الدكتور خليل حسين
الكتاب : الجرائم والمحاكم في القانون الدولي الجنائي
بيروت دار المنهل اللبناني - 2009
صدر للدكتور خليل حسين كتاب جديد "الجرائم والمحاكم في القانون الدولي الجنائي" عن دار المنهل اللبناني،بيروت.ومما جاء في مقدمة الكتاب:
لا تعتبر إقامة العدالة الدولية إجراءا جديدا بل تعود جذورها إلى الماضي البعيد نتيجة تواتر الحروب وما أفرزته من إنتهاكات للأعراف الدولية والقانون الدولي الأنساني.
فمنذ القرن التاسع عشر وبالتحديد بعد صدور إتفاقية جنيف لعام 1864 الخاصة بضحايا الحرب دعا غوستاف مينيه، أحد مِؤسسي الصليب الأحمر الدولي، إلى إنشاء محكمة جنائية دولية تتولى مساءلة من يخالف أحكام الإتفاقية المشار إليها، وقدّم مشروعه إلى اللجنة الدولية مقترحا تشكيل المحكمة على النحو التالي : ممثلا عن كل طرف من الأطراف المتحاربة، وثلاثة ممثلين من دول محايدة إلا أن مقترحه لم يرى النور رغم كل الجهود المبذولة.
وتجدَّد اهتمام المجتمع الدولي بإنشاء قضاء دولي جنائي إبان الحرب العالمية الاولى ، فكانت الرغبة في إتخاذ إجراءات لردع الجناة والحيلولة دون وقوع حرب عالمية اخرى من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين.
ويتعيّن الإشارة إلى معاهدة فرساي الموقعة عام 1919 ،حيث شعر المجتمع الدولي بضرورة إرساء قواعد وإجراءات قانونية لهذا الغرض. فقد وردت في المعاهدة إشارة بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأمبراطور الألماني السابق، غليوم الثاني، حيث إتجه المنتصورن في الحرب إلى إنشاء لجان تحقيق تحدد مخالفات الأعراف وقوانين الحرب وملاحقة مجرمي الحرب الألمان على أن المحاكمة المنتظرة لم يتم إجراءها، لأن الأمبرطور الألماني قد تمتع بحق اللجوء السياسي في هولندا، ورفضت هذه الأخيرة تسليمه على قاعدة أن الأباطرة والرؤساء ينبغي محاكمتهم أمام شعوبهم فقط .
كما يتعيّن الإشارة إلى أن إنشاء عصبة الأمم استهدف تجنب الحروب والمأسي الناجمة عنها، وقد ورد في عهد عصبة الأمم الذي أصبحت مقتضياته سارية المفعول سنة 1920 النص على وجوب صيانة السلم العالمي وإلتزام الدول بالطرق السلمية لحل نزاعاتها.
وأثير موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وفقا للمادة (14) من عهد عصبة الأمم ، فتشكلت لجنة إستشارية عهدت إليها مهمة إعداد مشروع لتأسيس المحكمة، إذ حصل جدل كبير بشأن المشروع ،إذ رأى البعض ضرورة إنشاء محكمة مستقلة لمحاكمة الأشخاص المتهمين بإرتكاب جرائم دولية، فيما إقترح البعض الأخر تأسيس شعبة جنائية بمحكمة العدل الدولية الدائمة . غير أنه لم يتم إنشاء هذه المحكمة بدعوى عدم وجود اتفاف بين الدول بشأن القانون الواجب تطبيقه، وعليه فقد إقتصر جهد الجمعية العمومية على إنشاء محكمة العدل الدولية.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وما خلفته من صدمة لللإنسانية نتيجة حجم الدمار وهول الكوارث الذي أفرزته ، تجدد اهتمام المجتمع الدولي بإنشاء جهاز قضائي دولي لملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية الأشد خطورة . فقد تم تشكيل محاكم جنائية دولية من قبل الحلفاء المنتصرين .ففي عام 1940 تمَّ تشكيل محكمة نورنبرغ في حين إنشأت محكمة طوكيو عام 1946 ،ذلك لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان، وعليه فقد دعى الحلفاء إلى إجراء محاكمة عسكرية لمجرمي الحرب الألمان واليابانيين وتبنوا ذلك وفق إتفاقية لندن المؤرخة في 8/8/1945 التي افضت إلى إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب.
