عقوبة الإعدام والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان
د.خليل حسين
أستاذ المنظمات والعلاقات الدولية
في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية
اختلف الفقهاء والمشرعون حول الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغائها، وانعكس ذلك على مختلف دول العالم، فبينما احتفظت العديد من الدول بهذه العقوبة، ثمة دولاً أخرى قد ألغتها ولجميع الجرائم، في حين أن دولاً أخرى ألغتها لجميع الجرائم ما عدا الجرائم الاستثنائية كجرائم الحرب.وفي هذه الدراسة سأتعرض إلى هذه القضية وفقاً للمعاهدات والاتفاقيات الدولية الشارعة في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما سنتعرض لأهم النظريات الفقهية سواء القانونية أو الفلسفية التي تعرّضت لدراسة هذه المسألة الخلافية
أولا: مؤيدو عقوبة الإعدام
يستند المطالبون بالإبقاء على عقوبة الإعدام، على أنها وسيلة لحماية النظام والأمن في المجتمع، وباعتبارها عقوبة لا تُستخدم إلا لمواجهة فئة خطيرة في المجتمع، تهدد أمنه وبقاءه؛ لهذا يحرص المشرع على النص على هذه العقوبة، ردعاً للعتاة من المجرمين، وضمانا لحق الضحايا وعائلاتهم.وتستند هذه النظرية على أن من يقتل ظلماً لا بد من حماية حقوق ورثته. ما يستلزم معاقبه الظالم، وإلا صارت الحياة فوضى، واعتدى الناس بعضهم على بعض، وأن العدل يقتضي أن من يقتل غيره ظلماً وعدواناً ينبغي أن يعاقب بالقتل أيضاً لتكون ثمَّة مساواة وبالتالي تحقيق الردع؛ لأن القاتل الظالم عندما يعلم بمصيره إذا قتل، سيرتدع عن ارتكاب الجريمة، ويسود الأمان[1].وتستند حجج الإبقاء على الإعدام إلى عدة اعتبارات أهمها:
- تعرف عقوبة الإعدام على أنها وسيلة فريدة في فعاليتها وملاءمتها لمنع الجريمة والمعاقبة عليها. لذا نادت المدرسة الوضعية بالإبقاء عليها بوصفها وسيلة صالحة لتحقيق الدفاع الاجتماعي، وهو غاية العقاب.
- تفي عقوبة الإعدام بحاجات هامة للمجتمع من الصعب سدّها بطرق أخرى، سواءً نُفذت علناً أم حُجبت عن الأنظار وراء جدران السجن، فإن الحجة المستخدمة هي أن عقوبة الإعدام ضرورية، على الأقل مؤقتاً من أجل خير المجتمع.
- إن الحجة الأكثر شيوعاً لتبرير استخدام عقوبة الإعدام هي عامل الردع، وعقوبة الإعدام تحقق أقصى قدر من الزجر والإرهاب في النفس خشية سلب الحق في الحياة، وبالتالي فهي أكثر الوسائل فاعلية لتحقيق أهداف الدولة، والمحافظة على نظامها الاجتماعي[2].
- حجة الإعجاز، وتتلخص في أنه ينبغي قتل المحكوم عليه للتأكد من عدم تكراره للجريمة.
- والى جانب حجج الردع والإعجاز، فإن حجة الجزاء تؤكد أنه يجب قتل مجرمين معيَّنين لا لمنع وقوع الجريمة، بل إرضاءً لمطالب العدالة.[3]
- ومن الأسباب التي تُستخدم لتبرير عقوبة الإعدام أنه من الأوفر ببساطة قتل سجناء معينين بدلاً من إبقائهم في السجن.
ثانيا: معارضو عقوبة الإعدام
تشكِّل عقوبة الإعدام، وفقاً لآراء العديد من المنظمات الدولية وفقهاء القانون الدولي، عقوبة في منتهى القسوة، واللاإنسانية، والإهانة. وهي عقوبة لا يمكن الرجوع عنها حال تنفيذها، ويمكن أن تُنزل بالأبرياء. ولم يتبين قط أنها تشكل رادعاً ضد الجرائم أكثر فعالية من العقوبات الأخرى.ويرى البعض أن عقوبة الإعدام هي الاسم الحكومي لكلمة القتل، فالأفراد يقتلون بعضهم بعضا، ولكن الحكومات والدول تُعاقب الأفراد بعقوبة الإعدام، وينبع مطلب إلغاء الإعدام ومنع القتل كلاهما من السبب نفسه؛ أي معارضة القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصّد من قبل شخص ما لشخص آخر، وسواءً قام بالقتل حكومة معينة أو مرجع ذو صلاحية، فلن يغيّر ذلك من حقيقة الأمر ، وهي أننا نواجه حالة قتل متعمّد. فعقوبة الإعدام هي أبشع أشكال القتل المتعمد وأبشعها وأشدها سخافة؛ لأن ثمّة مؤسسة سياسية تقرر أمام المجتمع، وتعلن مسبقاً وبأقصى درجات اللامبالاة وببرودة أعصاب والشعور بالحق عن قرارها في قتل شخص، وبإعلان اليوم والساعة التي ستقوم فيها بهذا الأمر.
وفي مقابل الدعوة للإبقاء على عقوبة الإعدام تقود منظمة العفو الدولية الدعوة إلى إلغاء تلك العقوبة حيث تكتسب مؤيدين وأنصاراً وأرضاً جديدة في دعوتها، فالمشاهد أن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام من تشريعاتها الجنائية في ازدياد مستمر[4].
إن إحدى العقبات الغريبة في وجه إلغاء عقوبة الإعدام هي الإحساس الذاتي الذي يحس به الكثير من الناس من أنها تمنعهم هم أنفسهم من الانغماس في القتل وغيره من الجرائم التي عاقب عليها القانون بالإعدام، ومن ثم فإنها ، أي عقوبة الإعدام ، تمنع الناس الذين ربما كان احتمال ارتكابهم لتلك الجرائم أكثر من ارتكابها. وتؤيد منظمة العفو الدولية ذلك الرأي فتقرر[5]:من الخطأ افتراض أن جميع الذين يرتكبون جرائم خطرة كالقتل أو معظمهم يقومون بذلك بعد التفكير في النتائج بشكل عقلاني. فجرائم القتل تًرتكب، في معظم الأحيان، في لحظات انفعال عندما تتغلب العواطف الهائجة على الصواب. وقد ترتكب أيضاً تحت تأثير الكحول أو المخدرات أو في لحظات الذعر مثلاً عندما يفاجأ مرتكبها متلبساً بجريمة سرقة، وبعض الأشخاص الذين يقترفون جرائم عنف يفقدون توازنهم ويعجزون عن ضبط عواطفهم ، وفي كل هذه الحالات لا ينتظر أن يردع الخوف من عقوبة الإعدام من ارتكاب الجريمة[6].
ويستند مؤيدو إلغاء عقوبة الإعدام في دعم آرائهم إلى عدة أسباب من بينها[7] :
- يستحيل مع عقوبة الإعدام إصلاح المحكوم عليه وإعادة تقويمه. وهذا من الأهداف التي يجب أن تسعى إليها الدولة بفرض العقاب، ولو كأهداف ثانوية والعقوبة التي تقطع باب الأمل أمام الفرد لا يمكن أن تكون عادلة.
- إن عقوبة الإعدام غير مجزية وغير نافعة سواء من وجهة فردية أو من وجهة إقناعية، فهي تحول دون أن يشرع المحكوم عليه – تحت رقابة الدولة – في إصلاح آثار الجريمة كلما كان ذلك ممكناً. كما أن العقوبة تحرم الدولة من قوة عاملة يمكن أن تسهم في الإنتاج، وبخاصة بعد أن أصبح العمل في السجون عاملاً في زيادة الإنتاج.
