حقوق الإنسان في القوانين والشرائع الدولية والوطنية
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في مجلة الحياة النيابية اللبنانية كانون الاول 2001
ثمة صعوبات كثيرة تعترض أي بحث عن تعريف جامع مانع لحقوق الإنسان، إذ أن مجمل المحاولات الجادة التي بذلت لهذا الغرض لم تتمكن سوى الاقتراب من العناصر الأساسية لمفهوم حقوق الإنسان.فعلى سبيل المثال يعرِّف رينيه كاسان ، هذه الحقوق بأنها "فرع خاص من فروع العلوم الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس، استنادا إلى كرامة الإنسان، وبتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني". وبذلك فإن كاسان يضع عدة عناصر أساسية لمفهوم حقوق الإنسان هي:
- اعتبارحقوق الإنسان علم خاص قائم بذاته.
- أساس هذا العلم كرامة الإنسانية.
- موضوع هذا العلم هو الحقوق التي تحقق هذه الكرامة.
وإذا كانت ثمة صعوبة في تعريف مفهوم حقوق الإنسان، فثمة صعوبة أخرى في تصنيف هذه الحقوق نفسها ،إذ أن كثيرين يخلطون بين مفهوم حقوق الإنسان، ومفهوم الحريات العامة. ولذلك، فإن تصنيف حقوق الإنسان يُعد مسألة تقديرية وتستند إلى معطيات وأسباب متنوعة، ويختلف باختلاف العناصر التي يتم على أساسها هذا التصنيف، لكن هناك معيارين أكثر شيوعا لهذا التصنيف وهما:
1- معيار التطور التاريخي: ويعتمد هذا التصنيف لحقوق الإنسان على ظهورها التاريخي أو تطور مفهوم حقوق الإنسان نفسه، وتصنف حقوق الإنسان وفقا لهذا المعيار إلى ثلاث فئات:
- الحقوق المدنية والسياسية، وتحتوي هذه الفئة غلى الحق في الحياة والحرية واحترام الحياة الخاصة وحرية التعبير ... إلخ، وهذه الفئة من الحقوق تتطلب لاحترامها امتناعا من جانب الدولة،أي يحظر تدخل الدولة في دوائر معينة لحريات الفرد، إذا كان هذا التدخل يقلص مساحة هذه الدوائر.
- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: وتشمل هذه الفئة من الحقوق: الحق في العمل والتعليم والصحة والتأمين الاجتماعي. وهذه الحقوق تتطلب تدخل الدولة لتوفيرها، وذلك على عكس الحقوق المدنية والسياسية.
- الحقوق الحديثة: وهي فئة الحقوق التي اقتضتها ضرورات وتطور الحياة المعاصرة ومشكلاتها المتنوعة نتيجة للتقدم العلمي في مختلف المجالات، مثل الحق في بيئة نظيفة، والحق في السلام.
2 المعيار النظري: ووفقا لهذا المعيار يتم التمييز بين فئتين لحقوق الإنسان هما: الحقوق الفردية، والحقوق الجماعية. الاولى تتجه إلى الفرد كوحدة قانونية متميزة بصرف النظر عن إنتمائه لجماعة معينة، والثانية يفترض لممارستها مجموعة من الأشخاص، كحرية الاجتماع وما يتعلق بها وحرية الصحافة وما يتفرع عنها. وتوجه إلى هذا المعيار عدة انتقادات منها، أن ثمة جانبا من الحقوق الفردية لا يمكن ممارستها بشكل فردي باعتبار تتطلب مساندة مجموعة من الأفراد الآخرين إضافة إلى أن ممارسة هذه الحقوق في مجتمع ما لا تعني بالضرورة حرمان الشخص من فرديته، إذ يبقى الحق فرديا، فالحق في تكوين جمعيات على سبيل المثال، من الحقوق الفردية رغم أن الجمعية لا يمكن أن تؤسس بواسطة شخص واحد وإنما تتطلب عدة أفراد.
أولا - في أبعاد حقوق الإنسان
تعتبر مفاهيم حقوق الإنسان من الأمور الملتبسة فهي غامضة وواضحة في آن معا، فهو واضح إذا اعتبرنا أن كل ما يمسُّ حقوقه يعتبر ضاراً به،ورغم هذا التبسيط المفرط إلا أن هناك العديد من الأسباب والاعتبارات التي تجعل الأمر معقدا وملتبسا ومنها:
- يعتبر الإنسان كائن معقد التركيب ومنطق التفكير، والتعقيد هو عكس التبسيط، إذ أن الإنسان يتمتع بعدة عناصر متواصلة في علاقاتها ومتشابكة. ما ينعكس بدوره على مفهوم حقوق الإنسان.
- ثمة تصور عام لمفهوم حقوق الإنسان الذي يحصرها في حق الانتخاب وحق التعبير عن الرأي وغيرها من المظاهر، أي في البعد السياسي الفردي لحقوق الإنسان، وهذا ليس كافيا إذ أنه مفهوم جزئي ولا يشمل كافة المظاهر.
- إن ما يمسُّ أنسانا ما، أو يُعد ضاراً به قد يُعد ذا فائدة لآخرين. فالاستعمار غلى سبيل المثال أفاد الدول الأوروبية وأضر بالشعوب في آسيا وأفريقيا. والمجازر العرقية التي ارتكبت في البوسنة كانت موضع ترحيب الصرب والكروات ولكنها إبادة للمسلمين ،وعمليات الاغتيال والابادة التي نقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين هي موضع دعم من قبل الأحزاب الإسرائيلية وموضع تغاضٍ من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لكنها في نفس الوقت تشكل مسّا في الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في النضال لمقاومة الاحتلال.
واستنادا إلى ما سبق ينبغي النظر إلى مفهوم حقوق الإنسان نظرة كلية شمولية عبر ثلاثة أبعاد رئيسة:
1 – البعد الجماعي لحقوق الإنسان:
يُعتبر أهم الأبعاد الثلاثة باعتباره نقطة الارتكاز والانطلاق،فالإنسان كائن اجتماعي في الأساس يعيش في مجتمع ويستمد منه الاعتراف بحقوقه ويستند له في حماية هذه الحقوق. وقد أوضحت المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا المعنى بنصها على أن لكل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل. كما يبرز البعد الجماعي لحقوق الإنسان في ثلاثة مظاهر رئيسة هي:
أ - حق تقرير المصير: أوضحت الفقرة الثانية من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة أن من مقاصد الهيئة إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها. إلا أن الميثاق لم يطور مفهوم تقرير المصير ولم يجعله حقا إلا في العام 1960، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها رقم 1541 الصادر في 14/12/1960، إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. إذ نصت الفقرة الثانية من القرار على أن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتلي ذلك مزيد من التأكيد على حق تقرير المصير في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان.كما ويرتبط بحق تقرير المصير حق الدولة في السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية، وهو ما أكده قرار الجمعية العامة رقم 1803 بتاريخ 14/12/1962 وجعل السيادة الدائمة على الثروات والموارد الطبيعية ركنا أساسيا من أركان حق تقرير المصير.
ب- حق الشعب في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي: كما ربط ميثاق الأمم المتحدة في المادة (55) بين التعاون الاقتصادي وحق تقرير المصير وبين السلام والأمن الدوليين. وهذا الربط يعني حق كل الشعوب في اختيار انظامتها السياسية والاقتصادية باعتبار أن المساواة بين الشعوب لا تجعل لشعب ما سلطة فرض نظامه على الآخر، إذ أن ذلك لن يؤدي إلى علاقات سلمية وودية بين الأمم والشعوب.
ج- القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري:كما أكد ميثاق الأمم المتحدة على المساواة وعدم التفرقة بسبب الجنس أو اللغة أو الدين. كما وضعت هذه المبادئ العامة في إطار أكثر تفصيلا. فصدر إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري واعتمدته الجمعية العامة بقرارها 1904 في 20/11/1963، ثم اعتمدت الجمعية العامة في 21/12/1965 بقرارها رقم 2106 الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي دخلت حيز التنفيذ في 4 /1/1969. كما سبق ذلك عدة اتفاقيات قطاعية مثل اتفاقية منع التمييز في مجال الاستخدام والمهنة والتي أصدرتها منظمة العمل الدولية والتي اعتمدت في عام 1958 ودخلت حيز التنفيذ في 15/6/1960، واتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم والتي اعتمدتها اليونسكو في 14 /12/1960 ودخلت حيز التنفيذ في أيار 1962.
2- البعد الاجتماعي والاقتصادي: لقد تمت معالجة هذا البعد في عدة مواثيق من بينها:
أ- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي وضع العديد من المبادئ ونص على مختلف الحقوق والحريات في هذا المجال، وأهم ما فيه انه أنشأ لجنة متابعة للتأكد من مدى التزام الدول الأطراف بنصوصه.
ب- إعلانات واتفاقيات دولية تفصيلية مثل إعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي، والإعلانات والاتفاقيات الخاصة بالطفل والزواج والأسرة والنساء والشباب، وإعلان الحق في التنمية.
ج- الاتفاقيات الخاصة بالعمل والحقوق النقابية مثل اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، واتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، والاتفاقية الخاصة بممثلي العمال، واتفاقية علاقات العمل.
3- البعد السياسي والمدني : وقد تمّ تناولها في عدة مواثيق دولية من ثلاث زوايا:
أ - تفصيل مختلف الحقوق في الإطار العام للإنسان ، كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولات الاختيارية الملحقة به،وغيرها من المواثيق ذات الصبغة العامة.
ب - تفصيل الحقوق الخاصة بقطاعات معينة من المجتمع اعتبرت قطاعات معرضة أو ضعيفة كاتفاقية منع التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة، والمعاهدة الخاصة بالسكان الأصليين، والإعلان الخاص بالمعوقين، والإعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقليا، والبروتوكول الخاص باللاجئين. والاتفاقية الخاصة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية.
ج - توضيح حقوق المجتمعات والشعوب في الظروف الاستثنائية مثل اتفاقية جنيف الرابعة بوضع المدنيين في حالة الحرب وغيرها من الاتفاقيات.
ثانيا - في تصنيف حقوق الإنسان:
ثمة عدة معايير لتصنيف هذه الحقوق. فهناك كما أسلفنا المعيار النظري الذي يقسم تلك الحقوق إلى حقوق فردية وحقوق جماعية، وهناك معيار التطور التاريخي الذي يصنفها إلى حقوق سياسية ومدنية وحقوق اقتصادية وحقوق جماعية. أي أن هناك تنوعا واضحا في عملية التصنيف يتضمن تمييزا بين حقوق مدنية وسياسية، وأخرى اقتصادية واجتماعية، ذلك بحسب درجة الإلزام والالتزام، إذ يرى البعض أن الأولى ملزمة ولا يجوز التصرف فيها، أما الثانية فهي ترتبط بالإمكانيات والقدرات والموارد المتاحة لأمة من الأمم وللمجتمع الدولي بشكل عام. وهناك أيضا التمييز بين حقوق أصيلة وعامة، وأخرى هي تطبيق لها في مجالات متعددة أو بالنسبة لقطاعات معينة من الناس بهدف إبعاد ظلم تاريخي لَحِقَ بها، أو بسبب ما تتعرض له حقوقها من انتهاكات واضطهاد.والحقوق الأصيلة والعامة يمكن اشتقاقها من الركائز العامة للحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، وتندرج في ثلاث فئات:الأولى وهي حقوق مقررة للشخص الطبيعي حتى لو كانت ترجمتها العملية تحتم المشاركة في تطبيقها والوفاء بها بين جماعات الناس.
والثانية هي في الأصل حقوق مقررة للشخص الطبيعي، وتعد تطبيقا للفئة الأولى بالنسبة لجماعات معينة من الناس.أما الثالثة فهي بطبيعتها حقوق جماعية تزاولها جماعات الناس باعتبارها كذلك حتى لو احتاجت إلى تدابير تنفيذية تصل إلى مستوى الفرد أو الشخص الطبيعي.
1 - الحقوق الشخصية: وتشتمل على عشرة حقوق متنوعة مدنية وسياسية واجتماعية واقتصادية وهي:
أ- الحق في الحياة: ويعد من أهم الحقوق المقررة للإنسان وأشدها تعبيرا عن مبدأ الحق.ويمكن أن نميز بين المعنى الضيق الشائع، والمعنى الواسع له. والمعنى الضيق للحق في الحياة هو عدم جواز حرمان إنسان من حياته تعسفا أي بتدخل قصدي من جانب قوة قائمة أو سلطة عامة.ويرتبط هذا المعنى بتطبيقات معينة، وأهم هذه التطبيقات هي ما يتعلق بالحظر التام للإعدام بدون محاكمة عادلة أو خارج القانون.أما المعنى الواسع لحق الحياة فيقصد به مسؤولية الدولة والمجتمع الوطني والنظام العالمي ككل عن إيجاد ودعم البيئة الضرورية والملائمة لإمكانية إنقاذ حياة أشخاص أو جماعات تتعرض لإزهاق الروح.
ب- الحق في الحرية: تعتبرالحرية أصل عام وشامل لكل الحقوق الأساسية. والنص عليها يستهدف الإشارة إلى فئة معينة من الأوضاع والتطبيقات.
فالحق في الحرية هو المصدر المباشر لحقوق أخرى أقرت بصورة مستقلة في الشرائع الدولية لحقوق الإنسان وغيرها من الإعلانات ومدونات السلوك.
والحق في الحرية يمثل أحد الأصول المهمة للقاعدة القانونية التي تنص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته على سبيل المثال. والحق في الحرية هو أيضا الأصل في عدم جواز الاعتقال أو الحبس التعسفي دون مسوغ، أو تهمة ثابتة. ويمثل الاعتقال التعسفي وهي الظاهرة الشائعة في العديد من النظم السياسية، أبرز وجوه انتهاك الحق في الحرية.وتعد حرية التنقل والهجرة واللجوء تعبيرا مباشرا عن الأصل العام للحرية، برغم كونها حقوقا مستقلة.
ج- الحق في الكرامة :إضافة إلى أن الكرامة وحرمة الجسد والعقل الإنساني هي أحد الأصول الكبرى لمنظومة حقوق الإنسان، فتعتبر أيضا مصدرا مباشرا لحقوق أخرى أقرت بصورة مستقلة في هذه المنظومة. إذ ينبثق من هذا الحق مباشرة حق كل شخص في أن يتم الاعتراف به كشخص أمام القانون بصورة مستقلة عن غيره، أي بمعنى أن يتمتع بمركز قانوني ثابت وغير متعلق بغيره.ويتعلق الحق في الكرامة ببعض الشروط الاقتصادية والاجتماعية، كحق الضمان الاجتماعي والتأمينات وقد نصت المادة (22) من الإعلان العالمي صراحة على الصلة بين الكرامة وهذا الحق.
د- حرية الرأي والتعبير: يعد هذا الحق من أهم ما يتميز به الإنسان باعتباره إنسانا. وقد نص الإعلان العالمي على حرية الرأي والتعبير في المادة (19). أما المادة (18) من الإعلان العالمي، فتؤكد على حق الفكر والضمير والدين. وقد احتوى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادتين (18) و(19) على تأكيد وتكريس هذه الحقوق الأصلية منها والفرعية.كما يتضمن حق التعبير وفقا لنصوص الشرعة الدولية على الحق في تلقي وإرسال المعلومات من خلال وسائل الإعلام المختلفة، بحرية.وترتبط حرية الرأي ارتباطا وثيقا للغاية بالممارسات الحاكمة لوسائل الإعلام كافة، ومنها بالطبع ضمانات حرية الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية.
