اسرائيل ومناورة التحول الثالث
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
تباشر "اسرائيل" آخر الشهر الحالي ولخمسة أيام مناورة عسكرية تعتبرها الأضخم في تاريخها لجهة محاكاتها الواقعين العسكري والسياسي الذين يحيطا بها.فإسرائيل كما المنطقة تمرُّ بمجموعة متغيرات وهي على مفترق طرق ستحدد مجريات الواقع الأمني والعسكري ونتائجه السياسية أوضاع الشرق الأوسط التقليدي والجديد ربما لعقود قادمة.وفي واقع الأمر من الصعب فصل هذه المناورات عن حدثين أساسيين،طروحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض مع الرئيس بارك اوباما،والثانية زيارة الأخير إلى المنطقة وبالتحديد القاهرة. وبين الحدثين رمال لبنانية متحركة،سياسية عبر انتخابات نيابية ستحدد بشكل أو بآخر موقع ومصير لبنان في ترتيبات المنطقة،وامني عبر انكشاف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية التي تعكس بشكل أو بآخر الحراك الإسرائيلي في الساحة اللبنانية الداخلية.فما هي خلفيات وأبعاد المناورة ؟وما هي الرسائل التي يراد منها وبأي اتجاه مصوّبة؟.
ساحتان معنيتان مباشرة في المبدأ من هذه المناورة،الأولى الساحة اللبنانية وبالتحديد بيئة المقاومة بمختلف جوانبها،والثانية إيران وبالتحديد برنامجها النووي،وفي كلتا الحالتين هما ملفان مرتبطان عضويا وأثر المناورات عليهما هو واحد بصرف النظر عن الأولوية،أو عن أولوية التنفيذ اللاحق إذا تمكنت اسرائيل من تكوين البيئة الدولية المناسبة لها.
في الملف الأول، لم تتمكن "اسرائيل" عمليا من إعادة هيبتها وسطوتها إلى الذاكرة الجماعية للمجتمع الإسرائيلي بعد عدوان غزة،وظلت نتائج هزيمتها في عدوان 2006 ماثلة في أذهان القيادتين السياسية والعسكرية، ما يعيد إلى الأذهان مجددا أن بيت القصيد من المناورة مغامرة أخرى ضد لبنان ومقاومته،وما يعزز ذلك ما تتداوله التقارير السياسية والأمنية المتتالية حول جهوزية المقاومة وتضاعف قواها خلال السنوات الثلاث الماضية،بل أن ثمة تقارير إسرائيلية يرتكز عليها القراران الأمني والسياسي مفاده،أن قوة المقاومة باتت إستراتيجية المفاعيل والآثار ووسائلها باتت تهدد اسرائيل مباشرة،ما يتطلب إجراءات عملية وتنفيذية متسارعة.
فمن الناحية العملية،لا تعتبر المناورات امرأ جديدا أو استثنائيا في الحياة السياسية والأمنية الإسرائيلية،إلا أن الجديد فيها هذه المرة، مدى حجمها الكمي والنوعي، ومدى نطاقها البشري والجغرافي، ومدى شمولها السياسي والعسكري،والأهداف الإستراتيجية المتوخاة منها. علاوة على البيئة السياسية الحاكمة التي تشكل أقصى مستويات التطرّف في التعامل مع الملفات التي ينبغي الإجابة عليها كملف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وسوريا،وغيرها من المسائل المتعلقة بلبنان كمزارع شبعا وتلال كفرشوبا.مرورا بمستجدات الإدارة الأمريكية وحكم الديمقراطيون الجدد فيها.
فأهداف المناورة هي متعددة ومتنوعة،داخليا هي إعادة ترميم وإدخال المجتمع الإسرائيلي بكافة شرائحه ولمدة خمسة أيام متتالية في حالة حرب حقيقية بكامل تفاصيلها ، التي تبدأ من حالة الاستعداد من خمس عشرة ثانية إلى ثلاث دقائق وهو زمن قياسي مذهل حتى في المجتمعات المعسكرة.إضافة إلى شمول المناورة كافة أراضي الكيان الصهيوني وهي سابقة لم تحدث من قبل،ذلك باعتبار أن سابقتي لبنان وغزة غيّرت مفاهيم إستراتيجية كثيرة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية.مرورا بنوعية التدريبات التي تشمل مواجهة حالات استعمال أسلحة غير تقليدية في المعارك المحتملة.