- يستحيل إصلاح آثار هذه العقوبة حين يبدو أن العدول عنها حق وواجب، فقد تظهر براءة المحكوم عليه بعد تنفيذ العقوبة، باعتبار أن الأخطاء القضائية ليست نادرة والعدالة الإنسانية نسبية، حتى أن أغلب التشريعات الوضعية تقر الحق في تصحيح أخطاء الأحكام.
- عقوبة الإعدام غير عادلة؛ لأنها غير قابلة للتدرج وفقاً لمبدأ مسؤولية الجاني أو مدى خطورته أو مدى ما حققه من ضرر.
- تتسم عقوبة الإعدام بالضراوة والبشاعة، فالإعدام ليس فيه عظة تربوية أو إصلاحية بل يوقظ الشهوة إلى سفك الدماء.
- ثمّة وجهة فلسفية استند إليها أنصار الإلغاء، ذلك انه إذا كان أساس حق العقاب هو العقد الاجتماعي، فإن الإنسان، الذي ليس له الحق في القتل، لا يمكن أن يتنازل للدولة عن حقه في الحياة.
كما يستند بعض مؤيدي إلغاء عقوبة الإعدام إلى إحصائيات كثيرة تمّت في ظروف متعددة تشير إلى أن تشديد العقاب، بوجه عام، لم يؤد بالضرورة إلى تخفيف حِدّة الجريمة، كما أن تخفيفه لم يؤد بالضرورة إلى زيادتها، لكن ازدياد نسبة الإجرام أو تراجعها أمر يمكن أن يرجع إلى جملة عوامل وظروف شخصية واجتماعية، لعل من أقلها شأناً تأثير العقاب في النفوس مقداراً أو نوعاً ولو وصلت إلى حد الإعدام. ولعل هذا الاعتبار كان – بالإضافة إلى العوامل الإنسانية والحضارية والعلمية المتنوعة، من أقوى الاعتبارات التي أدّت إلى إلغاء عقوبة الإعدام في دول كثيرة متزايدة خصوصاً في مستهل هذا القرن حتى الآن.
ثالثا : ضمانات تكفل حماية حقوق الذين يواجهون عقوبة الإعدام
اعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمه الأمم المتحدة في قراره رقم 50/1984 تاريخ 25 أيار 1984 العديد من الضمانات التي تكفل حماية حقوق الأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام، وهذا يؤكد الحرص والعناية التي أولتها منظمه الأمم المتحدة للحق في الحياة باعتباره حقاً أصيلاً، وقد راعى المجلس في قراره هذا العديد من الفئات والمجموعات والأفراد التي قد تواجه وقوع عقوبة الإعدام ضدها.
- في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في أخطر الجرائم، على أن يكون مفهوماً أن نطاقها ينبغي ألا يتعدى الجرائم المتعمدة التي تسفر عن نتائج مميتة أو غير ذلك من النتائج البالغة الخطورة.
- لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في حالة جريمة ينص عليها القانون وقت ارتكابها ، على أن يكون مفهوماً أنه إذا أصبح حكم القانون يقضي بعد ارتكاب الجريمة بفرض عقوبة أخف، استفاد المجرم من ذلك.
- لا يحكم بالموت على الأشخاص الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة، ولا ينفذ حكم الإعدام بالحوامل، أو بالأمهات الحديثات الولادة، ولا بالأشخاص الذين أصبحوا فاقدين لقواهم العقلية.
- لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائماً على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالاً لأي تفسير.
- لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة بعد إجراءات قانونية توفر كل الضمانات الممكنة لتأمين محاكمة عادلة، مماثلة على الأقل للضمانات الواردة في المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حق أي شخص مشتبه في ارتكابه جريمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام أو متهم بارتكابها في الحصول على مساعدة قانونية كافية في كل مراحل المحاكمة.
- لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في الاستئناف لدى محكمة أعلى، وينبغي اتخاذ الخطوات الكفيلة بجعل هذا الاستئناف إجبارياً.
- لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في التماس العفو، أو تخفيف الحكم، ويجوز منح العفو أو تخفيف الحكم في جميع حالات عقوبة الإعدام.
- لا تنفذ عقوبة الإعدام إلى أن يتم الفصل في إجراءات الاستئناف أو أية إجراءات تتصل بالعفو أو تخفيف الحكم.حين تحدث عقوبة الإعدام، تنفذ بحيث لا تسفر إلا عن الحد الأدنى الممكن من المعاناة.
رابعا: عقوبة الإعدام وحقوق الإنسان
عاشت الأمم والشعوب لا يحكمها إلا قانون القوة وشريعة الغاب، فمن سلم من سيف السلطة قتل في حروبها التي جاءت معظمها تحقيقاً لنزوات حكام أو توسعاً في الهيمنة والاستعباد.. وفي العصر الحديث تعاظم اتجاه الأمم والشعوب التي أرهقها كل هذا الظلم والعبث جاء سعيها الحثيث لحياة السلم والأمن دون خوف أو قلق انطلاقاً من أن أمان الدولة الحديثة والأمم جميعها لن يتأتى إلا بصون الحياة الإنسانية وكرامتها، وهو ما يجب أن تقوم عليه التشريعات والقوانين محلياً وإقليمياً ودولياً مع ضمان أن يكون للقانون سيادته وإلزاميته.. وفي عصرنا هذا جاءت المجالس الدولية والإقليمية التي تشارك فيها حكومات العالم لتتفق على منظومات التشريعات التي تحقق للإنسانية الحياة الآمنة، فكان أن عرفنا ما نسميه اليوم بالمواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية والإقليمية التي تلزم الدول حال مصادقتها على تعديل القوانين المحلية للتوافق معها، ويسعى المجتمع الدولي وبمطالبات كل من سخروا أنفسهم للدفاع عن حقوق الإنسان، بشكل مستمر، لتطوير تلك المواثيق الدولية لتحقيق ضمانات أكبر للحفاظ على الكائن البشري، وحمايته، وصون كرامته. وفي هذا الإطار كان من البديهي أن يكون "الحق في الحياة" هو الحق الأول والأساسي لكل المواثيق الدولية والإقليمية والدساتير والقوانين المحلية. وفي ضوء هذا الحق توالت النضالات الحقوقية لتفعيل هذا الحق وتجسيده ومن ذلك المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام من القوانين المحلية استناداً إلى أن هذه العقوبة يتم استخدامها من قبل الأنظمة وخصوصاً الدكتاتورية منها للتخلص من معارضي هذه الأنظمة أكثر منها فيما هو جنائي. وسنستعرض في هذه الورقة بإيجاز المسار التاريخي الحديث لأهم المواثيق الحقوقية الدولية والإقليمية التي أكدت على حق الحياة وصولاً إلى البروتوكولات التي تمَّ التوافق من خلالها على إلغاء عقوبة الإعدام بشكل مطلق أو ضمن تقنين محدد، وذلك على النحو التالي:
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
وهو الإعلان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، والتي أكدت المادة (3) منه على حق كل إنسان في الحياة، والحرية، والأمان على شخصه.. ومن المعلوم أن الحقوقيين يتوافقون على أن هذا الإعلان يمثل إحدى الخطوات الأساس الأولى للدفاع عن حياة الإنسان وأمانه.
2- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:
ولأن الإعلان في العرف الدولي لا يتطلب مصادقة، فإنه ليست له قوة إلزامية، وهو ما جعل المطالبات الإنسانية مستمرة للوصول إلى معاهدة دولية أكثر تفصيلاً للحقوق، ولها قوة إلزامية على الدول المصادقة عليها. من هنا جاء العمل من أجل هذا العهد الذي تمّت صياغته ورفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1954 ، إلا أن الجمعية العامة لم تعتمده إلا بعد اثني عشر عاماً، ذلك في 16 كانون الأول / ديسمبر 1966 ولم يدخل حيز النفاذ إلا في 23 آذار/ مارس 1976. وجاءت المادة (6) من هذا العهد لتقدم تفصيلاً أوسع من ذي قبل للدفاع عن حق الحياة، والتأكيد على إلزاميته وفقا لما يلي:
1- الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً.
2- لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقاً للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.
3- حين يكون الحرمان من الحياة جريمة من جرائم الإبادة الجماعية، يكون من المفهوم بداهة أنه ليس في هذه المادة أي نص يجيز لأية دولة طرف في هذا العهد أن تعفي نفسها على أية صورة من أي التزام يكون مترتباً عليها بمقتضى أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
4 - لأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
5- لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفذ هذه العقوبة بالحوامل.
6- ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء الإعدام من قبل أية دولة طرف في هذا العهد.
3- البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام:
وهذا البروتوكول، وبرغم كونه اختيارياً في المصادقة عليه، إلا أنه يمثل توجهاً دولياً، وخصوصاً من الدول الأكثر إلتزاماً بالحرية والديمقراطية. وقد بدأ نفاذ البروتوكول على الدول المصادقة عليه في 11 تموز / يوليو 1991، وفي ديباجة البروتوكول تمَّ توضيح أن الدول الأطراف فيه، إذ تؤمن بأن إلغاء عقوبة الإعدام يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان، وأن المادة (6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تشير إلى إلغاء عقوبة الإعدام بعبارات توحي بشدة بأن هذا الإلغاء أمر مستصوب، واقتناعاً منها بأنه ينبغي اعتبار التدابير الرامية إلى إلغاء عقوبة الإعدام تقدماً في التمتع بالحق في الحياة.
وأشتمل البروتوكول على إحدى عشرة مادة لم تسمح بالتحفظ على البروتوكول من قبل الدول المصادقة إلا بالنسبة لتحفظ تم إعلانه من قبل أثناء مصادقتها، وينص التحفظ على تطبيق عقوبة الإعدام في وقت الحرب طبقاً لإدانة في جريمة بالغة الخطورة، وتكون ذات طبيعة عسكرية، وترتكب في وقت الحرب.
4 - مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، والإعدام التعسفي، والإعدام دون محاكمة:
وهي المبادئ التي اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة في قراره رقم 65 تاريخ 24 أيار / مايو 1989 واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 كانون الأول/ ديسمبر1989. وهذه المبادئ التي تقدم لنا إشارات أخرى للحرص الدولي للحد من تطبيق هذه العقوبة، والتضييق عليها، ذلك من خلال 20 فقرة أدرجت تحت محاور ثلاثة هي: (الإجراءات الوقائية؛ والتحقيق؛ والإجراءات القانونية) لتقدم مجموعة من المبادئ الوقائية والقانونية التي تلزم الدول التي ما زالت تطبق هذه العقوبة بمهام المنع لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون أو الإعدام التعسفي الذي قد يحدث في أثناء التحقيق أو الاحتجاز في السجون أو أقسام الشرطة أو أي أماكن احتجاز تستخدمها السلطات، كما يعتبر القتل المقترف لأسباب سياسية، ويكون للسلطة مصلحة فيه ضمن الإعدام التعسفي، كما تلزم هذه المبادئ الدول بمنع الإعدام دون محاكمة بل وتطالبها بأن يتضمن قانونها المحلي اعتبار كل ذلك جرائم يعاقب مرتكبوها مع تفعيل العقوبات مع توخي الدول لوضع رقابة دقيقة لما يدخل في هذا النطاق من الأعمال مع تأكيد المبادئ على ضرورة التقصي الدقيق في التحرّي والإجراءات للقضايا التي قد تصل عقوبتها الإعدام.
5- البروتوكول السادس الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان بشأن إلغاء عقوبة الإعدام:
في 4 تشرين الثاني / نوفمبر 1950 أطلقت الدول أعضاء مجلس أوروبا حينها (الاتحاد الأوروبي حالياً).الاتفاقية الأوروبية لحماية الإنسان والحريات الأساسية، وهي الاتفاقية الإقليمية الأولى في مجال حقوق الإنسان، ولها القوة القانونية الإلزامية على الدول الأوروبية المصادقة عليها. وعلى امتداد العقود الماضية تمَّ إضافة أحد عشر بروتوكولاً إضافياً لهذه الاتفاقية لتفعيل كل الحقوق الإنسانية التي تضمنتها، ومنها البروتوكول الخاص بالتزام الدول الأوروبية بإلغاء عقوبة الإعدام. وقد بدأ العمل بهذا البروتوكول في الأول من آذار / مارس 1985، ويشمل تسع مواد تلغي العقوبة مع جواز استخدامها فيما يتعلق بالأعمال التي تُرتكب وقت الحرب أو للتهديد الوشيك بالحرب مع توضيح عدم جواز انسحاب الدول من البروتوكول بعد المصادقة، وعدم جواز استخدام البروتوكول في أقاليم محددة من الدولة.
6- البروتوكول الخاص بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام:
في إطار منظمة الدول الأمريكية تمَّ التوقيع على الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في نوفمبر 1969 ويطلق على هذه الاتفاقية (ميثاق سان خوسيه) وهي المدينة التي أطلقت منها في كوستاريكا. ومع تزايد المطالبات والضغط المدني والحقوقي، تمَّ التوقيع على هذا البروتوكول، وإلحاقه بالاتفاقية في 8 حزيران / يوليو. وقد حوى البروتوكول على مقدمة وأربع مواد أكدت على التزام الدول المصادقة على عدم تطبيق هذه العقوبة في أراضيها أو على من يخضع لولايتها مع إمكانية تطبيق العقوبة في وقت الحرب فقط ، وذلك في الجرائم الخطيرة للغاية ذات الطبيعة العسكرية.
خامسا : حقائق وأرقام حول عقوبة الإعدام[8]
1. الدول التي ألغت العقوبة والدول التي تحتفظ بها
ألغت أكثر من نصف دول العالم عقوبة الإعدام في القانون والممارسة. وتبين آخر معلومات منظمة العفو الدولية أن : 89 دولة ومنطقة ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم؛ وأن عشرة دول ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم باستثناء الجرائم غير العادية مثل جرائم الحرب؛ ويمكن اعتبار 30 دولة بأنها ألغت العقوبة عملياً: فهي تحتفظ بعقوبة الإعدام في القانون لكنها لم تنفذ أية عمليات إعدام طوال السنوات العشر الماضية أو أكثر، ويُعتقد أنها تنتهج سياسة أو لديها ممارسة تقضي بعدم تنفيذ عمليات إعدام ما يرفع مجموع الدول التي ألغت عقوبة الإعدام في القانون والممارسة إلى 129 دولة. كما تحتفظ 68 دولة ومنطقة أخرى بعقوبة الإعدام وتستخدمها، لكن عدد الدول التي تعدم السجناء فعلاً في أي سنة بعينها أقل من ذلك بكثير.
2. التقدم الذي تحقق نحو إلغاء العقوبة عالمياً
ألغت أكثر من 40 دولة عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم منذ العام 1990. وهي تشمل دول في أفريقيا (كوت ديفوار والسنغال)، وفي الأمريكتين (كندا والبراغواي)، وآسيا ومنطقة المحيط الهادئ (بوتان، وساموا، وتركمانستان) وأوروبا وجنوب القوقاز (أرمينيا، والبوسنة والهرسك، وقبرص، واليونان، وصربيا، والجبل الأسود، وتركيا).
