إيران واستحقاقات أيلول
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
تواجه إيران في الثلث الأول من شهر أيلول استحقاقي مجموعة الست واجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية،وكلاهما معنيان بمصير البرنامج النووي ومساراته القادمة تصعيدا آم تهدئة،وفي كلا الحالين أيضا، ثمَّة تداعيات كثيرة مرتبطة بإيران نفسها ،وما يرتبط بها من فواعل إقليمية ودولية لها اثر في هذا الملف.
صحيح أنَّ الاستحقاق الأول المرتبط باجتماع الدول الخمسة الكبار إضافة إلى ألمانيا،ليس جديدا ولا هو بسابقة، إنما يأتي في سياق التوقيت الغربي المعطى لإيران للرد على مجموعة من الحوافز المقترحة ،كما اعتبرت وكأنها الفرصة التي سيليها مواقف أخرى ستكون أشدُّ صعوبة على الوضع الإيراني برمته. وصحيح أيضا أن اجتماع مجلس المحافظين هو اجتماع دوري،إلا أنه من الممكن أن يتّخذ منحنا آخرا، ربطا بأسلوب ومنهج التعاطي مع الملف في هذه الفترة بالذات. فإلى أين تتجه الأمور ؟وما هي تداعيات الاستحقاقين؟ .
لقد مهَّد التقرير الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة ، الساحة لمواجهة بين القوى الغربية التي تريد أن تثقل كاهل قطاع الطاقة الإيراني بعقوبات من ناحية ، وروسيا والصين اللتين تتحفظان على العقوبات المفروضة على طهران. غير أنَّ الغرب يدرك أنَّ هذه العقوبات، مهما كانت قاسية، لن تفضي إلى نتيجة ما لم تكن مسبوقة بموافقة صينية روسية. ولن يؤثر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أشار إلى أنَّ إيران أبطأت وتيرة إنتاج اليورانيوم المنضب، على عزيمة الغربيين الذين يريدون أن تعلق طهران برنامجها النووي بالكامل. فبعد ثلاث جولات من العقوبات الدولية على إيران في الأعوام 2005 و2006 و2007، لم تتراجع الجمهورية الإسلامية عن برنامجها النووي ،والأثر الواضح نسبيا كان ثمن كلفة الاستيراد والتصدير من إيران وباتجاهها.
فالعقوبات الجديدة في مجال الطاقة، الجاري بحثها، تتعلق باستيراد الوقود، وقد تكون موجعة بشكل خاص في هذا البلد النفطي لأنها قد تطال المستهلك مباشرة. بخاصة وأن إيران التي تفتقر إلى قدرات تكرير كافية، تعتمد على الاستيراد لتأمين 40 % من حاجاتها من البنزين. وفي الواقع يدرك الغرب ذلك، وقد اقترحت الولايات المتحدة بنفسها هذا النوع من العقوبات في مباحثات مع الإسرائيليين ،كما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قام في الأيام الماضية بجولة أوروبية، من محاوريه فرض "عقوبات موجعة تشل إيران". ومن المؤكد أنَّ العقوبات في مجال الطاقة ستكون موجعة، إلا أنَّ الغرب يدرك أنَّ أمامه مهمة إقناع روسيا والصين بالتصويت لفرض عقوبات دولية جديدة على إيران، وهي ليست بالمهمة السهلة.
وإذا كان استحقاق العقوبات يلوح في أفق البرنامج النووي الإيراني، فما هي المؤشرات المقابلة التي يمكن أن تعيد خلط أوراق التفاوض والفرص المتاحة لطهران والدول الغربية، لتجنب أزمات يمكن أن تشعل حروبا لن يستطيع احد تحمل أوزارها.