خارجيا، وان كانت تستهدف هذه المناورة شريحة واسعة من الأعداء المحتملين لإسرائيل ومنهم العرب معتدلين وممانعين وحتى اللذين أقاموا معاهدات صلح أو أنماط أخرى من العلاقات التجارية والاقتصادية المعلن منها والمبطن،فان ما تتوجه إليهم مباشرة الفلسطينيين وسوريا وبخاصة لبنان وإيران باعتبارهما يحتضنان بيئة المقاومة التي تشكل الخطر المباشر على اسرائيل.
إن قراءة دقيقة للخطاب السياسي للثنائي نتنياهو – ليبرمان،ومقاربتها ببرامج عمل الحكومة الإسرائيلية توضح أولويات اسرائيل الحالية وتتلخص بالتوجّه نحو البرنامج النووي الإيراني وهو بات أمرا علنيا يصرح ويعلن عنه بوضوح تام، وآخرها برنامج زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض وما تمَّ التوصل إليه.وقبلها تسريب معلومات موضوعها الزيارة السرية لجهاز الموساد الإسرائيلي إلى واشنطن الذي ناقش خطته الهجومية لضرب المنشآت النووية الإيرانية, وهو ما تردد إن الإدارة الأميركية رفضته، في هذا الوقت.بيد أن اسرائيل عدّلت من طلبها وأعطته بعدا عسكريا اقل، مفاده توجيه ضربة كلاسيكية بحيث يسمح للأمريكيين بمواصلة التفاوض ولو غير المباشر مع الإيرانيين من دون الضرورة للجوء للتنازلات،رغم ذلك لم تصل هذه الطلبات إلى مكان يذكر،وفضّلت إدارة اوباما المضي في سلوك الطرق الدبلوماسية لنهاية العام.
إلى جانب ذلك،ثمَّة قوة صاروخية ضاربة ذات بعد نوعي تمتلكه المقاومة وتعتبره اسرائيل ذراعا إيرانيا متقدمة على حدودها الشمالية،وهي تعطيه الأولوية عينها باعتبار أن اثر العمل العسكري لأي منهما سيؤدي إلى التأثير المتبادل عليهما،وهي إي اسرائيل لا تزال تعتبر هزيمتها في العام 2006 هي هزيمة بالنقاط أمام إيران وقوى المقاومة والممانعة في المنطقة،لذا تبدو هذه المناورة موجهة إلى المقاومة في لبنان في ظروف لبنانية دقيقة جدا،بدءا بالتباين الحاد حول الكثير من المسائل والتي تترجم انقساما واضحا تحت عناوين انتخابية ستصل ذروتها إبان المناورة الإسرائيلية نفسها.
إن نتائج اللقاء بين نتنياهو وبارك لم يخرج عن الحدود المتوقعة له،إذ احتفظ نتنياهو برؤيته المتشددة السالف الذكر تجاه إيران،والذي يعتبر تهديدها ليس استراتيجيا فحسب بل كيانيا،وهو في اللغة الدبلوماسية الاستعداد لإعلان حرب،فهل سيقدم عليها نتنياهو قريبا وتكون المناورة الضوء الأخضر للبدء في التنفيذ؟ ثمة تحليلات ومعطيات كثيرة لا تماشي هذا الاتجاه للعديد من الاعتبارات ومنها افتقاد اسرائيل حتى الآن للغطاء الأمريكي المباشر، إضافة إلى عوامل أخرى، لكن القيادات المتشددة والمتطرفة في اسرائيل تعوّدت على اللجوء إلى "سياسة التوريط" وهذا ما فعلته في مواقع كثيرة في إطار الصراع العربي - الإسرائيلي وغيره من الملفات،وبخاصة الإستراتيجية أو الكيانية،ولا يزال لجوئها لضرب مفاعل تموز العراقي في العام 1981 بعيدا عن علم الإدارة الأمريكية ماثلا في الأذهان.
