خلفيات مشروع كيري
للفلسطينيين
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت: 27/2/2014
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت: 27/2/2014
يبدو ان مشروع وزير الخارجية الاميركي جون كيري،
لحل القضية الفلسطينية قد يكون أخطر مشروع
قُدم خلال العقود الأربعة الماضية لحل الصراع العربي - الإسرائيلي. وخلفية الخطورة
فيه، أن العمل عليه يجري في ظل ظروف عربية صعبة وضاغطة ، حيث دول الطوق تخوض
معاركها مع إرهاب دولي متعدد الأهداف والغايات ؛ أما الجانب الثاني في خطورة
المشروع فهو استغلال الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة العربية عبر محاولة كيري
ربط الموافقة على مشروعه مع استقرار المنطقة كصفقة سياسية متكاملة، ملخصها أمن
إسرائيل مقابل إنهاء الصراعات مع الإرهاب الدولي.
ينطلق المشروع من وعد
بإقامة الدولة الفلسطينية على أراضي 67 مع تبادل في الأراضي بين الجانبين الإسرائيلي
والفلسطيني، اضافة الى الأخذ بعين الاعتبار التغيرات السكانية والديموغرافية التي
طرأت بعد الاحتلال،ومن الواضح هنا التغيير الديموغرافي الناجم عن وجود أكثر من 400
ألف مستوطن في المستعمرات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
كما ينطلق مشروع كيري من قاعدة أن مشكلة
اللاجئين الفلسطينيين سيتم حلها عبر التعويض،في موازاة رفض أي حديث عن حق العودة، ما
يعتبر فخاً آخر ينصب للفلسطينيين والعرب، اذ تم مبدأ طرح التعويضات المتبادلة بين العرب
واليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل، في وقت تقدر فيه الخارجية الأميركية
وإسرائيل تعويضات الفلسطينيين بما يُقارب 50 مليار دولار ، فيما تقدر إسرائيل
تعويضات اليهود بـ 300 مليار دولار، ما يعني ان تمويل التعويضات للفلسطينيين
واليهود سيتم من الأصول العربية، وهي استنساخ لقصة تعويضات ألمانيا للكيان
الصهيوني بعد الحرب العالمية الثانية تكفيراً عن جرائم النازية ضد اليهود.
ويترافق ذلك مع همس في الكواليس الامريكية
حول هجرة وتجنيس مليوني لاجئ فلسطيني إلى كندا وأوستراليا والولايات المتحدة ، وتشمل
شريحة الشباب الفلسطيني دون سن الأربعين من أماكن وجودهم في الشتات الفلسطيني ، بهدف
تجفيف منابع المقاومة ضد إسرائيل ، مستغلة الاوضاع السياسية والاقتصادية
والاجتماعية المزرية لهؤلاء الشباب وتنامي الشعور بالاضطهاد في مختلف أماكن تواجدهم.
في الواقع ايضا ، تبدو خطورة المشروع في
ظروف طرحه وتوقيته المشبوه. فالوضع الفلسطيني في اراضي السلطة منقسم على نفسه ، في
ظل عدم القدرة على انتاج اوضاع ذاتية قادرة على فرض ما تريد من مقترحات الحل
النهائي الذي تتخبط فيه السلطة الفلسطينية منذ عقدين من الزمن ابان الانطلاق من اتفاق
اوسلو عام 1993. ويترافق ذلك مع اوضاع سيئة لفلسطينيي الشتات في بعض الدول العربية
التي تشهد معارك وصراعات دامية مع الحركات الارهابية التي يصوّر بعض اعمالها ،
وكأن لبعض الفلسطينيين دور فيها ، بهدف تأليب الرأي العام العربي عليهم وتركهم
لمصيرهم في ظل مشاريع تبدو اكثر من مشبوهة في هذه الظروف
وفي ظل هذا الحراك التفاوضي الذي يستفيق
عليه الفلسطينيون والعرب بين الفينة والفينة، تواصل اسرائيل عملها الدؤوب في تغيير
معالم الاراضي الفلسطينية عبر المستوطنات الجاهزة غب الطلب قانونا وتمويلا وتغطية
، مترافقة مؤخرا مع مشروع قانون لبسط السيادة الاسرائيلية على المسجد الاقصى ،
الامر الذي دفع بمجلس النواب الاردني للتصويت على مشروع بإلغاء معاهدة السلام الاردنية
- الاسرائيلية وسحب السفير الاردني من اسرائيل.
في ثمانينيات القرن الماضي عجت الساحة
العربية بمشاريع السلام مع اسرائيل ، وترافقت مع اجتياحات متعددة للبنان ، اضافة
الى ذلك تم زج الفلسطينيين في الخلافات والنزاعات الداخلية والبينية العربية ، ما
وفَّر البيئة المناسبة لاضاعفهم وتشويه صور القضية الفلسطينية في العقل الجماعي
العربي، مما سهل سهولة خرقهم بالمشاريع التي تستهدف الحق الفلسطيني المشروع ، بحجج
وذرائع ومبررات واهية.
اليوم يمر مشروع جون كيري في ظلمة عربية لا
سابق لها ، حيث لا لفلسطين ولا للفلسطينيين اي ذكر او خبر عنهم ، وإذا كان لهم من
خبر ، فهو من النوع الذي يؤذي قضيتهم عبر زجهم في مواقع ومواضع يصعب الدفاع عنها
بسهولة. انه زمن بات فيه القابض على قضاياه المحقة كالقابض على الجمر!