موضوع الرسالة محكمة العدل الدولية ودورها في تطوير قواعد القانون الدولي الجنائي
الشهادة الماجستير في الحقوق/ اختصاص القانون العام
تاريخ ومكان المناقشة بيروت:23/3/2012
الددرجة :جيد جدا
أصبحت قواعد القانون الدولي العام، بحكم تطورها واستقرارها، مرجعاً أساسياً في تنظيم علاقات المجتمع الدولي، حتى أن بعضها راح يلامس علاقات الأفراد فيه। ونجد هذه القواعد ماثلة في المواثيق الدولية والمعاهدات الشارعة والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تبرم برعاية الأمم المتحدة।
إلا أن الجهود المبذولة لقيام شرعية دولية في ظل الأمم المتحدة ما زالت تتخبط في أتون المصالح الدولية، التي ما زالت تعتمد على منطق القوة. والمؤسف أن المجتمع الدولي يشهد تطبيق قوة القانون الدولي في الدول النامية حصراً، وينأى عن تطبيقها في الدول الكبرى وحلفائها. ولم يقف هذا التناقض القائم على تطبيق قوة القانون الدولي وقواعده على فئة معينة من الدول، وإنما امتد إلى قواعد القانون الدولي الإنساني من خلال التمييز بين إنسان وآخر، فهو مطبق وملزم لإنسان الدول النامية، وشديد الرحمة والبعد عن التطبيق بالنسبة إلى إنسان الدول الكبرى وحلفائها. ولهذا تظهر شرعية القوة بوضوح في المجتمع الدولي الحديث من خلال التطبيق الفعلي لقانون القوة وفق المعايير النفعية والمصلحية لدول نادي العضوية الدائمة في مجلس الأمن. ورغم ما يعانيه المجتمع الدولي من آثار التطبيق المزدوج والانتفائي للقواعد القانونية الدولية فإن القانون الدولي العام استطاع أن يخطو خطوات هامة في كل فروعه، فيطور قواعده ويقنّن الأعراف ويستكمل إنشاء الهيئات المتخصصة برعاية مباشرة من منظمة الأمم المتحدة وبالإستناد إلى ميثاقها الأممي. ومما لا شك فيه إن وجود المنظمات الدولية هو الذي سمح بتنظيم الوظيفة القضائية على المستوى الدولي، وخصوصاً بإنشاء محاكم دولية دائمة، كمحكمة العدل الدولية الدائمة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، والمحاكم الإدارية المنشأة في إطار العديد من المنظمات الدولية للنظر في العلاقات بين المنظمة وموظفيها، على الرغم من وجود محاولات أخرى لم يكتب لها النجاح.
وكان لمحكمة العدل الدولية دور بارز وكبير في تطوير قواعد القانون الدولي العام بصفتها أعلى جهة قضائية في الساحة الدولية. وقد قامت المحكمة بهذا الدور من خلال تفسيرها لقواعد القانون الدولي وكشفها عن العديد من قواعد هذا القانون.ومن أمثلة القواعد التي اكتشفتها محكمة العدل الدولية، إضفاء الشخصية القانونية الدولية على المنظمات الدولية عندما أصدرت المحكمة رأياً استشارياً في قضية "الكونت برنادوت" حول مسألة تعويضات الأمم المتحدة عن الأضرار التي تصيب موظفيها أثناء تأديتهم وظيفتهم. وكان ذلك في 11/4/1949. وكذلك رأيها الاستشاري حول مسألة التحفظات عن منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1951، ورأيها الاستشاري حيث ذكرت المحكمة بوجوب عدم تعارض التحفظ مع جوهر وهدف المعاهدة، وحول وجود دولة جنوب أفريقيا في ناميبيا عام 1971، والإقرار بوجوب تطبيق نظام الوصاية مكان نظام الانتداب الذي كان سائداً في عهد عصبة الأمم. وهذا بالإضافة إلى العديد من المساهمات الأخرى التي قامت بها المحكمة من أجل تطوير قواعد القانون الدولي العام.
لم تكتف محكمة العدل الدولية بتطوير قواعد القانون الدولي العام المتعلقة بالدول، بل اهتمت كذلك بالأفراد، فهناك فروع من القانون الدولي العام تتعلق وتخص الأفراد بالدرجة الأولى، وهي القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وكذلك القانون الدولي الجنائي. وإلى جانب هذه القوانين هناك مجموعة من المعاهدات التي تتعلق بالقانون الدولي الجنائي. ويجب عند الاختلاف حول معناها، عرض الأمر على محكمة العدل الدولية. ومن هذه المعاهدات، معاهدة منع ومعاقبة جريمة الإبادة لعام 1948، والمعاهدة المتعلقة بوضع اللاجئين لعام 1951، والمعاهدة الدولية المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز العنصري لعام 1965، والمعاهدة المتعلقة بحظر التعذيب لعام 1982.
