تحديات اوباما الخارجية بعد الصفعة الجمهورية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الخليج الاماراتية بتاريخ 16/11/2010
رغم العديد من الملاحظات التي يمكن ان تساق لسياسة الرئيس باراك اوباما الخارجية لجهة عدم تمكنها من الإفلات من عقال سياسة سلفه،فان ما ينتظره في النصف الثاني من ولايته تشكل تحديا قويا،ليس لمجمل السياسات المتبعة وإنما أيضا على مستقبل الولاية الثانية التي يتطلع إليها.وعلى الرغم من الظهور بمظهر القوي في قمة العشرين الأخيرة وكذلك في اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك"،فان جملة تحديات تنتظره والتي من الصعب التفلت منها أو تهميشها بالنظر إلى موقعها في الأجندة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة المقبلة.
بداية من الشرق الأوسط ، وبالتحديد لبنان، حيث استعادت الإدارة الأمريكية لهجتها العالية عبر موفدها جيفري فيلتمان،الذي زار بيروت بهدف إعادة شد عصب فريق من اللبنانيين على قاعدة المحكمة الخاصة بلبنان،بعدما تراخت قوتها وحراكها خلال الفترة الماضية،والذي اعتبر هذا الحراك الأمريكي بمثابة الإشارة الأولى بعد فوز الجمهوريين في انتخابات الكونغرس كسلفة سياسية أولى لعودة التشدد للسياسة الخارجية، والسؤال المطروح في هذا الاتجاه هل سيكون لبنان ساحة شد وجذب جديدة باتجاه سوريا وإيران؟وما هي قدرة الديموقراطيين على السير بسياسات مغايرة للتي أتت بهم إلى البيت الأبيض بعد خسارتهم في انتخابات الكونغرس؟
جانب آخر من التحديات المنتظرة وهي العلاقات الأمريكية السورية بعدما ارتفعت وتيرة التصعيد الأمريكي باتجاه دمشق،تارة على موقفها من دعم المقاومة اللبنانية،وتارة أخرى على قاعدة الحديث مجددا عن الطموحات السورية النووية من باب التفتيش عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية،بعدما أزيح ملف التهم الموجهة إليها باغتيال الرئيس رفيق الحريري،وأيضا بعد الفشل الأمريكي الفرنسي في مشروع إبعاد سوريا عن إيران.سياق سياسي من الصعب على الإدارة الأمريكية الحالية تخطيه دون متاعب واضحة بدأت بالظهور من جانب الجمهوريين، تجلت بالمطالبة بتسمية روبرت فورد سفيراً في سوريا.في وقت تتعالى شيئا فشيئا النبرة الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق على ملفات عديدة أخرى كالعراق مثلا.
في المقلب الآخر،وبالتحديد في أفغانستان ،حيث التقى الديموقراطيون والجمهوريون في العام 2009 على إرسال أربعين ألف جندي،لكنهم اختلفوا على توقيت الانسحاب المقرر في تموز 2011،فهل سيتمكن بارك اوباما من تنفيذ وعده أم سيتمكن الجمهوريون من إبقاء الولايات المتحدة في رمال كابول المتحركة،بعد إعادة انتشارهم في العراق؟
ملف آخر لا يقل حساسية وهو من النوع الذي لا يملك الطرفان الأمريكيان وحدهما قدرة في توجيهه بمعزل عن الرغبات الإسرائيلية، وهو الملف النووي الإيراني،الذي شهد مرونة ملحوظة في السنتين الماضيتين قياسا على عهد الرئيس جورج بوش،فما هو مصير المحادثات المنتظرة بين إيران ومجموعة الست بداية الشهر المقبل؟هل سيتمكن باراك اوباما من متابعة نهجه في التعامل مع طهران في نفس المنهج والسياق ؟أم للجمهوريين كلام آخر؟ الواضح ان اوباما لن يكون مرتاحا في إدارة هذا الملف مستقبلا دون تعديلات واضحة ترضي الجمهوريين ومن يقف وراءهم.
في العام 2008 وعد الرئيس باراك اوباما خلال حملته الانتخابية مضاعفة المعونات المالية والاقتصادية للدول الحليفة،كما تعهدت لاحقا وزيرة الخارجية هيلاري كيلينتون بذلك على ان لا تكون الدبلوماسية وحدها طريقا لجذب المزيد من التأييد لواشنطن واعتمدت المعونات والتنمية إلى الجانبين الأمني والعسكري.فهل سيستطيع اوباما تنفيذ تعهداته في ظل سيطرة جمهورية في الكونغرس تتواءم مع سياسات تتطلع إلى تخفيض الأعباء عن دافع الضرائب الأمريكي.وينسحب الأمر نفسه على الميزانية العسكريّة إذ عرفت مرحلة ما قبل الانتخابات جدلاً محتدماً حول ما إذا كان على الولايات المتّحدة تخفيض ميزانيتها العسكريّة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردّية.
جانب آخر ينتظر المزيد من الخلافات حوله،وهو الاتفاقات النووية المدنية. إذ من الواضح استخلاص الموقف السلبي للجمهوريين في ما يخص هذه الاتفاقات الجديدة التي تبرمها الإدارة الحالية مع عدد من البلدان. ومع انتهاء الاتفاقية التي أبرمتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش مع الإمارات العربية المتّحدة، وضعت إدارة أوباما تخصيب اليورانيوم وتدوير البلوتونيوم في دائرة المحظورات التي تنصّ عليها الاتفاقية، كما جعلت من هذا الحظر "القاعدة الذهبيّة" للاتفاقات المستقبلية. وبرغم نجاحه في إقناع الإمارات بذلك، يُستبعد أن توافق كل من فيتنام والأردن على ذلك. حيث يرى الجمهوريون بذلك تصاعدا خطرا لانتشار الأسلحة غير التقليدية.وفي جانبٍ موازٍ، يطالب الجمهوريون علناً بتأجيل التصويت على معاهدة تخفيض الأسلحة النوويّة مع روسيا "ستارت 2". وبرغم عدم تبدّل موازين القوى في مجلس الشيوخ، فإنه لن يكون من السهل إيجاد العدد الكافي من الأصوات لإقرار المعاهدة.
وفي مجال التجارة الدولية ،ثمة العديد من الاتفاقات التي أبرمتها الإدارة الحالية مهددة بالإلغاء بعد نتائج انتخابات الكونغرس، حيث تعتبر الجهة المعنية بالتصديق عليها،ومنها مشاريع الاتفاقات مع كوريا الجنوبية وكولومبيا وبناما وغيرها،وبذلك ثمة متاعب قوية ستواجه الرئيس اوباما في هذا المجال.علاوة على ذلك المواجهة المنتظرة بين الجمهوريين والرئيس اوباما على قاعدة البدء بتخفيف العقوبات المفروضة على كوبا من خمسينيات القرن الماضي،حيث يعتبر الجمهوريون ان سجل كوبا لا يزال مقلقا في مجال حقوق الإنسان وعيرها من القضايا ذات الصلة.
ثمة قضايا داخلية لا تقل أهمية عن القضايا الخارجية التي ستواجه الإدارة الأمريكية الحالية،والتي سيكون لها تداعيات ملحوظة في النصف الثاني من ولاية اوباما،فهل سيتمكن من إعادة ترشيح نفسه لولاية ثانية؟أم ان ظروف أميركا الداخلية والأوضاع الدولية تتطلب إدارة أميركية أخرى؟ربما أسئلة من المبكر الإجابة عليها، لكن ما يلوح في الأفق يشير إلى ذلك.