الموضوع: تقرير أطروحة دكتوراه
إعداد : خليل حسين
العنوان:سياسة روسيا في الشرق الأوسط في ضوء المتغيرات الدولية
الطالب: ناصر زيدان
يعتبر الشرق الأوسط من المناطق الإستراتيجية الهامة لمجمل الدول الطامحة للعب دور هام في النظام العالمي.ومن بين هذه الدول كانت روسيا أيام القيصرية وتابعت الأمر نفسه أيام الاتحاد السوفيتي ،ومن ثم روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.وفي الواقع ظلت هذه المنطقة مجال نظر موسكو ربطا بالحلم الدفين باتجاه المياه الدافئة. فشكلت على الدوام محورا أساسيا في سياساتها الخارجية،كما في نسج تحالفاتها وعلاقاتها الدولية.
جاءت هذه الأطروحة لتلقي الضوء على المسار التاريخي لإدارة السياسية الخارجية السوفيتية والروسية في جميع محطاتها التاريخية المهمة .ولتلقي الضوء على ابرز ما أنتجته هذه السياسيات من مجالات قانونية وسياسية.
عالجت هذه الرسالة المرحلة التاريخية الممتدة من بطرس الأكبر إلى مرحلة ميديديف. وهدفت إلى الغوص في تفاصيل تلك الفترة لمعرفة التشابه والاختلاف في ادوار روسيا وتأثيراتها.وهدفت إلى معرفة الاهتمام الروسي بهذه المنطقة ،فهل تعود إلى خلفيات اقتصادية أم جيوبوليتيكية أم دينية أم لهذه الأسباب مجتمعة.إضافة إلى مدى التأثير في أحداثها،وما هي الأسس التي اعتمدتها والى أي اعتبارات.
اعتمد الباحث على المنهج التاريخي أولا،ومن ثم المنهج المقارن،لتوضيح الفروق في أداء روسيا عبر النظم السياسية التي مرت بها.كما اعتمد المنهج التحليلي لمعرفة مقاصد السياسة الروسية،وتحليل أهداف الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها موسكو مع دول المنطقة.أو مع الدول المعنية في المنطقة وتداعياتها على واقع الحال.
وقد اعتمد في تقسيم الموضوع إلى بابين، الأول سياسة روسيا في الشرق الأوسط قبل انهيار الاتحاد السوفيتي،وفيه قسمان الأول يتحدث عن الحقبة القيصرية والثاني يتحدث عن الحقبة السوفيتية.أما القسم الثاني بعنوان سياسة روسيا الاتحادية في الشرق الأوسط،وينقسم إلى قسمين الأول بعنوان إعادة تكوين الدولة والثاني المرتكزات القانونية والسياسية للدور الروسي.
لقد اعتمد الباحث على مروحة واسعة من المصادر والمراجع العربية والأجنبية،بحيث شملت تغطية مختلف المراحل التاريخية للأطروحة.
وبعد مناقشة الطالب ناصر وهيب زيدان في جلسة علنية بتاريخ 28-1-2011 ،من قبل اللجنة المؤلفة من الأستاذ الدكتور محمد المجذوب مشرفا ورئيسا،والأستاذ الدكتور كمال حماد مشرفا والأستاذ الدكتور جورج عرموني عضوا والأستاذ الدكتور خليل حسين عضوا،قررت اللجنة قبول الأطروحة ومنحت صاحبها شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية بدرجة جيد جدا.
أ.د .خليل حسين
بيروت: 29-1-2011
30/01/2011
29/01/2011
انتفاضات عربية بلا معارضات ولا برامج
انتفاضات عربية بلا معارضات ولا برامج
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة البناء اللبنانية بتاريخ 31-1-2011
ما بين تونس ومصر صورا كثيرة متشابهة لجهة انهيار النظام وآثارهما الداخلية والخارجية. لكن لمصر صورة تبدو مختلفة نظرا لموقعها ودورها وثقلها الإقليمي وربما الدولي.لكن الملفت ما بين الاثنين طريقة تداعي النظام وتمسك الرئيسين في كل منهما بالسلطة إلى الرمق الأخير،ومحاولة إحياء عظام النظام وهي رميم.
لكن الأهم من تلك الصورة،هو ما خفيَّ وراءها من صور لأنظمة متهالكة أصلا، باتت عبئا يصعب الدفاع عنه بخاصة من القوى الدولية التي كانت سددا ومددا لها.وإذا كان المشهد الحالي يظهر على انه إعادة إنتاج أنظمة شرق أوسطية من لدن الجماهير وتعبيراتها العفوية،فإن ما يثير التساؤل أيضا ،حول الدور الذي تلعبه واشنطن تحديدا في محاولة احتواء هذه الثورات التي وصفتها يوما الإدارة الأمريكية بالمخملية.
فلم تكن رائحة الياسمين تهب على تونس وخروج "زينها" من الحكم بعد 27 عاما، حتى حطَّ مهندس الثورات المخملية في الشرق الأوسط جيفري فيلتمان في محاولة لإعادة رموز الحكم إلى السلطة بتخريجات دستورية مختلفة.وفي مجال المقاربة والمقارنة، يأتي الخطاب الأخير للرئيس المصري ليعيد ذاكرة الخطاب الأخير أيضا لزين العابدين، وفي كلا الحالتين وعود وردية بالإصلاح بعدما تخطت الجماهير هذه الشعارات وانتقلت إلى المطالبة بإسقاط النظام .
في كلا الحالتين، ثمة دروس مستفادة ينبغي على من ينتظر دوره من العرب الاتعاظ منها وأخذ العٍبر علّها تنفع قبل ان ينسخها الندم.وهنا لا حاجة للمتتبع المزيد من العناء، لاستقراء أوضاع نُظم عربية كثيرة تنتظر جماهيرها لتقول كلمتها، وتطلق رصاصة الرحمة عليها وان عز ثمنها.ولكن ثمة مفارقة لا تخلو من الغرابة هنا أيضا، أن هذه الأنظمة تعرف ان ساعتها قد أزفت،وهي لا زالت تكابر وتفاخر بانجازاتها وإذا ما اعترف احدهم بمسؤولية السلطة عن حالة ما ،فهي ترمى المسؤولية على الحكومات، وتدفعها للاستقالة كخط دفاع أول عنها علَّ كسب الوقت قليلا يجعلها تقدم المزيد من التنازلات الخارجية لحماية داخلها المهترئ أصلا.
ما حدث في مصر ليس أمرا عابرا يمكن القفز عنه،نظام استهلك أربعون سنة من التاريخ بعد رحيل الرئيس عبد الناصر، فأسس ودعَّم بيئة عربية وإقليمية كانت بمثابة الزلزال على أفكار ومعتقدات ورؤى هذه الشعوب. فأخرجت مصر من عروبتها وألبست لبوسا ليس لها،وأجبر شعبها الخضوع لحكم القهر والفقر بهدف إجباره على نسيان قضاياه أيضا،اليوم لم تُعمِه مكر وكدر الأربعين عاما،قام ليقول كلمته لكن في الأفق من سيحاول الإلتفاف عليه وعلى مطالبه مجددا فهل يعلم ذلك ولو بالفطرة.
في تونس ومصر استجاب القدر لحياة الشعبين، لكن هبّة الشعوب بعفويتها المعهودة لا تكفي للوصول إلى مبتغاها، ثمة مستلزمات بل ضرورات ملزمة ينبغي توفرها،من بينها برامج وآليات بديلة تقودها أحزاب معارضة قادرة على ترجمة مطالب جماهيرها دون تسويات غالبا ما تقع فيها.
وإذا كان الكلام يطول بطول، عراقة أرض الكنانة تاريخا وجغرافيا،فان الكلام أيضا سيطول على الضفة الأخرى من اليمن السعيد الذي يتلمس خياراته أيضا مع أخواته الغارقين بملهاة نزاعات السلطة بأصولها وفروعها.والسؤال الأكثر حراجة من سيلتحق بركب السعادة اليمنية وقطارها الذي يزعق أصواتا وغبارا في صحاري ربما لم ولن تعد تردد الصوت فقط ،بل برمالها المتحركة يمكن ان تلفح شعارات باتت متشوقة لها.
منذ العام 1991 والإدارات الأمريكية المتعاقبة تردد شعارات مشروع الشرق الأوسط الجديد بمختف حُللِه ولبوسه،تارة بالقوة الناعمة حتى ما قبل العام 2001 ،وتارة بالقوة الغليظة ما بعد ذلك.فكان احتلال العراق وأفغانستان ومن ثم العدوان على غزة ولبنان. حتى الآن غالبية ما أملت به واشنطن تداعى، وهي الآن تعيد إحياء تجربة الاستفادة من الثورات وان كانت غير مخملية، ترتب رحيل رؤساء الأنظمة وتتحين الفرص لإبقاء رموزها في السلطة.
ولسنا هنا في معرض التعرّض لقيمة هذه الانتفاضات ورمزيتها في الذاكرة الجماعية لأصحابها،بقدر ما هو الخوف على المستقبل المجهول الذي تعوّدنا عليه نحن العرب، بسبب وهن وضعف وارتهان أحزابنا المعارضة. التي تطلق شعارات ليست هي ولا جماهيرها قادرة على احتوائها وسرعان ما يدّب الجُبن فيها وتتراجع،وتبقي جماهيرها أمامها لتترك فيما بعد لقدرها.
ربما اليوم شعوبنا العربية بحاجة ماسة لإنتاج بيئات قادرة على مجاراتها واللحاق بها عند رفع صوتها. بحاجة لأحزاب وتيارات جبهات تترجم همها وواقعها،بحاجة إلى بيئات تقف أمام جماهيرهان لا ان تتلطى ورائها وتفترق عنها عند أية تسوية تحفظ حصصها في السلطة.
الأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة في دولنا العربية،لكن العبرة أيضا تكمن في سلوكنا وفهمنا وقدرتنا على قيادة أنفسنا ومعرفة ما نريد أو بالأحرى ما يصلح لنا.لكن مشكلتنا نحن العرب بنخبها ومثقفيها وأكاديمييها وبجميع شرائحها المتواضعة أيضا نلهث ونركض ونستسلم عند أول منعطف تلوح أو بالأحرى تفوح منه مكاسب خاصة.
تجربة مصر وتونس ربما يكون فيها الكثير من العِبر المقلقة كما النيّرة، لكن الأهم من ذلك ان تبقى هذه الجماهير بعفويتها متنبهة لما يحاك حولها،لكي لا تستيقظ يوما لتجد من سرق كلمتها ورغيفها ، عاد وزعَّم نفسه عليها.
وإذا كان الغضب الساطع آت، كما أنشدت فيروز يوما في عز "النكسة" العربية، فان هبة جماهيرنا في وجه من يحكمه بالحديد والنار،لا ينبغي ان ينسينا أيضا قُدسنا، فخيار شعبنا في مصر ينبغي ان يستعيد ذاكرته الجماعية التي حاول من حكمها ان يمسح في اتفاقات كامب ديفيد كل صلة بعمقها،فهل يتجرأ من سيأتي لاحقا ولو الحديث همسا بمواقف مصر الخارجية وبخاصة تجاه "إسرائيل" المتوجّسة والمضطربة والمرتعبة من هذه الخطوة.
ثمة كلمة فصل ينبغي قولها،خرجنا نحن العرب من التاريخ بأيدينا وسَنُخرج من الجغرافيا.وباقي الأنظمة تنتظر شعوبها لتهزها من سبات عميق بعضها استمر ثلث قرن وبعضها الآخر اقل من نصف قرن، أنظمة دولية وإقليمية تغيّرت،ونحن لا زلنا ننتظر على أرصفة من يتحكم بقياداتنا. لكن في مطلق الأحوال ينبغي ان نعلم، ان الله لا يغير ما في قوم،حتى يغيروا ما في أنفسهم . ياسمين تونس هبت وتلقفها شمُّ النسيم في مصر قبل حلوله،فهل يتعظ باقي العرب؟ّ!
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة البناء اللبنانية بتاريخ 31-1-2011
ما بين تونس ومصر صورا كثيرة متشابهة لجهة انهيار النظام وآثارهما الداخلية والخارجية. لكن لمصر صورة تبدو مختلفة نظرا لموقعها ودورها وثقلها الإقليمي وربما الدولي.لكن الملفت ما بين الاثنين طريقة تداعي النظام وتمسك الرئيسين في كل منهما بالسلطة إلى الرمق الأخير،ومحاولة إحياء عظام النظام وهي رميم.
لكن الأهم من تلك الصورة،هو ما خفيَّ وراءها من صور لأنظمة متهالكة أصلا، باتت عبئا يصعب الدفاع عنه بخاصة من القوى الدولية التي كانت سددا ومددا لها.وإذا كان المشهد الحالي يظهر على انه إعادة إنتاج أنظمة شرق أوسطية من لدن الجماهير وتعبيراتها العفوية،فإن ما يثير التساؤل أيضا ،حول الدور الذي تلعبه واشنطن تحديدا في محاولة احتواء هذه الثورات التي وصفتها يوما الإدارة الأمريكية بالمخملية.
فلم تكن رائحة الياسمين تهب على تونس وخروج "زينها" من الحكم بعد 27 عاما، حتى حطَّ مهندس الثورات المخملية في الشرق الأوسط جيفري فيلتمان في محاولة لإعادة رموز الحكم إلى السلطة بتخريجات دستورية مختلفة.وفي مجال المقاربة والمقارنة، يأتي الخطاب الأخير للرئيس المصري ليعيد ذاكرة الخطاب الأخير أيضا لزين العابدين، وفي كلا الحالتين وعود وردية بالإصلاح بعدما تخطت الجماهير هذه الشعارات وانتقلت إلى المطالبة بإسقاط النظام .
في كلا الحالتين، ثمة دروس مستفادة ينبغي على من ينتظر دوره من العرب الاتعاظ منها وأخذ العٍبر علّها تنفع قبل ان ينسخها الندم.وهنا لا حاجة للمتتبع المزيد من العناء، لاستقراء أوضاع نُظم عربية كثيرة تنتظر جماهيرها لتقول كلمتها، وتطلق رصاصة الرحمة عليها وان عز ثمنها.ولكن ثمة مفارقة لا تخلو من الغرابة هنا أيضا، أن هذه الأنظمة تعرف ان ساعتها قد أزفت،وهي لا زالت تكابر وتفاخر بانجازاتها وإذا ما اعترف احدهم بمسؤولية السلطة عن حالة ما ،فهي ترمى المسؤولية على الحكومات، وتدفعها للاستقالة كخط دفاع أول عنها علَّ كسب الوقت قليلا يجعلها تقدم المزيد من التنازلات الخارجية لحماية داخلها المهترئ أصلا.
