ماذا بعد قمة بيروت؟
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في ميدل ايست اللبندنية بتاريخ 2-8-2010
ثمة مؤشرات لبنانية قوية مفادها ان الثالث من آب المقبل سيكون منعطفا مفصليا في كشف الكثير من الملابسات والوقائع عن القرار الظني المزمع اطلاقه في ايلول المقبل، ذلك عبر الاطلالة الاعلامية لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله،وهو امر كان قد أسس له عبر عدة مواقف واطلالات سابقة. ذلك يعني ان مجمل الحراك العربي الذي اشتمل على قمم ثنائية توجت بقمة ثلاثية في بيروت لم تتمكن واقعيا وعمليا من االتوصّل الى آليات محددة لدرء المخاطر التي لامست لبنان والتي ستودي بالبيئة التي أمّنت له بعض الاستقرار بعد اتفاق الدوحة في العام 2008.
الجديد في الحِراك العربي الذي قادته المملكة العربية السعودية باتجاه كل من مصر وسوريا ولبنان والاردن، هو اقتناع الزعماء العرب ان الوضع اللبناني برمته بات على قاب قوسين او ادنى من الانفجار والذي لن تنحصر تداعياته على الساحة اللبنانية،بفعل المؤثرات الخارجية وقدرتها على تحريك الواقع الجديد اذا ما اشتعل في غير ساحة عربية.وبصرف النظر عما توصّلت اليه القمة الثلاثية في بيروت من تمنيات وردية للبنان في بيان عام لم يحمل جديدا،فإن مفاعيل قمة شرم الشيخ وكذلك دمشق بين العاهل السعودي وكل من الرئيسين المصري والسوري تبقى الأجدر بالمتابعة والتدقيق والبحث بين سطورها وثناياها.
فالسابقة التي تمتع بها لبنان من استقبال زعيمين عربيين معنيين رئيسيين بالوضع اللبناني، لن تمنحه حصانة طويلة قبل انفلات الوضع من عقاله،فالقمة التي لم تتجاوز النصف ساعة عمليا من اصل خمس ساعات استغرقها الضيفان في لبنان ليست كافية حتى لايصال كلمات السر اذا جاز التعبير لمن يعنيهم الامر، وبالتالي ان الأمر لا يعدو كونه محطة لاستيعاب تداعيات التسريبات الصحفية وغيرها للقرار الظني الذي سيتهم حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري. رغم علم الجميع من لبنانيين وغير لبنانيين ان محاولات ترحيل القرار الظني او محاولة استيعاب تداعياته الحالية او اللاحقة، لن يكون بمقدورهم التأثير فيه لا من قريب ولا من بعيد،الا اذا اتبعت خيارات مختلفة من بعض الدول الفاعلة في المنطقة ومنها السعودية ومصر وهو امر يبدو متعذرا حتى الآن.
وبالعودة الى قمة شرم الشيخ التي بدت محطة اساسية في سياق عربي متصل لاعادة ترتيب موازين القوى العربية الفاعلة، وبالتالي استثمارها في امكانية استيعاب الوضع اللبناني وما يمكن ان ينجم عنه، فإن الاشارات الأولى التي اطلقت منها هي حماية موازين القوى الداخلية اللبنانية، والتي تُرجمت بشكل واضح في بيان قمة بيروت من ضرورة الاحتكام الى المؤسسات السياسية والدستورية لمعالجة اية مشكلة قادمة،وبمعنى آخر الاشارة الى التحذير من العودة الى 7 ايار 2008 كأسلوب لحل المشاكل القائمة او التي ستظهر لاحقا.واذا كانت هذه الاشارات قد انطلقت من قمة شرم الشيخ فقد تم موازنتها بشكل واضح ايضا في قمة دمشق عبر ترجمتها في بيان قمة بيروت ايضا ومفادها الدور الاسرائيلي في العبث بالوضع اللبناني ووجوب مواجهته.
لكن القطبة المخفية والتي لم تظهر لها اثرا حتى الآن،تكمن اولا وأخيرا بالاجابة عن السؤال المركزي المتعلق بالقرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان وهو جوهر وهدف الحِراك العربي.
في المبدأ،وان تكن جميع هذه القوى لبنانية وعربية غير قادرة بالمعنى الفعلي والعملي منفردة على تغيير الواقع الحالي الضاغط من قبل المحكمة على حزب الله، فهي تحاول ترحيل القرار الظني الى آجال اطول من الخريف ،ومحاولة استيعاب تداعيات التسريب اولا ومحاولة احتواء ما يمكن ان يصدر في القرار الظني لاحقا. بيد ان الأمر وفقا لهذه التوليفة لا تناسب حزب الله وهو رفضها في الاساس على قاعدة رفض الاتهام من الأساس اولا، بل ظهور مواقف جديدة للحزب تدعو الى اصدار القرار الظني وعدم الترحيل او التـأجيل على قاعدة ان هذا الخيار يعتبر عملية تسوية لا تكشف القتلة الحقيقيين الذين نفذوا عملية الاغتيال.
لقد حدد امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله خريطة طريق لمعالجة قضايا المحكمة وكيفية ترميم العلاقة معها لجهة اعادة ردم فجوات عدم الثقة بها في خطاب له في نيسان الماضي،ومن بينها قضية شهود الزور، وكذلك فرضية ضلوع اسرائيل في عملية الاغتيال،لكن المحكمة لم تكن قادرة على قراءة هذه الرسالة الواضحة بفعل العديد من المؤثرات المعروفة، ما اوصل الأمور بها الى هنا.
ثمة متغيرات ووقائع مستجدة بات من الصعب على حزب الله تركها تفعل فعلها في الواقع اللبناني،لذا ان اسلوب المواجهة بات مغايرا عن المراحل السابقة،فالثلث الأول من آب لن يكون كما قبله وربما تشهد هذه الفترة دفعتين من المعلومات الموثقة التي سيطلقها السيد حسن نصرالله بما يخص المحكمة واسلوب عملها وتعاطيها، ستكونان بمثابة زلزال لن تكون تداعياته الارتدادية قليلة بالمقارنة مع جريمة الاغتيال نفسه.
لم يعد امام الحزب، سوى خيار المواجهة عبر هجومات استباقية ضد قرار ظني تستند المحكمة في اركانه وقرائنه على تجارب سابقة تراجعت عنها كمسار الاتهام الذي وجه الى سوريا سابقا،وكذلك الى الضباط اللبنانيين الأربعة.فالحزب الذي يعتبر القرار الظني قرارا اسرائيليا وهذا ما بدأت فصوله الاعلامية والعملية تتضح شيئا فشيئا عبر الاعلام الاسرائيلي نفسه، لم يعد بمقدوره سوى كشف الكثير من الأوراق التي يمتلكها والتي تجعل المحكمة غير قادرة على الدفاع عن نفسها عمليا.
ثمة اسئلة كثيرة تطرح نفسها ومن بينها،هل ان قمة بيروت وما سبقها كافية لاحتواء ما يمكن ان يتعرض لبنان له؟ ام ان الدور القطري سيتيح اعادة انعاش جديدة لاتفاق الدوحة ريثما تنضج ظروف اخرى؟ ام لدى حزب الله من المعطيات والوثائق والأدلة ما يكفي لنسف المحكنة وقرارها الظني؟ كثيرة هي الاحتمالات لكن الايام القليلة القادمة كفيلة بكشفها او تحديد مسارات ادارتها، وفي مطلق الأحوال ثمة غيوم سود تلوح في الافق، فهل سيتمكن لبنان من تخطيها هذه المرة؟