لقد أطلقت اسرائيل على هذه المناورة اسم "التحوّل الثالث"،وقد سبقها مناورتان تحت مسمى أول وثاني،فهل ستكون الثالثة ثابتة آم لا؟ إن عصر المغامرات الإسرائيلية قد تكرَّر كثيرا في العقود الثلاثة الأخيرة،وكانت في غالبيتها ليست لمصلحتها وبخاصة المواجهات مع قوى المقاومة في المنطقة،ومع معرفة اسرائيل الأكيدة عدم قدرتها على استيعاب وهضم الدروس التي لقنتّها قوى المقاومة تدرك سلفا ،أن أي مغامرة غير محسوبة النتائج ضد إيران على سبيل المثال سيجرها إلى حروب من نوع آخر لن تستطيع استيعابه وهضمه لوقت طويل.
إن سياسة المناورات الإستراتيجية الطابع في مناطق تذخر بأسباب وعوامل التفجير من الصعب إبعاد نظريات الحروب الإستباقية عن أهدافها،سيما وان اسرائيل لم توفر ظرفا لتنفيذ اعتداءاتها ولو بحجج ومبررات تصنعها هي نفسها؛من هنا إن الحذر والاحتياط بل الاستعداد واجب في مثل تلك الظروف وبخاصة في الساحة اللبنانية التي تمتلك كل وسائل التفجير وأدواته.فمسلسل تساقط شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان ينذر بأن امرأ ما قد أعطيَّ لهذه الشبكات بالحراك، ربما بأشكال غير مدروسة ودقيقة؛ ما أدى إلى سرعة تهاويها،وما يعني أن طبيعة عملها ووظيفتها الحالية تستلزم جمع معلومات سريعة الطابع متصلة بحدث قريب الحصول.إن لحظة تفجير وضع ما غالبا ما تقرره عوامل محددة،لكن كثيرا من هذه اللحظات تأتي في الوقت الضائع أو المستقطع من عمر الأزمات المستعصية،ان في ذلك عبر لذوي الألباب.
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
تباشر "اسرائيل" آخر الشهر الحالي ولخمسة أيام مناورة عسكرية تعتبرها الأضخم في تاريخها لجهة محاكاتها الواقعين العسكري والسياسي الذين يحيطا بها.فإسرائيل كما المنطقة تمرُّ بمجموعة متغيرات وهي على مفترق طرق ستحدد مجريات الواقع الأمني والعسكري ونتائجه السياسية أوضاع الشرق الأوسط التقليدي والجديد ربما لعقود قادمة.وفي واقع الأمر من الصعب فصل هذه المناورات عن حدثين أساسيين،طروحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض مع الرئيس بارك اوباما،والثانية زيارة الأخير إلى المنطقة وبالتحديد القاهرة. وبين الحدثين رمال لبنانية متحركة،سياسية عبر انتخابات نيابية ستحدد بشكل أو بآخر موقع ومصير لبنان في ترتيبات المنطقة،وامني عبر انكشاف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية التي تعكس بشكل أو بآخر الحراك الإسرائيلي في الساحة اللبنانية الداخلية.فما هي خلفيات وأبعاد المناورة ؟وما هي الرسائل التي يراد منها وبأي اتجاه مصوّبة؟.
ساحتان معنيتان مباشرة في المبدأ من هذه المناورة،الأولى الساحة اللبنانية وبالتحديد بيئة المقاومة بمختلف جوانبها،والثانية إيران وبالتحديد برنامجها النووي،وفي كلتا الحالتين هما ملفان مرتبطان عضويا وأثر المناورات عليهما هو واحد بصرف النظر عن الأولوية،أو عن أولوية التنفيذ اللاحق إذا تمكنت اسرائيل من تكوين البيئة الدولية المناسبة لها.