هـ - الحق في التجمع السلمي:نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق التجمع السلمي وحق إنشاء الروابط والجمعيات في المادة(2). ونص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حق التجمع السلمي في المادة (21) وعلى حق تكوين الجمعيات في المادة (22).
و- الحق في التقاضي : يكاد يكون هذا الحق الوحيد الذي استأثر بمادتين من المواد المتضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إذ نصت المادة (10) على حق كل شخص في أن تنظر في قضيته محكمة عادلة ونزيهة ومستقلة بهدف للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة موجهة إليه. وأكدت المادة (11) كذلك على الضمانات الضرورية لتمكين أي شخص من تلقي محاكمة عادلة ونزيهة تنطلق من افتراض البراءة وعلنية الإجراءات وضمانات الدفاع وفقا لقانون يحدد بالضبط ما يشكل جريمة جماعية وعقوبتها المتناسبة مع شدتها.كما تناول العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بالتفصيل هذا الحق،وبخاصة في المادتين (14) و (15).
ز- الحق في المساواة : تعتبرالمساواة الركن الثاني بعد الحرية والكرامة.
والمقصود بالمساواة في سياق حقوق الإنسان التكافؤ في المراكز القانونية بين كل الأشخاص وانعدام القيمة القانونية لأي صورة من صور التمييز بين البشر. وقد اهتم الإعلان العالمي بالنص صراحة على حق المساواة في إقامة العدل، ووفقا للمادة (7) من الإعلان فإن الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز كما أكدت المادة (14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هذا المعنى نفسه بالنص على أن الناس جميعا سواء أمام القضاء.وقد صدرت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21/12/1965. وتنص المادة (5) من هذه الاتفاقية على أن ".. تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي، في المساواة أمام القانون.." وكذلك اعتبرت الاتفاقية في الفقرة (أ) من المادة (4) أن كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري جريمة يعاقب عليها القانون.ومن التطبيقات المهمة أيضا لمبدأ المساواة الاهتمام بتصفية كل صور التمييز القائم على أساس الدين والمعتقد، وحظر كل صور عدم المساواة التي تعاني منها أقليات دينية أو عرقية.وإضافة لنص ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته على حق المساواة بين الرجل والمرآة، فقد تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا الحق بتأكيده في الفقرة (أ) من المادة (16) على أن الرجل والمرآة، متى أدركا سن البلوغ،هما يتساويان في الحقوق لدى التزاوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.وأشار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى واجب والتزام الدول الأعضاء بذلك في العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وللحقوق المدنية والسياسية، وذلك في المادة (3) من كل منهما،إذ تتعهد الدول الأطراف بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد.
ح- الحق في العمل والملكية :أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكل شخص الحق في التملك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره وأنه لا يجوز تجريد أحد من ملكيته تعسفا المادة (17).ثم جاء العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بنصوص أقوى وأكثر تفصيلا في مادتين هما المادة (6) والمادة (7)، إضافة إلى تضمينه في بنود أخرى من هذا العهد وغيره من الوثائق الدولية التي تشرع لحقوق الإنسان، ووفقا لهذه النصوص فإن الدول الأطراف تعترف بالحق في العمل الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية.. وتأمين هذا الحق من خلال برامج توجيه وتدريب فني ومهني.. والحق في التمتع بشروط عادلة ومرضية، بما في ذلك أجر منصف يكفل عيشا كريما .. وظروف عمل تكفل السلامة والصحة، وتساوي بين الجميع في فرص الترقية وفى الاستراحة وأوقات الفراغ.
ط- الحق في التعليم والثقافة: ويعد هذا الحق آلية جوهرية للتوصل إلى المثل الأعلى للإنسان الحر. ولذلك شددت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على حق الإنسان- كل إنسان بدون تمييز- في التعليم، وفى التمتع بأوجه معينة من الثقافة.فنصت المادة (26) من الإعلان العالمي على أن لكل شخص الحق في التعليم..وبتوفيره مجانا في مرحلتيه الابتدائية والأساسية.. ويجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.. والتسامح والصداقة بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية وتناول العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هذا الحق في المادتين (13) و(14).ويمتد التشريع الدولي لحقوق الإنسان إلى ضمان الحق في التمتع بأوجه معينة من الثقافة. فوفقا للإعلان العالمي فإن لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية وفى الاستمتاع بالفنون والإسهام في التقدم العلمي وفى الفوائد التي تنتج عنه الفقرة الاولى من المادة (27) وتضيف المادة (15) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مزيدا من التفاصيل لهذا الحق.
ي- الحق في المشاركة السياسية :جاء نص المادة (12) من الإعلان العالمي واضحا في النص على حق المشاركة، وتضمنت المادة ثلاثة أوجه جوهرية للمشاركة السياسية وهي: حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة مباشرة، أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية.وحق تقلد الوظائف العامة بالمشاركة مع الآخرين.وإرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، وتتجلى هذه الإرادة في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام، المادة (21) وكررت المادة (25) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هذه المعاني وأكدت عليها.
2- الحقوق الجماعية:
إذا كانت جميع حقوق الإنسان هي في نهاية المطاف حقوق فردية فإن هناك حقوقا لابد أن تمارس في الإطار الجماعي، وأبرز هذه الحقوق حق تقرير المصير، وحق التنمية والسلام.
أ- حق تقرير المصير: يعالج القانون الدولي الإنساني هذا الحق باعتباره حقا أساسيا للإنسان. وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن ثمة علاقة وثيقة بين حق الأمم والشعوب في تقرير مصيرها وبين منظومة حقوق الإنسان. فأصرت في شباط 1952 بأن يتضمن العهد أو العهود الدولية لحقوق الإنسان مادة عن حق جميع الشعوب والأمم في تقرير مصيرها بنفسها، وأكدت أيضا على أن حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها شرط أساسي للتمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان الأساسية. وجاء في إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الصادر عن الجمعية العامة في كانون الأول 1960 أن إخضاع الشعوب للاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل تنكراا لحقوق الإنسان الأساسية!.وقد نصت المادة الأولى في كل من العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن:لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها.ولجميع الشعوب .. التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية.وأضاف إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، والصادر عن الجمعية العامة في 24 /19/1970 بُعدا جديدا لحق تقرير المصير، وهو مبدأ تساوي الشعوب في الحقوق، وبناء على ذلك نالت 88 دولة استقلالها وحقها في تقرير المصير فيما بين نشأة الأمم المتحدة عام 1945 وعام 1990. وتابعت الأمم المتحدة قضايا الشعوب التي لم تنل استقلالها من الاستعمار الأجنبي.
ب- الحق في التنمية والسلام: ثمة علاقة وثيقة بين التنمية والسلام وحقوق الإنسان إلى الحد الذي يجعلها علاقة عضوية.فالسلام يشكل شرطا للوفاء بحقوق الإنسان الفردية والجماعية. فمثلا يستحيل تصور الوفاء بحق الحياة مع اشتعال الحروب. فالحرب والأزمات والصراعات المسلحة هي أسوأ انتهاك لحق الإنسان في الحياة وهي تشكل وسيطا أو بيئة تنتعش فيها كل الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان الأساسية، ولذلك تلازم معنى السلام وحقوق الإنسان في صياغة أهداف الأمم المتحدة كما جاء في المادة الأولى من ميثاقها. كما جرت الجمعية العامة على إصدار قرارات تربط بقوة بين السلم والوفاء بحقوق الإنسان، وبأن السلم والأمن الدوليين عنصران أساسيان للإعمال التام لحقوق الإنسان بما في ذلك حقه في التنمية، وأن السلام شرط للتقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وللتنمية بشكل عام.ويشمل الحق في التنمية ثلاث قضايا هي: القضاء على الجوع والفقر والعدالة في توزيع الدخول، والوفاء بمتطلبات الخدمة الصحية، والقضاء على الأمية.
ج- الحق في بيئة نظيفة:تصاعد الاهتمام بهذا الحق بعد تصاعد الثورة التكنولوجية، وما نجم عنها من إضرار كبيرة لحقت بالبيئة. وتنشط جماعات وأحزاب الخضر في أوربا للدفاع عن هذا الحق باعتباره حقا حديثاً.
3- حقوق الفئات الخاصة:
تنطبق حقوق الإنسان المنصوص عليها في الوثائق الدولية على جميع الأشخاص بغض النظر عن أعمارهم وجنسهم وأعراقهم وانتمائهم الفكري واللغوي والثقافي، وغير ذلك من الاعتبارات. ورغم ذلك فاالتشريع الدولي لحقوق الإنسان قد نص على حقوق معينة في إعلانات ومواثيق خاصة ترعى فئات معينة ومن هذه الفئات: حقوق المرأة، والأطفال والمسنين، والمعوقين.
أ- حقوق الطفل:وفقا لإعلان حقوق الطفل الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 /11/ 1959 ثمة مبادئ تهدف إلى تمكين الأطفال من نيل حقوقهم. ومنها حاجة الطفل للتمتع بحماية خاصة باتخاذ كل التدابير التشريعية وغير التشريعية لإتاحة نموه العقلي والجسدي والخلقي والروحي والاجتماعي نموا طبيعيا سليما في جو من الحرية والكرامة، وأن يكون للطفل منذ مولده اسم وجنسية، وأن يتمتع بفوائد الضمان الاجتماعي وحقه في الحصول على قدر كاف من الغذاء والمأوي واللهو والخدمات الطبية، والحق في تلافى صور الإهمال والقسوة والاستغلال بحمله على العمل أو تركه يعمل في أية مهنة لا تؤذي صحته أو تعليمه أو تعرقل نموه الجسمي أو العقلي أو الخلقي أو الاتجار به بأية صورة، وأن يحاط بحماية خاصة من كل الممارسات التي تدفع إلى التمييز العنصري أو الديني، وأن يحاط الطفل المعوق جسمياً أو عقلياً أو اجتماعياً بالعناية الخاصة والتربية والعلاج الملائم لحالته.وقد اعتمدت الجمعية العامة في 3/12/1981 إعلانا يتعلق بالمبادئ القانونية والاجتماعية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم.
ب- حقوق المسنين :وقد اهتم المشرع الدولي بتأكيد حقوق معينة للمسنين، وأولها تمكين كبار السن من التمتع ضمن أسرهم ومجتمعاتهم بحياة من الصحة والأمن، وأن يجدوا التقدير الكافي بوصفهم جزءا لا يتجزأ من المجتمع، ذلك كما جاء بخطة فيينا بشأن الشيخوخة، والتي اعتمدتها الجمعية العامة في 13 /12/ 1982.
ج- حقوق المعوقين:وردت حقوق هذه الفئة الخاصة في الإعلان الخاص بحقوق المعوقين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 /12/1975.
ويدعو الإعلان إلي ضرورة الوقاية من التعويق الجسدي والعقلي وضرورة مساعدة المعوقين على إنماء قدراتهم في أكبر عدد ممكن من ميادين النشاط المتنوعة، وضرورة العمل قدر المستطاع على إدماجهم في الحياة العادية.
ويقر الإعلان بأن من حق المعوق أن تحترم كرامته الإنسانية وأن له نفس الحقوق الأساسية التي تكون لمواطنيه الذين هم في سنه وله الحق في اتخاذ تدابير تستهدف تمكينه من بلوغ أقصى قدر ممكن من الاستقلال الذاتي.
د- حقوق اللاجئين وعديمي الجنسية والسكان الأصليين:استهدف المشرع الدولي لحقوق الإنسان تمكين هذه الفئات من الحصول على حماية خاصة بسبب تعرضها لظلم تاريخي نجم عن احتلال أراضيها أو أقامتهم في دول ترفض الاعتراف بحقوقهم ومنحهم الجنسية.
القسم الثاني
التنظيم الدولي لحــقــوق الإنســـان
تطور التنظيم الدولي لحقوق الإنسان بشكل أساسي بعد نشأة منظمة الأمم المتحدة عام 1945، حيث تمّت صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصدوره في عام 1948، الذي يعد الوثيقة الدولية الرئيسة لحقوق الإنسان. وانطلاقا من هذا الإعلان وفي ظله تم التوصل إلى اتفاقيات عديدة لجوانب معينة من هذه الحقوق .وذلك لا يعنى أنه لم يكن ثمة وثائق أو أفكار دولية لحقوق الإنسان قبل ذلك التاريخ. فعصبة الأمم أولت حقوق الإنسان أهمية فائقة ، إذ كان الهدف الرئيس لتأسيس العصبة منع اندلاع حروب أخرى بعد الحرب العالمية الأولى ، وما انطوت عليه أو تسببت فيه من إزهاق أرواح ملايين البشر وتشريدهم .والواقع أنه قبل أن يدخل العالم طور الحداثة، عرف وثائق دولية تنص على حماية حقوق الإنسان في التفاعلات الدولية المختلفة، خاصة في زمن الحرب. ففكرة حقوق الإنسان فكرة قديمة منذ بدء ظهور الخليقة، لكون هذه الحقوق لصيقة أصلا بالإنسان وجودا وعدما .لكن المؤكد أن الطفرة الهائلة التي شهدها مفهوم حقوق الإنسان قد تحققت منذ منتصف القرن الماضي وعقب صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم تطور هذا المفهوم عبر سلسلة من الاتفاقات الدولية التي تدعمه. وتأكدت هذه الحقوق في أعقاب تنامي فكرة التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان، والتي تمثل إحدى القضايا الأساسية للنظام العالمي الجديد الذي نشأ عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار الكتلة الاشتراكية.
أولا : تطور حقوق الإنسان على الصعيد الدولي :
أياً كان الاختلاف والتنوع في النظر إلى مفهوم حقوق الإنسان،فالثابت أن القيم التي يتضمنها هذا المفهوم تجد أصولها في كافة المذاهب السياسية والاجتماعية والدينية، ذلك على النحو الذي يحملنا علي التسليم بأن حقوق الإنسان في صورتها الحالية ليست سوى نتاجا لمساهمات كافة الديانات والثقافات والحضارات.
وإذا كانت حقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من النظام الداخلي للدول ، فإن تطور الحياة الإنسانية وتعرض الإنسان في العديد من الدول لانتهاك حقوقه قد حول مشكلة حماية هذه الحقوق من مشكلة داخلية محضة إلى مشكلة دولية، وذلك بعد أن ثبت للضمير العالمي عجز النظم الداخلية في كثير من الأحيان عن حماية الحد الأدنى من هذه الحقوق، ومن هنا نشأت فكرة التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان مع تسليمنا كذلك بأن كثيرا من حالات التدخل الدولي وقفت وراءها مبررات لا علاقة لها بحقوق الإنسان كنماذج الصومال والسودان والعراق وأفغانستان.
ومع أن الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان يتخذ في كثير من الأحيان الطابع السياسي ، إلا أن ما نشهده اليوم من وثائق دولية متنوعة تتعلق بهذه الحقوق يؤكد على وجود قانون دولي حقيقي لحقوق الإنسان يسعى عن طريق التعاون والتنسيق عبر الدول من خلال المنظمات الدولية بصفة خاصة ، إلى ضمان احترام المجتمع الدولي لعدد من القيم .