3. تحركات لإعادة العمل بعقوبة الإعدام
عندما يتم إلغاء عقوبة الإعدام ، نادراً ما تتم إعادة العمل فيها. فمنذ العام 1985، ألغت أكثر من 50 دولة عقوبة الإعدام في القانون أو أنها بعد أن ألغتها سابقاً بالنسبة للجرائم العادية، انتقلت لإلغائها بالنسبة لجميع الجرائم. وخلال الفترة ذاتها أعادت أربع دول مُلغية فقط العمل بعقوبة الإعدام. إحداها – نيبال – التي ألغت العقوبة مرة أخرى منذ ذلك الحين؛ واستأنفت دولة أخرى هي الفليبين تنفيذ أحكام الإعدام لكنها توقفت فيما بعد. ولم تُنفذ أية عمليات إعدام في الدولتين الأخيرتين وهما (غامبيا، وبابوا غينيا الجديدة).
سادسا: مستقبل عقوبة الإعدام
لا تكفي عقوبة الإعدام لنفي وظيفة الردع العام من أساسها، لأن مقدار العقوبة ونوعها ليسا هما كل شيء في توجيه إرادة الجاني نحو إتباع أحكام التشريع العقابي، بل ثمَّة اعتبار آخر له قيمته البالغة من الصعب تجاهله، وهو مدى إحساس الجاني بضمان وصول العدالة إليه، فهو يلعب في توجيه إرادته دوراً قد يتجاوز دور العقوبة النظرية التي قد تهدده نوعاً أو مقداراً متى كانت فرص الإفلات منها تبدو له كثيرة ولهذا لاحظ منتسكيو وغيره ، أن سبب الانحلال الحقيقي يكمن في إفلات الجرائم من العقاب لا في اعتدال العقاب، فالعقوبة الخفيفة المحققة أو القوية الاحتمال قد تكون بالتالي أقل أثراً في توجيه إرادة الجاني – وفي تحقيق وظيفة الردع العام – من العقوبة الشديدة إذا كانت غير محققة أو ضعيفة الاحتمال، وبالتالي فإن ظاهرة تزايد بعض الجرائم رغم تشديد العقاب لا تصلح بمفردها لنفي حرية الاختيار، كما لا تصلح ظاهرة تناقص هذه الجرائم لإثبات هذه الحرية سواءً أكان التناقص مصحوباً بتشديد العقوبة أو تخفيفها. وعلى أية حال، فإنه ليس من النظر السديد ما ذهبت إليه هذه المدرسة بالأقل في جناحها المتطرف – من أن المسؤولية الأدبية أو حرية الاختيار لا تصلح لأن تعتبر أساساً مقبولاً لحق العقاب، ومن أن الإنسان المجرم ينبغي أن ننظر إليه كالإنسان المريض الذي لا ذنب له في مرضه، وبالتالي من أن إحساس حق العقاب في الشرائع الحديثة ينبغي أن يكون مجرد علاج الجاني من جريمته، كما ينبغي أن يكون مجرد رغبة الهيئة الاجتماعية في وقاية نفسها من حاملي جراثيم الأمراض الخلقية والنفسية المتنوعة وعلاجهم من أمراضهم إذا أمكن ذلك[9].
أخيرا يرى الفيلسوف الألماني" كانت " أنه إذا ارتكبت جرائم قتل في جزيرة قرر جميع أهلها تركها بصفة نهائية، فإن العدالة تقتضي قيام سكانها بتنفيذ عقوبة الإعدام على جميع القتلة فيها قبل تركها، ذلك إرضاءً للعدالة رغم انتهاء وجود المجتمع بترك الجزيرة، ومن ثم زوال ضرورة حمايته.
[1] ويؤيد فريق من الفقهاء الإبقاء على عقوبة الإعدام منهم، بصفة خاصة، روسي، ولاكاني، ورومانبوزي، وكانت، وفون.
[2] تظهر إحدى الدراسات إلى وجود أثر رادع واضح لعقوبة الإعدام هي دراسة أجراها العالم الاقتصادي الأمريكي،إسحاق ارليج، واستخدم فيها أسلوباً إحصائياً "تحليل التراجع" عبر فحص التأثير المحتمل للإعدامات وغيرها من المتغيرات في جرائم القتل في الولايات المتحدة الأمريكية بمجملها في الفترة الواقعة ما بين عام 1932 - 1970 من القرن الماضي فخلال تلك الفترة، وبخاصة في الستينيات، ارتفع عدد جرائم القتل، بينما انخفض عدد الإعدامات. وفي مقالة نشرت عام 1975 استنتج "إسحاق ارليج" أن بحثه أشار إلى وجود رادع فعال لعقوبة الإعدام، وذكر أن تنفيذ إعدام إضافي كل سنة طوال الفترة موضوع الدراسة ربما أدى إلى انخفاض في عدد جرائم القتل بمعدل سبع أو ثماني جرائم. إسحاق ارليج، الأثر الرادع لعقوبة الإعدام، المجلة الاقتصادية الأمريكية، المجلد 95، العدد 30 ، حزيران 1975، ص 398 – 414.
[3] فالإعدام يعتبر مجازاة على فعل مجرم قاتل، وبقتل المجرم يظهر المجتمع شجبه لجريمته، والإقناع بهذه الحجة يستمد جذوره من النفور الشديد الذي تثيره جرائم العنف في المواطنين الحريصين على القانون، فالرأي العام يطالب ويتمسك بها.
[4] ومن أبرز معارضي هذه العقوبة "كراراcarrara " وعلى سبيل المثال يتحدث الدكتور "هانز أيزنك hans eysenck " أستاذ علم النفس بجامعة لندن، عن أثر عقوبة الإعدام في الردع العام نافياً هذا الأثر، وقائلاً "وقد تركزت المناقشات التي دارت حديثاً حول عقوبة الإعدام شيئاً فشيئاً حول نقطة واحدة حاسمة وهي: هل تعوق العقوبة أو لا تعوق الناس من ارتكاب الجرائم التي وضعت هذه العقوبة من أجلها؟ .ومن الناحية الإحصائية هناك دلائل مقنعة على أن عقوبة الإعدام لم تمنع الناس من ارتكاب الجرائم، فقد أتضح مراراً أن إلغاء عقوبة الإعدام لم ينتج عنه ازدياد في جرائم القتل، وأنه عند إعادة العقوبة لا يقل، عددها وزيادة على ذلك، فإنه منذ عام 1975 عندما ألغى القانون عقوبة الإعدام (في انكلترا) بالنسبة لبعض الجرائم وأبقاها بالنسبة لبعض الجرائم الأخرى، ازداد عدد تلك الجرائم التي ظلت العقوبة قائمة بالنسبة لها، وما تزال توجد حجج انفعالية ضد إلغاء عقوبة الإعدام، ولكن الحجج العقلية تبدو في صف إلغائها.
[5] منظمة العفو الدولية ، الوثيقة رقم 2005 / 006 / 50 act 5 نيسان 2005 .
[6] تبين الأرقام أن الإلغاء لا يؤثر سلباً في معدلات الجريمة، ففي كندا انخفض معدل القتل لكل 10000 نسمة من 3.09 في العام 1975 (العام الذي سبق الإلغاء) إلى 1.73 في العام 2003 وهو أدنى معدل في ثلاثة عقود.
[7] راجع يسر أنور علي ،أصول علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة، 1983 ، ص 62 وما يليها.
[8] حملة منظمة العفو الدولية ضد عقوبة الإعدام ، رقم الوثيقة act 2005 / 006 / 50 . 5 نيسان 2005 .
[9] رؤوف عبيد ، أصول علمي الإجرام و العقاب ، دار الجيل للطباعة ،1989 ، ص 89 .
