فرصة جدية لمكافحة الإرهاب الداعشي
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2/9/2014
لم يعد الإرهاب الداعشي حدثا إرهابيا عاديا ربما اعتادت الدول والمجتمعات سماعه وإدانته ومحاولة مكافحته، بل بات إرهابا هادفا ومنظما مؤسسا بدولة ادعت الإسلام والخلافة فيها، وتجاوز بأفعاله حدود ما يستوعبه العقل البشري. فلم يعد الإرهاب الداعشي يمارس ضد فئة بعينها بل يمارس أفعاله لتطال أديان وحضارات وثقافات ، وبالتالي بات يهدد وجود البشرية ذاتها.
إزاء ذلك لم تعد أيضا وسائل المكافحة التقليدية التي نظمتها اتفاقيات وقرارات دولية وصلت إلى السبع عشرة اتفاقية وعشرات القرارات الدولية مجدية، إذ لم تقترن أولا وأخيرا بجدية المعالجة وابتكار وسائل أخرى اشد صرامة، ويبدو أن المجتمع البشري وليس الدول وحدها مقتنعا بذلك بعدما تحسس من يعنيه الأمر أن القضية تخطت اطر المواجهة التقليدية.
صحيح على سبيل المثال أن القرار 1373 /2001 ، وضع اطر تنظيمية وتنفيذية للعديد من وسائل مكافحة الإرهاب، واتبعه بعشرات القرارات التفصيلية بحسب الحالات التي عرضت على مجلس الأمن ، إلا أن ما يجري حاليا تخطى هذه الوسائل وبات الإرهاب الداعشي وداعميه يعرفون كيفية التملص منها، إلا أن الجديد في الموضوع أن الذعر والخوف أصاب الجميع، ما شكل سابقة في الإجماع على ضرورة مواجهته حتى في البيئات التي اعتبرها البعض منطلقا له وخاصة في الشرق الأوسط وتحديدا في العراق وسوريا.
والجديد اليوم يظهر بمستوى تجاوب بعض الدول المعنية بالقرار 2170 وتحديدا دمشق التي استجابات وان بشروط ، السماح بضرب المنظمات الإرهابية التي تعيث فسادا في أراضيها ، وهي سابقة في تجاه العلاقات مع الغرب منذ اندلاع الأزمة السورية منذ أربع سنوات خلت. ويترافق ذلك مع حراك إقليمي عربي في الاتجاه ذاته،ما يؤسس لرؤية مستقبلية لكيفية التعاطي مع هذه القضية.على أن مكافحة الإرهاب الداعشي من الصعب مواجهته فقط بغارة عسكرية غربية هنا أو هناك، بل يتطلب الأمر جميع من يعنيهم الأمر وهنا البشرية بأسرها ، أن المواجهة ينبغي أن تنطلق من اعتقاد راسخ بأن هذا النوع من الإرهاب لن يحيّد أحدا والدور سيأتي على جميع الدول والمجتمعات القريبة والبعيدة.
إن تجفيف تمويل "الداعشية" أمر يتطلب مساعدة دول المنطقة في العمل على حرمانها من سرقة النفط وبيعه في الأسواق السوداء، علاوة على العمل على إيقاف تدفق الإرهابيين إلى المنطقة ، وتكوين بيئة إعلامية هادفة تتوجه إلى المستهدفين منه وحثهم على عدم الانصياع إرهابا ورعبا وذعرا له ، وبقاء كل فئة أقلية كانت أم أكثرية دينية أم قومية في مناطقها ومواجهته.
في السابق نمت وترعرعت تنظيمات أصولية متشددة ناصبت العداء للغرب ، وفسحت المجال للمتضررين من أفعالها لصق الإرهاب بالإسلام ، اليوم ثمة موجة إرهابية تتلبس بالتكفير دينا لها ، وتوجه إرهابها للمسلمين قبل المسيحيين، بل امتدت يدها إلى كل من يخالف رأيها حتى من الفصائل التي نمت في حضنها ، ولتصبح رب العالمين على الأرض.
لذلك ثمة مصلحة إنسانية – بشرية جامعة للتخلص من هذه المصيبة الكونية إذا جاز التعبير، لأن آثارها وتداعياتها تمس جوهر الأديان وغاياتها، كما تهدد تراثا إنسانيا وبشريا ممتدا في عمق التاريخ ، كما أن التراخي في مواجهته أو مهادنته أو غض الطرف عن جرائمه في مكان لأهداف استثمارية توظيفية لن يبعد خطره بل سيزيده غيا وعبثا بمصير الإنسانية جمعاء.
فالخطر اليوم هو من نوع آخر ، هو محاولة ترسيخ صور نمطية في عقول البشر ، صور جلها الذبح والإبادات الجماعية والقضاء على الحضارات والثقافات وعلى كل مظهر في تقدم البشرية الذي تراكم عبر الدهور، والعودة بالمجتمع الإنساني إلى عصور ما قبل التاريخ، وكأن الإنسان يعيش اليوم كوابيس الأحلام ، فهل الفرصة أتت للمواجهة بعد الإجماع البشري على مكافحته والقضاء على آفته؟