بالعودة إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية،، فقد أشار إلى أنَّ إيران أبطأت بعض الشيء عملية إنتاج الوقود النووي، ولبّت مطالب تنفيذ رقابة أكثر فعالية في موقع "نتانز" لتخصيب اليورانيوم، رغم أنها رفعت عدد أجهزة الطرد المركزي التي قامت بتركيبها،وهو موقف حمّال أوجه،فمن جهة يعترف بالتعاون الإيراني عبر الإبطاء وليس الإيقاف الذي يطالب به الغرب،كما أنَّ الإبطاء لا يعني بالضرورة عدم امتلاكها التقنيات والأجهزة لرفعه إذا شاءت هي ذلك،بدليل ما سُرب من تقرير سري أعدته الوكالة مفاده أنَّ إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بأجهزة طرد مركزي يقل عددها بمقدار 400 عن نحو خمسة آلاف جهاز طرد مركزي كانت تعمل في وقت التقرير السابق للوكالة الدولية في آذار الماضي. في المقابل أنَّ مخزون اليورانيوم المنخفض التخصيب المعلن عنه في إيران، تزايد إلى 1508 كيلوغرامات أي أكثر 200 كيلوغرام عمَّا كان موجوداً في أيار، ما يعني أنَّ التسريع أو الإبطاء، هي مسألة مرتبطة بالإرادة الإيرانية وقدرتها على ذلك. ودليل ذلك أيضا، ما ذكره خبراء من الأمم المتحدة بأنَّ طهران رفعت أعداد أجهزة الطرد المركزي التي قامت بتركيبها في "نتانز"، رغم أنها لا تعمل كلها، بحوالي ألف جهاز لتصل إلى 8308 أجهزة. ما يعني أنَّ ذلك سيسمح لإيران باستئناف توسّع كبير في التخصيب إذا اختارت ذلك.
وإذا كانت هذه الإشارات والمعلومات يعتبرها الغرب تحدّيا لمشيئته،فطهران تعرف كيف تفاوض وتقدم في الوقت المناسب لها وليس للغرب،ما يطمئنه نسبيا ويجعله يعضُّ على الجرح بانتظار فرصا أخرى لرفع سقف المطالب. ففي موازاة عدم إيقاف التخصيب، فقد أبدت إيران انفتاحاً أكبر في ما يختص بمفاعل "نتانز"، حيث أتاحت لمفتشي الوكالة فرصة أفضل للمراقبة، فوافقت على وضع كاميرات مراقبة وتحديث سبل جمع المعلومات في المنشأة. كما سمحت للمراقبين بزيارة مفاعل أراك لإنتاج الماء الثقيل، بعد عام كامل من المنع. وقد أبلغت إيران مفتشي الوكالة أن الأعمال في أراك بلغت مرحلة الـ 63 في المائة، وانه من المنتظر أن يجري تركيب جسم المفاعل في العام 2011. ما يعني أن ثمَّة تعاون إيراني بمواصفات حذقة وذكاء في التعامل مع المطالب الغربية من دون التأثير فعليا على ما تريده هي.
وعليه يمكن القول إنَّ هذين الاستحقاقين وإن سيكونا اشدُّ لهجة في التعاطي، إلا أنهما لن يكونا بالمستوى الذي يلبي مطالب اسرائيل مثلا،ولا طموحات واشنطن أيضا،بل إن العقوبات يمكن تتوسع باتجاه مالي كما السابق مع تقنيات ووسائل تلامس التأثير على القطاع النفطي،إضافة إلى التشديد على العقوبات المتعلقة بالقضايا العسكرية كما السابق.إلا أنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو مدى مماشاة كل من روسيا والصين اللتين تمتلكان شراكات تجارية واسعة مع طهران،ومن الصعوبة بمكان قدرة مجموعة الست على التأثير في الموقفين الروسي والصيني بالمستوى الذي يرضي الغرب.
لقد تمكّنت إيران منذ العام 1996 التفلت من قانون دامتو الأمريكي ومن بعدها العديد من قرارات العقوبات الدولية،ذلك بفعل القدرة الدبلوماسية الفائقة التي تتعامل بها في التفاوض معطوفة على الكثير من اذرع السياسة الخارجية التي تحسن استخدامها واستثمارها،ومن المعتقد أن تسير بنفس الاتجاه في المرحلة القادمة بصرف النظر عن المظاهر الناشئة مؤخرا جرَّاء تداعيات الانتخابات الرئاسية الأخيرة. أنَّ
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
تواجه إيران في الثلث الأول من شهر أيلول استحقاقي مجموعة الست واجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية،وكلاهما معنيان بمصير البرنامج النووي ومساراته القادمة تصعيدا آم تهدئة،وفي كلا الحالين أيضا، ثمَّة تداعيات كثيرة مرتبطة بإيران نفسها ،وما يرتبط بها من فواعل إقليمية ودولية لها اثر في هذا الملف.
