قرار محكمة .. استقالة حكومة .. أزمة حكم
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة البناء بيروت بتاريخ 19-1-2011
www.drkhalilhussein.blogspot.com
المضحك المبكي ليس في القرار الظني الذي انتقل من المدعي العام دانيال بلمار إلى إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين،بل التوليفة السياسية التسووية التي أرفقت بالإعلان عنه،وهو ان القرار سيظل سريا ما بين ستة إلى ثمانية أسابيع،في وقت، أن الكثير من حيثياته التفصيلية المملة باتت معروفة منذ اشهر،علاوة على ان التحقيقات التي أجريت باتت ملكا ومشاعا للإعلام وحتى لحفلات التندر.
طبعا، جاء الإعلان عنه في التوقيت الأمريكي – الإسرائيلي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد ضربة المعلم التي سددتها المعارضة بإسقاط الحكومة، لكن المثير أيضا وفي سياق متصل بسريته، تأجيل الاستشارات لأسبوع قادم،وكأنه محاولة أخرى لإيجاد بيئة تسووية تحفظ ماء وجه المراهنين عليه،عبر كونسورتيوم دولي كما اقترحت فرنسا.فما هي إمكانات نجاح الرهان على السياق الجديد؟وهل يحمل الواقع اللبناني تجديد وتمديد أزماته إلى آجال غير محسوبة أو معروفة النتائج.
ثمة مقاربة سياسية مفادها حل عبر التمسك أولا بالصيغة السورية السعودية التي تم التأكيد عليها في قمة دمشق الثلاثية، لكن مكمن الموضوع ليس التمسك أو عدم التمسك بل بالقدرة على فرضها أو بأحسن الأحوال تمريرها بعد المعطيات الجديدة وتداعياتها. سيما وأن سقف الشروط الموضوعة بين الطرفين اللبنانيين بات هامش التحرك فيه ضيقا جدا،ومحصور بالشروط التي أطلقها سماحة السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير،وأبرزها مواضيع ذات صلة بالمحكمة والقرار وشهود الزور،علاوة على الشق الاجتماعي الاقتصادي لبرنامج أي حكومة قادمة.ما يعني ان الأمر لم يعد في الخطاب السياسي القائم حاليا حول إعادة الرئيس الحريري إلى الحكومة بقدر ما هو التطلع إلى ابعد من ذلك وهو محاولة صياغة برنامج حكم وحكومة اذا ذهبت الأمور إلى ابعد ما هو متداول به.
وبصرف النظر عن هذه القراءات،يبقى موضوع القرار الظني هو الأبرز في محاولات الشد والجذب المحلية والإقليمية والدولية.فهل تكون التسوية المفترضة التي يعمل عليها خلال هذا الأسبوع انطلاقا، من ان القرار الظني قاب قوسين أو أدنى لنشره إلى العلن، وبالتالي باتت وظيفته قائمة بصرف النظر عن صدوره،وبالتالي إفساح المجال للرئيس الحريري عودة تبنيه بشكل واضح وصريح للمبادرة السورية السعودية،دون ان يشكل حرجا له باعتبار ان التسوية وفقا لقراءته انطلقت بعد تحريك القرار الظني،وفي المقابل عدم الإعلان عنه تفصيليا وباقائه سريا بالمعنى الرمزي له يشكل عدم إحراج للمعارضة أيضا. تبقى هذه من الفرضيات والقراءات السياسية القابلة للحياة.
لكن المشكلة أيضا تبقى في الكثير من التفصيلات التي تكمن فيها الشياطين السياسية التي تعوَّد عليها اللبنانيون وبرعوا في حياكتها.وان كانت إشارة السيد حسن نصرالله إلى فصل مسار تشكيل الحكومة عن مسار المحكمة من الناحية المبدئية تشكل كوة للمرور من خلالها لتسويات معينة تحفظ للفريق الآخر بعض ماء وجهه السياسي،فان المشكلة تكمن بقراءة الطرف الآخر لهذه الفرصة وعدم إهدارها أيضا دون ثمن يذكر. وبخاصة ان القراءة والكتابة على التوقيت الأمريكي بات من مكونات وأسباب الخسائر المتوالية لفريق 14 آذار.
في تاريخ لبنان السياسي الحديث والمعاصر، سوابق كثيرة متصلة بقضايا ربما لم تكن ذات مستوى وطني عال،لكنها تسببت بأزمات حكومية كبيرة ما لبثت ان تحوّلت إلى أزمة حكم. واليوم ثمة أزمة محكمة انقسم حولها اللبنانيون، ليس بفعل ان الطرف الآخر لا يريدها،بل لأن مسارها بات فتنويا بالصوت والصورة،كما ان ثمة أزمة حكومية متصلة أولا بالتكليف ومن ثم بالتأليف،ومن ثم بالبيان الوزاري وما يعنيه من ألغام سياسية لا أحد قادر على الغوص بتفاصيلها. وثمة أيضا خلاف مستتر تحت الجمر السياسي اللبناني متصل بإدارة الحكم وملفاته، فهل ستتحول أزمة المحكمة إلى أزمة حكومة وحكم لاحقا.
من الواضح ان ثمة براعة لبنانية هائلة تتماهى بشكل مستمر مع مشاريع خارجية سرعان ما تتكيف مع شروطها وبرامجها وأهدافها، وعلى قاعدة جلد الذات بالحرية والسيادة والاستقلال تذهب بعيدا لتجد نفسها مرة أخرى في سياق البيع والشراء الأمريكي.فهل تكون قراءة 14 آذار مختلفة هذه المرة،آم أن هذا الخد تعوَّد على هذه اللطمة كما يقول المثل اللبناني.
في أي حال لم تكف وثائق ويكيليكس وتداعياتها اللبنانية في ثني كثير من السياسيين اللبنانيين اللهاث وراء الأمريكيين،بل جاءت الحقيقة ليكس هذه المرة من عرين فريق الرابع عشر من آذار ومحكمته، فماذا بعد ... .للحديث صلة.