وهكذا ، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يعبر عن مصلحة إنسانية عامة ومشتركة ، يتسم بالتطور المستمر بهدف تلبية تطور مفهوم حقوق الإنسان ، وهو قبل ذلك يعتبر اشتقاقا من القانون الداخلي للدول.وبمنطق التسلسل التاريخي ، يمكن القول أن حقوق الإنسان منذ القدم وحتى الآن قد شهدت ثلاث مراحل للتطور هي : مرحلة العصور القديمة ومرحلة العصور الوسطى ثم العصر الحديث.
ففي مرحلة العصور القديمة، كان المجتمع يقوم على مبدأ الحق للقوة. فالقوي يتمتع بجميع الحقوق، والضعيف حقوقه مستباحة، بل ومفقودة في غالب الأحيان، فلم تكن الحرية الشخصية ولا غيرها من الحريات معروفة ولا ثابتة، بل كان نظام الرق معروفا كشيء مألوف وحرية العمل مقيدة والنظام الطبقي هو الأساس لبناء المجتمع.
وبعد أن تقدمت الحضارة، ظهرت مرحلة جديدة، أخذت على عاتقها تدوين بعض القوانين المكتوبة وهي عبارة عن أعراف سادت في تلك الحقبة من الزمن .ففي بابل ، في القرن العشرين قبل الميلاد ، ظهر قانون حمورابى والذي يعتبر أقدم شريعة مدونة ومعروفة. وهو عبارة عن تدوين للعادات الشائعة في آنذاك، ويتطرق إلى مسائل العقوبات. أما في اليونان فكانت تشريعات صولون الاغريقى (600 – 560ق.م) وقد انتخبه أهالي أثينا حاكما فقام بإصلاحات تشريعية وإدارية عديدة منها الإفراج عن المسجونين بسبب الدين . ثم منع استرقاق المديونين وتحرير الاراضي والفلاحين.وفى روما صدر قانون الألواح الاثنى عشر في أوائل عصر الجمهورية على إثر ثورة عامة الشعب على طبقة الأعيان في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد ، حيث جمعت العادات الرومانية السائدة في ذلك الوقت ، ثم نقشت على اثنى عشر لوحا نحاسيا وتعتبر هذه الألواح نواة لكل تشريع روماني لاحق، حيث ألغيت الفوارق بين الشعب الروماني ووضعت أصول المحاكمات والعقوبات التي امتازت بالقسوة.
لقد تميزت العصور الوسطى في أوروبا بقيام نظام الإقطاع ، الذي قام علي خاصتين أساسيتين ، الإقطاعية العقارية ، والتبعية الشخصية ة .فالأرض كانت متصلة بالشخص اتصالا وثيقا ، وبالتالي تحديد حقوقه وواجباته، إلا في وضعيته الإقطاعية الناتجة عن الأرض التي خُلق عليها. وهكذا كان التسلسل مزدوجا بين الأرض من ناحية، وبين الأشخاص من الناحية الأخرى، كما كان تسلسلاً عموديا، يبدأ بعبيد الأرض فيمر بالنبلاء أصحاب الدرجات المتفاوتة، لينتهي في أعلى قمته برباط الولاء للملك، الذي كان يمثل المرتبة العليا ليس لأنه ملك ورئيس دولة ، وإنما بوصفه السيد الإقطاعي الأسمى للهيكل الهرمي الذي يتألف منه النظام.وفى مثل هذا النظام لم يكن للأفراد حقوق أو حريات يعترف بها، حيث تندمج السلطة في شخص سيد الإقطاع . لذا من الصعب القول إن ثمة حقوق وحريات للإنسان في ظل نظام الإقطاع الذي ساد أوروبا في العصور الوسطى .
ومع انتهاء العصور الوسطى بدأ التطور التاريخي لحقوق الإنسان في أوروبا يتخذ مرحلة جديدة، حيث بدأت حقوق الإنسان تأخذ طريقها إلى دساتير الدول الغربية تحت تأثير النهضة الفكرية وبضغط بعض الثورات المشهورة التي قامت في سبيل حقوق الشعوب وتحريرها من طغيان الدولة .ففي بريطانيا صدرت الوثيقة الكبرى الماغنا كارتا على إثر ثورة الشعب والاكليروس على طغيان الملك عام 1215، وقد الحق بهذه الوثيقة وثائق أخرى أهمها عريضة الحق لسنة 1628 وإعلان الحقوق لسنة 1689 وقانون التسوية لسنة 1701.وبناء على هذه الوثائق وما تبعها من قوانين خاصة وسوابق قضائية، تمَّ اعتراف الملك بحقوق عامة الشعب، وتثبيت نظام الديموقراطية البرلمانية، ومبدأ الشرعية أو سيادة القانون وما يترتب على ذلك من مساواة وحريات وضمانات عملية .
وفى الولايات المتحدة الأمريكية، صدر إعلان الاستقلال سنة 1776 ويعتبر من أهم بيانات حقوق الإنسان في الغرب إذ تضمن المساواة بين الناس، وتمتعهم بحقي الحياة والحرية وطلب السعادة. كما تضمن اعتبار صلاحية الدولة لإقرار هذه الحقوق مستمدة من الشعب، وأجاز حق الشعب، في التمرد على انحراف الدولة عن هذا الهدف . وبعد ذلك صدر الدستور الأمريكي في عام 1787 ثم تعدل مرارا وأطلقت على التعديلات العشرة الأولى اسم إعلان الحقوق، والتي صدرت بين سنة 1789 وسنة 1791 لتنص على حرية العقيدة، والنفس والمال والمنزل، وضمانات حرية التقاضي وعدم التجريم بدون محاكمة عادلة، وضبط القوى المسلحة وشروط حمل السلاح. ونصت تعديلات لاحقة على تحريم الرق وتحرير الأرقاء، وعلى المساواة فى حق الانتخاب من دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس.
وفى فرنسا وعلى إثر الثورة الفرنسية ، صدر في عام 1789 إعلان حقوق الإنسان والمواطن، وألحق بدستور سنة 1791 الذي نص على أن الناس خلقوا ويظلون أحرارا ومتساوين في الحقوق وأن هدف كل دولة هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية، التي لا تقبل السقوط وهى الحرية والملكية والأمن ومقاومة الاضطهاد، وأن الشعب هو مصدر السلطات. كما نص الإعلان كذلك على تأكيد حرية الفكر والرأي وعلى عدم جواز نزع الملكية إلا للضرورة العامة ومقابل تعويض عادل مسبق.
أما الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 فقد ميزت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على سائر الحقوق.
أما في الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر وعلى اثر النهضات الفكرية والقومية والاجتماعية في الغرب ، وتحت ضغط المطالبات الشعبية أقرت الدولة العثمانية ما سُمي بعهد الإصلاح والتنظيمات ، فأصدرت الوثيقة الدستورية الاولى في عام 1839 بإسم خط كونحانه الشريف ثم تلتها الوثيقة الثانية في عام 1856 بإسم الخط الهمايونى، وقد تضمنت الوثيقتان إعلان بعض حقوق الإنسان وأهمها الحرية الشخصية وحرية الملكية الفردية، وحرية العقيدة مع تثبيت الامتيازات الملية الممنوحة منذ الفتح العثماني للمواطنين غير المسلمين ، والمساواة بين جميع العثمانيين أمام القانون مع حق تولى المناصب من دون تفضيل لملة أو لعنصر.
وهكذا، فإن العصور الوسطى التي بدأت بداية مظلمة لحقوق الإنسان، قد انتهت نهاية مبشرة لتدعيم هذه الحقوق في المستقبل مع ظهور العديد من الوثائق الدولية التي حملت هذا المعنى.والواقع إن النهاية اللافتة للعصور الوسطى كانت الأساس الذي انطلقت منه عملية تأكيد حقوق الإنسان خلال القرنين اللاحقين إلى أن وصل العالم إلى منتصف القرن الماضي ، حيث كانت الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها، وبدأ العالم يفكر في تأسيس منظمة دولية بديلة لعصبة الأمم ، فكانت نشأة منظمة الأمم المتحدة عام 1945 التي حملت معها ثورة لافتة في مفاهيم حقوق الإنسان.
ثانيا: الأمم المتحدة وحقوق الإنسان :
شرَّعت الأمم المتحدة نظاما دوليا متكاملا لحقوق الإنسان، وثمة عدة أطر يجرى فيها تناول قضايا حقوق الإنسان ولكل منها طبيعتها الخاصة، ويختلف أسلوب التعامل باختلاف النظرة لحقوق الإنسان في كل دولة ، أو إزاء كل قضية . وأهم هذه الأطر:
- الإطار العام وهو إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تبحث اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية التابعة للجمعية والمعروفة بإسم اللجنة الثالثة في اجتماعاتها السنوية شتى الموضوعات الخاصة بحقوق الإنسان، وتعتبر المرآة التي تعكس فيها الدول توجهاتها المستقبلية بالنسبة لقضايا حقوق الإنسان بهدف تهيئة الرأي العام لتناول قضية ما من قضايا حقوق الإنسان، سواء كانت هذه القضية ذات طابع عام مثل مناهضة التعذيب، أو كانت ذات طابع محدد تختص بحالة دولة. كما تبحث الجمعية العامة تقارير كافة الأجهزة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والتي تعالج قضايا حقوق الإنسان .
- الإطار المتخصص ويتمثل في اجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي وما يتفرع عنه من لجان متخصصة مثل لجنة حقوق الإنسان التي تعقد اجتماعاتها سنويا في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وتعد أكثر الأجهزة تركيزا في مداولاتها لقضايا حقوق الإنسان.
- الإطار الفني وهو إطار لجان الخبراء حيث تُتابع موقف كل دولة إزاء اتفاقيات حقوق الإنسان التي تدخل طرفا فيها وتُدرس التقارير التي تقدمها وتناقش مدى الوفاء، أو عدم الوفاء بالالتزامات المترتبة على عضوية الدولة في تلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
- الإطار الدولي العام ، ويتمثل في المؤتمرات الدولية التي تعقد من حين لآخر وتبحث بعض قضايا حقوق الإنسان مثل المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي سبق وانعقد في طهران عام 1968 ، والمؤتمر الذي عقد في فيينا في حزيران 1993 .
كذلك هناك اطر غير حكومية وتتمثل في نشاط منظمة العفو الدولية وتقاريرها الخاصة بحقوق الإنسان في مختلف دول العالم، وكذلك الإطار الإقليمي ويتمثل في نوعين من المنظمات ذات الطابع الإقليمي وهى منظمات إقليمية ذات طابع حكومي مثل اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان التي تعمل في إطار جامعة الدول العربية، ومنظمات إقليمية للخبراء مثل اللجنة الأفريقية المعنية بحقوق الإنسان والشعوب ، ومنظمات إقليمية غير حكومية مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
وبالتركيز على دور الأمم المتحدة تحديدا في إطار النظام الدولي لحقوق الإنسان، فإن هناك عدة مستويات لاهتمام الأمم المتحدة بهذه الحقوق.المستوى الأولى : ويشمل الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي .والمستوى الثاني : ويضم أجهزة أخرى تتعلق بعض نشاطاتها بحقوق الإنسان .والمستوى الثالث ويشمل الوكالات المتخصصة .
1 – الجمعية العامة :
تنص المادة (13) من الميثاق على أن من بين الأعمال التى تقوم بها الأمم المتحدة بدء الدراسات ووضع التوصيات بقصد توطيد التعاون الدولى فى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والاعانة على تحقيق حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للناس عامة بدون تمييز بينهم بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أوالديانة .وتحال معظم البنود المتعلقة بحقوق الإنسان إلى اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية. كما سبقت الإشارة إلى أن بعض هذه البنود تحال الى اللجان الرئيسية الأخرى التابعة للجمعية. فالبنود التى تتسم بصفة أساسية بالطابع السياسى ، تحال الى اللجنة الاولى أو إلى اللجنة السياسية الخاصة، بينما تحال البنود التى تتسم بصفة أساسية بالطابع الإقتصادى الى اللجنة الثانية.كما اسست الجمعية العامة أجهزة فرعية، ذات طابع مؤقت أو خاص ، وكذلك لجان خاصة من أجل مساعدتها فى تأدية المهام الملقاة على عاتقها فيما يتعلق بحقوق الإنسان مثل اللجنة الخاصة بسياسة التفرقة العنصرية فى جنوب أفريقيا سابقا.
2 - المجلس الاقتصادى والاجتماعى :
طبقا للمادة (62) من الميثاق يجوز للمجلس الاقتصادى والاجتماعى أن يضع التوصيات الخاصة بتوطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع ومراعاة التقيد بها كما يجوز له إعداد مشاريع اتفاقيات لعرضها على الجمعية العامة والدعوة الى مؤتمرات دولية وتشكيل اللجان من أجل توطيد حقوق الإنسان. ومن اللجان التى شكلها المجلس الاقتصادى والاجتماعى فى عام 1946 لجنة حقوق الإنسان التى تقوم بوضع الدراسات والتوصيات والتزويد بالمعلومات وغير ذلك من الخدمات التى يتطلبها المجلس الاقتصادى والاجتماعى، ولها أن تقدم للمجلس توصيات خاصة بشأن اية لجنة فرعية ترى ضرورة إنشائها. وقد أنشأت لجنة حقوق الإنسان، اللجنة الفرعية الخاصة بمعالجة منع التمييز وحماية الأقليات. وتقوم هذه اللجنة بوضع الدراسات الخاصة فى ضوء الإعلان العالمى لحقوق الإنسان حول منع التمييز من أى نوع.اما اللجنة الثانية التى أسسها المجلس الاقتصادى والاجتماعى فى عام 1946 فهى اللجنة الخاصة بمركز المرأة وتقوم بإعداد التوصيات والتقارير للمجلس الاقتصادى والاجتماعى حول توطيد حقوق المرأة فى المجالات السياسية والاقتصادية والمدنية والاجتماعية والثقافية ووضع التوصيات للمجلس حول المشاكل العامة العاجلة التى تتطلب عناية فى مجال حقوق المرأة بهدف تطبيق مبدأ المساواة فى الحقوق بين الرجال والنساء.
3 - أجهزة الأمم المتحدة الأخرى :
هناك ثلاثة أجهزة رئيسية أخرى من أجهزة الأمم المتحدة يمكن أن تكون مهتمة، من وقت لآخر وبدرجات متفاوتة، بأمور تتصل بحماية حقوق الإنسان وهى:
أ - مجلس الأمن :مجلس الأمن، بحكم الميثاق، هو الجهاز الذى يتحمل المسئولية الأساسية فى صيانة السلام والأمن الدوليين واتخاذ الإجراءات المناسبة لهذا الغرض، بما فى ذلك العمل الذى يستهدف تسوية المنازعات بالطرق السلمية وكذلك العمل الوقائى والتنفيذى. وقد أدت انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية أو انكارها الى قيام أوضاع شغلت مجلس الأمن ، ومنها على وجه الخصوص سياسات التفرقة العنصرية لحكومة جنوب افريقيا فى الماضى.
ب - مجلس الوصاية :أنشئ مجلس الوصاية لمساعدة الجمعية العامة ، والتى يعمل تحت سلطتها فى تنفيذ مهامها المتعلقة بنظام الوصاية الدولية المنصوص عليها فى الفصل الثانى عشر من ميثاق الأمم المتحدة. إن أحد الأهداف الرئيسة لنظام الوصاية ، طبقا للمادة (76) من الميثاق، هو التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بدون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الديانة.