ما حدث في مصر ليس أمرا عابرا يمكن القفز عنه،نظام استهلك أربعون سنة من التاريخ بعد رحيل الرئيس عبد الناصر، فأسس ودعَّم بيئة عربية وإقليمية كانت بمثابة الزلزال على أفكار ومعتقدات ورؤى هذه الشعوب. فأخرجت مصر من عروبتها وألبست لبوسا ليس لها،وأجبر شعبها الخضوع لحكم القهر والفقر بهدف إجباره على نسيان قضاياه أيضا،اليوم لم تُعمِه مكر وكدر الأربعين عاما،قام ليقول كلمته لكن في الأفق من سيحاول الإلتفاف عليه وعلى مطالبه مجددا فهل يعلم ذلك ولو بالفطرة.
في تونس ومصر استجاب القدر لحياة الشعبين، لكن هبّة الشعوب بعفويتها المعهودة لا تكفي للوصول إلى مبتغاها، ثمة مستلزمات بل ضرورات ملزمة ينبغي توفرها،من بينها برامج وآليات بديلة تقودها أحزاب معارضة قادرة على ترجمة مطالب جماهيرها دون تسويات غالبا ما تقع فيها.
وإذا كان الكلام يطول بطول، عراقة أرض الكنانة تاريخا وجغرافيا،فان الكلام أيضا سيطول على الضفة الأخرى من اليمن السعيد الذي يتلمس خياراته أيضا مع أخواته الغارقين بملهاة نزاعات السلطة بأصولها وفروعها.والسؤال الأكثر حراجة من سيلتحق بركب السعادة اليمنية وقطارها الذي يزعق أصواتا وغبارا في صحاري ربما لم ولن تعد تردد الصوت فقط ،بل برمالها المتحركة يمكن ان تلفح شعارات باتت متشوقة لها.
منذ العام 1991 والإدارات الأمريكية المتعاقبة تردد شعارات مشروع الشرق الأوسط الجديد بمختف حُللِه ولبوسه،تارة بالقوة الناعمة حتى ما قبل العام 2001 ،وتارة بالقوة الغليظة ما بعد ذلك.فكان احتلال العراق وأفغانستان ومن ثم العدوان على غزة ولبنان. حتى الآن غالبية ما أملت به واشنطن تداعى، وهي الآن تعيد إحياء تجربة الاستفادة من الثورات وان كانت غير مخملية، ترتب رحيل رؤساء الأنظمة وتتحين الفرص لإبقاء رموزها في السلطة.
ولسنا هنا في معرض التعرّض لقيمة هذه الانتفاضات ورمزيتها في الذاكرة الجماعية لأصحابها،بقدر ما هو الخوف على المستقبل المجهول الذي تعوّدنا عليه نحن العرب، بسبب وهن وضعف وارتهان أحزابنا المعارضة. التي تطلق شعارات ليست هي ولا جماهيرها قادرة على احتوائها وسرعان ما يدّب الجُبن فيها وتتراجع،وتبقي جماهيرها أمامها لتترك فيما بعد لقدرها.
ربما اليوم شعوبنا العربية بحاجة ماسة لإنتاج بيئات قادرة على مجاراتها واللحاق بها عند رفع صوتها. بحاجة لأحزاب وتيارات جبهات تترجم همها وواقعها،بحاجة إلى بيئات تقف أمام جماهيرهان لا ان تتلطى ورائها وتفترق عنها عند أية تسوية تحفظ حصصها في السلطة.
الأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة في دولنا العربية،لكن العبرة أيضا تكمن في سلوكنا وفهمنا وقدرتنا على قيادة أنفسنا ومعرفة ما نريد أو بالأحرى ما يصلح لنا.لكن مشكلتنا نحن العرب بنخبها ومثقفيها وأكاديمييها وبجميع شرائحها المتواضعة أيضا نلهث ونركض ونستسلم عند أول منعطف تلوح أو بالأحرى تفوح منه مكاسب خاصة.
تجربة مصر وتونس ربما يكون فيها الكثير من العِبر المقلقة كما النيّرة، لكن الأهم من ذلك ان تبقى هذه الجماهير بعفويتها متنبهة لما يحاك حولها،لكي لا تستيقظ يوما لتجد من سرق كلمتها ورغيفها ، عاد وزعَّم نفسه عليها.
وإذا كان الغضب الساطع آت، كما أنشدت فيروز يوما في عز "النكسة" العربية، فان هبة جماهيرنا في وجه من يحكمه بالحديد والنار،لا ينبغي ان ينسينا أيضا قُدسنا، فخيار شعبنا في مصر ينبغي ان يستعيد ذاكرته الجماعية التي حاول من حكمها ان يمسح في اتفاقات كامب ديفيد كل صلة بعمقها،فهل يتجرأ من سيأتي لاحقا ولو الحديث همسا بمواقف مصر الخارجية وبخاصة تجاه "إسرائيل" المتوجّسة والمضطربة والمرتعبة من هذه الخطوة.
ثمة كلمة فصل ينبغي قولها،خرجنا نحن العرب من التاريخ بأيدينا وسَنُخرج من الجغرافيا.وباقي الأنظمة تنتظر شعوبها لتهزها من سبات عميق بعضها استمر ثلث قرن وبعضها الآخر اقل من نصف قرن، أنظمة دولية وإقليمية تغيّرت،ونحن لا زلنا ننتظر على أرصفة من يتحكم بقياداتنا. لكن في مطلق الأحوال ينبغي ان نعلم، ان الله لا يغير ما في قوم،حتى يغيروا ما في أنفسهم . ياسمين تونس هبت وتلقفها شمُّ النسيم في مصر قبل حلوله،فهل يتعظ باقي العرب؟ّ!
التسميات:
دراسات اجتماعية,
دراسات حقوق الانسان,
دول عربية,
قضايا عربية
25/01/2011
قوى 14 آذار ولعبة الشارع مجددا
قوى 14 آذار ولعبة الشارع مجددا
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة البناء اللبنانية بتاريخ 27-1-2011
أما وقد اختارت قوى 14 آذار لعبة الشارع مجددا وبإضافات نوعية ليست بالضرورة جديدة ،عمادها الحقن المذهبي والطائفي في الشارع ،فذلك يعني أقله عدم اعتراف بتراجع مشروعها ومشروع من ترتبط به إقليميا ودوليا.وإذا كان بالإمكان القول أنها تعيد إنتاج تجارب وأوهام سبق ان اختبرتها فشلا،فان بخياراتها هذه ستجر قواها السياسية وربما الشعبية إلى أماكن لم تكن يوما قادرة على جني المكاسب السياسية ولا حتى الشعبية أو المذهبية التي تتلطى وراءها.
في شباط 2005 جرّت هذه القوى لبنان وبعض شعبه إلى أتون انقسام لم يمر لبنان فيه يوما بهذا الحجم، رغم فظاعة ما مرَّ به من انقسامات على مدى عقود مضت. واليوم تجرّب ما جرّبته وبغطاءات مذهبية ،على قاعدة الدفاع عن منصب رئاسة الحكومة معتبرة إياه هو حصرا بعائلة في هذا المذهب،وكل ما ينافسها خارج عن الدين والوطنية والقومية،بل هو كافر وجاحد ومرتد ينبغي تحليل دمه.
لعبة الشارع اليوم هي مختلفة تماما عما سبقتها، في الماضي القريب أنزلت جحافلها المضَّللة على قاعدة الاتهام السياسي لسوريا باغتيال الحريري، ثم عاد ونفاه ولي الدم بعد خراب البصرة اذا جاز التعبير! واليوم تحاول هذه الفئة نفسها إلصاق التهمة تحديدا بـ "المقاومة" وليس بحزب أو جماعة أو غيره من التوصيفات،لأن المقاومة هي المعنية وهي التي تضرب على اليد التي تؤلم إسرائيل ومن يدعمها إقليميا ودوليا ولسنا محرجين اذا قلنا محليا.
اليوم ومن عاصمة العروبة بيروت،ومن عرين العروبة طرابلس، تطل علينا أصوات خاوية لا طعم ولا لون لها سوى أبواق تردد ما تتمناه أو ما تحاول فرضه واشنطن وتل أبيب، والمفارقة الغريبة العجيبة ان نبرتها وأسلوبها ومصطلحاتها تفوق وتتفوق على أصوات محركيها،وكأنها تؤكد جدارتها وكفاءتها لاستجداء اعتماد جديد لها في هذه المرحلة التي تشهد هذه القوى الخارجية الكبرى تراجعات موصوفة في المنطقة.
اليوم قوى 14 آذار تحج والناس راجعة، تلهث وراء مشروع شرق أوسط جديد تحاول إحياءه أميركا بشعارات برّاقة طنانة،من وراء ثورات مخملية تطيح برؤساء دول وتبقي رموز أنظمتها.وكأنها تخال ان القوى الكبرى لم يعد لديها من اهتمام سوى بشجيرات أرز تحاول نسج انتفاضات عليها لتغيير وقائع باتت من الماضي.
نزلت قوى 14 آذار أو بالأحرى أنزلت في توقيت أمريكي واضح وبالتحديد على عقارب ساعة بلمار وفرانسين علَّ الوقت المستقطع بين صدور القرار والإعلان عنه يكون مناسبة شد وجذب لإجراء أوسع عمليات البيع والشراء بدءا من المحكمة نفسها وقراراتها مرورا بصفقات الداخل اللبناني بمتفرعاته السياسية والاقتصادية والأمنية،وهذا ما كان أصلا يفاوض عليه رموزها في معرض التسويات العربية والدولية الأسبوع الماضي وبتوقيع وربما ببصمة للتأكيد ،باعتبار ان الثقة بتوقيعاته السابقة باتت معدومة تماما.
ماذا تريد قوى 14 آذار من هبّتها الشوارعية الآن، الاعتراض على استشارات نيابية ملزمة كانت هي من تطالب وتتمسك بها وعندما باتت ليست بمصلحتها اعترضت عليها بالصور الحضارية التي تدعي لبوسها بالتعدي على الناس وممتلكاتها؟ ماذا تريد هذه القوى هل إشعال البلد بأتون حروب مذهبية لا يدري أحد نهايتها ونتائجها وتداعياتها ليس على لبنان فقط بل حتى على الأنظمة التي تموّلها؟ إلا تريد هذه القوى الاتعاظ من خطايا الماضي وتداعياتها عليها قبل غيرها؟ إلى أين تسير بلبنان في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ منطقة تعج فيها الأزمات وأسباب الانفجارات القابلة للاشتعال في كل لحظة ولأي سبب كان؟.
يحدثونك عن السيادة والحرية والاستقلال،وهم من استجدى قوى كثيرة في العام 2006 لضرب مقاومة كانت تدافع عن شعاراتهم،يحدثونك عن الحقيقة وهم يفاوضون عليها لحفظ ماء الوجه السياسي لكثير من رموزهم اذا ما بقيَّ ماء لهذه الوجوه.
في لبنان لعبة الشارع لعبة لا أحد قادر على ضبطها في ظل قيادات متهورة متهالكة، لا تعرف ماذا تفعل،أو بالأحرى تغمض أعينها عن حقيقة ماذا تفعل. لعبة الشارع في لبنان يمكن ان تطيح برموز من يحركها في النهاية قبل ان تحقق هذه القيادات أهدافها وغاياتها.فهل تعلم؟
في العام 1992 أسقطت حكومة الرئيس عمر كرامي بثورة الدواليب المشهورة على قاعدة احتجاجات غلاء الأسعار وارتفاع الدولار وكان من وراءها هم أنفسهم من كان وراء الأزمة،فنال عقابا على عمل لم يقم به بل سددها من افتعل الأزمة وركب موجتها. وفي العام 2005 اسقط عمر كرامي على وقع ضغط الشارع بذريعة اغتيال الحريري. واليوم الفئة نفسها وقفت بوجه الرئيس ميقاتي التي ارتضت به رئيسا للحكومة خلفا لكرامي في العام 2005.
فعلا انه أمر عجيب،ففي الوقت الذي كانت فيه المعارضة قادرة على الإتيان برئيس حكومة تحدّي من العيار الثقيل، لم تفعل ذلك للعديد من الاعتبارات،وفضّلت مرشح تسوية وسطي ،سرعان ما خلعت عليه قوى 14 آذار صفة مرشح حزب الله، وعلى قاعدة "يا غيرة الدين" فعلت فعلتها وأنزلت بالمغرر بهم لديها وقودا لتحقيق مكاسب شخصية عائلية فئوية.
اذا كان هذا التحرك تعبيرا عن رد فعل ما ليس إلا،أو إفساحا في المجال للتعبير عن مشاعر فئة مضَّللة ،فهذا أمر متعارف عليه في السياسة وفي لعبة الشارع أيضا.أما اذا كان الأمر يتعدّى ذلك إلى أجندات أوسع وأكبر من ذلك فللكلام معنى آخر. عندها فعلا على المعارضة ان تمتلك الجرأة الأدبية والأخلاقية لاستلام فعلي للسلطة،لأن ثمة فئتين من اللبنانيين هم بطبيعة الأمر خاسرون، جماهير المعارضة والموالاة أيضا،وعندها سيكون الحِمل مضاعفا والمسؤوليات أكبر.فهل المعارضة قادرة على اتخاذ قرارها التاريخي كما تحلى جنبلاط بالجرأة المطلوبة؟ربما أسئلة كثيرة تنتظر القادم من الأيام.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة البناء اللبنانية بتاريخ 27-1-2011
أما وقد اختارت قوى 14 آذار لعبة الشارع مجددا وبإضافات نوعية ليست بالضرورة جديدة ،عمادها الحقن المذهبي والطائفي في الشارع ،فذلك يعني أقله عدم اعتراف بتراجع مشروعها ومشروع من ترتبط به إقليميا ودوليا.وإذا كان بالإمكان القول أنها تعيد إنتاج تجارب وأوهام سبق ان اختبرتها فشلا،فان بخياراتها هذه ستجر قواها السياسية وربما الشعبية إلى أماكن لم تكن يوما قادرة على جني المكاسب السياسية ولا حتى الشعبية أو المذهبية التي تتلطى وراءها.
في شباط 2005 جرّت هذه القوى لبنان وبعض شعبه إلى أتون انقسام لم يمر لبنان فيه يوما بهذا الحجم، رغم فظاعة ما مرَّ به من انقسامات على مدى عقود مضت. واليوم تجرّب ما جرّبته وبغطاءات مذهبية ،على قاعدة الدفاع عن منصب رئاسة الحكومة معتبرة إياه هو حصرا بعائلة في هذا المذهب،وكل ما ينافسها خارج عن الدين والوطنية والقومية،بل هو كافر وجاحد ومرتد ينبغي تحليل دمه.
لعبة الشارع اليوم هي مختلفة تماما عما سبقتها، في الماضي القريب أنزلت جحافلها المضَّللة على قاعدة الاتهام السياسي لسوريا باغتيال الحريري، ثم عاد ونفاه ولي الدم بعد خراب البصرة اذا جاز التعبير! واليوم تحاول هذه الفئة نفسها إلصاق التهمة تحديدا بـ "المقاومة" وليس بحزب أو جماعة أو غيره من التوصيفات،لأن المقاومة هي المعنية وهي التي تضرب على اليد التي تؤلم إسرائيل ومن يدعمها إقليميا ودوليا ولسنا محرجين اذا قلنا محليا.