وتمَّ عقد جلسات المحكمة بمدينة نورنبرغ الألمانية على خلفية أنها المركز الرئيسي للحزب النازي وقضت المحكمة بإعدام عدد من القادة النازيين الألمان بعد إدانتهم بإرتكاب المذابح والقتل الجماعي، وبخصوص اليابان فقد اصدر القائد العام لقوات الحلفاء في اليابان قرار إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية وذلك بتاريخ 19/1/1946 وإختصت هذه المحكمة بالنظر في الجرائم ضد السلام الدولي والجرائم ضد الأنسانية ومخالفات الأعراف والقوانين الدولية المتصلة بالنزاعات المسلحة .وفي 12/11/1948 قضت المحكمة بإعدام ستة قادة يابانيين.
وشهد المجتمع الدولي لاحقا إنشاء المحكمة الدولية الجزائية الخاصة بيوغسلافيا بمقتضى قرار مجلس الأمن الدولي الصادر سنة 1993، ثم المحكمة الدولية الجزائية الخاصة برواندا وفق ذات الإجراء الأممي سنة 1994. وإختصّت كل من محكمة يوغسلافيا السابقة ورواندا بمحاكمة المتهمين بإرتكاب الجرائم التالية :جريمة الإبادة .الجرائم ضد الإنسانية .خرق القوانين والأعراف الدولية المتصلة بحالات النزاع المسلح .الإنتهاكات خطيرة لإتفاقيات جنيف لسنة 1949 .
وتختلف المحكمتين المذكورتين عن المحكمة الجنائية الدولية من حيث سمو كل من المحكمتين حيال المحاكم الوطنية للدولتين (إختصاص مطلق) بينما تختص المحكمة الجنائية الدولية بالصبغة المكملة للقضاء الوطني للدول وعلى مستوى إثارة الدعوى،ويلاحظ الإختصاص الحصري للمدعي العام بالنسبة لمحكمة يوغسلافيا ومحكمة روندا ضرورة أنه يثير الدعوى ويباشر التحقيقات ويدون لائحة الإتهام، بينما يتعهد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإجراء التحقيقات تحت إشراف الدائرة التمهيدية للمحكمة التي يعود لها القول الفصل في إحالة المشتبه بهم على المحاكمة من عدمها.
ثمّة انواعا أخرى من المحاكم المختلطة انشئت لدواعي مشابهة، مثل محكمة تيموؤ الشرقية وكمبوديا وسيراليون،والمحكمة الخاصة بلبنان.وجميعها انشئت بقرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي.
لقد عالجنا في هذا المؤلف الجرائم الدولية ومحاكمها في القانون الدولي الجنائي في ثمانية فصول،بدءا بمفهوم الجريمة الدولية في الفصل الاول،مرورا بالمحاكم الدولية الحاصة والمختلطة والمحكمة الجنائية الدولية في الفصلين الثاني والثالث، وصولا الى مسؤولية الافراد عن افعالهم ،وتفيذ اوامر الرؤساء في الفصلين الرابع والخامس،الى عدم مشروعية الامر بارتكاب الجرائم الدولية،ومسؤولية الرؤوساء والقادة عن لفعال مرؤوسيهم في الفصلين السادس والسابع، وصولا الى الخاتمة التي تضمّنت بعض الاستنتاجات والمقترحات ذات الصلة بموضوع البحث.
لقد اتبعنا منهجا تاريخيا قانونيا مقارنا، للوصول الى مقاربة علمية موضوعية لقضايا لا تزال تقض مضجع الانسانية جمعاء،سيما وان الجرائم المرتكبة بحق الانسان لا زالت تتكرر وتتواصل وتتخذ اشكالا وانواعا اكثر عنفا وإيلاما.آملين من هذا العمل المتواضع ان نكون قد أضفنا جديدا لما فيه خير البشر ومجتماعاتها.