ج- محكمة العدل الدولية :جميع أعضاء الأمم المتحدة يعتبرون، بموجب المادة (93) من الميثاق، أطرافا فى النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية ، ويحق لكل دولة من الدول الأطراف فى هذا النظام اللجوء للمحكمة بالنظر فى جميع المنازعات القانونية التى تنشأ بينها وبين دولة أخرى فى المنازعات الخاصة بالمعاهدات والاتفاقات الدولية ومنها بالطبع تلك الخاصة بحقوق الإنسان. ومن هذه الاتفاقيات نذكر على سبيل المثال تلك الخاصة بمنع جريمة ابادة الجنس البشرى، وإزالة كافة أشكال التمييز العنصرى .
4 - الوكالات المتخصصة :تعنى اربع من الوكالات المتخصصة والتى يضمها نظام المنظمات فى الأمم المتحدة عناية خاصة بشؤون حماية حقوق محددة. وهذه الوكالات هى: منظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة التعليمية والعلمية والثقافية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
فمنظمة العمل الدولية يقر دستورها أن العمل ليس سلعة وأن لكافة الكائنات البشرية الحق فى السعى من أجل رخائهم المادى فى ظل الحرية والكرامة وتساوى الفرص. وقد قام مؤتمر العمل الدولى ، الذى ينعقد كل سنة، تدريجيا بوضع 128 اتفاقية عمل دولية و 131 توصية أغلبها يعالج حماية حقوق وحريات إنسانية أساسية كتحريم العمل بالإكراه وحماية حرية المشاركة ومنع التمييز فى الاستخدام والمهنة.أما منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة فمن أهدافها الرئيسة المساهمة فى السلام والأمن عن طريق تدعيم الترابط الحضارى بين الأمم من خلال التعليم والعلوم والثقافة سعيا إلى تنمية الاحترام العالمى للعدالة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية.اما نظام منظمة الصحة العالمية فقد أكد فى مقدمته على أن التمتع بأعلى مستوى صحى يمكن الحصول عليه هو أحد الحقوق الرئيسية لكل أنسان وأن الحكومات تتحمل مسؤولية صحة شعوبها. وتعالج المشروعات الصحية التى تدعمها المنظمة مشاكل متعددة كالاشراف على الامراض المعدية والتأهيل الغذائى والامراض المزمنة والمنهكة وتطوير الخدمات الصحية العامة .أما منظمة الأمم المتحدة للاغذية والزراعة فإن مهمتها الأساسية كما تضمنتها مقدمة نظامها هى المساهمة من اجل اقتصاد عالمى متسع وتأمين الحرية الإنسانية من الجوع وتهتم المنظمة بصفة رئيسية بزيادة كمية الغذاء المتوافر فى العالم أجمع وتحسين نوعيته.
ثالثا : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في كانون الأول 1948 ، بالإضافة إلى العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والثقافية اللذين صدرا في 1966، أساس الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وإذا أضفنا إلى هذه الوثائق الدولية الثلاث جملة الاتفاقات والمعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان أو بجوانب محددة من هذه الحقوق يكون لدينا النظام القانوني الدولي لحماية حقوق الإنسان، والذي ينبثق منه ما بات يعرف بالقانون الدولي الإنساني الذي تنامي في ظله فكرة التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان.وقد صدر الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ويتألف من الديباجة وثلاثين مادة تحدد الحقوق والحريات الأساسية . وتتناول هذه المواد الحقوق المدنية والسياسية المواد (3-21). وأحكاما ختامية عامة (3 - 28).
وتحتوى المادة الأولى من الإعلان على المبدأ الفلسفي الشامل للحقوق والركيزة الأساسية لها ،إذ تنص على أن : يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الإخاء.
وتنص المادة (2) على المبدأ الأساسي الذي يمنع منعا باتا كل صور التمييز في التمتع بالحقوق الأساسية بحيث تقر هذه الحقوق للجميع بلا تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين وكذلك تتمتع بها جميع البلدان والأقاليم بغض النظر عن مركزها القانوني.وترسي المادة (3) ثلاثة حقوق أساسية ومتكاملة تنبع مباشرة من الإقرار بالحرية، والمساواة وهي الحق في الحياة، وفي الحرية، وفي أمان الفرد على شخصه .وتفصل المواد (4 – 21) الحقوق المدنية والسياسية . فتحرم العبودية والرق وتجارة العبيد، وممارسة التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية والعقوبات القاسية والمحطة بالكرامة، وحق كل إنسان في الاعتراف القانوني به ، والحق في الحماية المتساوية له من جانب القانون.وتؤكد المادة (22) على المبدأ العام الناظم للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقيود الوفاء بهذه الحقوق . فهي تعلن أن كل شخص - بصفته عضوا في المجتمع - هو أهل لحقوق معينة تعتبر لا غنى عنها لكرامته وتنامي شخصيته في حرية . وعلى رأس هذه الحقوق الضمان الاجتماعي .وتعترف المواد (23 – 27) لكل إنسان بالحق في العمل وفى الراحة وأوقات الفراغ وفى مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهية والحق في التعليم.
وتعتبر المواد الختامية الركائز الأساسية للوفاء بالحقوق . ومن بينها حق كل شخص في نظام اجتماعي ودولي يطبق كافة الحقوق بكل أمانة، وأن الأصل في الحقوق هو الإباحة ، والتقييد يجب أن يكون بواسطة قانون وعلى نحو حصري وضيق . ومن هذه القيود ألا تشكل ممارسة الحقوق من جانب أي شخص مسَّا لحقوق وحريات الآخرين . وهو ما يشكل مضمون فكرة النظام العام الواجب الاحترام.
وقد صدر العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية ، وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/12/ 1996، وهما يكونان، إضافة إلى الإعلان العالمي ، الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.وفي الواقع، يعتبر صدور هذين العهدين في وقت واحد يعكس إدراك المجتمع الدولي لوحدة ما يطلق عليه منظومة حقوق الإنسان.
وتتفق المادة الأولى في كل من العهدين على النص الواضح على مبدأ حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، بما في ذلك التصرف الحر في ثرواتها الطبيعية .وتلزم المادة الثانية كل الأعضاء بإيجاد وسيلة فعالة للتظلم من انتهاك الحقوق .وتؤكد المادة الثالثة قي كلا العهدين على ضمان حق مساواة الإناث والذكور في التمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها .وأما المادة الرابعة فتتعلق بجواز تقييد التمتع بالحقوق وذلك فقط في ظروف استثنائية وطارئة وفى أضيق الحدود .
ويؤكد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حماية الحق في الحياة، وعدم جواز إخضاع أحد للتعذيب، وعدم جواز الرق والحظر التام للاتجار بالرقيق ، وعدم جواز الاعتقال التعسفي.ويفصل هذا العهد في ضروب الحماية القانونية للإنسان وحقه في التقاضي ، فيؤكد أن الناس جميعا سواسية أمام القضاء. ويدعو لحماية الحق فى حرية الفكر والوجدان والدين والتعبير.وينص على حماية حقوق الأشخاص المنتسبين لأقليات عرقية أو دينية أو لغوية في أقاليم الدول الأطراف في العهد ، وحق التنقل واختيار مكان الإقامة واللجوء لدول أخرى غير دولة الإقامة والجنسية .
أما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فينص على الحق في العمل، ويكفل حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين، ويقر بحق كل شخص في الحصول على ضمان اجتماعي، ويؤكد حق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، وكذلك حق كل شخص في التعليم والتربية، مع التركيز على إلزامية ومجانية التعليم الأَولى.
رابعا : القانون الدولي الإنساني :
يعتبرالقانون الدولي الإنساني مجموعة من القواعد التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية. ويضمن هذا القانون الحماية للذين لا يشاركون في القتال أو الذين توقفوا عن المشاركة فيه ، كما أنه يقيد حق اختيار الوسائل والأساليب المستعملة في الحرب. والقانون الدولي الإنساني يسمى أيضا قانون الحريات أو قانون النزاعات المسلحة .كما يصنف كجزء من القانون الدولي الذي ينظم العلاقات فيما بين الدول من خلال اتفاقات أبرمتها هذه الدول، وهو نابع من مبادئ وممارسات عامة تقبلها الدول كالتزامات قانونية.أما أصل القانون الدولي الإنساني فيعود إلى قوانين وقواعد تستمد جذورها من ديانات وثقافات العالم بأسره . ولم يبدأ تطوره المعاصر سوى في الستينات من القرن التاسع عشر. ومع اتساع رقعة المجتمع الدولي زاد عدد دول العالم التي ساهمت في تطويره إلى حد توصيفه بأنه نظام عالمي.
وقد ورد جزء كبير من القانون الدولي الإنساني في اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة عام 1949، والتي وافقت جميع دول العالم تقريبا على الالتزام بها . ولتطوير هذه الاتفاقيات وتكميلها وقع اتفاقان آخران في 1977 هما البروتوكولان الإضافيان إليها .وهناك اتفاقات عديدة تحظر استخدام أسلحة تقليدية وخططا عسكرية معينة، مثل اتفاقيات لاهاى لعام 1907 واتفاقية عام 1972 بشأن الأسلحة البكتريولوجية واتفاقية عام 1980 الخاصة بالأسلحة التقليدية واتفاقية 1993 المتعلقة بالأسلحة الكيمياوية. وهناك أيضا اتفاقية لاهاى لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات.وقد أصبح كثير من قواعد القانون الدولي الإنساني مقبولا اليوم كقانون عرفي ، أي كقواعد عامة تسري على كافة الدول .ويشمل القانون الدولي الإنساني نطاقين:أولهما: الحماية لمن لا يشارك في القتال أو لمن توقف عن المشاركة فيه.ثانيهما: تقييد اختيار وسائل القتال وخاصة منها الأسلحة وأساليب القتال كالخطط العسكرية . والقانون الدولي الإنساني يحمي أولئك الذين لا يشاركون في القتال كالمدنيين وأفراد الخدمات الطبية والدينية. كذلك يحمى الأشخاص الذين كفوا عن القتال كالجرحى أو المنكوبين في البحار أو المرضى أو الأسرى .وينبغي عدم مهاجمة الأشخاص المحميين، كما يجب عدم الاعتداء عليهم جسديا أو معاملتهم معاملة مهينة. أما الجرحى والمرضى فيجب تجميعهم والعناية بهم. وتنطبق قواعد مفصلة على الأسرى والمحتجزين، تشمل توفير الغذاء والملجأ الملائمين لهم، علاوة على الضمانات القانونية.
كذلك هناك بعض الأماكن المحمية التي لا يجوز مهاجمتها ، ومنها المستشفيات وسيارات الإسعاف . ويعدد القانون الدولي الإنساني مجموعة من الشارات التي يمكن التعرف عليها بوضوح وإشارات تستخدم لتحديد هوية الأشخاص المحميين والأماكن المحمية .وتشمل هذه الشارات شارتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر.ويحظر القانون الدولي الإنساني جميع وسائل وأساليب الحرب التي لا تميز بين الأشخاص الذين يشاركون في القتال والذين لا يشاركون فيه ، كالمدنيين مثلا .وقد حرم القانون الدولي الإنساني استخدام العديد من الأسلحة منها الرصاص المتمدد في الجسم والأسلحة الكيميائية والبيولوجية وأسلحة الليزر المسببة للعمى.ويطبق القانون الدولي الإنساني فقط على النزاعات المسلحة ولا يشمل الاضطرابات الداخلية كأعمال العنف المنفردة، كما أنه لا ينظم حق أي دولة في استخدام أو عدم استخدام القوة فعلا. واستخدام القوة ينظمه جزء من القانون الدولي، ورد في ميثاق الأمم المتحدة . والقانون الدولي الإنساني لا يطبق سوى عند نشوب نزاع ويسري على جميع الأطراف بصرف النظر عمن بدأ القتال .
ومن المهم التمييز بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان. وعلى الرغم من أوجه التشابه بين بعض قواعد هذين القانونين إلا أنهما تطورا منفصلين عن بعضهما البعض ووردا في معاهدات مختلفة. فقانون حقوق الإنسان بالخصوص، يطبق، خلافا للقانون الدولي الإنساني، في وقت السلم ولكن العديد من أحكامه يمكن تعليقها أثناء نزاع مسلح.
ولكن هل للقانون الدولي الإنساني أثر فعلا ؟ المشكلة هي أن هناك حالات كثيرة لانتهاك القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات التي تدور في أرجاء العالم. وضحايا الحرب هم من المدنيين بشكل مطرد. ولما كان هذا القانون يطبق في أوقات الصدامات الكبرى فإن تطبيقه سيواجه دائما صعوبات جمة . ويبقى تطبيقه الفعال أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى.وقد اتخذت تدابير عديدة لتشجيع احترام القانون الدولي الإنساني ، فالدول مضطرة إلى تعريف قواتها المسلحة والجمهور العام بقواعد القانون الدولي الإنساني. وعليها أن تمنع وقوع انتهاكات القانون وأن تعاقب مرتكبيها عند الضرورة.ومن واجبها على الأخص وضع قوانين لمعاقبة الانتهاكات الجسيمة التي تنال من اتفاقيات جنيف والبرتوكولين المكملين لها والتي تعد جرائم حرب.
ويثير الحديث عن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بشكل عام والقانون الدولي الإنساني بشكل خاص قضية التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان، وهى القضية التي أخذت قدرا كبيرا من الاهتمام في ظل النظام العالمي الجديد. ورغم أن التحليلات السياسية قد درجت على النظر إلى الاهتمام الواسع بمبدأ التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان باعتباره تطورا جديدا على الساحة الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة، إلا أن جذور هذا المبدأ في الحقيقة تعود إلى أواخر الأربعينيات ، حيث دخل مفهوم الجرائم ضد الإنسانية إلى القانون الدولي العام عقب محاكمات نورمبرغ ، التي حاكمت قادة النازية في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية. وبموجب هذا المفهوم ، أصبحت مسألة التدخل لحماية حقوق الإنسان والأقليات جزءا من القانون الدولي، وتم إدراجها فعليا من خلال ميثاق مناهضة جرائم الإبادة الجماعية لعام 1948 ، وميثاق جنيف الخاص بقوانين الحرب لعام 1949، لكن المتغيرات الدولية في فترة الحرب الباردة حالت دون تطبيق هذه المبادئ والقواعد القانونية.
ولكن مع انتهاء الحرب الباردة، أصبحت الساحة الدولية مهيأة لنشوء توافق سيأسى عام بين القوى الدولية الكبرى حيال مبدأ التدخل الإنساني، بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما أتاح للولايات المتحدة السيطرة على مجلس الأمن لاستصدار قرارات تجاه القضايا والصراعات الدولية. وحتى فى الحالات التي تعذر فيها استصدار قرارات من مجلس الأمن، مثل حالة كوسوفو، فإن الولايات المتحدة وحلف الناتو بادرا بالتدخل عسكريا ، من دون غطاء قانوني دولي . ومن ناحية أخرى ، أكدت تطورات ما بعد الحرب الباردة على أهمية مبدأ التدخل الإنساني، حيث تواصلت انتهاكات حقوق الإنسان في أنحاء متفرقة من العالم ، وكانت بعض النظم الحاكمة أقسى على شعوبها من أي احتلال أجنبي، كما أن بعض الصراعات تفاقمت إلى مستويات بالغة، وهو ما استغله البعض لتبرير التدخل الخارجي لوقف القمع أو الصراعات الداخلية .