صحيح أنَّ الاستحقاق الأول المرتبط باجتماع الدول الخمسة الكبار إضافة إلى ألمانيا،ليس جديدا ولا هو بسابقة، إنما يأتي في سياق التوقيت الغربي المعطى لإيران للرد على مجموعة من الحوافز المقترحة ،كما اعتبرت وكأنها الفرصة التي سيليها مواقف أخرى ستكون أشدُّ صعوبة على الوضع الإيراني برمته. وصحيح أيضا أن اجتماع مجلس المحافظين هو اجتماع دوري،إلا أنه من الممكن أن يتّخذ منحنا آخرا، ربطا بأسلوب ومنهج التعاطي مع الملف في هذه الفترة بالذات. فإلى أين تتجه الأمور ؟وما هي تداعيات الاستحقاقين؟ .
لقد مهَّد التقرير الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة ، الساحة لمواجهة بين القوى الغربية التي تريد أن تثقل كاهل قطاع الطاقة الإيراني بعقوبات من ناحية ، وروسيا والصين اللتين تتحفظان على العقوبات المفروضة على طهران. غير أنَّ الغرب يدرك أنَّ هذه العقوبات، مهما كانت قاسية، لن تفضي إلى نتيجة ما لم تكن مسبوقة بموافقة صينية روسية. ولن يؤثر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أشار إلى أنَّ إيران أبطأت وتيرة إنتاج اليورانيوم المنضب، على عزيمة الغربيين الذين يريدون أن تعلق طهران برنامجها النووي بالكامل. فبعد ثلاث جولات من العقوبات الدولية على إيران في الأعوام 2005 و2006 و2007، لم تتراجع الجمهورية الإسلامية عن برنامجها النووي ،والأثر الواضح نسبيا كان ثمن كلفة الاستيراد والتصدير من إيران وباتجاهها.
فالعقوبات الجديدة في مجال الطاقة، الجاري بحثها، تتعلق باستيراد الوقود، وقد تكون موجعة بشكل خاص في هذا البلد النفطي لأنها قد تطال المستهلك مباشرة. بخاصة وأن إيران التي تفتقر إلى قدرات تكرير كافية، تعتمد على الاستيراد لتأمين 40 % من حاجاتها من البنزين. وفي الواقع يدرك الغرب ذلك، وقد اقترحت الولايات المتحدة بنفسها هذا النوع من العقوبات في مباحثات مع الإسرائيليين ،كما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قام في الأيام الماضية بجولة أوروبية، من محاوريه فرض "عقوبات موجعة تشل إيران". ومن المؤكد أنَّ العقوبات في مجال الطاقة ستكون موجعة، إلا أنَّ الغرب يدرك أنَّ أمامه مهمة إقناع روسيا والصين بالتصويت لفرض عقوبات دولية جديدة على إيران، وهي ليست بالمهمة السهلة.
وإذا كان استحقاق العقوبات يلوح في أفق البرنامج النووي الإيراني، فما هي المؤشرات المقابلة التي يمكن أن تعيد خلط أوراق التفاوض والفرص المتاحة لطهران والدول الغربية، لتجنب أزمات يمكن أن تشعل حروبا لن يستطيع احد تحمل أوزارها.