اليوم ومن عاصمة العروبة بيروت،ومن عرين العروبة طرابلس، تطل علينا أصوات خاوية لا طعم ولا لون لها سوى أبواق تردد ما تتمناه أو ما تحاول فرضه واشنطن وتل أبيب، والمفارقة الغريبة العجيبة ان نبرتها وأسلوبها ومصطلحاتها تفوق وتتفوق على أصوات محركيها،وكأنها تؤكد جدارتها وكفاءتها لاستجداء اعتماد جديد لها في هذه المرحلة التي تشهد هذه القوى الخارجية الكبرى تراجعات موصوفة في المنطقة.
اليوم قوى 14 آذار تحج والناس راجعة، تلهث وراء مشروع شرق أوسط جديد تحاول إحياءه أميركا بشعارات برّاقة طنانة،من وراء ثورات مخملية تطيح برؤساء دول وتبقي رموز أنظمتها.وكأنها تخال ان القوى الكبرى لم يعد لديها من اهتمام سوى بشجيرات أرز تحاول نسج انتفاضات عليها لتغيير وقائع باتت من الماضي.
نزلت قوى 14 آذار أو بالأحرى أنزلت في توقيت أمريكي واضح وبالتحديد على عقارب ساعة بلمار وفرانسين علَّ الوقت المستقطع بين صدور القرار والإعلان عنه يكون مناسبة شد وجذب لإجراء أوسع عمليات البيع والشراء بدءا من المحكمة نفسها وقراراتها مرورا بصفقات الداخل اللبناني بمتفرعاته السياسية والاقتصادية والأمنية،وهذا ما كان أصلا يفاوض عليه رموزها في معرض التسويات العربية والدولية الأسبوع الماضي وبتوقيع وربما ببصمة للتأكيد ،باعتبار ان الثقة بتوقيعاته السابقة باتت معدومة تماما.
ماذا تريد قوى 14 آذار من هبّتها الشوارعية الآن، الاعتراض على استشارات نيابية ملزمة كانت هي من تطالب وتتمسك بها وعندما باتت ليست بمصلحتها اعترضت عليها بالصور الحضارية التي تدعي لبوسها بالتعدي على الناس وممتلكاتها؟ ماذا تريد هذه القوى هل إشعال البلد بأتون حروب مذهبية لا يدري أحد نهايتها ونتائجها وتداعياتها ليس على لبنان فقط بل حتى على الأنظمة التي تموّلها؟ إلا تريد هذه القوى الاتعاظ من خطايا الماضي وتداعياتها عليها قبل غيرها؟ إلى أين تسير بلبنان في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ منطقة تعج فيها الأزمات وأسباب الانفجارات القابلة للاشتعال في كل لحظة ولأي سبب كان؟.
يحدثونك عن السيادة والحرية والاستقلال،وهم من استجدى قوى كثيرة في العام 2006 لضرب مقاومة كانت تدافع عن شعاراتهم،يحدثونك عن الحقيقة وهم يفاوضون عليها لحفظ ماء الوجه السياسي لكثير من رموزهم اذا ما بقيَّ ماء لهذه الوجوه.
في لبنان لعبة الشارع لعبة لا أحد قادر على ضبطها في ظل قيادات متهورة متهالكة، لا تعرف ماذا تفعل،أو بالأحرى تغمض أعينها عن حقيقة ماذا تفعل. لعبة الشارع في لبنان يمكن ان تطيح برموز من يحركها في النهاية قبل ان تحقق هذه القيادات أهدافها وغاياتها.فهل تعلم؟
في العام 1992 أسقطت حكومة الرئيس عمر كرامي بثورة الدواليب المشهورة على قاعدة احتجاجات غلاء الأسعار وارتفاع الدولار وكان من وراءها هم أنفسهم من كان وراء الأزمة،فنال عقابا على عمل لم يقم به بل سددها من افتعل الأزمة وركب موجتها. وفي العام 2005 اسقط عمر كرامي على وقع ضغط الشارع بذريعة اغتيال الحريري. واليوم الفئة نفسها وقفت بوجه الرئيس ميقاتي التي ارتضت به رئيسا للحكومة خلفا لكرامي في العام 2005.
فعلا انه أمر عجيب،ففي الوقت الذي كانت فيه المعارضة قادرة على الإتيان برئيس حكومة تحدّي من العيار الثقيل، لم تفعل ذلك للعديد من الاعتبارات،وفضّلت مرشح تسوية وسطي ،سرعان ما خلعت عليه قوى 14 آذار صفة مرشح حزب الله، وعلى قاعدة "يا غيرة الدين" فعلت فعلتها وأنزلت بالمغرر بهم لديها وقودا لتحقيق مكاسب شخصية عائلية فئوية.
اذا كان هذا التحرك تعبيرا عن رد فعل ما ليس إلا،أو إفساحا في المجال للتعبير عن مشاعر فئة مضَّللة ،فهذا أمر متعارف عليه في السياسة وفي لعبة الشارع أيضا.أما اذا كان الأمر يتعدّى ذلك إلى أجندات أوسع وأكبر من ذلك فللكلام معنى آخر. عندها فعلا على المعارضة ان تمتلك الجرأة الأدبية والأخلاقية لاستلام فعلي للسلطة،لأن ثمة فئتين من اللبنانيين هم بطبيعة الأمر خاسرون، جماهير المعارضة والموالاة أيضا،وعندها سيكون الحِمل مضاعفا والمسؤوليات أكبر.فهل المعارضة قادرة على اتخاذ قرارها التاريخي كما تحلى جنبلاط بالجرأة المطلوبة؟ربما أسئلة كثيرة تنتظر القادم من الأيام.
20/01/2011
العلاقات الدولية النظرية والواقع - الأشخاص والقضايا
العلاقات الدولية
النظرية والواقع - الأشخص والقضايا
المؤلف الدكتور خليل حسين
الناشر منشورات الحلبي الحقوقية
الطبعة الأولى 2011
تعتبر العلاقات بين الجماعات البشرية ظاهرة قديمة، برزت وترسّخت مع ظهور التجمّعات البشرية التي اضطرّت، بهدف الحفاظ على بقائها وتأمين حاجاتها، إلى التعامل مع غيرها من التكتلات। كما أنَّ هذه العلاقات تطوَّرت منذ الأزمنة القديمة ومرَّت بأدوار مختلفة، وإن كان بعض المؤرّخين الأوروبيين يرون أنها ظلت على حالها وحافظت على سماتها وخطوطها القديمة حتى انعقاد مؤتمر وستفاليا في العام
ولمّا كانت القوة لا تزال الأساس في تحديد إطار استراتيجيات الدول، كما المحرك لأنماط العلاقات الخارجية وتقرير طبيعة أهداف سياساتها، فإن الأقوى كان وما زال يستغل القوة لفرض مصالحه على الآخرين من دون اعتبار لمصالحهم، وبغضّ النظر عمّا يسببه من أضرار للمصالح؛ من هنا كانت فلسفة "الحق للقوة" هي السائدة في المجتمع الدولي منذ القديم وحتى اليوم، وعلى الرغم من النظريات المثالية الحالمة، فإن القوة هي الواقع في التعامل الدولي، أما الأخلاقيات فتقع في مكان ما بينهما.
انطلاقاً من هذا الواقع ونتيجة الحروب التي لم تتوقف عبر التاريخ، قام منظرو السياسة الدولية بوضع النظريات لإقامة السلام العالمي، ونظام الأمن الجماعي لردع المعتدي ، بهدف تمكين المجتمع الدولي من العيش بسلام وكرامة، وفق مبادئ وأسس تلتزم باحترامها الدول كافة، وعلى قدم المساواة كبيرها وصغيرها، فهل تحقق ذلك فعلاً؟
يعتبر منظرو السياسة الدولية، أنَّ اعلي منافع البشرية وتقدمها يوجد في سيادة القانون: القانون الدولي، والقانون الخاص، وضرورة تطبيق القوانين التي اتفق عليها، ولكن الواقع التطبيقي، والممارسة الفعلية في العلاقات الدولية يسمح بطرح التساؤل: أي قانون؟ وقانون من؟ فالقانون ليس شيئاً مجرداً، كما لا يمكن فهمه بمعزل عن مكوِّناته السياسية التي أوجدته، ولا عن المصالح السياسية والاقتصادية التي يخدمها، ذلك أن القوانين الدولية والتنظيم الدولي، والنظام الدولي المنبثق عنها، إنما هو تعبير عن إرادة ورغبات ومصالح القوى التي صاغت هذا القانون، ووضعت قواعده وهو يعمل في الحقيقة وبنسبة كبيرة من الواقع لخدمتها وتحقيق أهدافها.
لقد مرَّ النظام العالمي بالعديد من التحوّلات المتداخلة خلال العصور المختلفة، التي قسّمها علماء التاريخ إلى ثلاثة عصور رئيسة: العصر القديم والعصور الوسطى والعصر الحديث ،حيث تدرّجت ملامح النظام العالمي من الأنظمة القبلية إلى الأنظمة الإمبراطورية ثم ظهور الدويلات والوحدات السياسية وصولا إلى الدولة القومية في العصر الحديث التي اسست للعلاقات الدولية وما يتفرع عنها من قضايا ومسائل جديرة بالمتابعة.
لقد أدى التطور الهائل الذي شهدته المجتمعات البشرية ودولها، الى نشوء علم قائم بذاته يعنى بالعلاقات الدولية،وان اختلف بعض المنظرين حول اسس هذا العلم ومناهجه وارتباطه بالعلوم الأخرى،فثمة اجماع على ان العلاقات الدولية باتت علما مستقلا يُدرس في الجامعات وتعقد له مؤتمرات وندوات في المحافل الدولية والإقليمية.
ولم تقتصر العلاقات الدولية على أنها مجرد علم،بل تطوّر بها الأمر إلى لجوء منظريها لإنشاء مناهج ونظريات للكتابة فيها والتعليق على أحداثها والكتابة فيها.إذ برز العديد من المناهج والنظريات المتباينة في توجهاتها وأهدافها وغاياتها. وان كانت تتدرج ضمن مجموعتين رئيسيتين هما: مجموعة المناهج التقليدية، ومجموعة المناهج المعاصرة. ومن أشهر المناهج التقليدية، المنهج التاريخي، والمنهج القانوني، والمنهج الواقعي أو منهج سياسات القوة، ومنهج المصالح القومية.
يعلق المنهج التاريخي أهمية بارزة على تطور التاريخ الدبلوماسي، باعتبار أن للعلاقات الدولية في صورها المعاصرة امتدادات تاريخية ، كما يُنسب إلى هذا المنهج مزايا أخرى متنوعة منها ما يتمتع من قدرة على البحث عن الأسباب التي تكمن وراء نجاح أو إخفاق القادة في انتهاج سياسات خارجية معينة في ظروف دولية محددة. كما ان التاريخ يخدم وفقا لهذا المنهج، اختبار العلاقة التي تنشأ بين الأسباب والنتائج في السياسة الدولية، على قاعدة أن لكل موقف دولي طبيعته وخصائصه المتميّزة.
اما المنهج القانوني فيركّز على الاعتبارات القانونية والعوامل التي تحيط بعلاقات الدول ببعضها، ومن أمثلة ذلك: الالتزامات التي تنشأ بين الدول بموجب معاهدات أو اتفاقيات أو مواثيق دولية محددة تؤمن بها مصالحها المشتركة، أو تحديد عناصر المسؤولية عن التصرفات التي تلجأ إليها الدول وتمثل خرقًا لالتزاماتها التعاقدية، أو التمييز بين صور الاعتراف الدولي المختلفة وبالتحديد الاعتراف القانوني والاعتراف الواقعي، أو تقرير الوسائل المتبعة في تسوية المنازعات الدولية سليمًا، كأساليب الوساطة والتوفيق والتحكيم وتقصي الحقائق والمساعي الحميدة.
أما المنهج الواقعي فيستند إلى القوة باعتبارها القاعدة المحورية في العلاقات الدولية، وأنه إذا كانت صراعات القوة تغلف أحيانًا ببعض الشكليات القانونية أو المبررات الأخلاقية، فإن هذا الاخراج ينبغي ان لا يحرف النظر عن الحقيقة الأساسية التي تتحكم في توازن العلاقات الدولية برمتها. ومن الأسباب البارزة التي تقال في صدد الدفاع عن هذا المنهج، أنه يحاول تفسير السلوك الدولي تفسيرًا منطقيًّا عقلانيًّا بالاستناد إلى معطيات الأمر الدولي القائم وحقائقه الثابتة دون أن يتجاوزه إلى تصوّر العلاقات الدولية لجهة ما ينبغي أن تكون عليه على غرار ما يفعل المثاليون.
وفيما يتعلق بمنهج المصالح القومية، فإنه يعتبر أن السعي نحو تحقيق المصلحة القومية للدولة هو الهدف النهائي والمستمر لسياستها الخارجية. بمعنى آخر، إن المصلحة القومية تشكل عامل الارتكاز الأساسي في تخطيط السياسة الخارجية لأي دولة في العالم، كبيرة كانت أو صغيرة. وقد ظهرت مناهج مختلفة مساعدة أو أدوات تحليل مفيدة من حقول شتى كنظرية المباريات من المنهج الإحصائي، وتحليل النظم، وغيرها.
شهدت الدراسة العلمية للعلاقات الدولية عدة اتجاهات ساد كل منها مرحلة من مراحل تطور دراستها، وتبلورت التباينات بينها ، فإذا كانت صورة "سياسات القوة" قد عكست خبرة النصف الأول من القرن العشرين وحتى العقد السابع منه، فإن خبرة الربع الأخير من القرن الماضي قد أبرزت تغيرات هيكلية في السياسات الدولية ترتب عليها عدم ملاءمة دراستها من خلال منظور "سياسات القوة". من ثَمَّ ظهرت الحاجة إلى اتساع النظرة التحليلية التي تركِّز على الدول فقط، وعلى مفاهيم القوة والصراع أساسًا، نظرًا لبروز أدوار لفاعلين جدد من غير الدول، ولبروز أهمية موضوعات جديدة احدثت تحوّلاً في النظام الدولي المعاصر تحت تأثير قوى الاعتماد المتبادل الدولي ، فلقد اقتضت هذه الأوضاع الدولية المتطورة النظر للعالم باعتباره نظامًا من التفاعلات التي يلعب فيها فاعلون آخرون من غير الدول دورًا مهمًّا حول موضوعات سياسية واقتصادية جديدة تخلق عمليات جديدة تتجه بالنظام نحو نوع من التعاون والتكيّف وليس نحو العنف والصراع فقط. وهكذا فإن الاتجاهات الحديثة في دراسة العلاقات الدولية تناولت خصائص أساسية للسياسات الدولية المعاصرة من خلال ثلاثة محاور، الفاعلون الدوليون، نطاق وأولوية الموضوعات، العمليات الدولية.