إن تطور منظومة العلاقات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة انطوى على توسيع نطاق التدخل، بحيث باتت هناك عدة أشكال لهذا التدخل هي :
- التدخل العسكري لمساعدة دولة حليفة أو صديقة بموجب معاهدة أو اتفاقية دفاعية مشتركة .
- التدخل لتلبية دعوة من طرف شرعي وطني في الدولة .
- التدخل لحماية أرواح وممتلكات دولة معينة إذا ما تعرضت للتهديد في دولة أخرى .
- التدخل لاعتبارات إنسانية لحماية مواطني دولة أو أقلية معينة تتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان .
ولكن التطبيق العملي لهذا المبدأ شابته العديد من الاختلالات ، أبرزها استمرار غياب التوصيف الموضوعي الدقيق للمعايير التي يمكن وفقا لها اعتبار تطور ما جريمة ضد الإنسانية أو انتهاك لحقوق الإنسان والأقليات ، بالإضافة إلى الانتقائية الشديدة في تنفيذ مبدأ التدخل الإنساني ، بحيث كان هذا التدخل في جميع الحالات الماضية مرتبطا - ولو بمقادير متفاوتة - بالمصالح المباشرة للقوى الدولية المعنية . كما أن نطاق هذا التدخل لم يكن واضحا، بحيث تحولت قوات التدخل الدولية في بعض الحالات إلى طرف في الصراع ما أدى إلى تحويل هذا المبدأ إلى حجة للتدخل في الشئون الداخلية للدول التي تشهد صراعا داخليا أو تمردا من جانب أقليات معينة.
كما تجاهلت القوى الدولية حالات أخرى شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والأقليات والشعوب، وكان التجاهل الدولي عائدا إما إلى وجود مصالح قوية بين حكومات الدول التي تشهد انتهاكا لحقوق الإنسان والأقليات وبين حكومات الدول الكبرى، وبالذات الولايات المتحدة، أو إلى خشية الولايات المتحدة بالذات من استثارة غضب الحكومات المتورطة في الصراع. وقد برز هذا التناقض واضحا في أن الولايات المتحدة تجاهلت الأمم المتحدة في الكثير من الحالات، وبالذات في حالة التدخل الأطلسي في كوسوفو، وهو ما دعا الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى التشديد على ضرورة وضع ضوابط متفق عليها سلفا لمعالجة الحالات التي تستدعى تدخلا إنسانيا دوليا، بما في ذلك ضرورة التعامل بسرعة مع تطورات الصراع في بعض المناطق ، التي تشهد تدهورا سريعا لأوضاع حقوق الإنسان، ما يتطلب تسريع آلية اتخاذ القرارات داخل الأمم المتحدة وفق ضوابط محددة ومتفق عليها .
وفى ظل هذه التعقيدات، نشب جدل دولي بشأن مبدأ التدخل الإنساني ، وتبلورت في إطار هذا الجدل ثلاثة تيارات رئيسة، على الشكل التالي :
- التيار الداعي إلى توظيف مبدأ التدخل بوصفه أداة لخدمة مصالح القوى الكبرى، وبالذات الولايات المتحدة وبريطانيا، ويكون الاهتمام بالتدخل هنا مدفوعا في الأساس بمصالح الدول الكبرى وقائمة الأوليات الخاصة بها .
- التيار الداعي إلى الحفاظ على سيادة الدول المستقلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أيا كانت الحجج الكامنة وراء هذا التدخل . وهو موقف العديد من دول العالم الثالث، بحجة أن سيادة الدولة تعتبر أهم مبدأ في التنظيم الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة.
- التيار الداعي إلى ترشيد مبدأ التدخل الإنساني، بحيث يتم الاعتراف به وقبوله، ولكن مع وضع ضوابط وتدابير كفيلة بضمان موضوعية تطبيقه.
كما إن قضية التدخل الإنساني تظل واحدة من القضايا الأكثر تعقيدا في العلاقات الدولية المعاصرة، ومن الصعب الوصول إلى إجابات محددة بشأنها، وهو ما دعا العديد من دول العالم الثالث، إلى المطالبة بإجراء حوار دولي موسع يتسم بالصراحة والوضوح حول قضايا السيادة والتدخل الإنساني.
خامسا : منظمة المؤتمر الإسلامي وحقوق الإنسان :
اكتفى ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسست عام 1969 بالإشارة في ديباجته إلى مبادئ الحرية والمساواة والعدالة والتسامح وعدم التمييز. كما تؤكد الديباجة إيمان الدول الإسلامية بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الأساسية. وقد ورد النص في المادة الثانية من الميثاق الخاصة بأهداف المنظمة على هدف العمل على القضاء على التمييز العنصري والاستعمار بجميع صورهما. كما أن من بين هذه الأهداف اتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز السلم والأمن الدوليين على أساس من العدل وتعزيز نضال الشعوب الإسلامية للحفاظ على كرامتها واستقلالها وحقوقها الوطنية (الفقرة السادسة) . وتعهد المادة الرابعة من الميثاق إلى مؤتمر ملوك ورؤساء الدول والحكومات مهمة فحص المسائل ذات الأهمية القصوى للعالم الإسلامي التي يمكن أن ندرج من ضمنها مسائل حقوق الإنسان.
ومن الواضح أن ميثاق المنظمة لا يقدم أية إيضاحات حول طبيعة حقوق الإنسان أو مضمون هذه الحقوق . ولم تنشئ المنظمة هيئة تعنى بهذا الموضوع على غرار المنظمات الإقليمية الأخرى.ولكن المنظمة أعدت مشروع إعلان لحقوق الإنسان في الإسلام وأدرجته في جدول أعمال مؤتمر ملوك ورؤساء الدول الإسلامية المنعقد في مكة المكرمة في أواخر كانون الثاني 1981، الذي أصدر قرارا بإحالة الأمر على مؤتمر لوزراء الخارجية. وبعد مداولات ، صدر إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام في 8/8/ 1990 . ويقع الإعلان في ديباجة وخمس وعشرين مادة.
وتؤكد مقدمة الإعلان على الدور الحضاري والتاريخي للأمة الإسلامية وحاجة البشرية إلى سند إيماني لحضارتها ، والإيمان بأن الحقوق الأساسية والحريات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين . أما الحقوق التي أوردها الإعلان فهي على التوالي الحق في المساواة وعدم التمييز (المادة الاولى والحق في الحياة المادة الثانية، وحرمة الإنسان والحفاظ على سمعته في حياته وبعد موته ، والحق في الزواج بصرف النظر عن أية قيود يكون منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية المادة الخامسة، والمساواة بين المرأة والرجل المادة السادسة وحقوق الطفل المادة السابعة ، والحق في التمتع بالأهلية الشرعية والحق في التعليم المادة التاسعة ، وحرية الديانة المادة العاشرة ، وتحريم العبودية إلا لله سبحانه المادة الحادية عشرة وحرية التنقل واختيار محل الإقامة في إطار الشريعة وحق اللجوء المادية الثانية عشرة ، والحق في العمل المادة (13) والحق في الكسب المشروع المادة(14) والحق في التملك بالطرق الشرعية المادة (15) ، والحق في الانتفاع بثمرات الإنتاج العلمي أو الأدبي أو الفني المادة(16) ، والحق في العيش في بيئة نظيفة من المفاسد والأوبئة الأخلاقية وحق الرعاية الصحية والحق في العيش الكريم المادة (17)، والحق في الأمان وفى الحياة الخاصة المادة(18) ، والمساواة أمام الشرع يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم ، وحق اللجوء إلى القضاء، ومبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بموجب أحكام شرعية المادة (19) ، والحق في الحرية وعدم جواز النفي أو العقاب بغير موجب شرعي، وحق الإنسان في عدم الخضوع للتعذيب وحقه في عدم الخضوع للتجارب الطبية أو العلمية بدون رضاه المادة (20) وتحريم أخذ الإنسان رهينة المادة(21) ، والحق في التعبير بحرية عن الرأي بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية، والحق في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفقا لضوابط الشريعة الإسلامية، وعدم جواز إثارة الكراهية القومية والمذهبية المادة(22).
وفيما يتعلق بالحقوق السياسية فقد اكتفى الإعلان في المادة الثالثة والعشرين بالقول :
- الولاية أمانة يحرم الاستبداد فيها وسوء استغلالها تحريما مؤكدا ضمانا للحقوق الأساسية للإنسان .
- لكل إنسان حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن له الحق في تقلد الوظائف العامة وفقا لأحكام الشريعة .
ويلاحظ أن كافة الحقوق والحريات المقررة في هذا الإعلان مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية المادة(24) . كما أن الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أية مادة من مواد هذه الوثيقةالمادة(25).
ويختلف إعلان القاهرة عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وفى مقدمتها العهدين الدوليين لحقوق الإنسان من حيث اعتماد أحكامه على الشريعة الإسلامية. ومن جهة أخرى يتطرق الإعلان لبعض الحقوق التي لا توليها إعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان أي عناية وتجد مكانها بين الاتفاقيات التي يتكون منها القانون الدولي الإنساني، والإعلان هو مجرد توصية تفتقر إلى القوة الإلزامية في الدول الإسلامية. ولهذا السبب فقد جاء خلوا من النص على إنشاء أي هيئة خاصة بالإشراف على تنفيذ أحكامه.
الفصل الثالث
حــقــوق الإنسان في الــعــالــم العربي
يرتبط مدى احترام حقوق الإنسان في دولة معينة بمدى ديمقراطية هذه الدولة، فالدول الديمقراطية هي التي تحترم حقوق الإنسان حيث أن لكل تيار سياسي الحق في تشكيل الحزب السياسي الخاص به، وإعلام يتمتع بالحرية الكاملة، وهناك أيضا تقاليد رصينة لإعمال مبدأ سيادة القانون بحيث يصبح هو الأمر الناهي الذي لا تعرقل تطبيقه أي عراقيل أخرى، وهو الأمر الذي يرسي مبدأ المساواة التامة بين جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم.أما فى الدول التي يطلق عليها العالم الثالث فهناك الكثير من الممارسات القانونية والعملية التي تنتهك حقوق الإنسان، بغض النظر عن نص الدستور الصريح على حماية هذه الحقوق.وينطبق الأمرعلى العالم العربي، لكن الواقع يؤكد أن ثمة اتجاها واضحا فى الدول العربية لتدعيم توجهاتها الديمقراطية. وبدأت الصحافة العربية تعرف طريقها إلى الحرية، وأصدرت جميع الدول العربية تقريبا دساتير دائمة. وباختصار يبدو العالم العربي الآن أفضل من السابق فى مجال حقوق الإنسان.
أولا : الدساتير العربية وحقوق الإنسان :
يمثل الدستور في أي دولة من الدول القانون الأساسي، فهو الوثيقة القانونية الأساسية للدولة،وهو الذي يحدد الحقوق والحريات العامة للمواطنين، ومن ثم فإن تناول نصوص الدستور المتعلقة بهذه الحريات يعد نقطة البداية لفهم الأساس القانوني لحقوق الإنسان.لكن ما ينبغي التأكيد عليه أن ما ينص عليه الدستور قد لا ينفذ حرفيا في الواقع، أو قد لا ينفذ مطلقا.
وتنص سائر الدساتير العربية على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. فنجد على سبيل المثال أن دستور قطر الصادر في عام 1972 ينص على أن المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة، وذلك دون التمييز بسبب العنصر أو الجنس أو الدين. كما ينص دستور السودان لعام 1971 على أن المواطنين في جمهورية السودان الديمقراطية متساوون أمام القضاء، والسودانيون متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو العنصر أو الموطن المحلي أو اللغة أو الدين. وينص الدستور المصري لعام 1971 على نفس المبدأ بقوله: المواطنون لدى القانون سواء هم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة.وكذلك الدستور اللبناني الصادر في العام 1926.كما نص الدستور اللبناني في الفصل الثاني منه على العديد من الحقوق التي يتمتع فيها اللبنانيون،منها كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم المادة(7).والحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفاقاً لأحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون المادة(8). وحرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون المادة(13).
لكن الممارسة تكشف أحياناً عن فجوة بينها وبين النصوص القانونية من خلال احتكار أقليات سياسية أو حزبية للسلطة وممارسة التمييز ضد بعض الفئات الاجتماعية والأقليات. كما يحدث في أحيان كثيرة أن تأتي القوانين مقيدة لما أباحه الدستور. وعادة ما تميز الدساتير العربية بين الحريات العامة مثل حرية الاعتقاد والعمل والتنقل والملكية التي تبدي تلك الدساتير إزاءها درجات مختلفة من التسامح والمرونة، والحريات ذات الطابع السياسي مثل حرية التنظيم والإضراب والرأي والتعبير التي غالبا ما تحاط بالقيود.كما يلاحظ على تنظيم الدساتير العربية للحقوق والحريات السياسية أنه يتم أحيانا بطريقة تعسفية .
ثانيا : الجامعة العربية وحقوق الإنسان :
آتى ميثاق الجامعة العربية خاليا من أي ذكر لحقوق الإنسان وحرياته.وفى إطار الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لوضع قضايا حقوق الإنسان في دائرة اهتمام الحكومات والتجمعات الإقليمية المختلفة، وجعلها عام 1968 عاما دوليا لحقوق الإنسان، قرر مجلس الجامعة الإعداد لعقد أول مؤتمر عربي إقليمي لحقوق الإنسان في بيروت في كانون الأول من العام نفسه، لكن المؤتمر قصَّر اهتمامه بالدرجة الأولى على فضح الانتهاكات التي تمارسها إسرائيل داخل الأراضي المحتلة.وقد سبق هذا المؤتمر بثلاثة أشهر صدور قرار من مجلس الجامعة يقضي بتشكيل لجنة إقليمية دائمة لحقوق الإنسان، وذلك استجابة لمذكرة بعثت بها الأمانة العامة للأمم المتحدة 1967 تتضمن اقتراحا بذلك. وقد نص القرار على أن تنشأ اللجنة في نطاق اللجان الدائمة المنصوص عليها في المادة الرابعة من ميثاق الجامعة. ومن ثم فإن دورها اقتصر على إصدار توصيات تعرض على مجلس الجامعة. وقد بدا واضحا أن دور هذه اللجنة السياسي والإعلامي لا يتعدى فضح الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، بينما ينحصر دورها الثقافي في دراسة أوضاع حقوق الإنسان العربي وإيجاد حلول لها. وعلى الرغم من أن مهام اللجنة تتضمن تلقي تقارير من الدول العربية حول حقوق الإنسان فيها، إلا أن استعراض جوانب عملها لا يظهر أن اللجنة قد قامت بهذه المهمة حتى في حدودها الدنيا.
وإذا كان بدء اهتمام الجامعة العربية بحقوق الإنسان قد جاء بمبادرة من خارجها -الأمم المتحدة- فإن جهودها في صياغة مشروع ميثاق إقليمي لحقوق الإنسان جاءت بدورها بمبادرات من خارجها أيضا.