د.خليل حسين
أستاذ المنظمات والعلاقات الدولية
في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية
اختلف الفقهاء والمشرعون حول الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغائها، وانعكس ذلك على مختلف دول العالم، فبينما احتفظت العديد من الدول بهذه العقوبة، ثمة دولاً أخرى قد ألغتها ولجميع الجرائم، في حين أن دولاً أخرى ألغتها لجميع الجرائم ما عدا الجرائم الاستثنائية كجرائم الحرب.وفي هذه الدراسة سأتعرض إلى هذه القضية وفقاً للمعاهدات والاتفاقيات الدولية الشارعة في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما سنتعرض لأهم النظريات الفقهية سواء القانونية أو الفلسفية التي تعرّضت لدراسة هذه المسألة الخلافية
أولا: مؤيدو عقوبة الإعدام
يستند المطالبون بالإبقاء على عقوبة الإعدام، على أنها وسيلة لحماية النظام والأمن في المجتمع، وباعتبارها عقوبة لا تُستخدم إلا لمواجهة فئة خطيرة في المجتمع، تهدد أمنه وبقاءه؛ لهذا يحرص المشرع على النص على هذه العقوبة، ردعاً للعتاة من المجرمين، وضمانا لحق الضحايا وعائلاتهم.وتستند هذه النظرية على أن من يقتل ظلماً لا بد من حماية حقوق ورثته. ما يستلزم معاقبه الظالم، وإلا صارت الحياة فوضى، واعتدى الناس بعضهم على بعض، وأن العدل يقتضي أن من يقتل غيره ظلماً وعدواناً ينبغي أن يعاقب بالقتل أيضاً لتكون ثمَّة مساواة وبالتالي تحقيق الردع؛ لأن القاتل الظالم عندما يعلم بمصيره إذا قتل، سيرتدع عن ارتكاب الجريمة، ويسود الأمان[1].وتستند حجج الإبقاء على الإعدام إلى عدة اعتبارات أهمها:
- تعرف عقوبة الإعدام على أنها وسيلة فريدة في فعاليتها وملاءمتها لمنع الجريمة والمعاقبة عليها. لذا نادت المدرسة الوضعية بالإبقاء عليها بوصفها وسيلة صالحة لتحقيق الدفاع الاجتماعي، وهو غاية العقاب.
- تفي عقوبة الإعدام بحاجات هامة للمجتمع من الصعب سدّها بطرق أخرى، سواءً نُفذت علناً أم حُجبت عن الأنظار وراء جدران السجن، فإن الحجة المستخدمة هي أن عقوبة الإعدام ضرورية، على الأقل مؤقتاً من أجل خير المجتمع.
- إن الحجة الأكثر شيوعاً لتبرير استخدام عقوبة الإعدام هي عامل الردع، وعقوبة الإعدام تحقق أقصى قدر من الزجر والإرهاب في النفس خشية سلب الحق في الحياة، وبالتالي فهي أكثر الوسائل فاعلية لتحقيق أهداف الدولة، والمحافظة على نظامها الاجتماعي[2].
- حجة الإعجاز، وتتلخص في أنه ينبغي قتل المحكوم عليه للتأكد من عدم تكراره للجريمة.
- والى جانب حجج الردع والإعجاز، فإن حجة الجزاء تؤكد أنه يجب قتل مجرمين معيَّنين لا لمنع وقوع الجريمة، بل إرضاءً لمطالب العدالة.[3]
- ومن الأسباب التي تُستخدم لتبرير عقوبة الإعدام أنه من الأوفر ببساطة قتل سجناء معينين بدلاً من إبقائهم في السجن.
ثانيا: معارضو عقوبة الإعدام
تشكِّل عقوبة الإعدام، وفقاً لآراء العديد من المنظمات الدولية وفقهاء القانون الدولي، عقوبة في منتهى القسوة، واللاإنسانية، والإهانة. وهي عقوبة لا يمكن الرجوع عنها حال تنفيذها، ويمكن أن تُنزل بالأبرياء. ولم يتبين قط أنها تشكل رادعاً ضد الجرائم أكثر فعالية من العقوبات الأخرى.ويرى البعض أن عقوبة الإعدام هي الاسم الحكومي لكلمة القتل، فالأفراد يقتلون بعضهم بعضا، ولكن الحكومات والدول تُعاقب الأفراد بعقوبة الإعدام، وينبع مطلب إلغاء الإعدام ومنع القتل كلاهما من السبب نفسه؛ أي معارضة القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصّد من قبل شخص ما لشخص آخر، وسواءً قام بالقتل حكومة معينة أو مرجع ذو صلاحية، فلن يغيّر ذلك من حقيقة الأمر ، وهي أننا نواجه حالة قتل متعمّد. فعقوبة الإعدام هي أبشع أشكال القتل المتعمد وأبشعها وأشدها سخافة؛ لأن ثمّة مؤسسة سياسية تقرر أمام المجتمع، وتعلن مسبقاً وبأقصى درجات اللامبالاة وببرودة أعصاب والشعور بالحق عن قرارها في قتل شخص، وبإعلان اليوم والساعة التي ستقوم فيها بهذا الأمر.
وفي مقابل الدعوة للإبقاء على عقوبة الإعدام تقود منظمة العفو الدولية الدعوة إلى إلغاء تلك العقوبة حيث تكتسب مؤيدين وأنصاراً وأرضاً جديدة في دعوتها، فالمشاهد أن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام من تشريعاتها الجنائية في ازدياد مستمر[4].
إن إحدى العقبات الغريبة في وجه إلغاء عقوبة الإعدام هي الإحساس الذاتي الذي يحس به الكثير من الناس من أنها تمنعهم هم أنفسهم من الانغماس في القتل وغيره من الجرائم التي عاقب عليها القانون بالإعدام، ومن ثم فإنها ، أي عقوبة الإعدام ، تمنع الناس الذين ربما كان احتمال ارتكابهم لتلك الجرائم أكثر من ارتكابها. وتؤيد منظمة العفو الدولية ذلك الرأي فتقرر[5]:من الخطأ افتراض أن جميع الذين يرتكبون جرائم خطرة كالقتل أو معظمهم يقومون بذلك بعد التفكير في النتائج بشكل عقلاني. فجرائم القتل تًرتكب، في معظم الأحيان، في لحظات انفعال عندما تتغلب العواطف الهائجة على الصواب. وقد ترتكب أيضاً تحت تأثير الكحول أو المخدرات أو في لحظات الذعر مثلاً عندما يفاجأ مرتكبها متلبساً بجريمة سرقة، وبعض الأشخاص الذين يقترفون جرائم عنف يفقدون توازنهم ويعجزون عن ضبط عواطفهم ، وفي كل هذه الحالات لا ينتظر أن يردع الخوف من عقوبة الإعدام من ارتكاب الجريمة[6].
ويستند مؤيدو إلغاء عقوبة الإعدام في دعم آرائهم إلى عدة أسباب من بينها[7] :
- يستحيل مع عقوبة الإعدام إصلاح المحكوم عليه وإعادة تقويمه. وهذا من الأهداف التي يجب أن تسعى إليها الدولة بفرض العقاب، ولو كأهداف ثانوية والعقوبة التي تقطع باب الأمل أمام الفرد لا يمكن أن تكون عادلة.
- إن عقوبة الإعدام غير مجزية وغير نافعة سواء من وجهة فردية أو من وجهة إقناعية، فهي تحول دون أن يشرع المحكوم عليه – تحت رقابة الدولة – في إصلاح آثار الجريمة كلما كان ذلك ممكناً. كما أن العقوبة تحرم الدولة من قوة عاملة يمكن أن تسهم في الإنتاج، وبخاصة بعد أن أصبح العمل في السجون عاملاً في زيادة الإنتاج.
