قمة دول عدم الانحياز:ما لها وما عليها
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
تعقد في الفترة بين 11و 16 تموز / يوليو الجاري القمة الخامسة عشر لقادة ورؤساء دول حركة عدم الانحياز بمدينة شرم الشيخ المصرية تحت شعار"التضامن الدولي من أجل السلام والتنمية" بمشاركة وفود أكثر من 140 دولةً من مختلف قارات العالم، من بينها الـ 118 دولةً أعضاء الحركة ، بهدف مضاعفة الجهود المبذولة لدعم ، وتعزيز تواجد الحركة على الساحة الدولية.
وعلى الرغم من أن حركة عدم الانحياز، تعتبر الحركة الأم التي نشأت في إطارها العديد من المؤسسات في سياق الشدِّ والجذّب الذي تشهده العلاقات بين الدول الغنية والدول الفقيرة ، أو بين الشمال المتقدم والجنوب النامي،ثمَّة العديد من التساؤلات التي برزت في العقد الأخير من القرن الماضي حول مبرِّرات وجودها ومستقبلها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وانتهاء الحرب الباردة، وظهرت وجهتا نظر مختلفتين ، الأولى رأت أنَّ حركة عدم الانحياز انتهت عملياً لأن مبرِّرات وجودها انتهت ، فقد ولدت في سياق الحرب الباردة التي لم تعد قائمةً ، كما أن ثمّة متغيّرات عديدةً حدثت في الدول الرئيسة المؤسسة لها ، فيوغسلافيا مثلاً لم تعد موجودةً ، كما تحوّلت قناعات بعض الدول كمصر من عدم الانحياز إلى الدخول في علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل القطب الأوحد على الساحة الدولية في الوقت الراهن. أما وجهة النظر الثانية فرأت أن الحركة ينبغي أن تستمرَّ لأن مبرِّرات استمرارها أكثر من مبرِّرات اختفائها ، فالحركة قد حققت في الماضي كثيراً من الإنجازات التي لا يمكن إغفالها ، كما أن العديد من التحدّيات إلى أنشئت بهدف مواجهتها ما زالت قائمةً ، إلى جانب ظهور تحدّيات أخرى جديدة لم تكن موجودةً من قبل، ما يستدعي تفعيل الحركة ، وإعادة إحياء دورها بهدف تمكينها من المساهمة بشكل جدّي في تخفيف الاحتقان العالمي ، وحل معضلات إقليمية ودولية تشكل بؤر توتر واضطراب لدول العالم ، وبخاصةً الدول النامية ، وأن تساعد في الحيلولة دون هيمنة الدول الكبرى على باقي الدول ، وتدخّلها في شؤون تلك الدول تحت حجج ومبررات متعددة ومختلفة، كمكافحة الإرهاب ، والتدخل الإنساني ، ونشر الديمقراطية ، وأن تعمل على إصلاح النظام الاقتصادي الدولي ، وتقريب الهوّة ألاقتصاديه بين دول الجنوب والشمال ، ومعالجه قضايا الفقر والجوع, ودعم التعايش والحوار بين الثقافات والحضارات .
وترى دول عدم الانحياز أنَّ استمرار صلاحية الحركة ومبرر وجودها أكدتهما التغيّرات العالمية الأخيرة ، فانتهاء الحرب الباردة ، والاستقطاب الدولي بين الشرق والغرب قد عزَّز دعوة الحركة المستمرة من أجل التعاون الدولي لإقامة عالم متحرر من الخوف والتعصّب ، وأنَّ الوقت قد حان لكي تعيد الحركة إنتاج نفسها للتعاطي مع الفرص والتحدّيات الجديدة بكفاءة وفعالية ، وأن تزيد من قدرتها على العمل الخارجي ، وأن تحسّن من إمكانيات العمل الداخلي .
وفي الواقع ، تكتسب هذه القمة أهميتها ليس فقط من حجم المشاركة الكبير ، ومستوى التمثيل المتميّز فيها ، أو من طبيعة الظروف الدولية الاستثنائية ، والتطورات الراهنة التي يشهدها العالم ، وفى مقدمتها الأزمة المالية العالمية ، والعلاقات السياسية المتوترة ، والأزمات والنزاعات المتفجرة بين عدد غير قليل من الدول في شتى الأقاليم ، والمناطق المختلفة ، أو من نوعية القضايا والتحدّيات التي ينبغي على دول الحركة بلورة رؤية واضحة وموقف محدد بشأنها ، وإنما كذلك من مكان وزمان انعقادها ذلك في سياق قرن جديد ومناخ عالمي متغيّر يختلف بشكل لافت عن الظروف التي نشأت في ظلها الحركة قبل ثمانية وأربعين عاما.
