مفارقة الرئاسة المصرية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
في العام 1952 استلم اللواء محمد نجيب
السلطة في مصر وانهي الحكم الملكي فعليا . ما لبث ان قاد الثورة التصحيحية الثانية
الزعيم الراحل عبد الناصر في العام 1954، وهو من مجموعة الضباط الاحرار أيضا الذين
استلموا السلطة في العام 1952.استمر عهد ناصر حتى وفاته في ايلول 1970, اسلتم
السلطة نائبه انور السادات وهو من ذات الحقبة العسكرية والسياسية حتى اغتياله في
العام 1981، فتولى الرئاسة حسني مبارك وهو أيضا من رفاق السلاح والسياسة حتى عزله
بانتفاضة 25 يناير 2011.
من هذه المفارقات الأبرز ان ثلاثة
عسكريين تسلموا السلطة في مصر بالنظر لبعض الظروف التي سادت بداية مرحلة نشوء
الدولة المتخلصة من الاستعمار (البريطاني)، واذا كان ذلك ما يبرر وجود عبد الناصر
في السلطة، فثمة اسئلة كثيرة تطرح على عهدي سلفيه السادات ومبارك في طريقة حكم مصر
والأحوال التي آلت إليها لاحقا لجهة الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وإذا كانت مفارقة الرئاسة المصرية لستون
سنة مضت اتسمت بطابع حكم العسكر ، فان التجربة التي اتت بعدها ، وهي تجربة حكم
الأخوان كانت مفارقة اخرى اشد غرابة واستثناءً في تاريخ الانتفاضات والثورات في
معظم دول العالم الثالث ومنها الدول العربية. فقد حكم الاخوان مصر لفترة وجيزة جدا
باسم الدين والنظام المدني في آن معا، اي خارج نطاق العسكر، لكن مراجعة دقيقة لتلك
الفترة الوجيزة تظهر تداعيات سلبية كثيرة كما يصورها غالبية المجتمع المصري. ورغم
قصر تلك الفترة ففيها من الآثار والتداعيات التي فاقت غيرهم على مدى ثلثي قرن من
الزمن.
اليوم تمر مصر بظروف دقيقة جدا، ومجددا
ظهرت المؤسسة العسكرية كمنقذ اخير للشعب المصري لما يحضر له من فوضى منظمة تلامس
تمزيق مجتمعي باتجاه حرب اهلية داخلية بين من يدعون حقا لهم في السلطة اقصوا عنها،
وبين من يتحضرون لها استفتاءً وانتخابا. والمفارقة الأخرى في هذا المجال ايضا ان
المؤسسة العسكرية في مصر تعتبر اليوم حامية للثورة ومصححة لها كما حدث تماما في
الفترة التي تولى فيها عبد الناصر الرئاسة في العام 1954، اي قبل ستون عاما.
وبصرف النظر عن المقاربة ونتائجها ،لجهة
تلميع صفة سياسية أو عسكرية على أخرى، فالمفارقة الأشد غرابة تبدو في العقل الجمعي
للمجتمع العربي ونظرته لعسكرة السلطة في غير بلد عربي. ففي
الكثير من المجتمعات النامية حيث يطغى التخلف والمحسوبية والفساد وانتشار المساوئ
السياسية والإدارية فإن حركة الجيش قد تكون فاتحة لتحقيق اطر ديمقراطية ، اضافة
لمظاهر استقرار النظام السياسي . ولكن حركات الجيوش في الوطن العربي غالبا ما قادت
إلى حكم عسكري متواصل، فالعنصر الأبرز في الأنظمة العربية تم عبر معالجة الأمور
بقانون القوة وليس بقوة القانون، وإن شخصية القائد العسكري أو زعيم الجيش تلعب
دوراً قيادياً كارزمياً باعتباره يجسد النظام.
فالانقلابات
العسكرية تحوّلت إلى نظم سياسية دكتاتورية ، مارست الحكم من خلال قمع المجتمعات من
ناحية وعن طريق نخب سياسية مارست الفساد على أوسع مدى.، وكان من الطبيعي تبخر
المكتسبات الوطنية سريعاً ، لأنها لم ترتبط بدولة مؤسسات التي تفرض هيبة القانون
وتوازن الواجبات والحقوق على أساس أن الأولى هي التي تسبق الثانية وتخلفها ، إنما ارتبطت بدولة الزعامات العسكرية والأشخاص.
إن ظاهرة
الانقلابات العسكرية التي تمثل الشكل الأبرز لتدخل الجيش في السياسة شهدت تراجعاً
كبيراً . ومرد هذا التراجع مجموعة من العوامل منها نكسة 1967 وأثرها في ضعف
مصداقية الجيوش حتى في مجال تخصصها ،وأخرى ارتبطت بآليات النظام في التعامل مع
الجيش ، واستخدام وسائل الترهيب والترغيب ، والتغيير المستمر لمواقع القيادات
العسكرية وإحالتها على التقاعد المبكر بما يمنعها من تكوين الولاءات والانتماءات ،
فضلاً عن تكوين جيوش موازية وحزبية وميليشيات خاصة من العناصر الموالية لها.
أما موقف
المؤسسة العسكرية من ثورات الربيع العربي مثلاً ، في تونس وبالأخص في مصر ، اتخذت
موقف الحياد السلمي لأسباب عديدة منها : قناعاتها بضرورة إجراء تغييرات في مسار
الحكم وربما بموافقة أو إيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن المؤسسة
كانت تخشى وما تزال من ردة فعل سلبية من أفرادها وصفوف ضباطها وضباط صفها، لذلك
اعتبرت مطالب المتظاهرين مشروعة منذ البداية.
وخلاصة القول ،
ان المؤسسة العسكرية لعبت مثلا في مصر دورا فارقا في التحولات الاجتماعية
والسياسية الأخيرة ، وبخاصة بعد ثورة 25 يناير، فهل تكرر المؤسسة نفسها تجربة
الرئاسات السابقة ؟ وهل بمقدور من رشحته المؤسسة العسكرية للرئاسة المصرية قادر في
ظل الظروف الداخلية والخارجية لمصر من اعادتها لموقعها الاقليمي الفاعل ؟ ثمة كثير
من المصريين يراهنون على ذلك ، لكن التحديات المقبلة هي كثيرة بكثرة الشكوك التي
اثارتها سوابق التاريخ والجغرافيا في
منطقتنا العربية؟