لقد حاولنا في مؤلفنا هذا،الانطلاق في دراسة العلاقات الدولية، عبر سبعة أبواب،تضمنت عرضا شاملا ووافيا لمجمل الأسس المتعلقة بعلم العلاقات الدولية.ففي الباب الأول تم التطرق إلى نشأة العلاقات الدولية ونطاقها وعلاقتها بغيرها من العلوم علاوة على مناهج كتابتها.أما الباب الثاني فقد احتوى على نظريات العلاقات الدولية فتضمن تسعة فصول جمعت أسس النظريات من الواقعية إلى المثالية وما بينهما من مدارس ونظريات واتجاهات متنوعة،بحيث أعطى هذا الباب مروحة واسعة من النظريات التي تعبر عن غالبية من نظَّر وكتب في هذا المجال.أما الباب الرابع فقد خصصناه إلى اثر التحولات في نظريات الجغرافيا السياسية وأثرها في العلاقات الدولية ونظرياتها.فيما الباب الرابع عالج الأزمات الدولية وطرق وأساليب إدارتها. أما الباب الخامس فقد تضمن نظرية القوة وعلاقتها بالأحلاف الدولية وتوازناتها وصراعاتها،علاوة على التكتلات الدولية في حقبة الحرب الباردة،وما تلاها من فترة وفاق،ثم انهينا هذا الباب بتداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي من خلال تفرّد الولايات المتحدة الامريكية بقيادة النظام العالمي ومستقبل هذه القيادة.ثم انتقلنا في الباب السادس إلى الإضاءة على الأشخاص الدولية الفاعلة في العلاقات الدولية كالدول والمنظمات الدولية والإقليمية،والشركات العابرة للقارات والأفراد.ثم انهينا هذا المؤلف بفصل سابع تناول ابرز القضايا الدولية كالعولمة والإرهاب والسيادة والبيئة وحوار الحضارات وحقوق الإنسان والهجرة غير الشرعية ونزع الأسلحة غير التقليدية.
لقد اتبعنا منهجا علميا أكاديميا بهدف إلقاء الضوء على قضايا أرّقت جفون المختصين لجهة توصيف العلاقات الدولية وتكييفها مع غيرها من العلوم،علاوة على إبراز ومقارنة أوجه الاختلاف والتباين في نظريات العلاقات الدولية، اضافة على معالجة بعض وقائع العلاقات الدولية وما نتج عنها،ذلك بأسلوب علمي موضوعي، يسهّل على المختص كما المهتم الاستفادة من هذا العمل المتواضع الذي استهلك جهدا غير قليل.
النظرية والواقع - الأشخص والقضايا
المؤلف الدكتور خليل حسين
الناشر منشورات الحلبي الحقوقية
الطبعة الأولى 2011
تعتبر العلاقات بين الجماعات البشرية ظاهرة قديمة، برزت وترسّخت مع ظهور التجمّعات البشرية التي اضطرّت، بهدف الحفاظ على بقائها وتأمين حاجاتها، إلى التعامل مع غيرها من التكتلات। كما أنَّ هذه العلاقات تطوَّرت منذ الأزمنة القديمة ومرَّت بأدوار مختلفة، وإن كان بعض المؤرّخين الأوروبيين يرون أنها ظلت على حالها وحافظت على سماتها وخطوطها القديمة حتى انعقاد مؤتمر وستفاليا في العام
ولمّا كانت القوة لا تزال الأساس في تحديد إطار استراتيجيات الدول، كما المحرك لأنماط العلاقات الخارجية وتقرير طبيعة أهداف سياساتها، فإن الأقوى كان وما زال يستغل القوة لفرض مصالحه على الآخرين من دون اعتبار لمصالحهم، وبغضّ النظر عمّا يسببه من أضرار للمصالح؛ من هنا كانت فلسفة "الحق للقوة" هي السائدة في المجتمع الدولي منذ القديم وحتى اليوم، وعلى الرغم من النظريات المثالية الحالمة، فإن القوة هي الواقع في التعامل الدولي، أما الأخلاقيات فتقع في مكان ما بينهما.
انطلاقاً من هذا الواقع ونتيجة الحروب التي لم تتوقف عبر التاريخ، قام منظرو السياسة الدولية بوضع النظريات لإقامة السلام العالمي، ونظام الأمن الجماعي لردع المعتدي ، بهدف تمكين المجتمع الدولي من العيش بسلام وكرامة، وفق مبادئ وأسس تلتزم باحترامها الدول كافة، وعلى قدم المساواة كبيرها وصغيرها، فهل تحقق ذلك فعلاً؟
يعتبر منظرو السياسة الدولية، أنَّ اعلي منافع البشرية وتقدمها يوجد في سيادة القانون: القانون الدولي، والقانون الخاص، وضرورة تطبيق القوانين التي اتفق عليها، ولكن الواقع التطبيقي، والممارسة الفعلية في العلاقات الدولية يسمح بطرح التساؤل: أي قانون؟ وقانون من؟ فالقانون ليس شيئاً مجرداً، كما لا يمكن فهمه بمعزل عن مكوِّناته السياسية التي أوجدته، ولا عن المصالح السياسية والاقتصادية التي يخدمها، ذلك أن القوانين الدولية والتنظيم الدولي، والنظام الدولي المنبثق عنها، إنما هو تعبير عن إرادة ورغبات ومصالح القوى التي صاغت هذا القانون، ووضعت قواعده وهو يعمل في الحقيقة وبنسبة كبيرة من الواقع لخدمتها وتحقيق أهدافها.
لقد مرَّ النظام العالمي بالعديد من التحوّلات المتداخلة خلال العصور المختلفة، التي قسّمها علماء التاريخ إلى ثلاثة عصور رئيسة: العصر القديم والعصور الوسطى والعصر الحديث ،حيث تدرّجت ملامح النظام العالمي من الأنظمة القبلية إلى الأنظمة الإمبراطورية ثم ظهور الدويلات والوحدات السياسية وصولا إلى الدولة القومية في العصر الحديث التي اسست للعلاقات الدولية وما يتفرع عنها من قضايا ومسائل جديرة بالمتابعة.
لقد أدى التطور الهائل الذي شهدته المجتمعات البشرية ودولها، الى نشوء علم قائم بذاته يعنى بالعلاقات الدولية،وان اختلف بعض المنظرين حول اسس هذا العلم ومناهجه وارتباطه بالعلوم الأخرى،فثمة اجماع على ان العلاقات الدولية باتت علما مستقلا يُدرس في الجامعات وتعقد له مؤتمرات وندوات في المحافل الدولية والإقليمية.
ولم تقتصر العلاقات الدولية على أنها مجرد علم،بل تطوّر بها الأمر إلى لجوء منظريها لإنشاء مناهج ونظريات للكتابة فيها والتعليق على أحداثها والكتابة فيها.إذ برز العديد من المناهج والنظريات المتباينة في توجهاتها وأهدافها وغاياتها. وان كانت تتدرج ضمن مجموعتين رئيسيتين هما: مجموعة المناهج التقليدية، ومجموعة المناهج المعاصرة. ومن أشهر المناهج التقليدية، المنهج التاريخي، والمنهج القانوني، والمنهج الواقعي أو منهج سياسات القوة، ومنهج المصالح القومية.
يعلق المنهج التاريخي أهمية بارزة على تطور التاريخ الدبلوماسي، باعتبار أن للعلاقات الدولية في صورها المعاصرة امتدادات تاريخية ، كما يُنسب إلى هذا المنهج مزايا أخرى متنوعة منها ما يتمتع من قدرة على البحث عن الأسباب التي تكمن وراء نجاح أو إخفاق القادة في انتهاج سياسات خارجية معينة في ظروف دولية محددة. كما ان التاريخ يخدم وفقا لهذا المنهج، اختبار العلاقة التي تنشأ بين الأسباب والنتائج في السياسة الدولية، على قاعدة أن لكل موقف دولي طبيعته وخصائصه المتميّزة.
اما المنهج القانوني فيركّز على الاعتبارات القانونية والعوامل التي تحيط بعلاقات الدول ببعضها، ومن أمثلة ذلك: الالتزامات التي تنشأ بين الدول بموجب معاهدات أو اتفاقيات أو مواثيق دولية محددة تؤمن بها مصالحها المشتركة، أو تحديد عناصر المسؤولية عن التصرفات التي تلجأ إليها الدول وتمثل خرقًا لالتزاماتها التعاقدية، أو التمييز بين صور الاعتراف الدولي المختلفة وبالتحديد الاعتراف القانوني والاعتراف الواقعي، أو تقرير الوسائل المتبعة في تسوية المنازعات الدولية سليمًا، كأساليب الوساطة والتوفيق والتحكيم وتقصي الحقائق والمساعي الحميدة.
أما المنهج الواقعي فيستند إلى القوة باعتبارها القاعدة المحورية في العلاقات الدولية، وأنه إذا كانت صراعات القوة تغلف أحيانًا ببعض الشكليات القانونية أو المبررات الأخلاقية، فإن هذا الاخراج ينبغي ان لا يحرف النظر عن الحقيقة الأساسية التي تتحكم في توازن العلاقات الدولية برمتها. ومن الأسباب البارزة التي تقال في صدد الدفاع عن هذا المنهج، أنه يحاول تفسير السلوك الدولي تفسيرًا منطقيًّا عقلانيًّا بالاستناد إلى معطيات الأمر الدولي القائم وحقائقه الثابتة دون أن يتجاوزه إلى تصوّر العلاقات الدولية لجهة ما ينبغي أن تكون عليه على غرار ما يفعل المثاليون.
وفيما يتعلق بمنهج المصالح القومية، فإنه يعتبر أن السعي نحو تحقيق المصلحة القومية للدولة هو الهدف النهائي والمستمر لسياستها الخارجية. بمعنى آخر، إن المصلحة القومية تشكل عامل الارتكاز الأساسي في تخطيط السياسة الخارجية لأي دولة في العالم، كبيرة كانت أو صغيرة. وقد ظهرت مناهج مختلفة مساعدة أو أدوات تحليل مفيدة من حقول شتى كنظرية المباريات من المنهج الإحصائي، وتحليل النظم، وغيرها.
شهدت الدراسة العلمية للعلاقات الدولية عدة اتجاهات ساد كل منها مرحلة من مراحل تطور دراستها، وتبلورت التباينات بينها ، فإذا كانت صورة "سياسات القوة" قد عكست خبرة النصف الأول من القرن العشرين وحتى العقد السابع منه، فإن خبرة الربع الأخير من القرن الماضي قد أبرزت تغيرات هيكلية في السياسات الدولية ترتب عليها عدم ملاءمة دراستها من خلال منظور "سياسات القوة". من ثَمَّ ظهرت الحاجة إلى اتساع النظرة التحليلية التي تركِّز على الدول فقط، وعلى مفاهيم القوة والصراع أساسًا، نظرًا لبروز أدوار لفاعلين جدد من غير الدول، ولبروز أهمية موضوعات جديدة احدثت تحوّلاً في النظام الدولي المعاصر تحت تأثير قوى الاعتماد المتبادل الدولي ، فلقد اقتضت هذه الأوضاع الدولية المتطورة النظر للعالم باعتباره نظامًا من التفاعلات التي يلعب فيها فاعلون آخرون من غير الدول دورًا مهمًّا حول موضوعات سياسية واقتصادية جديدة تخلق عمليات جديدة تتجه بالنظام نحو نوع من التعاون والتكيّف وليس نحو العنف والصراع فقط. وهكذا فإن الاتجاهات الحديثة في دراسة العلاقات الدولية تناولت خصائص أساسية للسياسات الدولية المعاصرة من خلال ثلاثة محاور، الفاعلون الدوليون، نطاق وأولوية الموضوعات، العمليات الدولية.
لقد حاولنا في مؤلفنا هذا،الانطلاق في دراسة العلاقات الدولية، عبر سبعة أبواب،تضمنت عرضا شاملا ووافيا لمجمل الأسس المتعلقة بعلم العلاقات الدولية.ففي الباب الأول تم التطرق إلى نشأة العلاقات الدولية ونطاقها وعلاقتها بغيرها من العلوم علاوة على مناهج كتابتها.أما الباب الثاني فقد احتوى على نظريات العلاقات الدولية فتضمن تسعة فصول جمعت أسس النظريات من الواقعية إلى المثالية وما بينهما من مدارس ونظريات واتجاهات متنوعة،بحيث أعطى هذا الباب مروحة واسعة من النظريات التي تعبر عن غالبية من نظَّر وكتب في هذا المجال.أما الباب الرابع فقد خصصناه إلى اثر التحولات في نظريات الجغرافيا السياسية وأثرها في العلاقات الدولية ونظرياتها.فيما الباب الرابع عالج الأزمات الدولية وطرق وأساليب إدارتها. أما الباب الخامس فقد تضمن نظرية القوة وعلاقتها بالأحلاف الدولية وتوازناتها وصراعاتها،علاوة على التكتلات الدولية في حقبة الحرب الباردة،وما تلاها من فترة وفاق،ثم انهينا هذا الباب بتداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي من خلال تفرّد الولايات المتحدة الامريكية بقيادة النظام العالمي ومستقبل هذه القيادة.ثم انتقلنا في الباب السادس إلى الإضاءة على الأشخاص الدولية الفاعلة في العلاقات الدولية كالدول والمنظمات الدولية والإقليمية،والشركات العابرة للقارات والأفراد.ثم انهينا هذا المؤلف بفصل سابع تناول ابرز القضايا الدولية كالعولمة والإرهاب والسيادة والبيئة وحوار الحضارات وحقوق الإنسان والهجرة غير الشرعية ونزع الأسلحة غير التقليدية.
لقد اتبعنا منهجا علميا أكاديميا بهدف إلقاء الضوء على قضايا أرّقت جفون المختصين لجهة توصيف العلاقات الدولية وتكييفها مع غيرها من العلوم،علاوة على إبراز ومقارنة أوجه الاختلاف والتباين في نظريات العلاقات الدولية، اضافة على معالجة بعض وقائع العلاقات الدولية وما نتج عنها،ذلك بأسلوب علمي موضوعي، يسهّل على المختص كما المهتم الاستفادة من هذا العمل المتواضع الذي استهلك جهدا غير قليل.
18/01/2011
قرار محكمة .. استقالة حكومة .. أزمة حكم
قرار محكمة .. استقالة حكومة .. أزمة حكم
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة البناء بيروت بتاريخ 19-1-2011
www.drkhalilhussein.blogspot.com
المضحك المبكي ليس في القرار الظني الذي انتقل من المدعي العام دانيال بلمار إلى إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين،بل التوليفة السياسية التسووية التي أرفقت بالإعلان عنه،وهو ان القرار سيظل سريا ما بين ستة إلى ثمانية أسابيع،في وقت، أن الكثير من حيثياته التفصيلية المملة باتت معروفة منذ اشهر،علاوة على ان التحقيقات التي أجريت باتت ملكا ومشاعا للإعلام وحتى لحفلات التندر.
