الصين والقمة الأميركية الكورية
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي الدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية 12.6.2018
تعتبر الأزمة الكورية من الأزمات الدولية الممتدة منذ منتصف القرن الماضي، حيث قًسمت وظلت مركز شد وجذب اقليمي ودولي، ومع تبدل القوى الفاعلة فيها مرة بعد أخرى، ظلت موسكو وبكين لاعبين أساسيين في علاقة بيونغ يانغ مع واشنطن، وتأتي القمة المزمع عقدها بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب زالكزري كيم جونغ اون لتلقي العديد من الأسئلة المحورية ، والتي ستظهر لاحقا مدى الأثر الصيني على سبيل المثال لا الحصر في مستقبل العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ.
فعلى الرغم من إعلان مواعيد القمة سابقا، ظهر لغط شديد حولها، وكادت أن تلغى قبل أسابيع عمليا، وثمة مؤشرات كثيرة تحوم حول الدور الصيني في توجيه دفة القمة والمتغيرات المتسارعة التي رافقتها،ذلك من منطلق تقاطع المصالح الأميركية والصينية في المسارات المستقبلية للعلاقات البينية الأميركية الكورية.
فكوريا الشمالية التي شهدت تقاربا شديدا مع موسكو إبان الحقبة السوفياتية ، جعلت من بكين طرفا مراقبا يتحين الفرص لاستيعاب واحتواء الحالة الكورية، بما لها من مكانات جيوسياسية إقليمية، وامتدادات ذات طبيعة إيديولوجية رغم ضمورها حاليا، علاوة على الشق التجاري والاقتصادي الذي تتنفس منه حاليا بيونغ يانغ عبر بكين.
في مقابل ذلك أيضا، لا يشكل القلق الأميركي من البرنامج النووي الكوري حالة منفردة، بل تشاركها الصين أيضا التي لها حساباتها الإستراتيجية في المنطقة، فهي وان أسهمت بشكل واضح في تسيير شؤون المفاوضات الأميركية الكورية ضمن مجموعة الستة في العام 2007 لإيجاد حل مناسب وعادل كما يطلق عليه، إلا أن التوجّس الصيني دائم الظهور، لدى ربطه بعلاقات واشنطن مع سيول مثلا ، وما تم نشره من شبكة صواريخ في كوريا الجنوبية ردا على تجارب الشمالية، وما تمثل تلك الحيثية من خطر داهم على الصين الذي تترجمه بشكل دائم عبر مواقف حادة في علاقتها مع واشنطن.
وفي أي حال من الأحوال، وان بدا السقف عاليا في لقاء القمة الأميركي الكوري المرتقب، إلا أن المطالب الأميركية يمكن أن تخفف ، ذلك بفعل التأثير الصيني في الاتجاهين الأميركي والكوري، وبالتالي إن موضوع النزع الكامل والفوري ، ربما يكون امرأ غير قابل للتطبيق، علاوة على البرامج الصاروخية التي شهدت تطورا لافتا والذي يعتبر أكثر توجسا بالنسبة لواشنطن ، وبالتالي إن هذا الملف يعتبر أولوية في جدول اللقاء.
ربما تجارب المفاوضات الأميركية الكورية السابقة ليست مشجعة، بفعل المطالب ذات السقف العالي بين الطرفين، فواشنطن مثلا تهدف إلى إنهاء البرنامج النووي والصاروخي، وهو أمر تعتبره بيونغ يانغ أمراً وجوديا بالنسبة إليها، فيما تحاول هذه الأخيرة الحصول على فك العزلة الاقتصادية والسياسية بأقل التكاليف؛ وهنا يمكن لبكين أن تلعب دورا متمايزا عن اللاعبين الآخرين في هذا الملف كموسكو وطوكيو مثلا ، كما حاولت أن تفعل ذلك في مفاوضات العقد الماضي التي لم تصل إلى نتيجة محددة بفعل الوعود التي لم تنفذ أصلا من كلا الجانبين.
صحيح أن كل من واشنطن وبيونغ يانغ تسعيان للقاء القمة والاثنتان لهما مصلحة في إنجاحه، لكن العين الصينية بالمرصاد عمليا، وتحاول جاهدة التحكّم بمساراتها اللاحقة قدر الإمكان، وربما ظروف العلاقات الأميركية الصينية التجارية حاليا ، والتي يسعى الطرفان إلى الحفاظ عليها من بوابة الاعتماد المتبادل، ستسهم في إيجاد مخارج مناسبة ومقبولة للأطراف الإقليمية المعنية بهذا الملف.