الكتاب : الجرائم والمحاكم في القانون الدولي الجنائي
بيروت دار المنهل اللبناني - 2009
صدر للدكتور خليل حسين كتاب جديد "الجرائم والمحاكم في القانون الدولي الجنائي" عن دار المنهل اللبناني،بيروت.ومما جاء في مقدمة الكتاب:
لا تعتبر إقامة العدالة الدولية إجراءا جديدا بل تعود جذورها إلى الماضي البعيد نتيجة تواتر الحروب وما أفرزته من إنتهاكات للأعراف الدولية والقانون الدولي الأنساني.
فمنذ القرن التاسع عشر وبالتحديد بعد صدور إتفاقية جنيف لعام 1864 الخاصة بضحايا الحرب دعا غوستاف مينيه، أحد مِؤسسي الصليب الأحمر الدولي، إلى إنشاء محكمة جنائية دولية تتولى مساءلة من يخالف أحكام الإتفاقية المشار إليها، وقدّم مشروعه إلى اللجنة الدولية مقترحا تشكيل المحكمة على النحو التالي : ممثلا عن كل طرف من الأطراف المتحاربة، وثلاثة ممثلين من دول محايدة إلا أن مقترحه لم يرى النور رغم كل الجهود المبذولة.
وتجدَّد اهتمام المجتمع الدولي بإنشاء قضاء دولي جنائي إبان الحرب العالمية الاولى ، فكانت الرغبة في إتخاذ إجراءات لردع الجناة والحيلولة دون وقوع حرب عالمية اخرى من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين.
ويتعيّن الإشارة إلى معاهدة فرساي الموقعة عام 1919 ،حيث شعر المجتمع الدولي بضرورة إرساء قواعد وإجراءات قانونية لهذا الغرض. فقد وردت في المعاهدة إشارة بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأمبراطور الألماني السابق، غليوم الثاني، حيث إتجه المنتصورن في الحرب إلى إنشاء لجان تحقيق تحدد مخالفات الأعراف وقوانين الحرب وملاحقة مجرمي الحرب الألمان على أن المحاكمة المنتظرة لم يتم إجراءها، لأن الأمبرطور الألماني قد تمتع بحق اللجوء السياسي في هولندا، ورفضت هذه الأخيرة تسليمه على قاعدة أن الأباطرة والرؤساء ينبغي محاكمتهم أمام شعوبهم فقط .
كما يتعيّن الإشارة إلى أن إنشاء عصبة الأمم استهدف تجنب الحروب والمأسي الناجمة عنها، وقد ورد في عهد عصبة الأمم الذي أصبحت مقتضياته سارية المفعول سنة 1920 النص على وجوب صيانة السلم العالمي وإلتزام الدول بالطرق السلمية لحل نزاعاتها.
وأثير موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وفقا للمادة (14) من عهد عصبة الأمم ، فتشكلت لجنة إستشارية عهدت إليها مهمة إعداد مشروع لتأسيس المحكمة، إذ حصل جدل كبير بشأن المشروع ،إذ رأى البعض ضرورة إنشاء محكمة مستقلة لمحاكمة الأشخاص المتهمين بإرتكاب جرائم دولية، فيما إقترح البعض الأخر تأسيس شعبة جنائية بمحكمة العدل الدولية الدائمة . غير أنه لم يتم إنشاء هذه المحكمة بدعوى عدم وجود اتفاف بين الدول بشأن القانون الواجب تطبيقه، وعليه فقد إقتصر جهد الجمعية العمومية على إنشاء محكمة العدل الدولية.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وما خلفته من صدمة لللإنسانية نتيجة حجم الدمار وهول الكوارث الذي أفرزته ، تجدد اهتمام المجتمع الدولي بإنشاء جهاز قضائي دولي لملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية الأشد خطورة . فقد تم تشكيل محاكم جنائية دولية من قبل الحلفاء المنتصرين .ففي عام 1940 تمَّ تشكيل محكمة نورنبرغ في حين إنشأت محكمة طوكيو عام 1946 ،ذلك لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان، وعليه فقد دعى الحلفاء إلى إجراء محاكمة عسكرية لمجرمي الحرب الألمان واليابانيين وتبنوا ذلك وفق إتفاقية لندن المؤرخة في 8/8/1945 التي افضت إلى إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب.