طبعا، جاء الإعلان عنه في التوقيت الأمريكي – الإسرائيلي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد ضربة المعلم التي سددتها المعارضة بإسقاط الحكومة، لكن المثير أيضا وفي سياق متصل بسريته، تأجيل الاستشارات لأسبوع قادم،وكأنه محاولة أخرى لإيجاد بيئة تسووية تحفظ ماء وجه المراهنين عليه،عبر كونسورتيوم دولي كما اقترحت فرنسا.فما هي إمكانات نجاح الرهان على السياق الجديد؟وهل يحمل الواقع اللبناني تجديد وتمديد أزماته إلى آجال غير محسوبة أو معروفة النتائج.
ثمة مقاربة سياسية مفادها حل عبر التمسك أولا بالصيغة السورية السعودية التي تم التأكيد عليها في قمة دمشق الثلاثية، لكن مكمن الموضوع ليس التمسك أو عدم التمسك بل بالقدرة على فرضها أو بأحسن الأحوال تمريرها بعد المعطيات الجديدة وتداعياتها. سيما وأن سقف الشروط الموضوعة بين الطرفين اللبنانيين بات هامش التحرك فيه ضيقا جدا،ومحصور بالشروط التي أطلقها سماحة السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير،وأبرزها مواضيع ذات صلة بالمحكمة والقرار وشهود الزور،علاوة على الشق الاجتماعي الاقتصادي لبرنامج أي حكومة قادمة.ما يعني ان الأمر لم يعد في الخطاب السياسي القائم حاليا حول إعادة الرئيس الحريري إلى الحكومة بقدر ما هو التطلع إلى ابعد من ذلك وهو محاولة صياغة برنامج حكم وحكومة اذا ذهبت الأمور إلى ابعد ما هو متداول به.
وبصرف النظر عن هذه القراءات،يبقى موضوع القرار الظني هو الأبرز في محاولات الشد والجذب المحلية والإقليمية والدولية.فهل تكون التسوية المفترضة التي يعمل عليها خلال هذا الأسبوع انطلاقا، من ان القرار الظني قاب قوسين أو أدنى لنشره إلى العلن، وبالتالي باتت وظيفته قائمة بصرف النظر عن صدوره،وبالتالي إفساح المجال للرئيس الحريري عودة تبنيه بشكل واضح وصريح للمبادرة السورية السعودية،دون ان يشكل حرجا له باعتبار ان التسوية وفقا لقراءته انطلقت بعد تحريك القرار الظني،وفي المقابل عدم الإعلان عنه تفصيليا وباقائه سريا بالمعنى الرمزي له يشكل عدم إحراج للمعارضة أيضا. تبقى هذه من الفرضيات والقراءات السياسية القابلة للحياة.
لكن المشكلة أيضا تبقى في الكثير من التفصيلات التي تكمن فيها الشياطين السياسية التي تعوَّد عليها اللبنانيون وبرعوا في حياكتها.وان كانت إشارة السيد حسن نصرالله إلى فصل مسار تشكيل الحكومة عن مسار المحكمة من الناحية المبدئية تشكل كوة للمرور من خلالها لتسويات معينة تحفظ للفريق الآخر بعض ماء وجهه السياسي،فان المشكلة تكمن بقراءة الطرف الآخر لهذه الفرصة وعدم إهدارها أيضا دون ثمن يذكر. وبخاصة ان القراءة والكتابة على التوقيت الأمريكي بات من مكونات وأسباب الخسائر المتوالية لفريق 14 آذار.
في تاريخ لبنان السياسي الحديث والمعاصر، سوابق كثيرة متصلة بقضايا ربما لم تكن ذات مستوى وطني عال،لكنها تسببت بأزمات حكومية كبيرة ما لبثت ان تحوّلت إلى أزمة حكم. واليوم ثمة أزمة محكمة انقسم حولها اللبنانيون، ليس بفعل ان الطرف الآخر لا يريدها،بل لأن مسارها بات فتنويا بالصوت والصورة،كما ان ثمة أزمة حكومية متصلة أولا بالتكليف ومن ثم بالتأليف،ومن ثم بالبيان الوزاري وما يعنيه من ألغام سياسية لا أحد قادر على الغوص بتفاصيلها. وثمة أيضا خلاف مستتر تحت الجمر السياسي اللبناني متصل بإدارة الحكم وملفاته، فهل ستتحول أزمة المحكمة إلى أزمة حكومة وحكم لاحقا.
من الواضح ان ثمة براعة لبنانية هائلة تتماهى بشكل مستمر مع مشاريع خارجية سرعان ما تتكيف مع شروطها وبرامجها وأهدافها، وعلى قاعدة جلد الذات بالحرية والسيادة والاستقلال تذهب بعيدا لتجد نفسها مرة أخرى في سياق البيع والشراء الأمريكي.فهل تكون قراءة 14 آذار مختلفة هذه المرة،آم أن هذا الخد تعوَّد على هذه اللطمة كما يقول المثل اللبناني.
في أي حال لم تكف وثائق ويكيليكس وتداعياتها اللبنانية في ثني كثير من السياسيين اللبنانيين اللهاث وراء الأمريكيين،بل جاءت الحقيقة ليكس هذه المرة من عرين فريق الرابع عشر من آذار ومحكمته، فماذا بعد ... .للحديث صلة.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة البناء بيروت بتاريخ 19-1-2011
www.drkhalilhussein.blogspot.com
المضحك المبكي ليس في القرار الظني الذي انتقل من المدعي العام دانيال بلمار إلى إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين،بل التوليفة السياسية التسووية التي أرفقت بالإعلان عنه،وهو ان القرار سيظل سريا ما بين ستة إلى ثمانية أسابيع،في وقت، أن الكثير من حيثياته التفصيلية المملة باتت معروفة منذ اشهر،علاوة على ان التحقيقات التي أجريت باتت ملكا ومشاعا للإعلام وحتى لحفلات التندر.
طبعا، جاء الإعلان عنه في التوقيت الأمريكي – الإسرائيلي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد ضربة المعلم التي سددتها المعارضة بإسقاط الحكومة، لكن المثير أيضا وفي سياق متصل بسريته، تأجيل الاستشارات لأسبوع قادم،وكأنه محاولة أخرى لإيجاد بيئة تسووية تحفظ ماء وجه المراهنين عليه،عبر كونسورتيوم دولي كما اقترحت فرنسا.فما هي إمكانات نجاح الرهان على السياق الجديد؟وهل يحمل الواقع اللبناني تجديد وتمديد أزماته إلى آجال غير محسوبة أو معروفة النتائج.
ثمة مقاربة سياسية مفادها حل عبر التمسك أولا بالصيغة السورية السعودية التي تم التأكيد عليها في قمة دمشق الثلاثية، لكن مكمن الموضوع ليس التمسك أو عدم التمسك بل بالقدرة على فرضها أو بأحسن الأحوال تمريرها بعد المعطيات الجديدة وتداعياتها. سيما وأن سقف الشروط الموضوعة بين الطرفين اللبنانيين بات هامش التحرك فيه ضيقا جدا،ومحصور بالشروط التي أطلقها سماحة السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير،وأبرزها مواضيع ذات صلة بالمحكمة والقرار وشهود الزور،علاوة على الشق الاجتماعي الاقتصادي لبرنامج أي حكومة قادمة.ما يعني ان الأمر لم يعد في الخطاب السياسي القائم حاليا حول إعادة الرئيس الحريري إلى الحكومة بقدر ما هو التطلع إلى ابعد من ذلك وهو محاولة صياغة برنامج حكم وحكومة اذا ذهبت الأمور إلى ابعد ما هو متداول به.
وبصرف النظر عن هذه القراءات،يبقى موضوع القرار الظني هو الأبرز في محاولات الشد والجذب المحلية والإقليمية والدولية.فهل تكون التسوية المفترضة التي يعمل عليها خلال هذا الأسبوع انطلاقا، من ان القرار الظني قاب قوسين أو أدنى لنشره إلى العلن، وبالتالي باتت وظيفته قائمة بصرف النظر عن صدوره،وبالتالي إفساح المجال للرئيس الحريري عودة تبنيه بشكل واضح وصريح للمبادرة السورية السعودية،دون ان يشكل حرجا له باعتبار ان التسوية وفقا لقراءته انطلقت بعد تحريك القرار الظني،وفي المقابل عدم الإعلان عنه تفصيليا وباقائه سريا بالمعنى الرمزي له يشكل عدم إحراج للمعارضة أيضا. تبقى هذه من الفرضيات والقراءات السياسية القابلة للحياة.
لكن المشكلة أيضا تبقى في الكثير من التفصيلات التي تكمن فيها الشياطين السياسية التي تعوَّد عليها اللبنانيون وبرعوا في حياكتها.وان كانت إشارة السيد حسن نصرالله إلى فصل مسار تشكيل الحكومة عن مسار المحكمة من الناحية المبدئية تشكل كوة للمرور من خلالها لتسويات معينة تحفظ للفريق الآخر بعض ماء وجهه السياسي،فان المشكلة تكمن بقراءة الطرف الآخر لهذه الفرصة وعدم إهدارها أيضا دون ثمن يذكر. وبخاصة ان القراءة والكتابة على التوقيت الأمريكي بات من مكونات وأسباب الخسائر المتوالية لفريق 14 آذار.
في تاريخ لبنان السياسي الحديث والمعاصر، سوابق كثيرة متصلة بقضايا ربما لم تكن ذات مستوى وطني عال،لكنها تسببت بأزمات حكومية كبيرة ما لبثت ان تحوّلت إلى أزمة حكم. واليوم ثمة أزمة محكمة انقسم حولها اللبنانيون، ليس بفعل ان الطرف الآخر لا يريدها،بل لأن مسارها بات فتنويا بالصوت والصورة،كما ان ثمة أزمة حكومية متصلة أولا بالتكليف ومن ثم بالتأليف،ومن ثم بالبيان الوزاري وما يعنيه من ألغام سياسية لا أحد قادر على الغوص بتفاصيلها. وثمة أيضا خلاف مستتر تحت الجمر السياسي اللبناني متصل بإدارة الحكم وملفاته، فهل ستتحول أزمة المحكمة إلى أزمة حكومة وحكم لاحقا.
من الواضح ان ثمة براعة لبنانية هائلة تتماهى بشكل مستمر مع مشاريع خارجية سرعان ما تتكيف مع شروطها وبرامجها وأهدافها، وعلى قاعدة جلد الذات بالحرية والسيادة والاستقلال تذهب بعيدا لتجد نفسها مرة أخرى في سياق البيع والشراء الأمريكي.فهل تكون قراءة 14 آذار مختلفة هذه المرة،آم أن هذا الخد تعوَّد على هذه اللطمة كما يقول المثل اللبناني.
في أي حال لم تكف وثائق ويكيليكس وتداعياتها اللبنانية في ثني كثير من السياسيين اللبنانيين اللهاث وراء الأمريكيين،بل جاءت الحقيقة ليكس هذه المرة من عرين فريق الرابع عشر من آذار ومحكمته، فماذا بعد ... .للحديث صلة.
13/01/2011
أزمة لبنان محكمة فحكومة فحكم
حكومة لبنان والمواجهة الامريكية الايرانية في اسطنبول
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 18-1-2011
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
شكلت خطوة المعارضة اللبنانية في استقالتها من الحكومة،سابقة سياسية في لبنان لم يشهدها في تاريخه المعاصر.فالاستقالة أتت في توقيت موجه إلى واشنطن ،وهو رد واضح على التعطيل الأمريكي للمشروع السوري السعودي ،المطعّم بالمقويات الإيرانية التركية. وبصرف النظر عن الخلاصات المستفادة من هذه الخطوةـ تبدو ان أولى تداعياتها، ان المعارضة أخذت قرارها باتجاه مسارات غير تسووية بخلاف ما كان مطروحا في السابق،لكن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه في هذا السياق،هل بمقدور أي طرف لبناني مهما عظم شأنه المضي بمعزل عن حسابات دقيقة لها أبعادها الخارجية المؤثرة في قراره؟.
فأزمة لبنان الأساسية الحالية هي على خلفية المحكمة الخاصة وملفاتها ،التي كان لإيران مؤخرا موقف واضح منها ومن أعلى المرجعيات.فيما الموقف الأمريكي كان واضحا على مسامع الرئيس سعد الحريري حين لقائه الرئيس باراك اوباما. في الوقت عينه أعلنت طهران رفضها بحث ملف التقنيات الفنية في مباحثات اسطنبول واعتبرتها موضوعا من صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.باختصار شباك أمريكي إيراني ربما يحتاج إلى قوى دفع إضافية لتظهير موقف قابل للبناء عليه في إدارة أزمات المنطقة في المرحلة المقبلة.
وان تمكّنت المعارضة اللبنانية حتى الآن من توجيه ضربة موجعة للمشروع الأمريكي، إلا أنها لم تكن قادرة على الفوز بالضربة القاضية للمحكمة، وهي تحتاج إلى سلسلة من الإجراءات الدستورية الداخلية،بدءا من تأليف حكومة تتحكم بمسارات قراراتها، مرورا بصياغة بيانها الوزاري الذي من المفترض ان يتضمن موقف واضح من المحكمة،وصولا بإمكانية تسويقها داخليا وخارجيا.
وإذا كانت البيئة الدستورية وآلياتها من الممكن ان تتأمن بفعل عمليات الشد والجذب التي تجرى داخليا وفي طليعتها استقطاب موقف رئيس التكتل الديموقراطي وليد جنبلاط إلى صف المعارضة،إلا ان الثمن يمكن ان يكون مرتفعا وبخاصة اذا تمسّك بداية بإعادة تسمية الرئيس سعد الحريري،وكذلك اذا كانت الأثمان مرتبطة بإعادة النظر بتركيبة النظام السياسي الدستوري اللبناني على قواعد مختلفة.أي بمعنى آخر ان إعادة التموضع من الممكن ان تكون مرتبطة بمواقف كبيرة لها علاقة باتفاق الطائف أساسا واتفاق الدوحة لاحقا ،وفي كلا الحالتين يحتاج الموضوع إلى إجماع لبناني قلَّ توافره في تاريخه المعاصر.
في أي حال، وفي ظل هذه الاحتمالات القائمة، تجد الأطراف الخارجية المؤثرة في الواقع اللبناني طريقا للتأثير قي مسارات الأزمة الحكومية ،وعندها سستتحول المشكلة من أزمة محكمة إلى أزمة حكومة وبالتالي إلى أزمة حكم من الممكن ان تطول زمنيا وفي الواقع ثمة سوابق كثيرة لأزمات حكم لبنانية غالبا ما كانت تتوج بتفاهمات واتفاقات لها طابع خارجي آخرها كان اتفاق الدوحة.