ويتضمن جدول أعمال القمة الكثير من القضايا والملفات الساخنة التي تواجه دول الحركة من خلال لجنتين، إحداهما تتناول القضايا والملفات السياسية وأهمها القضية الفلسطينية ، وبؤر التوتر في العديد من دول الحركة مثل أفغانستان ، والصومال ، والسودان ولبنان وفلسطين، وقضايا حقوق الإنسان ، ونزع أسلحة الدمار الشامل ، والملف النووي الإيراني ، والحصار على كوبا ، والإجراءات والعقوبات الأحادية ، وانعكاساتها الضّارة على اقتصاديات الدول والشعوب ، وتتناول اللجنة الأخرى القضايا الاقتصادية والتنموية ، وفى مقدمتها الأزمة المالية العالمية ، وسبل تطوير التعاون، والعلاقات بين دول الجنوب ، وابتداع آليات جديدة للتعاون .
ونظرا،للأهمية التي توليها الحركة للقضية الفلسطينية ، فسيصدر عنها إعلان خاص بها في ضوء ما تواجهه تلك القضية من تحدّيات خطيرة في ظل حكومة بنيامين نتنياهو "الإسرائيلية" اليمينية المتطرفة ، وخطط الاستيطان وعمليات التهويد المستمرة للقدس ، بالإضافة إلى معاناة الشعب الفلسطيني من جراء سياسات الحصار والتجويع اللا إنسانية ، والحرب "الإسرائيلية" غير المتكافئة التي جرت مؤخراً ضد قطاع غزة ، وما صاحبها من مجازر وحشية تعرّض لها المدنيون الفلسطينيون على نطاق واسع ، ومن المقرر أن تصدر القمة وثيقةً ختاميةً إلى جانب البيانات التي تتبناها القمة حيال القضايا المختلفة كما جرت العادة ، وستتضمن الوثيقة موقف الحركة من كافة القضايا التي تهم الدول النامية بوجه عام ، والدول الأعضاء في الحركة بوجه خاص ، ومن المتوقّع أن يعقد على هامش القمة قمة أخرى موازية للسيدات الأوليات ، حول "دور المرأة في إدارة الأزمات".
وبصرف النظر عن حجم الإخفاقات والنجاحات التي مرّت بها حركة عدم الانحياز،ينبغي التوقّف ملياً عند الكثير من الأسباب الذاتية والموضوعية التي آلت إليها الحركة،بهدف وضع مقترحات وتصورات تُسهم في إعادة تفعيلها ووضعها في مصاف المنظمات الدولية التي يُعوّل عليها في عصرنا الراهن،إذ أنَّ الاتجاه العام في سياق النظام الدولي القائم هو تهميش التجمّعات والمنظّمات التي لا تتماشى ولا تساير القوى الفاعلة فيه، ومن هذا المنطلق نرى وجوب وضع رؤية إستراتيجية متكاملة لمستقبل حركة عدم الانحياز، ودورها على المسرح الدولي تتضمن المزيد من الأفكار والطروحات في مختلف مجالات عمل الحركة ، بما في ذلك القضايا الأمنية والسياسية كنزع السلاح ، وضبط التسلح ، والموضوعات الاقتصادية كالتعامل مع الأزمة المالية العالمية ، وتداعياتها على الدول النامية ، والملفات الاجتماعية ، والثقافية ، والقانونية ، بما في ذلك مسائل حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية ، وحوار الحضارات ، وتتمثل أهم عناصر هذه الرؤية فيما يلي :
- تطوير وتحسين أساليب العمل عبر إجراء مراجعة شاملة لدورها ، وهياكل عملها ومناهجها بهدف مواكبتها لمقتضيات العصر ومتطلبات المتغيرات والمستقبل ، وبما يمكّنها من امتلاك القدرات بهدف الدفاع عن مصالحها وتبوء موقع الصدارة في قيادة الأمم المتحدة، وفى النظام الدولي القائم.
- إعطاء الأولوية للتعاون في المجالات التي من شأنها رفع معدلات التنمية في دول الحركة ، وتعزيز التعاون فيما بين الدول النامية ، والسعي لتقريب مواقفها ، وتحقيق مصالحها المشتركة بما يؤدى إلى تدعيم المواقف التفاوضية لدول الحركة ، وتفادى تهميش دورها على الساحة الدولية؛ إذ ثبت أن التعاون الاقتصادي والتنموي يعتبر من أنجع السبل لتحقيق التكامل السياسي اللاحق.
