روسيا
وسوريا من الجو إلى البحر
د.خليل
حسين
استاذ
العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت:
21/5/2013
نشرت
في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 4/6/2013
بعد الجدل الصاخب حول صفقة صواريخ اس اس
300 الروسية الصنع المفترضة لسوريا ، وما تشكله من نقلة نوعية كاسرة للتوازن
المفترض أيضا، اندلع جدل قديم جديد على نفس القاعدة، وهو متعلق بصفقة صواريخ ارض
بحر ياخونت الروسية إلى سوريا.
فصواريخ ياخونت ليست بالنوع الجديد الذي
تسلمته سوريا، وهي صفقة تمت في العام 2010 خلال بدايات الأزمة السورية، إلا ان
الجديد فيها هي نوعية الصفقة المطوّرة من هذه الصورايخ القادرة على اصابة اهدافها
البحرية بدقة متناهية على مسافة 300 كيلومترا، الأمر الذي يعني ان استعمالها لا
يبدو فقط موجها لمنع دعم المعارضة بالسلاح بحرا، بل يمتد الى ابعد من ذلك وهو
مرتبط بمواجهة اي محاولة غربية للتدخل العسكري في الازمة السورية،وهو امر جاهرت به
موسكو علنا واعتبرته خطا احمرا مقارنة ذلك بما حصل من تدخل غربي سابق في القضية
الليبية التي ابعدت موسكو عمليا عن المجال الحيوي البحري لجنوب البحر المتوسط وهو
المدخل الرئيس للقارة السمراء.
علاوة على ذلك ان منظومة صواريخ ياخونت
الروسية تعد من الاسلحة الاستراتيجية التي نادرا ما يؤخذ قرار بنشرها خارج المجال
الحيوي الاستراتيجي المباشر لموسكو، وهو اذ نشر في سوريا في العام 2010 من باب
التأكيد على تمسك موسكو بالقاعدة البحرية الوحيدة المتبقية لها في المياه الدافئة
وتحديدا في المتوسط،قبل ان يكون عملية دعم لبقاء النظام السوري الحالي في السلطة
ام لا.
كما ان تقنيات هذه الصواريخ هي مرنة
وقابلة للاستثمار الامثل في مجالات استعمالاتها وبخاصة الجيل المتطور منها والذي
يقال انها نشرت مؤخرا في الساحل السوري. وهي اضافة إلى ذلك تعد من عمليات مراكمة
القوة النوعية الروسية في البحر الابيض المتوسط، ذلك بخلاف القوى البحرية الأخرى
ومنها الامريكية.فحاملات الطائرات الامريكية وبوارجها ومدمراتها تصول وتجول وتخرج
من المنطقة،بينما الروسية ترابط في قاعدة طرطوس وتطور وسائل وأساليب انتشارها
ومرابطتها، ذلك يعني فيما يعنيه ان موسكو معنية بالمجالات البحرية الحيوية في
منطقة هي الأشد تعقيدا في العالم بصرف النظر عن اي تحالفات استراتيجية مع انظمة
ودول،وهي في هذه الحالة تصرف كعادتها على طريقة برغماتية تحاكي اي تطور مرحلي لأي
قضية واستثمارها وفقا لحاجاتها التكتية والاستراتيجية.
في
الامس القريب اثار نشر الولايات المتحدة الامريكية لصواريخ بارتيوت على الاراضي
التركية،اضطرابا روسيا لافتا،باعتباره موجها اليها بصرف النظر عن الربط والوصل
الذي ظهر في الأزمة السورية،حينها ردت موسكو على طريقتها الدبلوماسية بنشر أو
الايحاء بنشر صواريخ اس اس 300 في سوريا. حادثة لا زالت وقائعها ملتبسة وهي
الطائرة بدون طيار التي اسقطت فوق حيفا،
والتي رجحت بعض الفرضيات انها روسية وانطلقت من احد بوارجها الحربية ، تعطي
اشارات واضحة على انخراط روسيا المباشر في محاولة اقتسام المجالات البحرية في
المتوسط مع اطراف اخرى ومنها الاوروبية والأمريكية التي تعتبره تاريخيا حديقة
خلفية بحرية لها.
وبصرف النظر عن دقة التوصيف وانطباقه
واقعيا على العديد من الوقائع المتداولة عمليا،يبقى من المؤكد ان ذيول الازمة
السورية وتداعاتها الاقليمية،قد نقلت الطرفان السوري والروسي من امكانية المواجهات
الجوية إلى البحرية، ولو في الاطار النظري حتى الآن.
لقد جربت كل من موسكو ابان الحقبة
السوفياتية والولايات المتحدة الحروب الباردة وبالواسطة في الشرق الأوسط، وكان
نظريا وعمليا الصراع العربي الاسرائيلي بكافة تفرعاته ومنها الاسلحة احد اوجهها. اليوم ثمة سباق من
نفس النوع بين موسوكو وواشنطن ولو لخلفيات مغايرة. انطلقت مؤخرا حرب الصواريخ ارض
جو، وثمة من يقول ان اسقاط المقاتلة التركية اف 16 كانت بصواريخ وإدارة روسية، وثمة
من يقول أيضا ان الغارة الاسرائيلية الأخيرة على دمشق،كان هدفها استدراج صواريخ اس
اس 300 لمعرفة المزيد عنها.فهل سيتكرر المشهد مستقبلا على قاعدة تجربة منظومة
صواريخ ياخونت ارض بحر؟
بات الشرق الاوسط بأزماته المتعددة
والمفتوحة على كل الاحتمالات بدءاً من الازمة السورية وانتهاءً بالبرنامج النووي
الايراني،مرورا بكل مستجدات الحراك العربي، مجالا واسعا لعودة الشد والجذب السياسي
والأمني والعسكري،بما فيه التلويح باستعمال اسلحة كاسرة للتوازن ، مرورا بأسلحة
ردعية بطبيعتها لكنها وازنة في مجال الرعب، مرورا بصواريخ اس اس 300 وياخونت
وغيرها من المسميات التي تعني الكثير في علم الاستراتيجيا العسكرية.