إلى اين تسير مصر؟
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 20/8/2012
اذا كانت الحقبات الثلاث التي حكمت مصر خلال نصف قرن من الزمن ،جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، قد اشتركت في كون الرؤساء الثلاثة اتوا من المؤسسة العسكرية، وعلى الرغم من افتراقهم حول العديد من القضايا المركزية وبخاصة الخارجية المتعلقة بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي، إلا ان التدقيق في السياسات الداخلية المتبعة لتلك الحقبات تبرز التلاقي حول الموقف من الأخوان المسلمين وطريقة التعاطي معهم كتنظيم سياسي،ووصل الأمر في بعض الفترات إلى ما يشبه الصدام المباشر الذي ترك ظلالا كثيفة في كيفية التعاطي مع بعض القضايا الداخلية المصرية.
اليوم ربما تبدو الصورة مقلوبة تماما، فقد وصل إلى الرئاسة المصرية الأخوان المسلمين،وتمكن الرئيس محمد مرسي من استرجاع صلاحيات قلصها المجلس العسكري بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، ويبدو هذا الاسترجاع للصلاحيات بمثابة القبض على مفاصل السلطة التشريعية والتنفيذية،باختصار ثمة من يقول ان استبعاد الأخوان المسلمين عن السلطة لنصف قرن مضى، قد هيأ لهم السلطة على الأقل لنصف قرن قادم.
وبصرف النظر عن هذا التوصيف والتكييف لواقع السلطة في مصر في هذه المرحلة،ثمة العديد من الاشارات الواضحة التي تعزز تلك التحليلات والتصورات المستقبلية،بخاصة اذا ربط الوضع المصري بما حصل في بعض البلدان العربية بعد الحراك الذي قلب العديد من أنظمتها ووصول الاسلاميين فيها إلى السلطة.
لم تقتصر قرارات الرئيس محمد مرسي على الإطاحة بكبار قادة الجيش، وبداية امساك كافة مؤسسات الدولة المصرية ، فالقرارات الرئاسية منحته سلطات تشريعية واسعة ، وبخاصة مع إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي كان المجلس العسكري قد أصدره في حزيران / يونيو الماضي خلال جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية. وشكل هذا الإعلان قيدا كبيرا على سلطات الرئيس الجديد. أما حاليا وبموجب القرارات الرئاسية الأخيرة ، فقد أصبحت سلطة التشريع وإقرار الموازنة العامة للدولة في يد الرئيس حتى انتخاب مجلس شعب جديد بدلا من المجلس المنحل بقرار صدر من قبل المحكمة الدستورية العليا في حزيران الماضي. وفي المقلب الآخر من الصلاحيات فقد منح الرئيس المصري نفسه سلطة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة كتابة دستور جديد للبلاد في حال قرَّر القضاء المصري بطلان تشكيل اللجنة الحالية. وبذلك يكون الرئيس محمد مرسي له سلطات وصلاحيات واسعة تتجاوز سلطات أي رئيس سبقه في هذا المنصب خلال الخمسين سنة الماضية.
كما ان سابقة تعيين نائب للرئيس من المدنيين الذي كان يشغل منصبا قضائيا، فهي اشارة واضحة مفادها عدم اثارة السلك القضائي من الناحية المبدئية.
ثمة كلام كثير وكبير بين المؤيدين والمعارضين لخطوة الرئيس مرسي،وثمة احاديث في الكواليس السياسية المصرية ، فيها الكثير ايضا من الأسرار التي تحيطها الغموض والشائعات والحكايات التي وصلت الى حد التلميح بوضع بعض القيادات العسكرية تحت الاقامة الجبرية.وثمة من يقول ان الخطوات المفاجئة أتت كتدبير لانقلاب مدني ضد انقلاب عسكري كان يُحضر للإطاحة بالرئيس مرسي.
وعلى الرغم من الخطوات الفارقة التي تمت وما احدثت من تبدلات حالية، ثمة اسئلة كبيرة وكثيرة تطرح حول التحديات التي تنتظر القيادتين السياسية والعسكرية في مصر حول جملة من القضايا المركزية الداخلية والخارجية. فثمة مشاكل اقتصادية بنيوية تستلزم حلولا جذرية ، وثمة أيضا تخبّط سياسي واضح بين البنى الاجتماعية بعد حراك لم يصل الى مبتغاه . وثمة اسئلة حول موقع ودور مصر في المحيطين العربي والإقليمي.
ثمة انتقال نوعي ذات طابع بنيوي للسلطة والنظام في مصر، ما يطرح تساؤولات حول القدرة على التنفيذ بصرف النظر عن الرغبة في ذلك،فعلى سبيل المقارنة مثلا ، فقد استغرق حزب العدالة والتنمية في تركيا سنوات عدة لهضم السلطة وإقصاء العسكريين عن الحياة السياسية في البلاد،فهل سيتمكن اخوان مصر من ذلك بدون فترة انتقالية تعيد انتاج التوازنات السياسية والاجتماعية القائمة ؟ اسئلة من الصعب الاجابة عنها بدقة في ظل ظروف هي الأصعب التي تمر فيها مصر عبر تاريخها الحديث والمعاصر.