- توحيد صفوف الدول النامية بشكل عام ، ودول الحركة بشكل خاص ، وتعزيز تماسكها وتضامنها ، والعودة من جديد للتحدّث والتفاوض ككتلة واحدة ، وإدراك أنَّ ما تخسره من تفككها يفوق كثيراً أية مكاسب فردية يمكن لأي منها تحقيقها سواء على المدى القريب ، أو المتوسط .
- قيام دول الحركة بجهد جماعي منظم على مستوى الأمم المتحدة بهدف استصدار قرار من الجمعية العامة يحظر استخدام الفيتو في حالات الإبادة الجماعية ، أو الجرائم ضد الإنسانية ، أو للحيلولة دون وقف إطلاق النار في النزاعات المسلحة ، مع تمكين الجمعية العامة - إذا ما تقاعس المجلس عن القيام بمسؤولياته، من استرداد ما أوكل به المجلس من مسؤولية ، والتدخّل بنفسها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، باعتبار ذلك اختصاصاً أصيلاً لها ، وفقاً لنصِّ المادة (24) من ميثاق الأمم المتحدة.
- التنسيق المستمر بين حركة عدم الانحياز والهياكل ، والأطر المؤسسية التي تدافع عن مصالح دول الجنوب ، وتتحدث باسمها في كافة المحافل والمنتديات الدولية ، منعاً للازدواجية في العمل ، وتضارب الاختصاصات على النحو الذي يضعف هذه الأطر، ويفقدها دورها .
- تعزيز التكامل الإعلامي بين دول الحركة ، وتضييق الفجوة النوعية بين دول الشمال والجنوب ، ودعم قدرات الدول النامية من خلال نقل التكنولوجيا ، والمعرفة للوصول إلى نظام إعلامي دولي جديد قائم على احترام حرية التعبير ، وحرية الإعلام ، وحق الإعلاميين في أداء مهامهم في ظلِّ احترام قيم وخصوصية كل مجتمع.
- صياغة رسالة إعلامية دولية هادفة وموضوعية، وأكثر قدرةً على التعريف بدور حركة عدم الانحياز، وباحتياجات دولها، وتعزيز جهود الحوار والتفاهم بين الحضارات والثقافات المختلفة، بخاصةً مع ما تتعرض له دول الحركة من حملات موجهة، أو منافسات احتكارية لسوق الإعلام.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
تعقد في الفترة بين 11و 16 تموز / يوليو الجاري القمة الخامسة عشر لقادة ورؤساء دول حركة عدم الانحياز بمدينة شرم الشيخ المصرية تحت شعار"التضامن الدولي من أجل السلام والتنمية" بمشاركة وفود أكثر من 140 دولةً من مختلف قارات العالم، من بينها الـ 118 دولةً أعضاء الحركة ، بهدف مضاعفة الجهود المبذولة لدعم ، وتعزيز تواجد الحركة على الساحة الدولية.
وعلى الرغم من أن حركة عدم الانحياز، تعتبر الحركة الأم التي نشأت في إطارها العديد من المؤسسات في سياق الشدِّ والجذّب الذي تشهده العلاقات بين الدول الغنية والدول الفقيرة ، أو بين الشمال المتقدم والجنوب النامي،ثمَّة العديد من التساؤلات التي برزت في العقد الأخير من القرن الماضي حول مبرِّرات وجودها ومستقبلها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وانتهاء الحرب الباردة، وظهرت وجهتا نظر مختلفتين ، الأولى رأت أنَّ حركة عدم الانحياز انتهت عملياً لأن مبرِّرات وجودها انتهت ، فقد ولدت في سياق الحرب الباردة التي لم تعد قائمةً ، كما أن ثمّة متغيّرات عديدةً حدثت في الدول الرئيسة المؤسسة لها ، فيوغسلافيا مثلاً لم تعد موجودةً ، كما تحوّلت قناعات بعض الدول كمصر من عدم الانحياز إلى الدخول في علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل القطب الأوحد على الساحة الدولية في الوقت الراهن. أما وجهة النظر الثانية فرأت أن الحركة ينبغي أن تستمرَّ لأن مبرِّرات استمرارها أكثر من مبرِّرات اختفائها ، فالحركة قد حققت في الماضي كثيراً من الإنجازات التي لا يمكن إغفالها ، كما أن العديد من التحدّيات إلى أنشئت بهدف مواجهتها ما زالت قائمةً ، إلى جانب ظهور تحدّيات أخرى جديدة لم تكن موجودةً من قبل، ما يستدعي تفعيل الحركة ، وإعادة إحياء دورها بهدف تمكينها من المساهمة بشكل جدّي في تخفيف الاحتقان العالمي ، وحل معضلات إقليمية ودولية تشكل بؤر توتر واضطراب لدول العالم ، وبخاصةً الدول النامية ، وأن تساعد في الحيلولة دون هيمنة الدول الكبرى على باقي الدول ، وتدخّلها في شؤون تلك الدول تحت حجج ومبررات متعددة ومختلفة، كمكافحة الإرهاب ، والتدخل الإنساني ، ونشر الديمقراطية ، وأن تعمل على إصلاح النظام الاقتصادي الدولي ، وتقريب الهوّة ألاقتصاديه بين دول الجنوب والشمال ، ومعالجه قضايا الفقر والجوع, ودعم التعايش والحوار بين الثقافات والحضارات .