لا شك ان الأزمة القائمة حاليا هي من النوع الذي لن يكون بمستطاع اللبنانيين وكالعادة على تخطيها بأقل الخسائر الممكنة، وبالتالي ستحتاج واقعا إلى تدخلات ذات تأثير فاعل على الأطراف الداخلية،لكن هذا الأمر لا يعطى بالمجان،فلهذه الأطراف مصالحها الخاصة ومن الطبيعي محاولة الاستفادة من إدارة الأزمات بأكثر ما يمكن من الأرباح كل بحسب حاجته ورغبته من الملفات والمواضيع ذات الصلة بها.
ان استقالة المعارضة من الحكومة لا يعني بالضرورة أنها تتطلع فقط إلى إعادة تشكيل حكومة،فالأمر مرتبط بعد عوامل خارجية أيضا، فماذا لو استمرت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الضغط باتجاه إيران من بوابة الملف النووي،ماذا سيكون الوضع في لبنان بعدما تمَّ حسم الوضع في العراق؟ وماذا عن مؤثرات الوضع السوداني والمصري على مجمل سياسات واشنطن في المنطقة؟
ثمة مسارات وسياقات متباينة تتجه بها الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة،وربما ذات قواعد وأبعاد متشابهة نسبيا.فسيف المحكمة الجنائية الدولية مسلط على السودان لانفصال جنوبه.والحد الآخر من السيف مسلط على لبنان لتطويع مقاومته. وبين الاثنين هز استقرار مصر بتفجير كنائسها. وكأن ثمة خيارات أميركية لمن يعنيهم الأمر،تقابلها ممانعة ربما تحتاج إلى مزيد من برامج المواجهة الجدية لا على قاعدة المواجهات التذكيرية الاستثمارية.
طبعا ثمة حراك إقليمي ودولي واسع لاستيعاب تداعيات أزمة المحكمة والحكومة في لبنان،لكنها من الممكن ان تطول وتتحول إلى أزمة حكم،في ظل معلومات عن قرب صدور القرار الظني باغتيال الرئيس الحريري،ما سيعيد خلط الأوراق مجددا وبالتالي الانتقال إلى نوع جديد من أدوات الشد والجذب الداخلي في لبنان، وإعادة الشِباك الخارجي بين القوى الإقليمية المؤثرة في لبنان.
ثمة كعكة صفراء إيرانية أنتجت ورُحِلت إلى مفاوضات اسطنبول الأسبوع القادم،وثمة محاولة أمريكية واضحة لمحاولات المقايضة بعد صفعتها في كل من أفغانستان والعراق، بمشاريعها في السودان ولبنان، فهل وزن وحجم الملفات هي قابلة للتفاوض والبيع والشراء؟أم ان مزيدا من الوقائع المطلوبة ينبغي تظهيرها أيضا.الثابت ان تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حافل بعمليات البيع والشراء وهي جاهزة دائما لبيع حلفائها بأبخس الأثمان، فهل باتت جاهزة الآن للمقايضة؟ سؤال يستلزم الإجابة عليه، انتظار مباحثات اسطنبول، وغدا لناظره قريب.
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 18-1-2011
د.خليل حسين
أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
شكلت خطوة المعارضة اللبنانية في استقالتها من الحكومة،سابقة سياسية في لبنان لم يشهدها في تاريخه المعاصر.فالاستقالة أتت في توقيت موجه إلى واشنطن ،وهو رد واضح على التعطيل الأمريكي للمشروع السوري السعودي ،المطعّم بالمقويات الإيرانية التركية. وبصرف النظر عن الخلاصات المستفادة من هذه الخطوةـ تبدو ان أولى تداعياتها، ان المعارضة أخذت قرارها باتجاه مسارات غير تسووية بخلاف ما كان مطروحا في السابق،لكن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه في هذا السياق،هل بمقدور أي طرف لبناني مهما عظم شأنه المضي بمعزل عن حسابات دقيقة لها أبعادها الخارجية المؤثرة في قراره؟.
فأزمة لبنان الأساسية الحالية هي على خلفية المحكمة الخاصة وملفاتها ،التي كان لإيران مؤخرا موقف واضح منها ومن أعلى المرجعيات.فيما الموقف الأمريكي كان واضحا على مسامع الرئيس سعد الحريري حين لقائه الرئيس باراك اوباما. في الوقت عينه أعلنت طهران رفضها بحث ملف التقنيات الفنية في مباحثات اسطنبول واعتبرتها موضوعا من صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.باختصار شباك أمريكي إيراني ربما يحتاج إلى قوى دفع إضافية لتظهير موقف قابل للبناء عليه في إدارة أزمات المنطقة في المرحلة المقبلة.
وان تمكّنت المعارضة اللبنانية حتى الآن من توجيه ضربة موجعة للمشروع الأمريكي، إلا أنها لم تكن قادرة على الفوز بالضربة القاضية للمحكمة، وهي تحتاج إلى سلسلة من الإجراءات الدستورية الداخلية،بدءا من تأليف حكومة تتحكم بمسارات قراراتها، مرورا بصياغة بيانها الوزاري الذي من المفترض ان يتضمن موقف واضح من المحكمة،وصولا بإمكانية تسويقها داخليا وخارجيا.
وإذا كانت البيئة الدستورية وآلياتها من الممكن ان تتأمن بفعل عمليات الشد والجذب التي تجرى داخليا وفي طليعتها استقطاب موقف رئيس التكتل الديموقراطي وليد جنبلاط إلى صف المعارضة،إلا ان الثمن يمكن ان يكون مرتفعا وبخاصة اذا تمسّك بداية بإعادة تسمية الرئيس سعد الحريري،وكذلك اذا كانت الأثمان مرتبطة بإعادة النظر بتركيبة النظام السياسي الدستوري اللبناني على قواعد مختلفة.أي بمعنى آخر ان إعادة التموضع من الممكن ان تكون مرتبطة بمواقف كبيرة لها علاقة باتفاق الطائف أساسا واتفاق الدوحة لاحقا ،وفي كلا الحالتين يحتاج الموضوع إلى إجماع لبناني قلَّ توافره في تاريخه المعاصر.
في أي حال، وفي ظل هذه الاحتمالات القائمة، تجد الأطراف الخارجية المؤثرة في الواقع اللبناني طريقا للتأثير قي مسارات الأزمة الحكومية ،وعندها سستتحول المشكلة من أزمة محكمة إلى أزمة حكومة وبالتالي إلى أزمة حكم من الممكن ان تطول زمنيا وفي الواقع ثمة سوابق كثيرة لأزمات حكم لبنانية غالبا ما كانت تتوج بتفاهمات واتفاقات لها طابع خارجي آخرها كان اتفاق الدوحة.
لا شك ان الأزمة القائمة حاليا هي من النوع الذي لن يكون بمستطاع اللبنانيين وكالعادة على تخطيها بأقل الخسائر الممكنة، وبالتالي ستحتاج واقعا إلى تدخلات ذات تأثير فاعل على الأطراف الداخلية،لكن هذا الأمر لا يعطى بالمجان،فلهذه الأطراف مصالحها الخاصة ومن الطبيعي محاولة الاستفادة من إدارة الأزمات بأكثر ما يمكن من الأرباح كل بحسب حاجته ورغبته من الملفات والمواضيع ذات الصلة بها.
ان استقالة المعارضة من الحكومة لا يعني بالضرورة أنها تتطلع فقط إلى إعادة تشكيل حكومة،فالأمر مرتبط بعد عوامل خارجية أيضا، فماذا لو استمرت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الضغط باتجاه إيران من بوابة الملف النووي،ماذا سيكون الوضع في لبنان بعدما تمَّ حسم الوضع في العراق؟ وماذا عن مؤثرات الوضع السوداني والمصري على مجمل سياسات واشنطن في المنطقة؟
ثمة مسارات وسياقات متباينة تتجه بها الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة،وربما ذات قواعد وأبعاد متشابهة نسبيا.فسيف المحكمة الجنائية الدولية مسلط على السودان لانفصال جنوبه.والحد الآخر من السيف مسلط على لبنان لتطويع مقاومته. وبين الاثنين هز استقرار مصر بتفجير كنائسها. وكأن ثمة خيارات أميركية لمن يعنيهم الأمر،تقابلها ممانعة ربما تحتاج إلى مزيد من برامج المواجهة الجدية لا على قاعدة المواجهات التذكيرية الاستثمارية.
طبعا ثمة حراك إقليمي ودولي واسع لاستيعاب تداعيات أزمة المحكمة والحكومة في لبنان،لكنها من الممكن ان تطول وتتحول إلى أزمة حكم،في ظل معلومات عن قرب صدور القرار الظني باغتيال الرئيس الحريري،ما سيعيد خلط الأوراق مجددا وبالتالي الانتقال إلى نوع جديد من أدوات الشد والجذب الداخلي في لبنان، وإعادة الشِباك الخارجي بين القوى الإقليمية المؤثرة في لبنان.
ثمة كعكة صفراء إيرانية أنتجت ورُحِلت إلى مفاوضات اسطنبول الأسبوع القادم،وثمة محاولة أمريكية واضحة لمحاولات المقايضة بعد صفعتها في كل من أفغانستان والعراق، بمشاريعها في السودان ولبنان، فهل وزن وحجم الملفات هي قابلة للتفاوض والبيع والشراء؟أم ان مزيدا من الوقائع المطلوبة ينبغي تظهيرها أيضا.الثابت ان تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حافل بعمليات البيع والشراء وهي جاهزة دائما لبيع حلفائها بأبخس الأثمان، فهل باتت جاهزة الآن للمقايضة؟ سؤال يستلزم الإجابة عليه، انتظار مباحثات اسطنبول، وغدا لناظره قريب.
10/01/2011
نفط لبنان إلى ماء وغازه إلى هواء
نفط لبنان إلى ماء وغازه إلى هواء
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفةالخليج الاماراتية بتاريخ 11-1-2011
بين النعمة والنقمة يُبحر لبنان في بحر من النفط يمكن ان يغير مساره الاقتصادي والاجتماعي الذي يتخبط به منذ عقدين ونيف من الزمن.ديون خارجية تجاوزت فوائدها السنوية قدرته على سدادها دون عقبات ضرائبية ،علاوة على مصاعب اقتصادية ومالية بنيوية,وبين تلك الأزمات المتلاحقة استقالت الدولة من وظائفها المفترضة بانتظار عودة انطلاق حكومة دخلت غيبوبة سياسية لن تنجو منها في ظل الحراك السياسي الداخلي غير المريح.
منذ خمسينات القرن الماضي علق لبنان آمالا على تقارير ودراسات متصلة بنفط وغاز على شواطئه وبحره الإقليمي ومنطقته الاقتصادية الخالصة،وفجأة ما كانت ملفات هذا الموضوع تُغلق دون سبب واضح أو حتى مقنع،وفي نفس الوقت كانت تُعاد إحياء هذه الملفات بين فترة وفترة وبخاصة عند ازدهار مشاريع السلام في المنطقة،وكأن ثمة ربط مباشر بين إمكانية استغلال موارده ومشاريع التسوية التذكيرية.
لكن المشكلة ليست فقط بالظروف الموضوعية التي تحيط بلبنان رغم ضخامة حجمها ومؤثراتها،إذ ان التجاذب الداخلي اللبناني الذي يصل في كثير من الأحيان إلى حالات صدامية،امتد هذه الإثناء إلى ملفات ومواضيع تطال بنيانه وكيانه، ومن بينها النفط والغاز المكتشف في شرقي البحر المتوسط والتي تتشارك به أكثر من دولة من بينها لبنان وإسرائيل.
تشابك وتداخل حقول النفط والغاز البحرية، يشكلان عقبات إضافية للبنان. لجهة تهيئة البيئة القانونية والسياسية لاستغلال هذه الموارد ،علاوة على إيجاد البيئة الخارجية لتحقيق ذلك،وسط قراءة إسرائيلية تبدو شديدة الوضوح لجهة عرقلة استفادة لبنان من موارده بل وصولا إلى نفي أحقية لبنان بذلك على قاعدة الحدود البحرية التي إقامتها إسرائيل من جهة واحدة وفي طليعتها مع قبرص اليونانية،ومد اليد على مناطق بحرية لبنانية ذات صلة بهذه الموارد. فإسرائيل التي بدأت ترتيب ملفاتها عمليا وبشكل تنفيذي منذ العام 2002 لجهة ترسيم حدودها البحرية بمعزل عن لبنان، كما استفادت من ملفات الدراسات وصولا إلى بدء التنقيب وهي على قاب قوسين من بدء الإنتاج الفعلي.
وإذا كانت إسرائيل قد سبقت لبنان أقله بثماني سنوات،فلبنان يجهد ويجاهد على ما يبدو لتأجيل هذه الملفات بعكس ما هو مفروض.فعلى سبيل المثال رغم تأخره في إنجاز قانون النفط إلى ستة اشهر خلت، يبدو ان أمر تنفيذه معطل بفعل عدم إصدار المراسيم التنظيمية من الحكومة،ويبدو ان الأمر مرتبط أيضا وكالعادة بجملة المقايضات التي تجريها الأطراف السياسية الداخلية اللبنانية. فالخلاف بدأ منذ الأساس على خلفية عدم الاتفاق على الهيئة التي ستتابع هذا الملف وتديره،حيث طفا على سطح الخلافات اللبنانية المعتادة على خلفية من سيتولى الأمر والنهي في الهيئة وحجم الحصص على ما يبدو في إدارتها. وبين خلافات الطوائف تلعب إسرائيل براحة تامة في تسيير ملف النفط والغاز وفق قراءتها الخاصة.
والمضحك المبكي في موارد لبنان وأساليب إدارته،أنه من أوائل الدول التي تسجل سوابق غير مستفادة ،عبر قدرته المستمرة عبر طوائفه وأحزابه على تعطيل أي مشروع ذات بعد وطني قومي استراتيجي.فملف المياه على سبيل المثال الذي شكَّل عنصرا حيويا في صراعه مع إسرائيل لم يتمكن من حسمه وظلت مياهه تذهب هدرا إلى البحر،والمحاولة الوحيدة التي حاول المضي بها في العام 1964 بخصوص تحويل مياه الحاصباني، أجهضتها إسرائيل بنسف المنشآت الممولة من قبل جامعة الدول العربية وفقا لمعادة الدفاع المشترك.
اليوم،ظروف لبنان مختلفة ،كما ظروف العرب وجامعتهم.وعلى قاعدة يا رب نفسي، يتعرّض لبنان حاليا لمجمل تحدّيات تحاكي كيانه ووجوده، ويبدو انه عاجز أيضا عن تخطي هذه التحديات الاستثمارية المصيرية بالنسبة له. فإذا ما ظلت أوضاعه المالية والاقتصادية على ما هي عليه، ثمة مشكلة كبيرة متصلة بقدرته على سداد فوائد ديونه الخارجية والداخلية،وبالتالي دخوله في نفق أزمات مختلفة.