وتمَّ عقد جلسات المحكمة بمدينة نورنبرغ الألمانية على خلفية أنها المركز الرئيسي للحزب النازي وقضت المحكمة بإعدام عدد من القادة النازيين الألمان بعد إدانتهم بإرتكاب المذابح والقتل الجماعي، وبخصوص اليابان فقد اصدر القائد العام لقوات الحلفاء في اليابان قرار إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية وذلك بتاريخ 19/1/1946 وإختصت هذه المحكمة بالنظر في الجرائم ضد السلام الدولي والجرائم ضد الأنسانية ومخالفات الأعراف والقوانين الدولية المتصلة بالنزاعات المسلحة .وفي 12/11/1948 قضت المحكمة بإعدام ستة قادة يابانيين.
وشهد المجتمع الدولي لاحقا إنشاء المحكمة الدولية الجزائية الخاصة بيوغسلافيا بمقتضى قرار مجلس الأمن الدولي الصادر سنة 1993، ثم المحكمة الدولية الجزائية الخاصة برواندا وفق ذات الإجراء الأممي سنة 1994. وإختصّت كل من محكمة يوغسلافيا السابقة ورواندا بمحاكمة المتهمين بإرتكاب الجرائم التالية :جريمة الإبادة .الجرائم ضد الإنسانية .خرق القوانين والأعراف الدولية المتصلة بحالات النزاع المسلح .الإنتهاكات خطيرة لإتفاقيات جنيف لسنة 1949 .
وتختلف المحكمتين المذكورتين عن المحكمة الجنائية الدولية من حيث سمو كل من المحكمتين حيال المحاكم الوطنية للدولتين (إختصاص مطلق) بينما تختص المحكمة الجنائية الدولية بالصبغة المكملة للقضاء الوطني للدول وعلى مستوى إثارة الدعوى،ويلاحظ الإختصاص الحصري للمدعي العام بالنسبة لمحكمة يوغسلافيا ومحكمة روندا ضرورة أنه يثير الدعوى ويباشر التحقيقات ويدون لائحة الإتهام، بينما يتعهد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإجراء التحقيقات تحت إشراف الدائرة التمهيدية للمحكمة التي يعود لها القول الفصل في إحالة المشتبه بهم على المحاكمة من عدمها.
ثمّة انواعا أخرى من المحاكم المختلطة انشئت لدواعي مشابهة، مثل محكمة تيموؤ الشرقية وكمبوديا وسيراليون،والمحكمة الخاصة بلبنان.وجميعها انشئت بقرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي.
لقد عالجنا في هذا المؤلف الجرائم الدولية ومحاكمها في القانون الدولي الجنائي في ثمانية فصول،بدءا بمفهوم الجريمة الدولية في الفصل الاول،مرورا بالمحاكم الدولية الحاصة والمختلطة والمحكمة الجنائية الدولية في الفصلين الثاني والثالث، وصولا الى مسؤولية الافراد عن افعالهم ،وتفيذ اوامر الرؤساء في الفصلين الرابع والخامس،الى عدم مشروعية الامر بارتكاب الجرائم الدولية،ومسؤولية الرؤوساء والقادة عن لفعال مرؤوسيهم في الفصلين السادس والسابع، وصولا الى الخاتمة التي تضمّنت بعض الاستنتاجات والمقترحات ذات الصلة بموضوع البحث.
لقد اتبعنا منهجا تاريخيا قانونيا مقارنا، للوصول الى مقاربة علمية موضوعية لقضايا لا تزال تقض مضجع الانسانية جمعاء،سيما وان الجرائم المرتكبة بحق الانسان لا زالت تتكرر وتتواصل وتتخذ اشكالا وانواعا اكثر عنفا وإيلاما.آملين من هذا العمل المتواضع ان نكون قد أضفنا جديدا لما فيه خير البشر ومجتماعاتها.