وترى دول عدم الانحياز أنَّ استمرار صلاحية الحركة ومبرر وجودها أكدتهما التغيّرات العالمية الأخيرة ، فانتهاء الحرب الباردة ، والاستقطاب الدولي بين الشرق والغرب قد عزَّز دعوة الحركة المستمرة من أجل التعاون الدولي لإقامة عالم متحرر من الخوف والتعصّب ، وأنَّ الوقت قد حان لكي تعيد الحركة إنتاج نفسها للتعاطي مع الفرص والتحدّيات الجديدة بكفاءة وفعالية ، وأن تزيد من قدرتها على العمل الخارجي ، وأن تحسّن من إمكانيات العمل الداخلي .
وفي الواقع ، تكتسب هذه القمة أهميتها ليس فقط من حجم المشاركة الكبير ، ومستوى التمثيل المتميّز فيها ، أو من طبيعة الظروف الدولية الاستثنائية ، والتطورات الراهنة التي يشهدها العالم ، وفى مقدمتها الأزمة المالية العالمية ، والعلاقات السياسية المتوترة ، والأزمات والنزاعات المتفجرة بين عدد غير قليل من الدول في شتى الأقاليم ، والمناطق المختلفة ، أو من نوعية القضايا والتحدّيات التي ينبغي على دول الحركة بلورة رؤية واضحة وموقف محدد بشأنها ، وإنما كذلك من مكان وزمان انعقادها ذلك في سياق قرن جديد ومناخ عالمي متغيّر يختلف بشكل لافت عن الظروف التي نشأت في ظلها الحركة قبل ثمانية وأربعين عاما.
ويتضمن جدول أعمال القمة الكثير من القضايا والملفات الساخنة التي تواجه دول الحركة من خلال لجنتين، إحداهما تتناول القضايا والملفات السياسية وأهمها القضية الفلسطينية ، وبؤر التوتر في العديد من دول الحركة مثل أفغانستان ، والصومال ، والسودان ولبنان وفلسطين، وقضايا حقوق الإنسان ، ونزع أسلحة الدمار الشامل ، والملف النووي الإيراني ، والحصار على كوبا ، والإجراءات والعقوبات الأحادية ، وانعكاساتها الضّارة على اقتصاديات الدول والشعوب ، وتتناول اللجنة الأخرى القضايا الاقتصادية والتنموية ، وفى مقدمتها الأزمة المالية العالمية ، وسبل تطوير التعاون، والعلاقات بين دول الجنوب ، وابتداع آليات جديدة للتعاون .
ونظرا،للأهمية التي توليها الحركة للقضية الفلسطينية ، فسيصدر عنها إعلان خاص بها في ضوء ما تواجهه تلك القضية من تحدّيات خطيرة في ظل حكومة بنيامين نتنياهو "الإسرائيلية" اليمينية المتطرفة ، وخطط الاستيطان وعمليات التهويد المستمرة للقدس ، بالإضافة إلى معاناة الشعب الفلسطيني من جراء سياسات الحصار والتجويع اللا إنسانية ، والحرب "الإسرائيلية" غير المتكافئة التي جرت مؤخراً ضد قطاع غزة ، وما صاحبها من مجازر وحشية تعرّض لها المدنيون الفلسطينيون على نطاق واسع ، ومن المقرر أن تصدر القمة وثيقةً ختاميةً إلى جانب البيانات التي تتبناها القمة حيال القضايا المختلفة كما جرت العادة ، وستتضمن الوثيقة موقف الحركة من كافة القضايا التي تهم الدول النامية بوجه عام ، والدول الأعضاء في الحركة بوجه خاص ، ومن المتوقّع أن يعقد على هامش القمة قمة أخرى موازية للسيدات الأوليات ، حول "دور المرأة في إدارة الأزمات".