في الملف الأول، لم تتمكن "اسرائيل" عمليا من إعادة هيبتها وسطوتها إلى الذاكرة الجماعية للمجتمع الإسرائيلي بعد عدوان غزة،وظلت نتائج هزيمتها في عدوان 2006 ماثلة في أذهان القيادتين السياسية والعسكرية، ما يعيد إلى الأذهان مجددا أن بيت القصيد من المناورة مغامرة أخرى ضد لبنان ومقاومته،وما يعزز ذلك ما تتداوله التقارير السياسية والأمنية المتتالية حول جهوزية المقاومة وتضاعف قواها خلال السنوات الثلاث الماضية،بل أن ثمة تقارير إسرائيلية يرتكز عليها القراران الأمني والسياسي مفاده،أن قوة المقاومة باتت إستراتيجية المفاعيل والآثار ووسائلها باتت تهدد اسرائيل مباشرة،ما يتطلب إجراءات عملية وتنفيذية متسارعة.
فمن الناحية العملية،لا تعتبر المناورات امرأ جديدا أو استثنائيا في الحياة السياسية والأمنية الإسرائيلية،إلا أن الجديد فيها هذه المرة، مدى حجمها الكمي والنوعي، ومدى نطاقها البشري والجغرافي، ومدى شمولها السياسي والعسكري،والأهداف الإستراتيجية المتوخاة منها. علاوة على البيئة السياسية الحاكمة التي تشكل أقصى مستويات التطرّف في التعامل مع الملفات التي ينبغي الإجابة عليها كملف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وسوريا،وغيرها من المسائل المتعلقة بلبنان كمزارع شبعا وتلال كفرشوبا.مرورا بمستجدات الإدارة الأمريكية وحكم الديمقراطيون الجدد فيها.
فأهداف المناورة هي متعددة ومتنوعة،داخليا هي إعادة ترميم وإدخال المجتمع الإسرائيلي بكافة شرائحه ولمدة خمسة أيام متتالية في حالة حرب حقيقية بكامل تفاصيلها ، التي تبدأ من حالة الاستعداد من خمس عشرة ثانية إلى ثلاث دقائق وهو زمن قياسي مذهل حتى في المجتمعات المعسكرة.إضافة إلى شمول المناورة كافة أراضي الكيان الصهيوني وهي سابقة لم تحدث من قبل،ذلك باعتبار أن سابقتي لبنان وغزة غيّرت مفاهيم إستراتيجية كثيرة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية.مرورا بنوعية التدريبات التي تشمل مواجهة حالات استعمال أسلحة غير تقليدية في المعارك المحتملة.
خارجيا، وان كانت تستهدف هذه المناورة شريحة واسعة من الأعداء المحتملين لإسرائيل ومنهم العرب معتدلين وممانعين وحتى اللذين أقاموا معاهدات صلح أو أنماط أخرى من العلاقات التجارية والاقتصادية المعلن منها والمبطن،فان ما تتوجه إليهم مباشرة الفلسطينيين وسوريا وبخاصة لبنان وإيران باعتبارهما يحتضنان بيئة المقاومة التي تشكل الخطر المباشر على اسرائيل.
إن قراءة دقيقة للخطاب السياسي للثنائي نتنياهو – ليبرمان،ومقاربتها ببرامج عمل الحكومة الإسرائيلية توضح أولويات اسرائيل الحالية وتتلخص بالتوجّه نحو البرنامج النووي الإيراني وهو بات أمرا علنيا يصرح ويعلن عنه بوضوح تام، وآخرها برنامج زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض وما تمَّ التوصل إليه.وقبلها تسريب معلومات موضوعها الزيارة السرية لجهاز الموساد الإسرائيلي إلى واشنطن الذي ناقش خطته الهجومية لضرب المنشآت النووية الإيرانية, وهو ما تردد إن الإدارة الأميركية رفضته، في هذا الوقت.بيد أن اسرائيل عدّلت من طلبها وأعطته بعدا عسكريا اقل، مفاده توجيه ضربة كلاسيكية بحيث يسمح للأمريكيين بمواصلة التفاوض ولو غير المباشر مع الإيرانيين من دون الضرورة للجوء للتنازلات،رغم ذلك لم تصل هذه الطلبات إلى مكان يذكر،وفضّلت إدارة اوباما المضي في سلوك الطرق الدبلوماسية لنهاية العام.
