيات كبيرة على الواقعين السياسي والأمني لاحقا.علاوة على ذلك فملف العملاء الإسرائيليين التي بدأت تتهاوى شبكاتها والحديث عن وصول الأمور في التحقيق إلى مجالات ومدى أبعد مما يتداول في الإعلام،مفادها فتح الملفات إلى ابعد من حدودها الأمنية إلى حدود سياسية،الأمر الذي سيكشف الواقع السياسي اللبناني على أبواب غير مسبوقة.
هذا الواقع السالف الذكر، مرتبط بمعطيات الوضعين الإقليمي والدولي،فإذا ما ذهبت الأمور إلى مواضع تصعيدية،فإن الوضع اللبناني سيكون ساحة مناسبة لهذه الخيارات وستستخدم كل الأطراف أحجامها وأوزانها الانتخابية في المعارك الداخلية.الأمر الذي يصعب التكهن بنهاياتها ونتائجها العملية على الوضع اللبناني تحديدا.
ثمَّة انتخابات نيابية كثيرة تمّت في لبنان قبل الحرب وبعدها،لكن جميعها كانت متشابهة لجهة فعالية نتائجها،لكن الانتخابات ونتائجها هذه المرة فيها نكهة خاصة جدا،مفادها إن جميع الأطراف تعتبرها مصيرية،إلا أن حقيقة الأمر مختلفة تماما،فلبنان لم يكن في تاريخه السياسي قادر على حسم موقعه ودوره،وبالتالي لم تكن أية مفردة من مفرداته السياسية حاسمة لجهة نقله من ضفة إلى أخرى بشكل حاسم ونهائي.
ربما تعتبر الفرادة اللبنانية سرَّ استمراره وبقائه كما هو،لكن هذا الاستمرار لا يشكل ظاهرة الدولة القابلة للحياة بشكل طبيعي كباقي دول العالم،لذا استعملت الانتخابات في الماضي كما هذه، عدة شغل ممتازة لكسب المعارك السياسية بالنقاط لا بالضربة القاضية كما يحلم الكلّ في لبنان.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
ربما تعتبر الانتخابات النيابية ونتائجها من أغرب الانتخابات النيابية في تاريخ لبنان السياسي.فقد ارتبطت بمجموعة عوامل وان لم تشكل سابقة ،إلا أنها ارتدت هذه المرة خلفيات وأبعاد يبدو في ظاهرها ستؤسس لمراحل مختلفة عما سبقها.بيد أن التدقيق فيها ومقاربتها مع العوامل المحيطة بها،توضح صورا مغايرة تماما في المضمون.
فبصرف النظر عن الأحجام والأوزان التي ستتكون في مراحل لاحقة،ثمَّة اصطفاف سياسي جديد تحت لبوس ومسميات مختلفة،إلا أن نتائجها من الصعب أن تغيّر من الواقع السياسي اللبناني.ذلك يعود إلى عدة معطيات خارجية لها أثر مباشر على الواقع والتركيبة السياسية اللبنانية.فما هي هذه المؤثرات؟وما هي تداعياتها على النتائج ومسار الحكم داخليا؟.
في المقام الأول، ثمَّة’ حالة من الستاتيكو السياسي تمر بها المنطقة،عنوانها تقطيع الوقت لأواخر هذا العام، يتحدد في خلالها النتائج الأولية للحوار الأميركي - الإيراني حول البرنامج النووي،وبالتالي تحديد المفاصل التي تحكم ضوابط الوضع القائم في المنطقة، وبالتالي إن الوضع اللبناني برمته موضوع على لائحة الانتظار،باعتبار أن الساحة اللبنانية تشكل موقعا هاما لحركات الشدِّ والجذب الإقليمي والدولي.وبالتالي إن النتائج السياسية للانتخابات مجمدة أقله خلال هذه الفترة.
المعطى الثاني متعلق،بسياسة المحاور العربية بشكل عام،والعلاقات السورية السعودية بشكل خاص؛وعلى الرغم من أثر متبادل بين الوضعين الداخلي والخارجي لهذه العلاقة،فإن الجديد فيها يتمثل في أثر نتائج الانتخابات على هذه العلاقة واستعداد الطرفين لتقبل نتائجها.وفي مطلق الأحوال،إن عامل الحوار الأميركي الإيراني له الأثر المباشر في هذا المعطى،ويشكل عاملا أساسيا في تحديد معطياته وحجم تقدمه أو تراجعه وبالتالي انعكاساته على الساحة اللبنانية.
وإذا كانت النتائج السياسية مرهونة بهذين الملفين الإقليميين الكبيرين،فإن نتائج الانتخابات في الملفات الداخلية هو واضح وسيكون له تداعيات كثيرة،اقلها في المواضع التي تتأثر في الظروف الخارجية وتخدم معطيات حركتها وآثارها.
أولى التداعيات ستكون على الوضع الحكومي بالتحديد،فبحكم الدستور تعتبر الحكومة مستقيلة،فماذا عن الحكومة ومن يستطيع تشكيلها بالكيفية التي يمكنها القيام بعملها في المرحلة القادمة؟ وهل سيكون الثلث المعطل أولى الألغام في طريقها؟ وإذا لم تشكل في المرحلة الأولى سيكون ذلك مؤشرا واضحا على إمكانية استمرار الأزمة لفترات طويلة ؟وإذا كان الأمر كذلك هل ستبقى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بحكم المصرِّفة للأعمال لأربع سنوات قادمة؟ربما تعتبر هذه الأسئلة أسئلة افتراضية يصعب التكهّن بمساراتها بدقة،لكن المؤشرات العامة تجيز طرح مثل هذه الأسئلة الخطرة،سيما وان تاريخ لبنان السياسي شهد الكثير من الحالات المماثلة لجهة أزمة الحكم والحكومة.