وبصرف النظر عن حجم الإخفاقات والنجاحات التي مرّت بها حركة عدم الانحياز،ينبغي التوقّف ملياً عند الكثير من الأسباب الذاتية والموضوعية التي آلت إليها الحركة،بهدف وضع مقترحات وتصورات تُسهم في إعادة تفعيلها ووضعها في مصاف المنظمات الدولية التي يُعوّل عليها في عصرنا الراهن،إذ أنَّ الاتجاه العام في سياق النظام الدولي القائم هو تهميش التجمّعات والمنظّمات التي لا تتماشى ولا تساير القوى الفاعلة فيه، ومن هذا المنطلق نرى وجوب وضع رؤية إستراتيجية متكاملة لمستقبل حركة عدم الانحياز، ودورها على المسرح الدولي تتضمن المزيد من الأفكار والطروحات في مختلف مجالات عمل الحركة ، بما في ذلك القضايا الأمنية والسياسية كنزع السلاح ، وضبط التسلح ، والموضوعات الاقتصادية كالتعامل مع الأزمة المالية العالمية ، وتداعياتها على الدول النامية ، والملفات الاجتماعية ، والثقافية ، والقانونية ، بما في ذلك مسائل حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية ، وحوار الحضارات ، وتتمثل أهم عناصر هذه الرؤية فيما يلي :
- تطوير وتحسين أساليب العمل عبر إجراء مراجعة شاملة لدورها ، وهياكل عملها ومناهجها بهدف مواكبتها لمقتضيات العصر ومتطلبات المتغيرات والمستقبل ، وبما يمكّنها من امتلاك القدرات بهدف الدفاع عن مصالحها وتبوء موقع الصدارة في قيادة الأمم المتحدة، وفى النظام الدولي القائم.
- إعطاء الأولوية للتعاون في المجالات التي من شأنها رفع معدلات التنمية في دول الحركة ، وتعزيز التعاون فيما بين الدول النامية ، والسعي لتقريب مواقفها ، وتحقيق مصالحها المشتركة بما يؤدى إلى تدعيم المواقف التفاوضية لدول الحركة ، وتفادى تهميش دورها على الساحة الدولية؛ إذ ثبت أن التعاون الاقتصادي والتنموي يعتبر من أنجع السبل لتحقيق التكامل السياسي اللاحق.
- توحيد صفوف الدول النامية بشكل عام ، ودول الحركة بشكل خاص ، وتعزيز تماسكها وتضامنها ، والعودة من جديد للتحدّث والتفاوض ككتلة واحدة ، وإدراك أنَّ ما تخسره من تفككها يفوق كثيراً أية مكاسب فردية يمكن لأي منها تحقيقها سواء على المدى القريب ، أو المتوسط .
- قيام دول الحركة بجهد جماعي منظم على مستوى الأمم المتحدة بهدف استصدار قرار من الجمعية العامة يحظر استخدام الفيتو في حالات الإبادة الجماعية ، أو الجرائم ضد الإنسانية ، أو للحيلولة دون وقف إطلاق النار في النزاعات المسلحة ، مع تمكين الجمعية العامة - إذا ما تقاعس المجلس عن القيام بمسؤولياته، من استرداد ما أوكل به المجلس من مسؤولية ، والتدخّل بنفسها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، باعتبار ذلك اختصاصاً أصيلاً لها ، وفقاً لنصِّ المادة (24) من ميثاق الأمم المتحدة.
- التنسيق المستمر بين حركة عدم الانحياز والهياكل ، والأطر المؤسسية التي تدافع عن مصالح دول الجنوب ، وتتحدث باسمها في كافة المحافل والمنتديات الدولية ، منعاً للازدواجية في العمل ، وتضارب الاختصاصات على النحو الذي يضعف هذه الأطر، ويفقدها دورها .
- تعزيز التكامل الإعلامي بين دول الحركة ، وتضييق الفجوة النوعية بين دول الشمال والجنوب ، ودعم قدرات الدول النامية من خلال نقل التكنولوجيا ، والمعرفة للوصول إلى نظام إعلامي دولي جديد قائم على احترام حرية التعبير ، وحرية الإعلام ، وحق الإعلاميين في أداء مهامهم في ظلِّ احترام قيم وخصوصية كل مجتمع.
- صياغة رسالة إعلامية دولية هادفة وموضوعية، وأكثر قدرةً على التعريف بدور حركة عدم الانحياز، وباحتياجات دولها، وتعزيز جهود الحوار والتفاهم بين الحضارات والثقافات المختلفة، بخاصةً مع ما تتعرض له دول الحركة من حملات موجهة، أو منافسات احتكارية لسوق الإعلام.