إلى جانب ذلك،ثمَّة قوة صاروخية ضاربة ذات بعد نوعي تمتلكه المقاومة وتعتبره اسرائيل ذراعا إيرانيا متقدمة على حدودها الشمالية،وهي تعطيه الأولوية عينها باعتبار أن اثر العمل العسكري لأي منهما سيؤدي إلى التأثير المتبادل عليهما،وهي إي اسرائيل لا تزال تعتبر هزيمتها في العام 2006 هي هزيمة بالنقاط أمام إيران وقوى المقاومة والممانعة في المنطقة،لذا تبدو هذه المناورة موجهة إلى المقاومة في لبنان في ظروف لبنانية دقيقة جدا،بدءا بالتباين الحاد حول الكثير من المسائل والتي تترجم انقساما واضحا تحت عناوين انتخابية ستصل ذروتها إبان المناورة الإسرائيلية نفسها.
إن نتائج اللقاء بين نتنياهو وبارك لم يخرج عن الحدود المتوقعة له،إذ احتفظ نتنياهو برؤيته المتشددة السالف الذكر تجاه إيران،والذي يعتبر تهديدها ليس استراتيجيا فحسب بل كيانيا،وهو في اللغة الدبلوماسية الاستعداد لإعلان حرب،فهل سيقدم عليها نتنياهو قريبا وتكون المناورة الضوء الأخضر للبدء في التنفيذ؟ ثمة تحليلات ومعطيات كثيرة لا تماشي هذا الاتجاه للعديد من الاعتبارات ومنها افتقاد اسرائيل حتى الآن للغطاء الأمريكي المباشر، إضافة إلى عوامل أخرى، لكن القيادات المتشددة والمتطرفة في اسرائيل تعوّدت على اللجوء إلى "سياسة التوريط" وهذا ما فعلته في مواقع كثيرة في إطار الصراع العربي - الإسرائيلي وغيره من الملفات،وبخاصة الإستراتيجية أو الكيانية،ولا يزال لجوئها لضرب مفاعل تموز العراقي في العام 1981 بعيدا عن علم الإدارة الأمريكية ماثلا في الأذهان.
لقد أطلقت اسرائيل على هذه المناورة اسم "التحوّل الثالث"،وقد سبقها مناورتان تحت مسمى أول وثاني،فهل ستكون الثالثة ثابتة آم لا؟ إن عصر المغامرات الإسرائيلية قد تكرَّر كثيرا في العقود الثلاثة الأخيرة،وكانت في غالبيتها ليست لمصلحتها وبخاصة المواجهات مع قوى المقاومة في المنطقة،ومع معرفة اسرائيل الأكيدة عدم قدرتها على استيعاب وهضم الدروس التي لقنتّها قوى المقاومة تدرك سلفا ،أن أي مغامرة غير محسوبة النتائج ضد إيران على سبيل المثال سيجرها إلى حروب من نوع آخر لن تستطيع استيعابه وهضمه لوقت طويل.
إن سياسة المناورات الإستراتيجية الطابع في مناطق تذخر بأسباب وعوامل التفجير من الصعب إبعاد نظريات الحروب الإستباقية عن أهدافها،سيما وان اسرائيل لم توفر ظرفا لتنفيذ اعتداءاتها ولو بحجج ومبررات تصنعها هي نفسها؛من هنا إن الحذر والاحتياط بل الاستعداد واجب في مثل تلك الظروف وبخاصة في الساحة اللبنانية التي تمتلك كل وسائل التفجير وأدواته.فمسلسل تساقط شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان ينذر بأن امرأ ما قد أعطيَّ لهذه الشبكات بالحراك، ربما بأشكال غير مدروسة ودقيقة؛ ما أدى إلى سرعة تهاويها،وما يعني أن طبيعة عملها ووظيفتها الحالية تستلزم جمع معلومات سريعة الطابع متصلة بحدث قريب الحصول.إن لحظة تفجير وضع ما غالبا ما تقرره عوامل محددة،لكن كثيرا من هذه اللحظات تأتي في الوقت الضائع أو المستقطع من عمر الأزمات المستعصية،ان في ذلك عبر لذوي الألباب.