لقد تعامل الطرفان الأميركي والكوري عبر سياسة حفة الهاوية في الرسائل الدبلوماسية والعسكرية بينهما، ذلك في ظل ظروف دولية متأزمة لا تحتمل القراءة الخطأ في الوقت الضائع، فهل ستتمكن بكين حسن التدبير والقراءة الدقيقة لظروف الطرفين، وبالتالي إيجاد نقطة الانطلاق المناسبة من سنغافورة؟ ربما الإجابة على هذا التساؤل مرتبط بمدى دقة القراءة للبرغماتية الصينية التي برعت في استعمال أدواتها في سياساتها الدولية والإقليمية ومن بينها في إدارة الأزمة الأميركية الكورية.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي الدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية 12.6.2018
تعتبر الأزمة الكورية من الأزمات الدولية الممتدة منذ منتصف القرن الماضي، حيث قًسمت وظلت مركز شد وجذب اقليمي ودولي، ومع تبدل القوى الفاعلة فيها مرة بعد أخرى، ظلت موسكو وبكين لاعبين أساسيين في علاقة بيونغ يانغ مع واشنطن، وتأتي القمة المزمع عقدها بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب زالكزري كيم جونغ اون لتلقي العديد من الأسئلة المحورية ، والتي ستظهر لاحقا مدى الأثر الصيني على سبيل المثال لا الحصر في مستقبل العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ.
فعلى الرغم من إعلان مواعيد القمة سابقا، ظهر لغط شديد حولها، وكادت أن تلغى قبل أسابيع عمليا، وثمة مؤشرات كثيرة تحوم حول الدور الصيني في توجيه دفة القمة والمتغيرات المتسارعة التي رافقتها،ذلك من منطلق تقاطع المصالح الأميركية والصينية في المسارات المستقبلية للعلاقات البينية الأميركية الكورية.
فكوريا الشمالية التي شهدت تقاربا شديدا مع موسكو إبان الحقبة السوفياتية ، جعلت من بكين طرفا مراقبا يتحين الفرص لاستيعاب واحتواء الحالة الكورية، بما لها من مكانات جيوسياسية إقليمية، وامتدادات ذات طبيعة إيديولوجية رغم ضمورها حاليا، علاوة على الشق التجاري والاقتصادي الذي تتنفس منه حاليا بيونغ يانغ عبر بكين.
في مقابل ذلك أيضا، لا يشكل القلق الأميركي من البرنامج النووي الكوري حالة منفردة، بل تشاركها الصين أيضا التي لها حساباتها الإستراتيجية في المنطقة، فهي وان أسهمت بشكل واضح في تسيير شؤون المفاوضات الأميركية الكورية ضمن مجموعة الستة في العام 2007 لإيجاد حل مناسب وعادل كما يطلق عليه، إلا أن التوجّس الصيني دائم الظهور، لدى ربطه بعلاقات واشنطن مع سيول مثلا ، وما تم نشره من شبكة صواريخ في كوريا الجنوبية ردا على تجارب الشمالية، وما تمثل تلك الحيثية من خطر داهم على الصين الذي تترجمه بشكل دائم عبر مواقف حادة في علاقتها مع واشنطن.
وفي أي حال من الأحوال، وان بدا السقف عاليا في لقاء القمة الأميركي الكوري المرتقب، إلا أن المطالب الأميركية يمكن أن تخفف ، ذلك بفعل التأثير الصيني في الاتجاهين الأميركي والكوري، وبالتالي إن موضوع النزع الكامل والفوري ، ربما يكون امرأ غير قابل للتطبيق، علاوة على البرامج الصاروخية التي شهدت تطورا لافتا والذي يعتبر أكثر توجسا بالنسبة لواشنطن ، وبالتالي إن هذا الملف يعتبر أولوية في جدول اللقاء.
ربما تجارب المفاوضات الأميركية الكورية السابقة ليست مشجعة، بفعل المطالب ذات السقف العالي بين الطرفين، فواشنطن مثلا تهدف إلى إنهاء البرنامج النووي والصاروخي، وهو أمر تعتبره بيونغ يانغ أمراً وجوديا بالنسبة إليها، فيما تحاول هذه الأخيرة الحصول على فك العزلة الاقتصادية والسياسية بأقل التكاليف؛ وهنا يمكن لبكين أن تلعب دورا متمايزا عن اللاعبين الآخرين في هذا الملف كموسكو وطوكيو مثلا ، كما حاولت أن تفعل ذلك في مفاوضات العقد الماضي التي لم تصل إلى نتيجة محددة بفعل الوعود التي لم تنفذ أصلا من كلا الجانبين.
صحيح أن كل من واشنطن وبيونغ يانغ تسعيان للقاء القمة والاثنتان لهما مصلحة في إنجاحه، لكن العين الصينية بالمرصاد عمليا، وتحاول جاهدة التحكّم بمساراتها اللاحقة قدر الإمكان، وربما ظروف العلاقات الأميركية الصينية التجارية حاليا ، والتي يسعى الطرفان إلى الحفاظ عليها من بوابة الاعتماد المتبادل، ستسهم في إيجاد مخارج مناسبة ومقبولة للأطراف الإقليمية المعنية بهذا الملف.
لقد تعامل الطرفان الأميركي والكوري عبر سياسة حفة الهاوية في الرسائل الدبلوماسية والعسكرية بينهما، ذلك في ظل ظروف دولية متأزمة لا تحتمل القراءة الخطأ في الوقت الضائع، فهل ستتمكن بكين حسن التدبير والقراءة الدقيقة لظروف الطرفين، وبالتالي إيجاد نقطة الانطلاق المناسبة من سنغافورة؟ ربما الإجابة على هذا التساؤل مرتبط بمدى دقة القراءة للبرغماتية الصينية التي برعت في استعمال أدواتها في سياساتها الدولية والإقليمية ومن بينها في إدارة الأزمة الأميركية الكورية.