ثاني التداعيات المحتملة، تتعلق بالحوار لجهة القيادات الوافدة إليه والمغادرة منه باعتباره قام في الأساس على طبيعة التركيبة السياسية الممثلة في البرلمان؛إضافة إلى ذلك ثمَّة أمر متعلق به لجهة المواضيع والملفات التي ستطرح،هل ستبقى كما هي أم سيضاف عليه،أو سيعزل منه مواضيع وملفات؟وفي مطلق الأحوال سيكون من الناحية المبدئية مقاربة جديدة لمجمل الحوار وملفاته،إن لجهة التركيبة الجديدة لقياداتها وموضوعاتها وأسلوب عملها. إلا أن المهم في كل ذلك فعالية هذا الحوار وإمكاناته العملية لجهة القدرة على ترجمة مقررات معينة في حال اتخاذها.
ثالث التداعيات ستكون الاختبار العملي والفعلي على مدى التزام الأطراف اللبنانيين،بتفاهم الدوحة الذي يعتبره البعض تفاهما له مبرراته وظروفه ونتائجه المرحلية وبالتالي مدة صلاحيته قد انتهت وينبغي العودة إلى اتفاق الطائف،فيما يرى البعض الآخر إن اتفاق الطائف قائم ومستلزمات اتفاق الدوحة لا زالت موجودة وهي تدعم اتفاق الطائف وظروف استمراره،وبالتالي ينبغي التوفيق والتعامل مع ظروف وشروط الاثنين معا.الأمر الذي سيشكل مادة سجالية دستورية وفقهية ظاهرا، لكنها تخفي أبعادا وخلفيات سياسية أخرى.
إن مقاربة الوقائع اللبنانية الانتخابية والسياسية وما يتعلق فيها من تفاصيل، تبدو مرشحة للتفاعل في المرحلة القادمة وليس بالضرورة الاتجاه نحو تغييرات دراماتيكية سريعة،بل ربما تشهد عمليات تقطيع وقت متواز مع ما يستلزمه العامل الخارجي،الأمر الذي يستدعي إحضار عدة شغل سياسية لمجمل الأطراف الداخلية ،ما سيبرز مزيدا من الانقسام الذي يمكن أن يتجه في مراحل لاحقة إلى مادة تفجيرية في الواقع اللبناني المهتز أصلا.
وإذا كانت هذه الآثار نتاج واقع الستاتيكو الموجود في المنطقة،فماذا لو اختلفت ظروف هذا المعيار،وما هي نتائجه المفترضة لاحقا؟ في المبدأ الكثير من الوقائع يمكن أن تتغير بنسب متفاوتة،إن لجهة ملفاتها أو موادها أو عدتها؛وهي بجميعها يمكن أن تأخذ حدودا متطرفة يصعب ضبط نتائجها وآثارها.فملف المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ستكون مادة دسمة في تأجيج الانقسام اللبناني،على قاعدة إدخال عنصر جديد فيه عبر اتهامات موجهة إلى حزب الله،الأمر الذي سيرخي بتداعيات كبيرة على الواقعين السياسي والأمني لاحقا.علاوة على ذلك فملف العملاء الإسرائيليين التي بدأت تتهاوى شبكاتها والحديث عن وصول الأمور في التحقيق إلى مجالات ومدى أبعد مما يتداول في الإعلام،مفادها فتح الملفات إلى ابعد من حدودها الأمنية إلى حدود سياسية،الأمر الذي سيكشف الواقع السياسي اللبناني على أبواب غير مسبوقة.
هذا الواقع السالف الذكر، مرتبط بمعطيات الوضعين الإقليمي والدولي،فإذا ما ذهبت الأمور إلى مواضع تصعيدية،فإن الوضع اللبناني سيكون ساحة مناسبة لهذه الخيارات وستستخدم كل الأطراف أحجامها وأوزانها الانتخابية في المعارك الداخلية.الأمر الذي يصعب التكهن بنهاياتها ونتائجها العملية على الوضع اللبناني تحديدا.
ثمَّة انتخابات نيابية كثيرة تمّت في لبنان قبل الحرب وبعدها،لكن جميعها كانت متشابهة لجهة فعالية نتائجها،لكن الانتخابات ونتائجها هذه المرة فيها نكهة خاصة جدا،مفادها إن جميع الأطراف تعتبرها مصيرية،إلا أن حقيقة الأمر مختلفة تماما،فلبنان لم يكن في تاريخه السياسي قادر على حسم موقعه ودوره،وبالتالي لم تكن أية مفردة من مفرداته السياسية حاسمة لجهة نقله من ضفة إلى أخرى بشكل حاسم ونهائي.
ربما تعتبر الفرادة اللبنانية سرَّ استمراره وبقائه كما هو،لكن هذا الاستمرار لا يشكل ظاهرة الدولة القابلة للحياة بشكل طبيعي كباقي دول العالم،لذا استعملت الانتخابات في الماضي كما هذه، عدة شغل ممتازة لكسب المعارك السياسية بالنقاط لا بالضربة القاضية كما يحلم الكلّ في لبنان.