وقد جاءت المبادرة الأولى من جمعية حقوق الإنسان بالعراق التي تقدمت باقتراح إلى اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في عام 1970 بالعمل على إصدار إعلان عربي لحقوق الإنسان تمهيدا لإقرار اتفاقية عربية في هذا الشأن وتشكيل محكمة عدل عربية. وقد استجابت اللجنة لهذا الاقتراح وشكلت فريقا من الخبراء لإعداده وصدر في العام التالي بإسم إعلان حقوق المواطن في البلاد العربية ولكن مواده لم ترتب أية التزامات على الدول العربية التي توافق عليه. وكما أن المادة الأخيرة منه تقوض كل ما يتضمنه الإعلان من حقوق بما تجيزه للحكومات من حق في التنصل من هذه الحقوق دون استثناء - بما في ذلك الحق في الحياة - في حالات الطوارئ العامة. ولم يلق هذا الإعلان اهتماما يذكر من أكثر من نصف الحكومات العربية، في حين أبدت تسع دول فقط اهتماما بإبداء رأيها في المشروع والذي تراوح ما بين التأييد دون تحفظ، والمطالبة بإدخال التعديلات عليه، والرفض الكامل شكلا وموضوعا، وانتهى المشروع إلى الحفظ بأرشيف الجامعة.
أما المبادرة الثانية فقد جاءت من اتحاد الحقوقيين العرب الذي عقد ندوة في بغداد عام 1979 حول حقوق الإنسان في الوطن العربي تمخضت عن إصدار مشروع اتفاقية عربية لحقوق الإنسان وعدد من القرارات التي دعت الجامعة العربية إلى تنشيط دور لجنتها الدائمة لحقوق الإنسان. وقد دفع ذلك الأمانة العامة للجامعة إلى تكليف بعض الخبراء العرب بوضع ميثاق عربي لحقوق الإنسان أعلن في آذار1983 وأحيل إلى الحكومات العربية لإبداء الرأي فيه، وظل محلا للتعديل وتأجيل الإقرار حتى اعتمد في أيلول 1994 من مجلس الجامعة العربية.
ثالثا : الميثاق العربي لحقوق الإنسان :
يعتبر الميثاق العربي لحقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من إنجازات الجامعة العربية، حيث تم إعداده وإقراره من جانب الجامعة، وهو يعد الوثيقة الأكثر أهمية لحقوق الإنسان في العالم العربي.وقد اعتمد هذا الميثاق من قبل مجلس الجامعة العربية في أيلول 1994،بعد مرور أكثر من 23 عاما على أول مشروع للميثاق في تموز1971.
يقع الميثاق في ديباجة وأربعة أقسام، وتتوزع أحكامه على (43) مادة. وتؤسس الديباجة منطلقات الميثاق ومرجعيته. فتؤكد انطلاقه من إيمان الأمة العربية بكرامة الإنسان منذ أن أعزها الله بأن جعل الوطن العربي مهداً للديانات وموطناً للحضارات التي أكدت حقه في حياة كريمة على أسس من الحرية والعدل والسلام ونوهت بمبادئ الشريعة الإسلامية والديانات السماوية الأخرى في الأخوة والمساواة بين البشر، كما نوَّهت بالوحدة والحرية وحق الأمم في تقرير مصيرها والحفاظ على ثرواتها والإيمان بسيادة القانون والتمتع بالحرية والعدالة وتكافؤ الفرص كمعايير للأصالة في أي مجتمع. وأعربت عن رفض العنصرية والصهيونية اللتين تشكلان انتهاكا لحقوق الإنسان وتهديدا للسلام العالمي، وأكدت على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام.
ويتضمن القسم الأول مادة واحدة تؤكد على حق كافة الشعوب في تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، وأن تختار بحرية نمط كيانها السياسي وتنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما يؤكد - مرة أخرى - دور العنصرية والصهيونية والاحتلال كتحد للكرامة الإنسانية، وكعائق أساسي يحول دون إعمال الحقوق الأساسية للشعوب ووجوب إدانة جميع ممارساتها والعمل على إزالتها.
أما القسم الثاني، فيضم (38) مادة تتضمن مجموعة الحقوق والحريات الأساسية. وتشمل الحقوق الأساسية المواد (2،3،4) حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في الميثاق دون تمييز بسبب العنصر أو اللون .. الخ ودون تفرقة بين الرجال والنساء، وعدم جواز تقييد أي من الحقوق الأساسية المقررة أو القائمة في أية دولة طرف في الميثاق استنادا إلى عدم إقرار الميثاق لهذه الحقوق، أو إقرارها بدرجة أقل، وعدم جواز فرض قيود على الحقوق والحريات المكفولة بموجب الميثاق سوى ما ينص عليه القانون ويعتبر ضروريا لحماية الأمن والاقتصاد الوطنيين أو النظام العام أو الصحة العامة، أو الأخلاق، أو حقوق وحريات الآخرين.
وبينما أجاز الميثاق للدول الأطراف في أوقات الطوارئ التي تهدد حياة الأمة أن تتخذ من الإجراءات ما يحلها من التزاماتها طبقا لهذا الميثاق إلى المدى الضروري الذي تقتضيه بدقة متطلبات الوضع، فقد استثنى حصرا خمس مجالات لا يجوز فيها التحلل من أحكام الميثاق وهي التعذيب والإهانة، والعودة إلى الوطن، واللجوء السياسي، والمحاكمة وعدم جواز تكرارها عن ذات الفعل، وشرعية الجرائم والعقوبات.
كما يشمل القسم الثاني كذلك إقرار الحق في الحياة، وتأكيد مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، وبراءة المتهم حتى تثبت إدانته، والحق في الحرية والسلامة الشخصية، وتساوي الناس أمام القضاء، وكفالة حق التقاضي، وعدم فرض عقوبة الإعدام إلا في الجنايات البالغة الخطورة، وعدم جواز الحكم بعقوبة الإعدام في جريمة سياسية، وحماية الدولة لكل إنسان مقيم على أرضها من التعذيب ألبدني والنفسي واعتبار هذه التصرفات أو الإسهام فيها جريمة يعاقب عليها، ووجوب معاملة المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية معاملة إنسانية، وتجريم المساس بحرمة الحياة الخاصة بما في ذلك خصوصيات الأسرة والمسكن وسرية المراسلات وغيرها، واعتبار الشخصية القانونية صفة ملازمة لكل إنسان، والحق في حرية التنقل، وعدم جواز نفى اللاجئين السياسيين، وعدم جواز إسقاط الجنسية بشكل تعسفي، وكفالة حق الملكية الخاصة، وحظر تجريد المواطن من أمواله بصورة تعسفية. ويتضمن القسم الثاني كذلك مجموعة الحريات الأساسية، فأقر حرية العقيدة واعتبر حرية الفكر والرأي مكفولة لكل فرد، وكفل للأفراد من كل دين حق ممارسة شعائرهم الدينية والتعبير عن أفكارهم والرأي إلا بما نص عليه القانون، وأقر بحرية الاجتماع والتجمع السلمي وألا يفرض من القيود على ممارستها إلا ما تستوجبه دواعي الأمن القومي أو السلامة العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، كذلك كفل الميثاق الحق في تشكيل النقابات والحق في الإضراب في الحدود التي ينظمها القانون، وأكد كفالة الدولة للحق في العمل لكل مواطن، وتكافؤ الفرص في العمل والحق في شغل الوظائف العامة. كما اعتبر محو الأمية التزاما واجبا والتعليم الابتدائي إلزاميا كحد أدنى وبالمجان، وكفل للمواطنين الحق في الحياة في مناخ فكري وثقافي يعتز بالقومية العربية ويقدس حقوق الإنسان وحق المشاركة في الحياة الثقافية. كما أكد على عدم جواز حرمان الأقليات من التمتع بثقافتها أو إتباع تعاليم دياناتها ورعاية الدولة للأسرة والأمومة والطفولة والشيخوخة رعاية متميزة وكفالة حماية خاصة لها.
أما القسم الثالث فيضم مادتين اثنتين (40) و (41) تتعلقان بتشكيل لجنة خبراء من سبعة أعضاء ينتخبون من بين مرشحين ترشحهم الدول الأعضاء أطراف الميثاق من ذوي الخبرة والكفاءة العالية فى مجال عمل اللجنة، ويعملون بصفتهم الشخصية، وتقوم الدول الأطراف بتقديم تقارير دورية كل ثلاث سنوات إلى اللجنة وأخرى تتضمن استفسارات من اللجنة، وتدرس اللجنة هذه التقارير، وترفع تقريرا بآراء الدول وملاحظاتها إلى اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في الجامعة العربية.
أما القسم الرابع والأخير، فيتضمن مادتين إجرائيتين تتعلقان بأن يعرض الأمين العام للجامعة العربية الميثاق على الدول الأطراف للتوقيع والتصديق أو الانضمام، وسريان الاتفاق بعد شهرين من تاريخ إيداع وثيقة التصديق أو الانضمام السابعة لدى الأمانة العامة للجامعة العربية.
وبالرغم من أهمية ما تضمنه هذا الميثاق إلا أنه لا يرقى إلى المعايير الدولية، المتضمنة في العهدين الدوليين، ويتجاهل الحق في التنظيم السياسي وحق المشاركة في إدارة الشئون العامة. كما افتقد الميثاق آليات تكفل تنفيذ أحكامه، وخاصة أن لجنة خبراء حقوق الإنسان التي يقضي بتشكيلها بدت معدومة الاختصاصات. كما أن التقارير المفترض تقديمها من الحكومات - وفق هذا الميثاق - افتقرت إلى التحديد.
ولا يرقى هذا الميثاق أيضا إلى مشروع حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي الذي جرى إعداده عام 1986 بمبادرة من المعهد الدولي للعلوم الجنائية بإيطاليا الذي وجه الدعوة لعدد من رجال الفكر والقانون في تسع دول عربية لمؤتمر خاص عقد بمدينة سيراكوزا متسقا مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وأنطلق من موقف ديمقراطي عميق انعكس في النص على حق تكوين الأحزاب والنقابات وحق الإضراب ولم يكتف بحظر التعذيب، بل اعتبره جريمة لا تسقط بالتقادم، كما فرض قيودا على لجوء الحكومات لحالة الطوارىء وتبنى موقفا اجتماعيا متقدما ينص على حق الإنسان في بيئة خالية من التلوث جنبا إلى جنب مع الحق في الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية والضمان الاجتماعي والغذاء والكساء والمسكن والتعليم المجاني. كما حدد إجراءات وآليات واضحة لضمان حماية حقوق الإنسان ترتكز على إنشاء لجنة عربية لحقوق الإنسان ومحكمة عربية لحقوق الإنسان.
رابعا : الحركة العربية لحقوق الإنسان :
يقصد بالحركة العربية لحقوق الإنسان الهيئات والمنظمات العربية التي تهتم بقضية حقوق الإنسان.وقد اقترنت نشأة هذه الحركة ببدء الاهتمام بقضية حقوق الإنسان سواء على مستوى الحكومات العربية وجامعة الدول العربية أو على المستوى الشعبي في عقد السبعينات.وربما يجد ذلك تفسيره فى عدد من الاعتبارات :
- أن الأمم المتحدة كانت قد بدأت في تكثيف جهودها من أجل حث الحكومات على الانضمام إلى العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللذين اعتمدا من قبل الأمم المتحدة وطرحا للتصديق من قبل الحكومات عام 1996. ومن ثم فقد عرفت هذه الفترة جهودا دولية استهدفت وضع قضايا حقوق الإنسان فى دائرة اهتمام الحكومات والتجمعات الإقليمية المختلفة ومن بينها جامعة الدول العربية.
- انه بدخول العهدين الدوليين حيز النفاذ عام 1976، تحولت قضية حقوق الإنسان لتصبح شأنا عالميا اكتسبت في إطاره القواعد الأساسية لحقوق الإنسان مرتبة أسمى وأعلى من الدساتير والتشريعات الوطنية. وأخذت دعاوى الحكومات بأن حقوق الإنسان من صميم سيادتها الداخلية في التراجع، حيث باتت هذه السيادة مقيدة باحترام أحكام المواثيق الدولية.
- أن فترة السبعينات شهدت بداية إدراك داخل المجتمعات العربية لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد هزيمة 1967.
وقد وجد تداخل هذه الاعتبارات تعبيره في بدء التحرك داخل الجامعة العربية نحو صياغة مشروع ميثاق عربي لحقوق الإنسان. وانعكس الاهتمام الحكومي على المستوى العربي، في بدء الموافقة على العهدين الدوليين عام 1969 من قبل تونس وسوريا، ثم ليبيا عام 1970 والعراق عام 1971، ثم توالى تصديق عديد من الدول على العهدين.وفى هذا السياق أخذت الحركة العربية لحقوق الإنسان في التنامي على المستويين الحكومي والأهلي، وذلك على النحو التالي :
1 - على المستوى الحكومي اتجهت بعض الحكومات العربية في نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات إلى استحداث أطر حكومية معنية بحقوق الإنسان فى مواجهة نمو الحركة المستقلة لحقوق الإنسان داخل بلدانها من جانب، وتفادى الانتقادات التي يتعرض لها سجلها في حقوق الإنسان على المستوى الدولي من جانب آخر.وكان العراق صاحب المبادرة الأولى في هذا المجال حيث تم إنشاء جمعية لحقوق الإنسان عام 1970.وفى تونس، ومع تأزم العلاقة بين السلطات في نهاية عهد الرئيس السابق بورقيبه والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عمدت السلطات إلى تشجيع إنشاء منظمة أخرى في أيار 1987 عرفت بإسم الجمعية التونسية لحقوق الإنسان والحريات العامة.وفى الجماهيرية الليبية سمحت السلطات بإنشاء ما يسمى باللجنة الليبية لحقوق الإنسان يقتصر دورها على الرد على ما تثيره المعارضة الليبية في الخارج من انتقادات إزاء انتهاكات حقوق الإنسان.وفى السودان قامت السلطات بحل الرابطة السودانية لحقوق الإنسان في إطار الحظر الذي فرضته حكومة الإنقاذ الوطني منذ توليها السلطة عام 1989 على كافة الأحزاب والجمعيات عدا الدينية منها. وقد استبدلت بالرابطة منظمة أخرى تابعة للحكومة وحملت نفس اسمها.
وفضلا عن هذه المنظمات الحكومية وشبه الحكومية، فقد اتجهت بعض الحكومات العربية إلى إنشاء إدارات خاصة بحقوق الإنسان في بعض وزاراتها واستحداث منصب وزير خاص بحقوق الإنسان، كما اتجه بعضها وخاصة في بلدان المغرب إلى تشكيل هيئات ومجالس حكومية مختصة بشؤون حقوق الإنسان.وقد تمثلت مظاهر هذا الاتجاه في المغرب بصدور مرسوم ملكي بإنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في نيسان 1990، وتعيين وزير مكلف بحقوق الإنسان. وفى تونس استحدثت السلطات في كانون الثاني1991 لجنة استشارية لدى رئيس الجمهورية في المسائل المتصلة بحقوق الإنسان عرفت باسم الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الإسلامية، كما عين رئيس الجمهورية مستشارا أول لديه مكلفا بحقوق الإنسان، وعهد إليه مهمة متابعة سياسة الدولة في مجال حماية حقوق الإنسان. وفى الجزائر أنشأت السلطات مكتبا خاصاً لحقوق الإنسان بالإدارة المركزية لوزارة العدل، كما استحدثت منصب وزير لحقوق الإنسان في حزيران 1991 لكنه ألغيَّ في تموز 1992 بعد إنشاء هيئة حكومية مختصة بحقوق الإنسان عرفت باسم المرصد الوطني لحقوق الإنسان.