ثمة إشاعات سرت منذ بداية عقد تسعينيات القرن الماضي،وفيها الشيء الكثير من الصحة، مفادها ان أيا من الدول والأزمات المتلاحقة على لبنان لم تتمكن من تطويعه لقبول حلول لمشاكل إقليمية، وبنظر هذه الدول نفسها،ان التطويع المفترض قابل للتحقيق من بوابة المال والاقتصاد الذي يتغنى به اللبنانيون، عبر إغراقه بالديون وفرض الملفات السياسية والأمنية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وفي طليعتها التوطين.وأيضا ثمة من ربط ويربط بين السماح باستغلال موارده وموافقته على مجمل ملفات المنطقة.
كثير من الملفات التي تخبّط بها لبنان، ولم يتمكّن من الخروج بمكاسب واضحة منها،ويأتي ملف النفط والغاز اليوم، ليضع موارده في مجال النقمة لا النعمة،وبالتأكيد اذا ما استمرت أوضاعه الداخلية على هذا المنوال،فسيتحوّل نفطه إلى ماء ، وغازه إلى هواء.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفةالخليج الاماراتية بتاريخ 11-1-2011
بين النعمة والنقمة يُبحر لبنان في بحر من النفط يمكن ان يغير مساره الاقتصادي والاجتماعي الذي يتخبط به منذ عقدين ونيف من الزمن.ديون خارجية تجاوزت فوائدها السنوية قدرته على سدادها دون عقبات ضرائبية ،علاوة على مصاعب اقتصادية ومالية بنيوية,وبين تلك الأزمات المتلاحقة استقالت الدولة من وظائفها المفترضة بانتظار عودة انطلاق حكومة دخلت غيبوبة سياسية لن تنجو منها في ظل الحراك السياسي الداخلي غير المريح.
منذ خمسينات القرن الماضي علق لبنان آمالا على تقارير ودراسات متصلة بنفط وغاز على شواطئه وبحره الإقليمي ومنطقته الاقتصادية الخالصة،وفجأة ما كانت ملفات هذا الموضوع تُغلق دون سبب واضح أو حتى مقنع،وفي نفس الوقت كانت تُعاد إحياء هذه الملفات بين فترة وفترة وبخاصة عند ازدهار مشاريع السلام في المنطقة،وكأن ثمة ربط مباشر بين إمكانية استغلال موارده ومشاريع التسوية التذكيرية.
لكن المشكلة ليست فقط بالظروف الموضوعية التي تحيط بلبنان رغم ضخامة حجمها ومؤثراتها،إذ ان التجاذب الداخلي اللبناني الذي يصل في كثير من الأحيان إلى حالات صدامية،امتد هذه الإثناء إلى ملفات ومواضيع تطال بنيانه وكيانه، ومن بينها النفط والغاز المكتشف في شرقي البحر المتوسط والتي تتشارك به أكثر من دولة من بينها لبنان وإسرائيل.
تشابك وتداخل حقول النفط والغاز البحرية، يشكلان عقبات إضافية للبنان. لجهة تهيئة البيئة القانونية والسياسية لاستغلال هذه الموارد ،علاوة على إيجاد البيئة الخارجية لتحقيق ذلك،وسط قراءة إسرائيلية تبدو شديدة الوضوح لجهة عرقلة استفادة لبنان من موارده بل وصولا إلى نفي أحقية لبنان بذلك على قاعدة الحدود البحرية التي إقامتها إسرائيل من جهة واحدة وفي طليعتها مع قبرص اليونانية،ومد اليد على مناطق بحرية لبنانية ذات صلة بهذه الموارد. فإسرائيل التي بدأت ترتيب ملفاتها عمليا وبشكل تنفيذي منذ العام 2002 لجهة ترسيم حدودها البحرية بمعزل عن لبنان، كما استفادت من ملفات الدراسات وصولا إلى بدء التنقيب وهي على قاب قوسين من بدء الإنتاج الفعلي.
وإذا كانت إسرائيل قد سبقت لبنان أقله بثماني سنوات،فلبنان يجهد ويجاهد على ما يبدو لتأجيل هذه الملفات بعكس ما هو مفروض.فعلى سبيل المثال رغم تأخره في إنجاز قانون النفط إلى ستة اشهر خلت، يبدو ان أمر تنفيذه معطل بفعل عدم إصدار المراسيم التنظيمية من الحكومة،ويبدو ان الأمر مرتبط أيضا وكالعادة بجملة المقايضات التي تجريها الأطراف السياسية الداخلية اللبنانية. فالخلاف بدأ منذ الأساس على خلفية عدم الاتفاق على الهيئة التي ستتابع هذا الملف وتديره،حيث طفا على سطح الخلافات اللبنانية المعتادة على خلفية من سيتولى الأمر والنهي في الهيئة وحجم الحصص على ما يبدو في إدارتها. وبين خلافات الطوائف تلعب إسرائيل براحة تامة في تسيير ملف النفط والغاز وفق قراءتها الخاصة.
والمضحك المبكي في موارد لبنان وأساليب إدارته،أنه من أوائل الدول التي تسجل سوابق غير مستفادة ،عبر قدرته المستمرة عبر طوائفه وأحزابه على تعطيل أي مشروع ذات بعد وطني قومي استراتيجي.فملف المياه على سبيل المثال الذي شكَّل عنصرا حيويا في صراعه مع إسرائيل لم يتمكن من حسمه وظلت مياهه تذهب هدرا إلى البحر،والمحاولة الوحيدة التي حاول المضي بها في العام 1964 بخصوص تحويل مياه الحاصباني، أجهضتها إسرائيل بنسف المنشآت الممولة من قبل جامعة الدول العربية وفقا لمعادة الدفاع المشترك.
اليوم،ظروف لبنان مختلفة ،كما ظروف العرب وجامعتهم.وعلى قاعدة يا رب نفسي، يتعرّض لبنان حاليا لمجمل تحدّيات تحاكي كيانه ووجوده، ويبدو انه عاجز أيضا عن تخطي هذه التحديات الاستثمارية المصيرية بالنسبة له. فإذا ما ظلت أوضاعه المالية والاقتصادية على ما هي عليه، ثمة مشكلة كبيرة متصلة بقدرته على سداد فوائد ديونه الخارجية والداخلية،وبالتالي دخوله في نفق أزمات مختلفة.
ثمة إشاعات سرت منذ بداية عقد تسعينيات القرن الماضي،وفيها الشيء الكثير من الصحة، مفادها ان أيا من الدول والأزمات المتلاحقة على لبنان لم تتمكن من تطويعه لقبول حلول لمشاكل إقليمية، وبنظر هذه الدول نفسها،ان التطويع المفترض قابل للتحقيق من بوابة المال والاقتصاد الذي يتغنى به اللبنانيون، عبر إغراقه بالديون وفرض الملفات السياسية والأمنية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وفي طليعتها التوطين.وأيضا ثمة من ربط ويربط بين السماح باستغلال موارده وموافقته على مجمل ملفات المنطقة.
كثير من الملفات التي تخبّط بها لبنان، ولم يتمكّن من الخروج بمكاسب واضحة منها،ويأتي ملف النفط والغاز اليوم، ليضع موارده في مجال النقمة لا النعمة،وبالتأكيد اذا ما استمرت أوضاعه الداخلية على هذا المنوال،فسيتحوّل نفطه إلى ماء ، وغازه إلى هواء.
التسميات:
الصراع العربي الاسرائيلي,
قضايا لبنانية
04/01/2011
ماججستير حقوق امن الطيران في ظل الاعمال الارهابية محمد علي جمول
الطالب محمد علي جمول
عنوان الرسالة : امن الطيران في ظل الأعمال الإرهابية
الشهادة ماجستير في الحقوق
تاريخ المناقشة:18/12/2010
بات الطيران من ابرز واهم وسائل النقل في العالم، للعديد من الاعتبارات والأسباب من بينها السرعة واختصار الوقت،والأمان مقارنة بغيره من وسائل النقل.ولذلك بات من الواضح الاعتماد اللافت عليه من قبل مروحة واسعة من المستفيدين من هذه الخدمة.
وعلى الرغم من اتساع الاتكال عليه،وتطور التقنيات والوسائل ذات الصلة بهذه الخدمات،تعرّض الطيران ووسائله بشكل خاص للعديد من عمليات الاعتداء،ما شكّل ظاهرة خطرة على الشركات الناقلة والبضائع والأشخاص،بل تعدى الأمر ذلك إلى أخطار تطال أمن الدول ومؤسساتها،اذا ما ارتبط بمظاهر ونتائج عمليات الإرهاب التي طاولت العديد من الطائرات في فترات مختلفة ولأسباب متعددة.
ومفارقة الموضوع ان عمليات الإرهاب نفذها أفراد وكذلك تنظيمات،علاوة على الدول. انطلقت من أهداف مادية ومالية وصولا إلى أهداف سياسية مرورا بغايات لا تخطر في البال في بعض الأحيان.
لقد عالج الطالب في رسالته امن الطيران في ظل الأعمال الإرهابية انطلاقا من محددات تاريخية ارتبط بتاريخ الأعمال الإرهابية المنفذة ضد وسائل الطيران ومن قام بها،ذلك في فصول ثلاثة.
تضمن الفصل التمهيدي الأول مطلبين تعرض في الأول إلى تنظيم المطار والتهديدات التي بتعرض لها،فيما عرض في الثاني إلى نظم حماية المطار والقوانين المرعية الإجراء فيه لهذا الصدد.أما الفصل الثاني فخصصه لمعالجة الأفعال غير المشروعة المؤثرة في سلامة الطيران عبر مطلبين،الأول الأفعال غير المشروعة كخطف الطائرات والاعتداء والتخريب ،إضافة إلى الاعتداء على منشآت المطارات.أما المطلب الثاني فعالج فيه الاتفاقيات الدولية التي تعالج امن المطارات،كاتفاقية شيكاغو 1944،واتفاقية طوكيو 1963، واتفاقية 1970 بشأن الاعتداء على الطائرات،واتفاقية مونتريال 1970 المتعلقة بمنع الأعمال غير المشروعة لسلامة الطيران المدني.،وكذلك بروتوكول مونتريال 1988 المتعلق بحماية ومنع الأعمال غير المشروعة ضد المطارات.وفي المطلب الثالث عالج تعريف الإرهاب الدولي من وجهة الأمم المتحدة وكذلك جامعة الدول العربية ومواقف بعض الدول من هذه الأعمال،كما تعرّض في هذا المطلب إلى تاريخ الأعمال الإرهابية ومن قام بها ونفذها والأهداف والخلفيات التي وقفت ورائها. أما الفصل الثالث فقد خصصه للمسؤوليات القانونية عن امن الطيران المدني،كمسؤولية الدولة وكذلك إطار الاتفاقيات الدولية.كذلك مسؤولية المطار والإدارات المتواجدة فيه. إضافة إلى الخاتمة التي تضمّنت موجزا لما عالجه الطالب والفرضيات والأسئلة التي أجاب عليها.
تضمنت الرسالة عرضا واضحا للموضوع بأسلوب علمي وبمروحة واسعة من المراجع العربية والأجنبية.وبعد المناقشة والمداولة قررت اللجنة المؤلفة من الأستاذ الدكتور طارق المجذوب مشرفا والأستاذ الدكتور خليل حسين مشرفا ثانيا،والأستاذ الدكتور محمد قاسم عضوا والأستاذ الدكتور سامي سلهب عضوا، قبول الرسالة ومنحت صاحبها الطالب محمد علي جمول شهادة الماجستير في الحقوق مقبول.
أ.د.خليل حسين
بيروت: 17/12/2010
عنوان الرسالة : امن الطيران في ظل الأعمال الإرهابية
الشهادة ماجستير في الحقوق
تاريخ المناقشة:18/12/2010
بات الطيران من ابرز واهم وسائل النقل في العالم، للعديد من الاعتبارات والأسباب من بينها السرعة واختصار الوقت،والأمان مقارنة بغيره من وسائل النقل.ولذلك بات من الواضح الاعتماد اللافت عليه من قبل مروحة واسعة من المستفيدين من هذه الخدمة.
وعلى الرغم من اتساع الاتكال عليه،وتطور التقنيات والوسائل ذات الصلة بهذه الخدمات،تعرّض الطيران ووسائله بشكل خاص للعديد من عمليات الاعتداء،ما شكّل ظاهرة خطرة على الشركات الناقلة والبضائع والأشخاص،بل تعدى الأمر ذلك إلى أخطار تطال أمن الدول ومؤسساتها،اذا ما ارتبط بمظاهر ونتائج عمليات الإرهاب التي طاولت العديد من الطائرات في فترات مختلفة ولأسباب متعددة.
ومفارقة الموضوع ان عمليات الإرهاب نفذها أفراد وكذلك تنظيمات،علاوة على الدول. انطلقت من أهداف مادية ومالية وصولا إلى أهداف سياسية مرورا بغايات لا تخطر في البال في بعض الأحيان.
لقد عالج الطالب في رسالته امن الطيران في ظل الأعمال الإرهابية انطلاقا من محددات تاريخية ارتبط بتاريخ الأعمال الإرهابية المنفذة ضد وسائل الطيران ومن قام بها،ذلك في فصول ثلاثة.
تضمن الفصل التمهيدي الأول مطلبين تعرض في الأول إلى تنظيم المطار والتهديدات التي بتعرض لها،فيما عرض في الثاني إلى نظم حماية المطار والقوانين المرعية الإجراء فيه لهذا الصدد.أما الفصل الثاني فخصصه لمعالجة الأفعال غير المشروعة المؤثرة في سلامة الطيران عبر مطلبين،الأول الأفعال غير المشروعة كخطف الطائرات والاعتداء والتخريب ،إضافة إلى الاعتداء على منشآت المطارات.أما المطلب الثاني فعالج فيه الاتفاقيات الدولية التي تعالج امن المطارات،كاتفاقية شيكاغو 1944،واتفاقية طوكيو 1963، واتفاقية 1970 بشأن الاعتداء على الطائرات،واتفاقية مونتريال 1970 المتعلقة بمنع الأعمال غير المشروعة لسلامة الطيران المدني.،وكذلك بروتوكول مونتريال 1988 المتعلق بحماية ومنع الأعمال غير المشروعة ضد المطارات.وفي المطلب الثالث عالج تعريف الإرهاب الدولي من وجهة الأمم المتحدة وكذلك جامعة الدول العربية ومواقف بعض الدول من هذه الأعمال،كما تعرّض في هذا المطلب إلى تاريخ الأعمال الإرهابية ومن قام بها ونفذها والأهداف والخلفيات التي وقفت ورائها. أما الفصل الثالث فقد خصصه للمسؤوليات القانونية عن امن الطيران المدني،كمسؤولية الدولة وكذلك إطار الاتفاقيات الدولية.كذلك مسؤولية المطار والإدارات المتواجدة فيه. إضافة إلى الخاتمة التي تضمّنت موجزا لما عالجه الطالب والفرضيات والأسئلة التي أجاب عليها.
