هل المفاوضات غير المباشرة خيار صائب؟
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في الخليج الاماراتية 23/3/2010
www.drkhalilhussein.blogspot.com
ربما لم يعد بمقدور العرب تقديم المزيد من المشاريع او الاقتراحات القابلة من وجة النظر الاسرائيلية للاستثمار وتمديد عمر الازمات وتداعياتها،لذا جاء خيار المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية المحدد زمنيا بسقف الاربعة اشهر ليرسم مفصلا زمنيا ربما يحمل المزيد من التعقيدات التي تنقل البيئة التفاوضية الى اماكن اخرى يسهل فيها تقديم المزيد من التنازلات.
ففي الوقائع والسوابق التفاوضية بين العرب واسرائيل، الكثير من الأدلة التي تشير الى عقم هذا الخيار ،فعلى سبيل المثال مفاوضات واتفاقية كامب ديفيد الاولى في العام 1978 التي اعطت سقفا زمنيا للتسوية الشاملة لمدة خمس سنوات اي للعام 1983،فما الذي حدث اجتاحت اسرائيل لبنان عام 1982 وجرته الى توقيع اتفاقية 17 أيار التي الغيت فيما بعد بضغط سوري.اما سقف اتفاقية اوسلو عام 1993 فكان ست سنوات اي حتى العام 1999،خلالها قزمت السلطة الفلسطينية مساحة وصلاحيات وخلالها اجتاحت اسرائيلي لبنان مرتين 1993 و1996. اما سقف خارطة الطريف في العام 2002 فكان حتى العام 2005 لقيام الدولة الفلسطينية،هربت في خلالها اسرائيل الى المزيد من المجازر ضد الفلسطينيين في غير مكان.اما آخر المواعيد التي ضربت فكان في العام 2007 عبر مؤتمر انابوليس وسقفه سنة واحدة لقيام الدولة الفلسطينية ،فما الذي جرى اقدمت اسرائيل على محرقة غزة في الموعد المحدد لقيام الدولة الفلسطينية اواحر عام 2008. والسؤال الذي يمكن ان يطرح بدون أي خلفيات ماذا تحضر اسرائيل خلال الاربعة اشهر القادمة للفلسطينيين والعرب؟انه سؤال مشروع.
واذا كان السقف الزمني غير مساعد او مشجع قياسا على السوابق السالفة الذكر،فماذا عن التحرك اللاحق لو فشلت المفاوضات وهي بالتأكيد كذلك، سيتجه العرب الى مجلس الأمن ليقول كلمته،وقياسا على السوابق ايضا، عندما اجتاحت اسرائيل لبنان في العام 20006 قرر وزراء الخارجية العرب التوجه في ايلول 2006 الى مجلس الأمن لعرض الموضوع،النتيجة كانت الفيتو الامريكي وتعطل عمل مجلس الأمن،فما الذي سيتغير بعد اربعة اشهر، هل يراهن العرب على ما يسمى بالازمة القائنة بين تل ابيب وواشنطن حاليا وهي الثانية منذ 43 عاما خلت على قاعدة عدم الرضا الامريكي عن حفلة الاستيطان الاسرائيلية في القدس وما تخللها من انتقادات امريكية شكلية لاسرائيل خلال زيارة جوزف بايدن الاخيرة لاسرائيل.وبالمناسبة ايضا متى كان الاستنكار والشجب الامريكي لبناء المستوطنات امرا مهما لاسرائيل؟ الم تتخطى اسرائيل عشرات المواقف الامريكية المحرجة بل تعود وتتلقى مساعدات مالية كبيرة لمزيد من عمليات بناء المستوطنات؟
ولماذا البحث عن الفرص التي تنقذ اسرائيل من ورطتها ولماذا لا نبحث عن الوسائل التي تنهي خلافاتنا اولا؟ اوليس الاجدر بنا نحن العرب ان ننطلق بالمفاوضات اذا سلمنا بها مشدودي العضدد؟ اليس من مصلحتنا ان نبحث في الوسائل التي تصلح ذات البين الفلسطيني اولا قبل اطلاق يدهم في مفاوضات وهي مغلولة بالانقسانات؟ اليس من واجب اصحاب القرار العربي البحث اولا عن آليات ووسائل تحفظ بعضا من اوراق القوة ان وجدت بعد؟ ربما اسئلة قاسية ينبغي الاجابة عنها في ظروف تنتظرنا بعد اربعة اشهر ان لم يكن اقل.
في العام 2002 اطلقت المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت،قابلتها خريطة الطريق في نفس العام، اجهضت خطة الطريق والمبادرة العربية بحكم الموت السريري،فهل ستنقذها قمة سرت القادمة ام ستطلق رصاصة الرحمة عليها؟ ان النظام الاقليمي العربي يمر اليوم بأشد الظروف مرارة وقساوة وهو يتطلب جهدا مضاعفا وواعيا للخروج بأقل الخسائر الممكنة.فهل ستكون مقررات القمة القادمة ذات علامات فارقة؟.
لقد عوَّد الزعيم الليبي معمر القذافي الزعماء والقادة العرب في مختلف القمم التي حضرها على تمرير مواقف ذات نكهات خاصة، فهل سيكرر التجربة في هذه القمة؟ام سيكون هم الوحدة الافريقية طاغيا على قضايا العرب وأزماتهم؟. قياسا على التجارب السابقة ايضا،من الصعب تحميل الجامعة العربية أكثر مما تحتمل، فهي منظمة عكست وتعكس واقع الدول العربية ومشاكلها وتناقضاتها،لكن القاعدة التي ينبغي الانطلاق منها،ان ثمة دولة قابعة في قلب نظامنا الاقليمي لا زالت غير مؤمنة لا بكلام المفاوضات ولا بالسلام، بل جل ما تبحث عنه المزيد من الفرص لتقطيع الوقت بانتظار ظروف تجبر العرب على مزيد من التنازلات وهذا ما ينبغي التنبه له في القمة القادمة.
بعد اربعة اشهر ستكون الولايات المتحدة الامريكية غائبة عن السمع بفعل الانتخابات التمثيلية، كما ستكون ملفات المنطقة الساخنة ومنها الملف النووي الايراني على نار حامية، فهل تخبئ اسرائيل مفاجئتها الكبرى للمنطقة؟ ينبغي التنبه قياسا على السوابق. لقد اصاب العرب الكثير من الاكتئاب السياسي، في ظل وصول اسرائيل الى سن اليأس السياسي،وفي ظل هذين الواقعين تكثر الاحتمالات غير القابلة للضبط.