- يستحيل إصلاح آثار هذه العقوبة حين يبدو أن العدول عنها حق وواجب، فقد تظهر براءة المحكوم عليه بعد تنفيذ العقوبة، باعتبار أن الأخطاء القضائية ليست نادرة والعدالة الإنسانية نسبية، حتى أن أغلب التشريعات الوضعية تقر الحق في تصحيح أخطاء الأحكام.
- عقوبة الإعدام غير عادلة؛ لأنها غير قابلة للتدرج وفقاً لمبدأ مسؤولية الجاني أو مدى خطورته أو مدى ما حققه من ضرر.
- تتسم عقوبة الإعدام بالضراوة والبشاعة، فالإعدام ليس فيه عظة تربوية أو إصلاحية بل يوقظ الشهوة إلى سفك الدماء.
- ثمّة وجهة فلسفية استند إليها أنصار الإلغاء، ذلك انه إذا كان أساس حق العقاب هو العقد الاجتماعي، فإن الإنسان، الذي ليس له الحق في القتل، لا يمكن أن يتنازل للدولة عن حقه في الحياة.
كما يستند بعض مؤيدي إلغاء عقوبة الإعدام إلى إحصائيات كثيرة تمّت في ظروف متعددة تشير إلى أن تشديد العقاب، بوجه عام، لم يؤد بالضرورة إلى تخفيف حِدّة الجريمة، كما أن تخفيفه لم يؤد بالضرورة إلى زيادتها، لكن ازدياد نسبة الإجرام أو تراجعها أمر يمكن أن يرجع إلى جملة عوامل وظروف شخصية واجتماعية، لعل من أقلها شأناً تأثير العقاب في النفوس مقداراً أو نوعاً ولو وصلت إلى حد الإعدام. ولعل هذا الاعتبار كان – بالإضافة إلى العوامل الإنسانية والحضارية والعلمية المتنوعة، من أقوى الاعتبارات التي أدّت إلى إلغاء عقوبة الإعدام في دول كثيرة متزايدة خصوصاً في مستهل هذا القرن حتى الآن.
ثالثا : ضمانات تكفل حماية حقوق الذين يواجهون عقوبة الإعدام
اعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمه الأمم المتحدة في قراره رقم 50/1984 تاريخ 25 أيار 1984 العديد من الضمانات التي تكفل حماية حقوق الأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام، وهذا يؤكد الحرص والعناية التي أولتها منظمه الأمم المتحدة للحق في الحياة باعتباره حقاً أصيلاً، وقد راعى المجلس في قراره هذا العديد من الفئات والمجموعات والأفراد التي قد تواجه وقوع عقوبة الإعدام ضدها.
- في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في أخطر الجرائم، على أن يكون مفهوماً أن نطاقها ينبغي ألا يتعدى الجرائم المتعمدة التي تسفر عن نتائج مميتة أو غير ذلك من النتائج البالغة الخطورة.
- لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في حالة جريمة ينص عليها القانون وقت ارتكابها ، على أن يكون مفهوماً أنه إذا أصبح حكم القانون يقضي بعد ارتكاب الجريمة بفرض عقوبة أخف، استفاد المجرم من ذلك.
- لا يحكم بالموت على الأشخاص الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة، ولا ينفذ حكم الإعدام بالحوامل، أو بالأمهات الحديثات الولادة، ولا بالأشخاص الذين أصبحوا فاقدين لقواهم العقلية.
- لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائماً على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالاً لأي تفسير.
- لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة بعد إجراءات قانونية توفر كل الضمانات الممكنة لتأمين محاكمة عادلة، مماثلة على الأقل للضمانات الواردة في المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حق أي شخص مشتبه في ارتكابه جريمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام أو متهم بارتكابها في الحصول على مساعدة قانونية كافية في كل مراحل المحاكمة.
- لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في الاستئناف لدى محكمة أعلى، وينبغي اتخاذ الخطوات الكفيلة بجعل هذا الاستئناف إجبارياً.
- لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في التماس العفو، أو تخفيف الحكم، ويجوز منح العفو أو تخفيف الحكم في جميع حالات عقوبة الإعدام.
- لا تنفذ عقوبة الإعدام إلى أن يتم الفصل في إجراءات الاستئناف أو أية إجراءات تتصل بالعفو أو تخفيف الحكم.حين تحدث عقوبة الإعدام، تنفذ بحيث لا تسفر إلا عن الحد الأدنى الممكن من المعاناة.
رابعا: عقوبة الإعدام وحقوق الإنسان
عاشت الأمم والشعوب لا يحكمها إلا قانون القوة وشريعة الغاب، فمن سلم من سيف السلطة قتل في حروبها التي جاءت معظمها تحقيقاً لنزوات حكام أو توسعاً في الهيمنة والاستعباد.. وفي العصر الحديث تعاظم اتجاه الأمم والشعوب التي أرهقها كل هذا الظلم والعبث جاء سعيها الحثيث لحياة السلم والأمن دون خوف أو قلق انطلاقاً من أن أمان الدولة الحديثة والأمم جميعها لن يتأتى إلا بصون الحياة الإنسانية وكرامتها، وهو ما يجب أن تقوم عليه التشريعات والقوانين محلياً وإقليمياً ودولياً مع ضمان أن يكون للقانون سيادته وإلزاميته.. وفي عصرنا هذا جاءت المجالس الدولية والإقليمية التي تشارك فيها حكومات العالم لتتفق على منظومات التشريعات التي تحقق للإنسانية الحياة الآمنة، فكان أن عرفنا ما نسميه اليوم بالمواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية والإقليمية التي تلزم الدول حال مصادقتها على تعديل القوانين المحلية للتوافق معها، ويسعى المجتمع الدولي وبمطالبات كل من سخروا أنفسهم للدفاع عن حقوق الإنسان، بشكل مستمر، لتطوير تلك المواثيق الدولية لتحقيق ضمانات أكبر للحفاظ على الكائن البشري، وحمايته، وصون كرامته. وفي هذا الإطار كان من البديهي أن يكون "الحق في الحياة" هو الحق الأول والأساسي لكل المواثيق الدولية والإقليمية والدساتير والقوانين المحلية. وفي ضوء هذا الحق توالت النضالات الحقوقية لتفعيل هذا الحق وتجسيده ومن ذلك المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام من القوانين المحلية استناداً إلى أن هذه العقوبة يتم استخدامها من قبل الأنظمة وخصوصاً الدكتاتورية منها للتخلص من معارضي هذه الأنظمة أكثر منها فيما هو جنائي. وسنستعرض في هذه الورقة بإيجاز المسار التاريخي الحديث لأهم المواثيق الحقوقية الدولية والإقليمية التي أكدت على حق الحياة وصولاً إلى البروتوكولات التي تمَّ التوافق من خلالها على إلغاء عقوبة الإعدام بشكل مطلق أو ضمن تقنين محدد، وذلك على النحو التالي:
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
وهو الإعلان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، والتي أكدت المادة (3) منه على حق كل إنسان في الحياة، والحرية، والأمان على شخصه.. ومن المعلوم أن الحقوقيين يتوافقون على أن هذا الإعلان يمثل إحدى الخطوات الأساس الأولى للدفاع عن حياة الإنسان وأمانه.
2- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:
ولأن الإعلان في العرف الدولي لا يتطلب مصادقة، فإنه ليست له قوة إلزامية، وهو ما جعل المطالبات الإنسانية مستمرة للوصول إلى معاهدة دولية أكثر تفصيلاً للحقوق، ولها قوة إلزامية على الدول المصادقة عليها. من هنا جاء العمل من أجل هذا العهد الذي تمّت صياغته ورفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1954 ، إلا أن الجمعية العامة لم تعتمده إلا بعد اثني عشر عاماً، ذلك في 16 كانون الأول / ديسمبر 1966 ولم يدخل حيز النفاذ إلا في 23 آذار/ مارس 1976. وجاءت المادة (6) من هذا العهد لتقدم تفصيلاً أوسع من ذي قبل للدفاع عن حق الحياة، والتأكيد على إلزاميته وفقا لما يلي:
1- الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً.
2- لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقاً للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.
3- حين يكون الحرمان من الحياة جريمة من جرائم الإبادة الجماعية، يكون من المفهوم بداهة أنه ليس في هذه المادة أي نص يجيز لأية دولة طرف في هذا العهد أن تعفي نفسها على أية صورة من أي التزام يكون مترتباً عليها بمقتضى أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
4 - لأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
5- لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفذ هذه العقوبة بالحوامل.
6- ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء الإعدام من قبل أية دولة طرف في هذا العهد.
3- البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام:
وهذا البروتوكول، وبرغم كونه اختيارياً في المصادقة عليه، إلا أنه يمثل توجهاً دولياً، وخصوصاً من الدول الأكثر إلتزاماً بالحرية والديمقراطية. وقد بدأ نفاذ البروتوكول على الدول المصادقة عليه في 11 تموز / يوليو 1991، وفي ديباجة البروتوكول تمَّ توضيح أن الدول الأطراف فيه، إذ تؤمن بأن إلغاء عقوبة الإعدام يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان، وأن المادة (6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تشير إلى إلغاء عقوبة الإعدام بعبارات توحي بشدة بأن هذا الإلغاء أمر مستصوب، واقتناعاً منها بأنه ينبغي اعتبار التدابير الرامية إلى إلغاء عقوبة الإعدام تقدماً في التمتع بالحق في الحياة.
وأشتمل البروتوكول على إحدى عشرة مادة لم تسمح بالتحفظ على البروتوكول من قبل الدول المصادقة إلا بالنسبة لتحفظ تم إعلانه من قبل أثناء مصادقتها، وينص التحفظ على تطبيق عقوبة الإعدام في وقت الحرب طبقاً لإدانة في جريمة بالغة الخطورة، وتكون ذات طبيعة عسكرية، وترتكب في وقت الحرب.
4 - مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، والإعدام التعسفي، والإعدام دون محاكمة:
وهي المبادئ التي اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة في قراره رقم 65 تاريخ 24 أيار / مايو 1989 واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 كانون الأول/ ديسمبر1989. وهذه المبادئ التي تقدم لنا إشارات أخرى للحرص الدولي للحد من تطبيق هذه العقوبة، والتضييق عليها، ذلك من خلال 20 فقرة أدرجت تحت محاور ثلاثة هي: (الإجراءات الوقائية؛ والتحقيق؛ والإجراءات القانونية) لتقدم مجموعة من المبادئ الوقائية والقانونية التي تلزم الدول التي ما زالت تطبق هذه العقوبة بمهام المنع لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون أو الإعدام التعسفي الذي قد يحدث في أثناء التحقيق أو الاحتجاز في السجون أو أقسام الشرطة أو أي أماكن احتجاز تستخدمها السلطات، كما يعتبر القتل المقترف لأسباب سياسية، ويكون للسلطة مصلحة فيه ضمن الإعدام التعسفي، كما تلزم هذه المبادئ الدول بمنع الإعدام دون محاكمة بل وتطالبها بأن يتضمن قانونها المحلي اعتبار كل ذلك جرائم يعاقب مرتكبوها مع تفعيل العقوبات مع توخي الدول لوضع رقابة دقيقة لما يدخل في هذا النطاق من الأعمال مع تأكيد المبادئ على ضرورة التقصي الدقيق في التحرّي والإجراءات للقضايا التي قد تصل عقوبتها الإعدام.
5- البروتوكول السادس الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان بشأن إلغاء عقوبة الإعدام:
في 4 تشرين الثاني / نوفمبر 1950 أطلقت الدول أعضاء مجلس أوروبا حينها (الاتحاد الأوروبي حالياً).الاتفاقية الأوروبية لحماية الإنسان والحريات الأساسية، وهي الاتفاقية الإقليمية الأولى في مجال حقوق الإنسان، ولها القوة القانونية الإلزامية على الدول الأوروبية المصادقة عليها. وعلى امتداد العقود الماضية تمَّ إضافة أحد عشر بروتوكولاً إضافياً لهذه الاتفاقية لتفعيل كل الحقوق الإنسانية التي تضمنتها، ومنها البروتوكول الخاص بالتزام الدول الأوروبية بإلغاء عقوبة الإعدام. وقد بدأ العمل بهذا البروتوكول في الأول من آذار / مارس 1985، ويشمل تسع مواد تلغي العقوبة مع جواز استخدامها فيما يتعلق بالأعمال التي تُرتكب وقت الحرب أو للتهديد الوشيك بالحرب مع توضيح عدم جواز انسحاب الدول من البروتوكول بعد المصادقة، وعدم جواز استخدام البروتوكول في أقاليم محددة من الدولة.
6- البروتوكول الخاص بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام:
في إطار منظمة الدول الأمريكية تمَّ التوقيع على الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في نوفمبر 1969 ويطلق على هذه الاتفاقية (ميثاق سان خوسيه) وهي المدينة التي أطلقت منها في كوستاريكا. ومع تزايد المطالبات والضغط المدني والحقوقي، تمَّ التوقيع على هذا البروتوكول، وإلحاقه بالاتفاقية في 8 حزيران / يوليو. وقد حوى البروتوكول على مقدمة وأربع مواد أكدت على التزام الدول المصادقة على عدم تطبيق هذه العقوبة في أراضيها أو على من يخضع لولايتها مع إمكانية تطبيق العقوبة في وقت الحرب فقط ، وذلك في الجرائم الخطيرة للغاية ذات الطبيعة العسكرية.
خامسا : حقائق وأرقام حول عقوبة الإعدام[8]
1. الدول التي ألغت العقوبة والدول التي تحتفظ بها
ألغت أكثر من نصف دول العالم عقوبة الإعدام في القانون والممارسة. وتبين آخر معلومات منظمة العفو الدولية أن : 89 دولة ومنطقة ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم؛ وأن عشرة دول ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم باستثناء الجرائم غير العادية مثل جرائم الحرب؛ ويمكن اعتبار 30 دولة بأنها ألغت العقوبة عملياً: فهي تحتفظ بعقوبة الإعدام في القانون لكنها لم تنفذ أية عمليات إعدام طوال السنوات العشر الماضية أو أكثر، ويُعتقد أنها تنتهج سياسة أو لديها ممارسة تقضي بعدم تنفيذ عمليات إعدام ما يرفع مجموع الدول التي ألغت عقوبة الإعدام في القانون والممارسة إلى 129 دولة. كما تحتفظ 68 دولة ومنطقة أخرى بعقوبة الإعدام وتستخدمها، لكن عدد الدول التي تعدم السجناء فعلاً في أي سنة بعينها أقل من ذلك بكثير.
2. التقدم الذي تحقق نحو إلغاء العقوبة عالمياً
ألغت أكثر من 40 دولة عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم منذ العام 1990. وهي تشمل دول في أفريقيا (كوت ديفوار والسنغال)، وفي الأمريكتين (كندا والبراغواي)، وآسيا ومنطقة المحيط الهادئ (بوتان، وساموا، وتركمانستان) وأوروبا وجنوب القوقاز (أرمينيا، والبوسنة والهرسك، وقبرص، واليونان، وصربيا، والجبل الأسود، وتركيا).