بالعودة إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية،، فقد أشار إلى أنَّ إيران أبطأت بعض الشيء عملية إنتاج الوقود النووي، ولبّت مطالب تنفيذ رقابة أكثر فعالية في موقع "نتانز" لتخصيب اليورانيوم، رغم أنها رفعت عدد أجهزة الطرد المركزي التي قامت بتركيبها،وهو موقف حمّال أوجه،فمن جهة يعترف بالتعاون الإيراني عبر الإبطاء وليس الإيقاف الذي يطالب به الغرب،كما أنَّ الإبطاء لا يعني بالضرورة عدم امتلاكها التقنيات والأجهزة لرفعه إذا شاءت هي ذلك،بدليل ما سُرب من تقرير سري أعدته الوكالة مفاده أنَّ إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بأجهزة طرد مركزي يقل عددها بمقدار 400 عن نحو خمسة آلاف جهاز طرد مركزي كانت تعمل في وقت التقرير السابق للوكالة الدولية في آذار الماضي. في المقابل أنَّ مخزون اليورانيوم المنخفض التخصيب المعلن عنه في إيران، تزايد إلى 1508 كيلوغرامات أي أكثر 200 كيلوغرام عمَّا كان موجوداً في أيار، ما يعني أنَّ التسريع أو الإبطاء، هي مسألة مرتبطة بالإرادة الإيرانية وقدرتها على ذلك. ودليل ذلك أيضا، ما ذكره خبراء من الأمم المتحدة بأنَّ طهران رفعت أعداد أجهزة الطرد المركزي التي قامت بتركيبها في "نتانز"، رغم أنها لا تعمل كلها، بحوالي ألف جهاز لتصل إلى 8308 أجهزة. ما يعني أنَّ ذلك سيسمح لإيران باستئناف توسّع كبير في التخصيب إذا اختارت ذلك.
وإذا كانت هذه الإشارات والمعلومات يعتبرها الغرب تحدّيا لمشيئته،فطهران تعرف كيف تفاوض وتقدم في الوقت المناسب لها وليس للغرب،ما يطمئنه نسبيا ويجعله يعضُّ على الجرح بانتظار فرصا أخرى لرفع سقف المطالب. ففي موازاة عدم إيقاف التخصيب، فقد أبدت إيران انفتاحاً أكبر في ما يختص بمفاعل "نتانز"، حيث أتاحت لمفتشي الوكالة فرصة أفضل للمراقبة، فوافقت على وضع كاميرات مراقبة وتحديث سبل جمع المعلومات في المنشأة. كما سمحت للمراقبين بزيارة مفاعل أراك لإنتاج الماء الثقيل، بعد عام كامل من المنع. وقد أبلغت إيران مفتشي الوكالة أن الأعمال في أراك بلغت مرحلة الـ 63 في المائة، وانه من المنتظر أن يجري تركيب جسم المفاعل في العام 2011. ما يعني أن ثمَّة تعاون إيراني بمواصفات حذقة وذكاء في التعامل مع المطالب الغربية من دون التأثير فعليا على ما تريده هي.
وعليه يمكن القول إنَّ هذين الاستحقاقين وإن سيكونا اشدُّ لهجة في التعاطي، إلا أنهما لن يكونا بالمستوى الذي يلبي مطالب اسرائيل مثلا،ولا طموحات واشنطن أيضا،بل إن العقوبات يمكن تتوسع باتجاه مالي كما السابق مع تقنيات ووسائل تلامس التأثير على القطاع النفطي،إضافة إلى التشديد على العقوبات المتعلقة بالقضايا العسكرية كما السابق.إلا أنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو مدى مماشاة كل من روسيا والصين اللتين تمتلكان شراكات تجارية واسعة مع طهران،ومن الصعوبة بمكان قدرة مجموعة الست على التأثير في الموقفين الروسي والصيني بالمستوى الذي يرضي الغرب.
لقد تمكّنت إيران منذ العام 1996 التفلت من قانون دامتو الأمريكي ومن بعدها العديد من قرارات العقوبات الدولية،ذلك بفعل القدرة الدبلوماسية الفائقة التي تتعامل بها في التفاوض معطوفة على الكثير من اذرع السياسة الخارجية التي تحسن استخدامها واستثمارها،ومن المعتقد أن تسير بنفس الاتجاه في المرحلة القادمة بصرف النظر عن المظاهر الناشئة مؤخرا جرَّاء تداعيات الانتخابات الرئاسية الأخيرة. أنَّ