وقد عرض العديد من هذه المعاهدات على محكمة العدل الدولية التي سعت لتطوير المواضيع المتعلقة بالقانون الدولي الجنائي من خلال أحكام صدرت عن المحكمة وتتعلق بالقانون الدولي الجنائي، مثل قضية كورفو عام 1949، وقضية نيكاراغوا عام 1986، وقضية الأسلحة النووية عام 1996.
جاءت (المحكمة الجنائية الدولية) لتبلور الجهود الدولية المضنية ولإقرار نظام دولي يحظى بالقبول لدى الجماعة الدولية وملاحقة مرتكبي الجرائم التي تمس الكيان البشري وتهدد سلامته، ومجازاتهم. وعلى هذا النحو لم تعد سيادة الدولة ذلك السد المنيع الذي يستتر وراءه الحكام الطغاة، وكبار المجرمين الدوليين، بحجة الدفاع عن المصلحة العامة لشعوبهم.
والمحكمة مؤسسة دولية قضائية مختصة، تنوب عن المجتمع الدولي في تطبيق أحكام القانون الجنائي الدولي. وبوصفها كذلك فلها وحدها أن تنظر في الدعاوى الجنائية الدولية عندما يعجز القضاء المحلي عن ذلك. وهي لن تكون علاجاً فعالاً لكل مساوئ الإنسانية، ولن تقضي على الصراعات والمنازعات، ولن تعيد الحياة إلى المجني عليهم والسعادة لذويهم. وإذا كان من الصعب تطبيق العدالة على كل المجرمين الدوليين فإنه يمكنها على الأقل منع وقوع بعض الجرائم الدولية، وتقليص عدد الضحايا، ومعاقبة بعض المجرمين الدوليين، الأمر الذي سيساعد في النهاية على نشر السلام والأمن الدوليين.
تهدف الدراسة إلى توضيح دور محكمة العدل الدولية في تطوير قواعد القانون الدولي الجنائي، وإلى توضيح القواعد القانونية التي جاءت بها محكمة العدل الدولية وساهمت من خلالها في سد الثغرات في القانون الدولي الجنائي، وكذلك تبيان ما إذا كان ما جاءت به المحكمة مطبقاً في الساحة الدولية من طرف المنظمات الدولية، الحكومية أو غير الحكومية.
أما إشكالية الدراسة فتتمثل في كيفية نقل مكان محكمة العدل الدولية من موقع إلى آخر أي من موقع، حيث للمحكمة دور هام في إثراء القانون الدولي من خلال كشف وتفسير قواعده وحماية سيادة الدول ومكتسباتها. إلى موقع آخر وهو تطوير القانون الدولي الجنائي الأكثر إرتباطاً بالأفراد وحقوقهم؟ بكلام آخر كيفية التوفيق بين مصلحة الدولة السيدة الحاكمة ومصلحة الأفراد رعايا هذه الدولة الخاضعين لسلطتها؟
قسَّم الطالب دراسته إلى فصلين، حيث تناول في الفصل الأول موضوع محكمة العدل الدولية ونطاق اختصاصها وبحث فيه ماهية محكمة العدل الدولية من حيث طبيعتها وتكوينها وإختصاصها وولايتها. وكذلك بحث فيه أهم الجرائم الدولية وأركانها من حيث التعريف والأركان وأهم الجرائم الدولية الأربع.وتناول في الفصل الثاني القانون الدولي الجنائي وعلاقته بمحكمة العدل الدولية وبحث فيه المبادئ العامة للقانون الدولي الجنائي من حيث المفهوم والمصادر ومبدأ الشرعية الجنائية في القانون الدولي الجنائي والعلاقة بين القانون الدولي الجنائي بغيره من القوانين وعلاقته بمحكمة العدل الدولية. وبحث فيه عن أهم القواعد القانونية التي جاءت بها محكمة العدل الدولية وتطبيقات هذه القواعد المتعلقة بجريمة الإبادة وجرائم الحرب وجريمة العدوان.وتضمنت الدراسة خاتمة توصل فيها إلى بعض الإستنتاجات والتوصيات التي يمكن أن تسهم في إغناء الموضوع.
ناقش الطالب رسالته امام اللجنة المكوّنة من الدكاترة محمد المجذوب وجورج عرموني وخليل حسين ووليد عبد الرحيم،بتاريخ 23/3/2012، حيث منحت اللجنة الطالب عيسى محمد عبيد درجة الماجستير في الحقوق بدرجة جيد جدا.
بيروت:23/3/2012 أ.د.خليل حسين