تضمنت الرسالة عرضا واضحا للموضوع بأسلوب علمي وبمروحة واسعة من المراجع العربية والأجنبية.وبعد المناقشة والمداولة قررت اللجنة المؤلفة من الأستاذ الدكتور طارق المجذوب مشرفا والأستاذ الدكتور خليل حسين مشرفا ثانيا،والأستاذ الدكتور محمد قاسم عضوا والأستاذ الدكتور سامي سلهب عضوا، قبول الرسالة ومنحت صاحبها الطالب محمد علي جمول شهادة الماجستير في الحقوق مقبول.
أ.د.خليل حسين
بيروت: 17/12/2010
01/01/2011
عامان على محرقة غزة .. ما الجديد؟
عامان على محرقة غزة .. ما الجديد؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 1-1-2011
قبل عامين أطلقت إسرائيل ما أسمته عملية الرصاص المسكوب لتنفذ محرقة القرن العشرين بحق الفلسطينيين في غزة،واليوم تعيد حياكة نفس الظروف والوقائع وكأنها تحاول استنساخ المبررات نفسها لترجمة ما تخفيه ظاهرا وما تضمره باطنا.عمليات عسكرية ذات طابع نوعي استفزازي،مترافقة مع تهديدات علنية بأبعاد متعددة، فما الذي تغيّر منذ سنتين؟وما هي المستجدات؟ وبالتالي هل تكوَّنت المبررات والأسباب للانطلاق في مغامرة جديدة خلال الفترة القادمة؟.ثمة العديد من المظاهر وان تشابهت في الزمان والمكان، إلا ان ذلك لا يعني بالضرورة ان إسرائيل طليقة اليدين تماما لتفعل ما فعلته في السابق للعديد من الاعتبارات والحسابات.
بعد سنتين،ثمة سابقة كرّستها مقاومة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة ،وهي قدرتها على تبديد ما حاولت إسرائيل ان تسميه انتصارا في عملية الرصاص المسكوب.فقد انتزعت حماس تقرير غولدستون الذي يشكل سابقة قانونية فلسطينية في مواجهة إسرائيل وبخاصة من مجلس حقوق الإنسان الذي بدا وكأنه تحديا لانطلاقته وفعالية عمله.علاوة على تشكيله فخا يمكن البناء عليه للتشكيك بشرعية الكيان المغتصب لفلسطين. وفي موازاة ذلك أيضا تمكّنت حكومة حماس ولو في وضعها الحالي من انتزاع الإقرار الإسرائيلي بفشل عمليتها بأهدافها العسكرية والسياسية، بعدما ارتأت إسرائيل بأن ترقى بمجريات أحداثها كتعويض عن صفعتها غير المسبوقة في عدوانها ضد حزب الله في لبنان العام 2006. ما يعني ان إسرائيل يلزمها الكثير لترميم صورتها المادية والمعنوية في الداخل الإسرائيلي قبل قيامها بأي تحرك لاحق لمواجهة حماس وغيرها في قطاع غزة.
في نفس السياق ،ثمة تقدير إسرائيلي متزايد بأن أي عملية ذات أهداف وازنة في قطاع غزة، لن يكون منفردا في الوقت الراهن،باعتبار ان ظروفا مستجدة يمكن أن تربط وضع غزة بغيرها من المواقع الأخرى وفي طليعتها الحدود اللبنانية ،وبالتالي إمكانية اشتراك حزب الله في المعارك بخلاف الأمر قبل عامين.علاوة على ذلك ان نوعية التسلح والتدريبات التي تقوم بها حماس في قطاع غزة ذات أبعاد نوعية لجهة السلاح الذي تمكّنت من امتلاكه مؤخرا وبخاصة صواريخ كورنيت وغيرها،وهذا ما اعترفت به إسرائيل وكأنه إقرار غير مباشر بنوع من توازن الرعب ولو في حدود ضيّقة لكنها فعالة بالنظر لطبيعة المعارك المرشح انطلاقها في حال أقدمت إسرائيل عليها.
في مقابل ذلك،ثمة وقائع من الصعب تجاهلها والتي يمكن ان ـاخذ الأمور في اتجاهات مختلفة ومن بينها إقدام إسرائيل على تفجير الأوضاع في محاولة لكسر حالة الستاتيكو القائم والذي يبدو لغير مصلحتها؛ومن بين تلك المؤشرات طبيعة السلوك السياسي للحكومة الإسرائيلية ورموزها بدءا من رئيسها بنيامين نتنياهو،وانتهاء بأفيغدور ليبرمان اللذان يمثلان حالة الغرور والنزعة التفوقية في الذاكرة الجماعية الإسرائيلية.وفي أمر متصل أيضا بالحالة الحكومية ، قبل سنتين كان ايهود اولمرت يقود حكومة تبجحت بالبحث عن طرق السلام مع الفلسطينيين كما مع السوريين عبر تركيا،وفي نهاية المطاف نفذت محرقة غزة دون وازع أو رادع من التجارب السابقة،فكيف بحكومة يقودها رموز التطرف اليميني الذي أدمن الهروب نحو الحروب والمجازر والمحارق.
وفي نفس السياق أيضا، ثمة متغيّرات مرتبطة بالوضع اللبناني وما يواجه به حزب الله في لبنان على قاعدة المحكمة الخاصة بلبنان، وما يعنيه هذا الاتهام من تزايد الضغط الخارجي والداخلي الذي يجعل التفكير بالانجرار إلى المواجهة مع إسرائيل من الخيارات القابلة للتنفيذ أكثر من غيرها للعديد من الاعتبارات الداخلية اللبنانية والخارجية الإقليمية والعربية. وبخاصة بعد التصريحات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية بأن المنطقة لن تكون هادئة في العام 2011،ومنها من رجحت اشتعال حرب إقليمية لن تكون سوريا وإيران بعيدتين عنها.
في الثوابت الإسرائيلية غير القابلة للكسر،الهروب إلى الأمام بعد التسلح بظاهر السلام وإفشالها له، عماده صناعة دقيقة لظروف الحرب بصرف النظر عن نتائجها ومآلاتها وتداعياتها.قبل كانون الأول 2008 أجهضت إسرائيل مناخات السلام التي حاولت واشنطن إطلاقها في ظل وصول الديمقراطيين للسلطة. وقبل 2011 أنعشت إسرائيل ظروف الاستيطان وأعدمت محادثات السلام مع الفلسطينيين، فهل هيأت لما تضمره في العام 2011؟ ان الرجوع للسوابق الإسرائيلية لا تبقي ادني شك بأنها أنهت حياكة الظروف ، وبدأت بتطريز المواقف،ولم يبق سوى زخرفة التنفيذ.
في الحروب النظامية التي تقودها الدول،تذهب الجيوش وقادتها إلى ساحات الحرب وفي عقلها الباطني صورا للنصر الذي ينتظرها. بينما الدروس المستفادة من تجارب المقاومة في صولاتها وجولاتها صورا أخرى تقض مضاجع السياسيين والعسكريين في آن معا.ان تجربتي إسرائيل في العام 2006 في لبنان و 2008 في غزة تؤكد هذه النظرية فهل يعلم العرب قبل الإسرائيليين ذلك؟ ثمة موعدان داهمان ذات صلة ،مفاوضات الكعكة الصفراء في اسطنبول،وقرار المحكمة الخاصة في لبنان ،فكيف ستقرأهما إسرائيل ؟ هل ستأخذ بالنصيحة الأمريكية التي أطلقها جيفري فيلتمن،بالانتظار ومشاهدة ما يجري،أم سيكون لها قراءتها المختلفة؟ لقد عوّدت إسرائيل أميركا وغيرها بأن لها قراءتها وحساباتها الخاصتين بصرف النظر عن أي معطى آخر.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 1-1-2011
قبل عامين أطلقت إسرائيل ما أسمته عملية الرصاص المسكوب لتنفذ محرقة القرن العشرين بحق الفلسطينيين في غزة،واليوم تعيد حياكة نفس الظروف والوقائع وكأنها تحاول استنساخ المبررات نفسها لترجمة ما تخفيه ظاهرا وما تضمره باطنا.عمليات عسكرية ذات طابع نوعي استفزازي،مترافقة مع تهديدات علنية بأبعاد متعددة، فما الذي تغيّر منذ سنتين؟وما هي المستجدات؟ وبالتالي هل تكوَّنت المبررات والأسباب للانطلاق في مغامرة جديدة خلال الفترة القادمة؟.ثمة العديد من المظاهر وان تشابهت في الزمان والمكان، إلا ان ذلك لا يعني بالضرورة ان إسرائيل طليقة اليدين تماما لتفعل ما فعلته في السابق للعديد من الاعتبارات والحسابات.
بعد سنتين،ثمة سابقة كرّستها مقاومة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة ،وهي قدرتها على تبديد ما حاولت إسرائيل ان تسميه انتصارا في عملية الرصاص المسكوب.فقد انتزعت حماس تقرير غولدستون الذي يشكل سابقة قانونية فلسطينية في مواجهة إسرائيل وبخاصة من مجلس حقوق الإنسان الذي بدا وكأنه تحديا لانطلاقته وفعالية عمله.علاوة على تشكيله فخا يمكن البناء عليه للتشكيك بشرعية الكيان المغتصب لفلسطين. وفي موازاة ذلك أيضا تمكّنت حكومة حماس ولو في وضعها الحالي من انتزاع الإقرار الإسرائيلي بفشل عمليتها بأهدافها العسكرية والسياسية، بعدما ارتأت إسرائيل بأن ترقى بمجريات أحداثها كتعويض عن صفعتها غير المسبوقة في عدوانها ضد حزب الله في لبنان العام 2006. ما يعني ان إسرائيل يلزمها الكثير لترميم صورتها المادية والمعنوية في الداخل الإسرائيلي قبل قيامها بأي تحرك لاحق لمواجهة حماس وغيرها في قطاع غزة.
في نفس السياق ،ثمة تقدير إسرائيلي متزايد بأن أي عملية ذات أهداف وازنة في قطاع غزة، لن يكون منفردا في الوقت الراهن،باعتبار ان ظروفا مستجدة يمكن أن تربط وضع غزة بغيرها من المواقع الأخرى وفي طليعتها الحدود اللبنانية ،وبالتالي إمكانية اشتراك حزب الله في المعارك بخلاف الأمر قبل عامين.علاوة على ذلك ان نوعية التسلح والتدريبات التي تقوم بها حماس في قطاع غزة ذات أبعاد نوعية لجهة السلاح الذي تمكّنت من امتلاكه مؤخرا وبخاصة صواريخ كورنيت وغيرها،وهذا ما اعترفت به إسرائيل وكأنه إقرار غير مباشر بنوع من توازن الرعب ولو في حدود ضيّقة لكنها فعالة بالنظر لطبيعة المعارك المرشح انطلاقها في حال أقدمت إسرائيل عليها.
في مقابل ذلك،ثمة وقائع من الصعب تجاهلها والتي يمكن ان ـاخذ الأمور في اتجاهات مختلفة ومن بينها إقدام إسرائيل على تفجير الأوضاع في محاولة لكسر حالة الستاتيكو القائم والذي يبدو لغير مصلحتها؛ومن بين تلك المؤشرات طبيعة السلوك السياسي للحكومة الإسرائيلية ورموزها بدءا من رئيسها بنيامين نتنياهو،وانتهاء بأفيغدور ليبرمان اللذان يمثلان حالة الغرور والنزعة التفوقية في الذاكرة الجماعية الإسرائيلية.وفي أمر متصل أيضا بالحالة الحكومية ، قبل سنتين كان ايهود اولمرت يقود حكومة تبجحت بالبحث عن طرق السلام مع الفلسطينيين كما مع السوريين عبر تركيا،وفي نهاية المطاف نفذت محرقة غزة دون وازع أو رادع من التجارب السابقة،فكيف بحكومة يقودها رموز التطرف اليميني الذي أدمن الهروب نحو الحروب والمجازر والمحارق.
وفي نفس السياق أيضا، ثمة متغيّرات مرتبطة بالوضع اللبناني وما يواجه به حزب الله في لبنان على قاعدة المحكمة الخاصة بلبنان، وما يعنيه هذا الاتهام من تزايد الضغط الخارجي والداخلي الذي يجعل التفكير بالانجرار إلى المواجهة مع إسرائيل من الخيارات القابلة للتنفيذ أكثر من غيرها للعديد من الاعتبارات الداخلية اللبنانية والخارجية الإقليمية والعربية. وبخاصة بعد التصريحات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية بأن المنطقة لن تكون هادئة في العام 2011،ومنها من رجحت اشتعال حرب إقليمية لن تكون سوريا وإيران بعيدتين عنها.
في الثوابت الإسرائيلية غير القابلة للكسر،الهروب إلى الأمام بعد التسلح بظاهر السلام وإفشالها له، عماده صناعة دقيقة لظروف الحرب بصرف النظر عن نتائجها ومآلاتها وتداعياتها.قبل كانون الأول 2008 أجهضت إسرائيل مناخات السلام التي حاولت واشنطن إطلاقها في ظل وصول الديمقراطيين للسلطة. وقبل 2011 أنعشت إسرائيل ظروف الاستيطان وأعدمت محادثات السلام مع الفلسطينيين، فهل هيأت لما تضمره في العام 2011؟ ان الرجوع للسوابق الإسرائيلية لا تبقي ادني شك بأنها أنهت حياكة الظروف ، وبدأت بتطريز المواقف،ولم يبق سوى زخرفة التنفيذ.
في الحروب النظامية التي تقودها الدول،تذهب الجيوش وقادتها إلى ساحات الحرب وفي عقلها الباطني صورا للنصر الذي ينتظرها. بينما الدروس المستفادة من تجارب المقاومة في صولاتها وجولاتها صورا أخرى تقض مضاجع السياسيين والعسكريين في آن معا.ان تجربتي إسرائيل في العام 2006 في لبنان و 2008 في غزة تؤكد هذه النظرية فهل يعلم العرب قبل الإسرائيليين ذلك؟ ثمة موعدان داهمان ذات صلة ،مفاوضات الكعكة الصفراء في اسطنبول،وقرار المحكمة الخاصة في لبنان ،فكيف ستقرأهما إسرائيل ؟ هل ستأخذ بالنصيحة الأمريكية التي أطلقها جيفري فيلتمن،بالانتظار ومشاهدة ما يجري،أم سيكون لها قراءتها المختلفة؟ لقد عوّدت إسرائيل أميركا وغيرها بأن لها قراءتها وحساباتها الخاصتين بصرف النظر عن أي معطى آخر.
التسميات:
الصراع العربي الاسرائيلي,
قضايا عربية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)