2 - على المستوى الأهلي :ويأتي في هذا الإطار العديد من المؤسسات ذات الطابع الوطني أو الإقليمي.
أ - إتحاد المحامين العرب: بحكم طبيعة هذه المهنة يعد من أنشط الاتحادات المهنية الإقليمية العربية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
ب - إتحاد الحقوقيين العرب الذي تأسس كمنظمة غير حكومية عام 1976 واتخد من بغداد مقرا له. وهو معنى بحكم نشاطه المهني بقضايا حقوق الإنسان ذات الصلة الوثيقة برسالته العامة فى تدعيم سيادة القانون.
ج - الاتحاد العام للصحفيين العرب الذي تأسس عام 1964 وينص نظامه الأساسي على دور الصحفيين العرب في الدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين والتضامن ضد كل اضطهاد لهذه الحرية.
د - الهيئات ذات الاهتمام المتخصص بنوعية معينة من قضايا حقوق الإنسان حيث توجد هيئات مختصة بالدفاع عن قضايا المرأة من بينها مؤتمر تضامن المرأة العربية، وأخرى برعاية الطفولة ومن بينها مجلس الطفولة العربي.
هـ - المنظمات والروابط المهنية المعنية بالقانون وحريات التعبير وفى مقدمتها نقابات المحامين والصحفيين وروابط وهيئات الكتاب.
على أنه يمكن القول أن الساحة العربية لم تعرف ولادة منظمات غير حكومية للدفاع عن حقوق الإنسان، وتعمل بصورة مستقلة عن الحكومة وتضع بصورة أو بأخرى مبادىء حقوق الإنسان المستقر عليها كإطار مرجعي في عملها إلا في بداية السبعينات.
ويمكن القول أن بلدان المغرب العربي كانت صاحبة السبق في هذا المجال بحكم ارتباط هذه الدول بالثقافة البحر متوسطية، حيث تشكلت العصبة المغربية لحقوق الإنسان بالمملكة المغربية عام 1972، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عام 1977. كما تأسست بالمغرب أيضا عام 1979 الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لكنها لم تحظ بالاعتراف إلا بعد نحو تسع سنوات من تأسيسها.وقد جاءت الثمانينات لتشهد انطلاقة أكبر نسبيا لحركة حقوق الإنسان العربية بميلاد المنظمة العربية لحقوق الإنسان، واتجاه بعض الحكومات العربية إلى إعادة صياغة نظامها السياسي بصورة أكثر انفتاحا. وتعود فكرة إنشاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى عام 1971 عندما تبنت جمعية حقوق الإنسان بالعراق الدعوة لإنشاء اتحاد عربي للجمعيات القطرية لحقوق الإنسان. وقام اتحاد المحامين العرب بتطوير الاقتراح عام 1973 في اتجاه إنشاء منظمة عربية لحقوق الإنسان تنشىء فروعا لها داخل الدول العربية. وتشكلت لجنة تحضيرية لهذا الغرض قامت بإعداد النظام الأساسي والداخلي للمنظمة المقترحة ودعت إلى عقد الاجتماع التأسيسي للمنظمة في بيروت في شباط 1974. لكن المشروع تجمَّد عند هذه الحدود، حيث أفضت الخلافات حول الشكل المقترح للمنظمة وأساليب عملها إلى عدم عقد الاجتماع.
وقد أعيد طرح المشروع مرة أخرى من خلال نخبة من المثقفين العرب الذين اجتمعوا في تونس في أبريل 1983 لبحث أزمة الديمقراطية في الوطن العربي وخلصوا إلى أن الخروج من الأزمة لن يتأتى إلا بتأكيد احترام حقوق الإنسان العربي ووجهوا الدعوة لعقد مؤتمر تأسيسي لإنشاء المنظمة. وقد عقد المؤتمر في كانون الأول 1983 في قبرص بعد تعذر أقامته بأية دولة عربية.
وقد كان إنشاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان حافزا على إنشاء منظمات أو روابط أو مجموعات قطرية كفروع لها. فأصبح للمنظمة فروع خارجية تنشط في أوساط العرب المقيمين في فرنسا وبريطانيا والنمسا وألمانيا وكندا وتضم فروعها أو روابطها المؤسسية في الداخل مثل المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التي تأسست في بدايتها كفرع للمنظمة العربية عام 1985، والمنظمة السودانية لحقوق الإنسان التي تأسست عام 1985 وحظر نشاطها عام 1989 واضطرت للعمل من الخارج حيث بات مقرها الرئيسي في العاصمة البريطانية واتخذت من القاهرة مكتبا فرعيا لها، والجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان التي تأسست كفرع للمنظمة العربية عام 1985 وحظيت بالصفة القانونية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان التي تأسست في نيسان 1987، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي تأسست في كانون الأول 1988، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان/ فرع الأردن التي تأسست في آذار 1990، والمنظمة اليمنية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية التى تأسست عام 1992. ووفقا للنظام الأساسي للمنظمة العربية فإنها تسترشد في عملها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتدافع عن كافة الأفراد الذين تنتهك حقوقهم وتعمل على تعميق وعى المواطن العربي بحقوقه المشروعة وتوثيق روابط التعاون والتنسيق مع المنظمات والهيئات العاملة في نفس المجال.
وتصدر المنظمة تقريرا سنويا يحظى باهتمام الأوساط المعنية بحقوق الإنسان باعتباره يشكل مرجعا أساسيا إن لم يكن وحيدا للمهتمين بدراسة أوضاع حقوق الإنسان في كافة البلدان العربية.وقد عملت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع اتحاد المحامين العرب والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، على تكوين المعهد العربي لحقوق الإنسان الذي تأسس عام 1989 واتخذ من العاصمة التونسية مقرا له.إضافة إلى ذلك، فإن مؤسسات حركة حقوق الإنسان العربية تضم عددا من المجموعات العربية التى تمكنت من تأسيس فروع لمنظمة العفو الدولية داخل بلدانها.
كما اتجهت البرلمانات في بعض البلدان العربية إلى تشكيل لجان مختصة بحقوق الإنسان وقد وجد ذلك تعبيره في كل من لبنان والكويت واليمن.
وقد بدأت المنظمات العربية لحقوق الإنسان تلعب دوراً متزايداً فى احاطة الرأى العام العربى والدولى بوضعية حقوق الإنسان داخل البلدان العربية، واستطاعت أن تكتسب احترام الحركة العالمية لحقوق الإنسان من خلال تطوير أدائها المهنى والالتزام. كما تمكن بعضها من اكتساب خبرات وآليات العمل المتعارف عليها لدى الحركة العالمية لحقوق الإنسان، وشق بعض هذه المنظمات طريقه نحو الاستفادة من الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان وذلك من خلال المشاركة فى أعمال اللجان المختصة بحقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة، أو مخاطبة المقررين الخاصين وفرق العمل المعنية بأقسام خاصة من انتهاكات حقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة.
ورغم أهمية ما تحقق في ظل العديد من الاعتبارات والعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية التي أحاطت بمرحلة ميلاد الحركة العربية لحقوق الإنسان الا أن هناك العديد من التحديات وهى :
أ- التحديات القانونية :أفضت القيود القانونية التي تحفل بها التشريعات العربية إلى حجب المشروعية عن عديد من منظمات حقوق الإنسان.
ب- ضعف ثقافة حقوق الإنسان :هناك ضعف واضح وفى أحيان كثيرة غياب للوعي العربي على المستوى الشعبي والرسمي بثقافة حقوق الإنسان، وهو ما يقف حائلا دون تطوير أداء الحركة العربية لحقوق الإنسان، ويرجع ذلك إلى الحداثة النسبية في نشأة منظمات حقوق الإنسان العربية والقيود القانونية التي تحصر مجال نشاطاتها.
ج- الطابع النخبوي للحركة :ومعنى هذا الطابع أن الحركة تقتصر على صفوة من المثقفين، وبالتالي فهي منفصلة عن القواعد الشعبية الحقيقية للمجتمع، وهو أمر اقتضته نشأة هذه المنظمات على أيدي عناصر سياسية في بيئة تفتقر إلى ثقافة حقوق الإنسان وتعانى من هشاشة العمل الأهلي المستقل والضعف العام لمؤسسات المجتمع المدني، وتدنى قيمة الديمقراطية في الثقافة السياسية السائدة لصالح قيم التحرر الوطني والعدل الاجتماعي.
القسم الرابع
الانقلاب على حقوق الإنسان
اولا:حقوق الأنسان بعد 11 أيلول
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي شهدت الكتلة الاشتراكية وبعض الدول اللاتينية والشرق أوسطية حراكا لافتا على المستوى الإجرائي، وشرعت في إجراء إصلاحات سياسية تواءمت مع بنية الفكرة الديمقراطية وتزامن ذلك مع اتخاذ قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان مركز الصدارة في سجلات النخب الثقافية والسياسية.وفي موازاة ذلك كانت الولايات المتحدة الأمريكية تبسط سطوتها على النظام العالمي وتنصب نفسها داعيًا لنشر فلسفة النموذج الديمقراطي وحارسا له، متقاطعة مع أطروحة "فوكوياما" حول نهاية التاريخ.. معتبرًا أن البشرية أصبحت مرهونة بهيمنة النموذج الليبرالي الغربي الذي أغلق سقف التطور التاريخي لصالحه.وفي نفس السياق استغلت موقعها وقدرتها في النظام الاقتصادي الدولي لتمارس أقصى الضغوط عبر المؤسسات المالية الدولية ضد الدول التي تغرد خارج سرب الديموقراطية وفقا للمقاييس الغربية.و ظلت لافتات: الحريات، حقوق الإنسان، الرفاهية، تطرح كمحفزات تستخدمها الوسائل الثقافية والإعلامية الغربية وأنصارها في بقاع كثيرة من العالم؛ لإغراء الآخرين بإسراع الخطى نحو قطار الديمقراطية.
واللافت في الأمر انه لم يكن بوسع أحد قبل أحداث 11 أيلول 2001 أن يجنح به الخيال لتصور تحول الأمور بهذه السرعة. فمسحة التفاؤل وأحاديث الديمقراطية وتحولاتها، وقضايا حقوق الإنسان تحولت إلى هواجس ومخاوف من الدخول في نفق مظلم على المستويين العالمي والداخل الأمريكي نتيجة القوانين التي سُنَّت والتدابير التي اتُّخذت في أعقاب أحداث 11 أيلول في دفع البعض إلى تبنِّي مقولة: إن المجتمع الأمريكي بهذه الحالة بات أسفل سلم الحريات، وإن دولة القانون باتت على مقربة من دول العالم الثالث التي طالما لاحقتها الهيئات الأمريكية بتقاريرها حول أدائها السيئ في هذه الميادين.
فقد ركَّزت الإدارة الأمريكية على البُعْد الأمني، ورفضت إجراء أي محاولات تقويمية لتفهم الظروف والأسباب الموضوعية. وبدلاً من أن تشرع الإدارة الأمريكية في إعادة النظر في الملفات التي جلبت السخط على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، اعتبر الرئيس جورج بوش أن سبب هجوم الإرهابيين على أمريكا يكمن في حقدهم على الديمقراطية والحريات التي يتمتع بها المجتمع الأمريكي، متجاهلا العديد من القضايا كالصرع العربي – الإسرائيلي، والتدخل في بعض القضايا الدولية بشكل غير عادل، والبيئة، والعولمة.. وكأن هذه الملفات لم تخلق مشاعر عدائئية.
ورغم أن ديمقراطية العلاقات الدولية تعاني منذ زمن بعيد، فإن ما جرى في أعقاب 11 أيلول ذهب بهذه المعاناة أشواطًا بعيدة. وقد فشلت كل الجهود في إقناع الإدارة الأمريكية على التقيَّد بمظلة الشرعية الدولية، والتشاور مع نظرائها في الأسرة الدولية للتداول حول خطر الإرهاب. وكرَّّست الإدارة الأمريكية بمساعيها سياسة الانفراد، ودأبت على توجيه أوامر خالية من معاني الدبلوماسية إلى أعضاء الأسرة الدولية. وطلبت وانشطن انصياع الجميع لإرادتها والاصطفاف خلفها. وقد حاول البعض تلمس تبريرات لهذه المواقف في بداية ألازمة، باعتبار أن الحدث كان فوق الاحتمال، إلا أن توالي الأيام لم يغيِّر الإدارة الأمريكية عن لهجتها. ولعل أخطر ما تمخضت عنه تداعيات 11 أيلول في هذا المجال، القانون الذي صدر في 5 تشرين الثاني 2001 وأقرته وزارة الخارجية الأمريكية، والذي يسمح للولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية لإطلاق سراح أي مواطن أمريكي أو مواطن من الدول الحليفة لأمريكا يكون قد تم القبض عليه في دول أخرى. وهكذا تصبح الصورة أكثر سوادا، ويصبح التساؤل مشروعًا: هل ثمة ديمقراطية في مجال العلاقات الدولية؟.
وقد اعتبرت الإدارة الأمريكية أن فضاء الحريات في المجتمع الأمريكي شكل مساحات مناسبة لتمدد الأنشطة الإرهابية. وحاولت الإدارة الأمريكية إفهام الشعب الأمريكي بأن الأمن ينبغي أن يكون الشاغل الأكبر في مرحلة استثنائية في حياة المجتمع الأمريكي. وقد وفرت أجواء الرعب التي خلفتها أحداث 11 أيلول وما تبعها من كابوس الجمرة الخبيثة أجواء مواتية مكنت الإدارة الأمريكية من تمرير قوانين واتخاذ تدابير غير مسبوقة في الخبرة الأمريكية. فقد استهل الرئيس الأمريكي إجراءاته في تعزيز الأمن الداخلي بإضافة حقبة وزارية جديدة تسمى وزارة الأمن الداخلي، التي ظلت مثارًا للسخرية باعتبارها علامة على النظم الشمولية. وقد كان التطور الأبرز في مجال تقليص الحريات القانون الذي وافق عليه الكونجرس لمكافحة الإرهاب،الذي حصل على أغلبية 9 أصوات من أعضاء الكونجرس في حين عارضه عضو واحد. والذي يمثل لحظة فارقة في تاريخ حقوق الإنسان والحريات في المجتمع الأمريكي؛ وقد أعطت مواد القانون صلاحيات هائلة لوكالة الاستخبارات الأمريكية بحيث أصبح مخولاً لها: توقيف الأجانب واعتقالهم دون تهمة، والتنصت على المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني، وتفتيش المنازل سرًّا والإطلاع على سجلات الشركات.
ثمَّة اعتقاد أن تلك القوانين وهذه التدابير لم تحرك ثائرة المجتمع الأمريكي؛ باعتبار أن الأمريكيين قد ذهلوا بما حدث في 11 أيلول وما تبعها، ولأن هذه القوانين وتلك التدابير ستتوجه إلى الأجانب وذوي الأصول غير الغربية. غير أن استمرار مفاعيل هذه القوانين وتلك التدابير ربما يطال المجتمع الأمريكي، الأمر الذي يفتح الآفاق على توقع حدوث تصادم بين عقلية الإدارة السياسية البراغماتية وآمال وطموحات الشعب الأمريكي. فالأول سيُلِحّ على الأمن، والثاني سيبحث عن استعادة الحقوق والحريات التي سلبتها منه قوانين وتدابير مكافحة الإرهاب؛ وربما دفع هذا إلى حدوث توترات وصراعات غير مسبوقة في النسيج الأمريكي تضع أمريكا على مشارف مرحلة جديدة.