3. تحركات لإعادة العمل بعقوبة الإعدام
عندما يتم إلغاء عقوبة الإعدام ، نادراً ما تتم إعادة العمل فيها. فمنذ العام 1985، ألغت أكثر من 50 دولة عقوبة الإعدام في القانون أو أنها بعد أن ألغتها سابقاً بالنسبة للجرائم العادية، انتقلت لإلغائها بالنسبة لجميع الجرائم. وخلال الفترة ذاتها أعادت أربع دول مُلغية فقط العمل بعقوبة الإعدام. إحداها – نيبال – التي ألغت العقوبة مرة أخرى منذ ذلك الحين؛ واستأنفت دولة أخرى هي الفليبين تنفيذ أحكام الإعدام لكنها توقفت فيما بعد. ولم تُنفذ أية عمليات إعدام في الدولتين الأخيرتين وهما (غامبيا، وبابوا غينيا الجديدة).
سادسا: مستقبل عقوبة الإعدام
لا تكفي عقوبة الإعدام لنفي وظيفة الردع العام من أساسها، لأن مقدار العقوبة ونوعها ليسا هما كل شيء في توجيه إرادة الجاني نحو إتباع أحكام التشريع العقابي، بل ثمَّة اعتبار آخر له قيمته البالغة من الصعب تجاهله، وهو مدى إحساس الجاني بضمان وصول العدالة إليه، فهو يلعب في توجيه إرادته دوراً قد يتجاوز دور العقوبة النظرية التي قد تهدده نوعاً أو مقداراً متى كانت فرص الإفلات منها تبدو له كثيرة ولهذا لاحظ منتسكيو وغيره ، أن سبب الانحلال الحقيقي يكمن في إفلات الجرائم من العقاب لا في اعتدال العقاب، فالعقوبة الخفيفة المحققة أو القوية الاحتمال قد تكون بالتالي أقل أثراً في توجيه إرادة الجاني – وفي تحقيق وظيفة الردع العام – من العقوبة الشديدة إذا كانت غير محققة أو ضعيفة الاحتمال، وبالتالي فإن ظاهرة تزايد بعض الجرائم رغم تشديد العقاب لا تصلح بمفردها لنفي حرية الاختيار، كما لا تصلح ظاهرة تناقص هذه الجرائم لإثبات هذه الحرية سواءً أكان التناقص مصحوباً بتشديد العقوبة أو تخفيفها. وعلى أية حال، فإنه ليس من النظر السديد ما ذهبت إليه هذه المدرسة بالأقل في جناحها المتطرف – من أن المسؤولية الأدبية أو حرية الاختيار لا تصلح لأن تعتبر أساساً مقبولاً لحق العقاب، ومن أن الإنسان المجرم ينبغي أن ننظر إليه كالإنسان المريض الذي لا ذنب له في مرضه، وبالتالي من أن إحساس حق العقاب في الشرائع الحديثة ينبغي أن يكون مجرد علاج الجاني من جريمته، كما ينبغي أن يكون مجرد رغبة الهيئة الاجتماعية في وقاية نفسها من حاملي جراثيم الأمراض الخلقية والنفسية المتنوعة وعلاجهم من أمراضهم إذا أمكن ذلك[9].
أخيرا يرى الفيلسوف الألماني" كانت " أنه إذا ارتكبت جرائم قتل في جزيرة قرر جميع أهلها تركها بصفة نهائية، فإن العدالة تقتضي قيام سكانها بتنفيذ عقوبة الإعدام على جميع القتلة فيها قبل تركها، ذلك إرضاءً للعدالة رغم انتهاء وجود المجتمع بترك الجزيرة، ومن ثم زوال ضرورة حمايته.
[1] ويؤيد فريق من الفقهاء الإبقاء على عقوبة الإعدام منهم، بصفة خاصة، روسي، ولاكاني، ورومانبوزي، وكانت، وفون.
[2] تظهر إحدى الدراسات إلى وجود أثر رادع واضح لعقوبة الإعدام هي دراسة أجراها العالم الاقتصادي الأمريكي،إسحاق ارليج، واستخدم فيها أسلوباً إحصائياً "تحليل التراجع" عبر فحص التأثير المحتمل للإعدامات وغيرها من المتغيرات في جرائم القتل في الولايات المتحدة الأمريكية بمجملها في الفترة الواقعة ما بين عام 1932 - 1970 من القرن الماضي فخلال تلك الفترة، وبخاصة في الستينيات، ارتفع عدد جرائم القتل، بينما انخفض عدد الإعدامات. وفي مقالة نشرت عام 1975 استنتج "إسحاق ارليج" أن بحثه أشار إلى وجود رادع فعال لعقوبة الإعدام، وذكر أن تنفيذ إعدام إضافي كل سنة طوال الفترة موضوع الدراسة ربما أدى إلى انخفاض في عدد جرائم القتل بمعدل سبع أو ثماني جرائم. إسحاق ارليج، الأثر الرادع لعقوبة الإعدام، المجلة الاقتصادية الأمريكية، المجلد 95، العدد 30 ، حزيران 1975، ص 398 – 414.
[3] فالإعدام يعتبر مجازاة على فعل مجرم قاتل، وبقتل المجرم يظهر المجتمع شجبه لجريمته، والإقناع بهذه الحجة يستمد جذوره من النفور الشديد الذي تثيره جرائم العنف في المواطنين الحريصين على القانون، فالرأي العام يطالب ويتمسك بها.
[4] ومن أبرز معارضي هذه العقوبة "كراراcarrara " وعلى سبيل المثال يتحدث الدكتور "هانز أيزنك hans eysenck " أستاذ علم النفس بجامعة لندن، عن أثر عقوبة الإعدام في الردع العام نافياً هذا الأثر، وقائلاً "وقد تركزت المناقشات التي دارت حديثاً حول عقوبة الإعدام شيئاً فشيئاً حول نقطة واحدة حاسمة وهي: هل تعوق العقوبة أو لا تعوق الناس من ارتكاب الجرائم التي وضعت هذه العقوبة من أجلها؟ .ومن الناحية الإحصائية هناك دلائل مقنعة على أن عقوبة الإعدام لم تمنع الناس من ارتكاب الجرائم، فقد أتضح مراراً أن إلغاء عقوبة الإعدام لم ينتج عنه ازدياد في جرائم القتل، وأنه عند إعادة العقوبة لا يقل، عددها وزيادة على ذلك، فإنه منذ عام 1975 عندما ألغى القانون عقوبة الإعدام (في انكلترا) بالنسبة لبعض الجرائم وأبقاها بالنسبة لبعض الجرائم الأخرى، ازداد عدد تلك الجرائم التي ظلت العقوبة قائمة بالنسبة لها، وما تزال توجد حجج انفعالية ضد إلغاء عقوبة الإعدام، ولكن الحجج العقلية تبدو في صف إلغائها.
[5] منظمة العفو الدولية ، الوثيقة رقم 2005 / 006 / 50 act 5 نيسان 2005 .
[6] تبين الأرقام أن الإلغاء لا يؤثر سلباً في معدلات الجريمة، ففي كندا انخفض معدل القتل لكل 10000 نسمة من 3.09 في العام 1975 (العام الذي سبق الإلغاء) إلى 1.73 في العام 2003 وهو أدنى معدل في ثلاثة عقود.
[7] راجع يسر أنور علي ،أصول علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة، 1983 ، ص 62 وما يليها.
[8] حملة منظمة العفو الدولية ضد عقوبة الإعدام ، رقم الوثيقة act 2005 / 006 / 50 . 5 نيسان 2005 .
[9] رؤوف عبيد ، أصول علمي الإجرام و العقاب ، دار الجيل للطباعة ،1989 ، ص 89 .