حتى لا تنحاز حركة عدم الانحياز
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 31/8/2012
عقدت القمة السادسة عشرة لحركة عدم الانحياز وسط تحديات ومتغيرات هائلة ضربت عصب الكثير من الدول المؤسسة لها،وعلى الرغم من اجتماع 120 دولة،أي ما يوازي تقريبا ثلثي دول الامم المتحدة،بدت اجتماعاتها اقرب الى حفلة علاقات عامة تقيمها بعض الدول المشاركة فيها،بهدف ايصال رسائل من هنا او هناك لهذا الطرف او ذاك.
وبصرف النظر عن حجم الإخفاقات والنجاحات التي مرّت بها حركة عدم الانحياز،ينبغي التوقّف ملياً عند الكثير من الأسباب الذاتية والموضوعية التي آلت إليها الحركة،بهدف وضع مقترحات وتصورات تُسهم في إعادة تفعيلها ووضعها في مصاف المنظمات الدولية التي يُعوّل عليها في عصرنا الراهن،إذ أنَّ الاتجاه العام في سياق النظام الدولي القائم هو تهميش التجمّعات والمنظّمات التي لا تتماشى ولا تساير القوى الفاعلة فيه، ومن هذا المنطلق نرى وجوب وضع رؤية إستراتيجية متكاملة لمستقبل الحركة ، ودورها على المسرح الدولي تتضمن المزيد من الأفكار والطروحات في مختلف مجالات عمل الحركة ، بما في ذلك القضايا الأمنية والسياسية كنزع السلاح ، وضبط التسلح ، والموضوعات الاقتصادية كالتعامل مع الأزمة المالية العالمية ، وتداعياتها على الدول النامية ، والملفات الاجتماعية ، والثقافية ، والقانونية ، بما في ذلك مسائل حقوق الإنسان ،والحراك الشعبي في غير دولة فيها، وحوار الحضارات .
ثمة ضرورة ملحة لتطوير وتحسين أساليب العمل عبر إجراء مراجعة شاملة لدورها ، وهياكل عملها ومناهجها بهدف مواكبتها لمقتضيات العصر ومتطلبات المتغيرات والمستقبل ، بما يمكّنها من امتلاك القدرات بهدف الدفاع عن مصالحها وتبوأ موقع الصدارة في قيادة الأمم المتحدة ، وفي النظام الدولي القائم.
كما ينبغي إعطاء الأولوية للتعاون في المجالات التي من شأنها رفع معدلات التنمية في دول الحركة ، وتعزيز التعاون فيما بين الدول النامية ، والسعي لتقريب مواقفها ، وتحقيق مصالحها المشتركة بما يؤدي إلى تدعيم المواقف التفاوضية لدول الحركة ، وتفادي تهميش دورها على الساحة الدولية؛ إذ ثبت أن التعاون الاقتصادي والتنموي يعتبر من أنجع السبل لتحقيق التكامل السياسي اللاحق.
كما يجب توحيد صفوف الدول النامية بشكل عام ، ودول الحركة بشكل خاص ، وتعزيز تماسكها وتضامنها ، والعودة من جديد للتحدّث والتفاوض ككتلة واحدة ، وإدراك أنَّ ما تخسره من تفككها يفوق كثيراً أية مكاسب فردية يمكن لأي منها تحقيقها سواءً على المدى القريب ، أو المتوسط .
ان ابرز ما يجب العمل عل تحقيقه ، قيام دول الحركة بجهد جماعي منظم على مستوى الأمم المتحدة بهدف استصدار قرار من الجمعية العامة يحظر استخدام الفيتو في حالات الإبادة الجماعية ، أو الجرائم ضد الإنسانية ، أو للحيلولة دون وقف إطلاق النار في النزاعات المسلحة ، مع تمكين الجمعية العامة - إذا ما تقاعس المجلس عن القيام بمسؤولياته، من استرداد ما أوكل به المجلس من مسؤولية ، والتدخّل بنفسها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، باعتبار ذلك اختصاصاً أصيلاً لها ، وفقاً لنصِّ المادة (24) من ميثاق الأمم المتحدة.
ان ما يعزز وضع الحركة، هو التنسيق المستمر بين حركة عدم الانحياز والهياكل ، والأطر المؤسسية التي تدافع عن مصالح دول الجنوب ، وتتحدث باسمها في كافة المحافل والمنتديات الدولية ، منعاً للازدواجية في العمل ، وتضارب الاختصاصات على النحو الذي يضعف هذه الأطر، ويفقدها دورها .
كما ثمة حاجة ملحة لتعزيز التكامل الإعلامي بين دول الحركة ، وتضييق الفجوة النوعية بين دول الشمال والجنوب ، ودعم قدرات الدول النامية من خلال نقل التكنولوجيا ، والمعرفة للوصول إلى نظام إعلامي دولي جديد قائم على احترام حرية التعبير ، وحرية الإعلام ، وحق الإعلاميين في أداء مهامهم في ظلِّ احترام قيم وخصوصية كل مجتمع.
كما ان هناك ضرورة لصياغة رسالة إعلامية دولية هادفة وموضوعية، وأكثر قدرةً على التعريف بدورها، وباحتياجات شعوبها ودولها، وتعزيز جهود الحوار والتفاهم بين الحضارات والثقافات المختلفة، بخاصةً مع ما تتعرض له دول الحركة من حملات موجهة ومنافسات احتكارية شديدة في مجالات متعددة ومتنوعة.
وفي أي حال ، ربما الظروف التي عقدت فيها هذه القمة هي أكبر من قدرة الحركة على حلها او التخفيف من تداعياتها، الا ان الملفت في بعض ملفاتها، ظهور الحركة بمظهر المنحاز الى انظمتها بدلا من الانحياز الى قضايا شعوبها، التي تعتبر من أبرز المبادئ التي قامت عليها الحركة منذ نشأتها.