ثانيا : مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان هزيمة سياسية لأميركا
منذ الإعلان عن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 /3/2006 بإنشاء المجلس الدولي لحقوق الإنسان، ليكون بديلا من اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، سادت حالة من الارتياح داخل المنظمات الدولية والأهلية المعنية بحقوق الإنسان• كما عبّرت دول كثيرة مهتمّة بالإصلاح وتعزيز مسيرة الحقوق والحريات عن الرضى لعدم تشكيل مجلس محدود من الدول الكبرى، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، الهدف منه رسم سياسات وأدوارا للمجلس الجديد، لإلزام الدول الأخرى به وجعله محكمة عليا لحقوق الإنسان تفرض قراراتها على بقية الدول •
وسيتولى المجلس الجديد إستعراض تقارير الدول والمنظمات غير الحكومية وتقارير المنظمات الخاصة بحقوق الإنسان التي رُحِلّتْ إليه، بعد أن ينتهي دور اللجنة في 9/5/2006 عقب تصويت الجمعية العامة على اختيار أعضاء المجلس الجديد من الدول المرشحة• على ان يباشر المجلس انعقاد جلساته في 19/6/2006• ولقد أدى تشكيل المجلس الجديد لحقوق الإنسان بالصيغة التي أقرتها الجمعية العامة، إلى منح أفريقيا 13 مقعدا و آسيا 13 مقعدا و6 لأوروبا الشرقية و7 لأوروبا الغربية و8 لأميركا اللاتينية، بحيث يتكون المجلس من 47 دولة أعضاء في الأمم المتحدة، ما يوفر حدا" ملائما لتمثيل كل منطقة جغرافية، شريطة حصول الدولة الفائزة بالعضوية على الأغلبية المطلقة أثناء التصويت على 96 صوتا" عن طريق الاقتراع السري ، ما يجعل المجلس الجديد أكثر ديمقراطية وقبولا في تشكيله من جانب دول العالم الثالث•
ووضع المجلس الجديد قاعدة مهمة هي عدم جواز إعادة إنتخاب الدول، لمرة ثالثة مباشرة، بعد شغلها ولايتين متتاليتين بالانتخاب• وحدّد المجلس مدة العضوية في كل فترة بثلاث سنوات• وهو ما يتطلب ضرورة تنسيق الدول العربية المسبق لأدوارها، مّما يعتبر كسبا" وفرصة لها لكي تكون فاعلة، وتسعى للحصول على جانب من المقاعد من المخصصة لدول أفريقيا أو آسيا، وعدم الربط في عضوية المجلس الجديد، بين وجود مجالس أو لجان وطنية بها لحقوق الإنسان، في التقدم لعضوية المجلس الجديد• ذلك أن الابتعاد عنه سيؤدي إلى فرض سياسات مؤثرة في المستقبل على الدول الغائبة عنه• المجلس الجديد خطط له بحيث يكون عمله تشاوريا حقيقيا بين الدول في مجال حقوق الإنسان، مع الالتزام بالتعامل مع جميع الدول بمستوى واحد، دون تمييز بغضّ النظر عن هويّة الدولة وعن نظامها، إذا خالفت قوانين ومبادئ حقوق الإنسان• وبالتالي فالرؤية العامة لدور المجلس هي ألا يقتصر على الدول المتقدمة في مجال حقوق الإنسان• لذا لن يكون في ذلك ظلم للدول التي ما زالت في بداية الطريق، وغير عادل في توصياته أو إدانته لها• وأتى توزيع تمثيل المناطق الجغرافية ليعبر عن الواقع الدولي بأهمية وجود تنوع حتى يتمكن من تأدية دور أكبر على الساحة الدولية• وساهمت الجهود التي شهدتها عدة عواصم أوروبية وتبِنّى الاتحاد الأوروبي لمشروع إيان إلياسون رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإنشاء المجلس الدولي الجديد ودعوة منظمة العفو الدولية للدول الأعضاء للموافقة عليه، دون إبطاء، في إقناع الدول التي ليست لديها مجالس وطنية أو لجان استشارية لحقوق الإنسان بالتصويت لصالحه•
إن المجلس الجديد سوف يتعامل مع جميع الدول دون أفضلية أو تسييس، كما يقول بيان للأمم المتحدة • على أن يعمد المجلس إلى آلية جديدة مختلفة في نشاطه تحد من الممارسات السيئة القديمة للجنة الدولية• وسوف يقوم برفع قراراته للجمعية العامة وليس للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وستضبط المعايير الجديدة لتعليق عضوية الدول بالمجلس الجديد في حالة ثبوت ارتكابها لانتهاكات لحقوق الإنسان، بشكل منظم ومتعمّد، للقضاء على سياسة ازدواج المعايير والمواقف المتخاذلة للجنة الدولية السابقة• وقد لعبت الجهود الأوروبية في كسب تأييد عدد كبير من الدول الأعضاء بعدم طرح سجلات الدول في مجال انتهاك أو احترام حقوق الإنسان، والالتزام بمعيار آخر لعضوية المجلس هو مدى التزام الدولة بتنفيذ ملاحظات اللجان التعاقدية وغير التعاقدية لحقوق الإنسان، في نشاطاتها في هذا المجال واهتمامها بتطبيق الاتفاقيات الدولية ومعايير الأمم المتحدة والانضمام إليها• ولم تخف عواصم عربية وشرق أوسطية ترحيبها بهذه الخطوة واعتبرتها بداية للديمقراطية الدولية داخل الأمم المتحدة ودعوتها للمجلس الجديد، بدعم وترسيخ حقوق الإنسان والدفاع عنها على المستوى الدولي وعدم حصرها في منطقة محددة•
وحددت الرؤية الجديدة لعمل المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف التي تعد جهازا منفصلا إداريا عن المجلس الجديد ضمن الأمم المتحدة، حيث سيكون المجلس تابعا للامين العام للأمم المتحدة مباشرة• إذ ستسعىالمفوضية إلى تطوير وسائل حماية حقوق الإنسان على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، لأن الهدف سد النقص الناتج عن غياب تطبيق حقوق الإنسان من الناحية العملية، والتأكد من أن الحقوق قد أصبحت واقعا فعليا، وأن التعاون والتفاعل مع المنطقة العربية يشكل جزءا أصيلا من خطة الأمم المتحدة في هذا الشأن• وأشارت تعليقات المراقبين إلى أن المجلس الجديد سيكون ملتزما"من خلال مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالعمل مع الحكومات والمؤسسات الوطنية والمجتمع المدني لتطوير طرق فاعلة لتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات والحضارات والديانات، مبنية على أساس احترام عالمية حقوق الإنسان، لأن تعزيز هذه الحقوق سيساهم في تحقيق التنمية والأمن للوصول إلى عالم أكثر سلما ورفاهية• من اللافت في الموقف الأميركي اعتراضه على طريقة تكوين المجلس التي تمنع تسييس الموضوع وكانت أميركا هي التي صوتت وحيدة ضده وقال مندوبها إننا سنراقب عمل المجلس الجديد لمدة عام لمعرفة النتائج التي ستتمخض عن نشاطه• وبهذا الموقف يخشى أن لا تحظى أميركا بعضوية المجلس بعد عام نظرا لانتهاكات حقوق الإنسان لدى الإدارة الأميركية في الممارسات والتشريعات التي استحدثت بعد أحداث 11 أيلول 2001•
ثالثاا: ملاحظات حول حقوق الإنسان في ظل النظام الدولي ألآحادي
ثمة العديد من الملاحظات التي يمكنان تساق في مجال تطبيق حقوق الإنسان في الدول المتقدمة والنامية لا سيما في ظل النظام الدولي القائم وأبرزها:
- إن ما يميز حالة ووضع حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة هو التدهور والانحطاط والمعاناة الكبيرة من اختراقها والتعدي عليها ليس كما تعودنا على ذلك في المجتمعات الدكتاتورية والتسلطية والاستبدادية فحسب وإنما أصبح الأمر يتعلق بالدول التي تتغنى بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وما إلى ذلك من شعارات ومصطلحات.فالقابعون في غوانتنامو وأبو غريب وفي غيرها من السجون والزنزانات عبر العالم بدون مساءلة ولا محاكمة ولا حتى الحق في الإدلاء بكلمة أو رأي أو الاستعانة بمحام، يتساءلون عن مصيرهم وعن حقوقهم كبشر في الكلام والتعبير والدفاع عن أنفسهم.
- لقد أدت الحرب على الإرهاب إلى انهيار الشرعية الدولية وأصبح العالم يشاهد على الهواء الاعتداءات على حقوق الإنسان في فلسطين بداعي محاربة الإرهاب و في العراق بداعي التحرير وإعادة البناء وفي المدن الأميرية والأوروبية ومختلف بقاع العالم بداعي احتواء القاعدة والقبض على إتباعها. والتطورات بعد 11 أيلول 2001 شكلت منعطفا خطيرا واثر سلبا على حقوق الإنسان في العالم وحتى تلك الدول القليلة التي كان ينعم الفرد فيها بهامش كبير من حرية الفكر والرأي والتعبير والصحافة وما إلى ذلك وضربت هذه القيم والمبادئ باسم الحرب على الإرهاب وراحت تتجسس حتى على المكالمات الهاتفية والبريد الالكتروني وغير ذلك من خصوصيات البشر. فأميركا حطمت كل ما بنته خلال القرون الثلاثة الماضية في شهور معدودة بعد أحداث 11 أيلول فتدخلت في شؤون المؤسسات الإعلامية وتدخلت في خصوصية الأفراد ليس فقط داخل حدودها وإنما في سائر دول العالم وكما يحلو لها.
- منذ البداية الأولى كانت الانطلاقة خاطئة إذ كانت هناك ازدواجية في المقاييس والمعايير حيث انه في العام 1948 تاريخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كانت دول وأمم وشعوب ترزح تحت نير الاستعمار ولم يتطرق لها الميثاق لا من قريب ولا من بعيد ولم يولها أي اعتبار. فما هو الوضع في أيامنا هذه أيام الهيمنة الأميركية والحرب على الإرهاب؟. وما هو الوضع ونحن في نظام القطبية الأحادية وهل تمَّت عولمة ميثاق حقوق الإنسان؟ أم أن هناك فاعلون في النظام الدولي يستعملون المصطلح والمفهوم وفق معطياتهم ومصالحهم وهل بامكاننا الكلام عن عالمية حقوق الإنسان أم عولمة حقوق الإنسان؟.
- ما يمكن قوله أن حقوق الإنسان أصبحت أداة ضغط في يد القوى لفرض برامجه على الضعفاء،وأصبحت سلطة تمارس وتوظف في لغة السياسة والدبلوماسية وأصبحت تستعمل كوسيلة ضغط على عدد كبير من الدول التي تخرج عن سيطرة صانعي قرارات النظام الدولي. ففي الحوار بين الشمال والجنوب أو في العلاقات الثنائية أو حتى متعددة الأطراف تثار قضية حقوق الإنسان كما يحلو للطرف الأقوى.
- إن إشكالية حقوق الإنسان معقدة وأصبحت في عصر العولمة والحرب على الإرهاب وسيلة ضغط في يد الدول القوية ومبررا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وللتحكم في مسار العلاقات الدولية وفق مصالحها وأهدافها، ومن أهم المتناقضات التي يعيشها العالم بشأن حقوق الإنسان إن دولة مثل الولايات المتحدة الأميرية المدافع الأول عن حقوق الإنسان لا تعير اهتماما لهذا المبدأ في داخلها إذا تعلق الأمر بالأقليات مثل السود والهنود والأقليات الأخرى ومنهم العرب ونلاحظ كم من مواطن عربي اتهم وسجن وطرد من أميركا بدون محاكمة وبدون أدلة قاطعة وبدون سند شرعي. وما ينسحب على أميركا ينسحب على معظم الدول الأوروبية والدول المتقدمة. فرنسا مثلا في تعاملها مع المسلمين ومع مواطني شمال أفريقيا تبتعد كليا عن حقوق الإنسان وقصة الحجاب الإسلامي تبقى وصمة عار على دولة تدعي في شعاراتها «الحرية ـ الأخوة ـ المساواة».
- ويلاحظ كذلك أن الدول الفاعلة في النظام العالمي تساند وتدعم أنظمة مستبدة دكتاتورية في العالم الثالث وهذا يتناقض جذريا مع مبدأ حقوق الإنسان باعتبار أن هذه الدول وبحكم نظامها السياسي السلطوي لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تحترم حقوق الإنسان إذا غابت الحريات الفردية وحرية الفكر والرأي والتعبير والفصل بين السلطات، والغريب في الأمر أن الدول الغربية تساند هذه الدول النامية لفترة زمنية معينة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والاقتصادية وبعد فترة معينة تنقلب عليها.
- يلاحظ أن الولايات المتحدة التي نصَّبت نفسها رقيبا على حقوق الإنسان في العالم تكيل بمكيالين إذا تعلق الأمر بإسرائيل وبأطفال فلسطين وبالغارات على جنوب لبنان واحتلال الجولان، أما بالنسبة لإسرائيل فتوصف بالدولة الديمقراطية المتمتعة بحقوق الإنسان وبالحريات المختلفة وتستفيد سنويا من 12 مليار دولار ومن الأسلحة الاميركية المتطورة لقتل الأبرياء وتحطيم البنية التحتية لفلسطين. والحرب على أفغانستان والعراق حيث أصبحت قناة سي.أن.أن هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة في العالم المسموح لها بتزويد البشرية جمعاء بما تراه خبرا أم لا؟ وفي مقابل ذلك تمنع العديد من المحطات من البث كالمنار وكذلك الكشف عن تهديد كان أصدره الرئيس الأمريكي جورج بوش بقصف قناة الجزيرة إبان غزو العراق، أين هو حق الاتصال وحق المعرفة وحق الإعلام؟.
- إن بعض المنظمات غير الحكومية التي تعنى بشؤون حقوق الإنسان قد تم اختراقها واستغلالها واستعمالها وانحازت لدول ولمصالح ولإيديولوجيات معينة على حساب خدمة مبدأ إنساني عالمي لا يعرف في الأساس لا بالحدود ولا بالجنسيات ولا بالديانات ولا بالأعراق وإنما يعترف بالمباديء العليا للإنسانية وللبشرية.
- هل البشرية بحاجة إلى عولمة حقوق الإنسان أم إنها بحاجة إلى عالمية حقوق الإنسان؟ وإذا تكلمنا عن العالمية فهذا يعني احترام خصوصية الشعوب والأمم والحضارات. وكيف يكون مستقبل حقوق الإنسان في ظل العولمة، عولمة لا تؤمن بخصوصية الشعوب ولا بالشعوب الضعيفة والمغلوب على أمرها، عولمة تقوم على سلطة المال وسلطة السياسة ونفوذ القوة فالشركات المتعددة الجنسيات تسيطر على المال والأعمال والصناعات بما فيها صناعة الأفكار والقيم والرأي عبر الصناعات الثقافية المختلفة.ثمة أسئلة تطول بطول لوائح الانتهاكات التي ترتكب بحق الشعوب والأمم والتي تحتاج إلى إجابات محددة لكي تفضح المبررات التي وقفت وراء العديد من الحروب في هذا القرن تحت ستار حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب وغيرها!.