فلسطين مراقبا في الامم المتحدة
خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت 2/12/2012.
نشرت في الشرق الاوسط بتاريخ 13/12/2012
بعد اربعة وستين عاما بالتمام والكمال على صدور قرار التقسيم (181) عن الامم المتحدة بإنشاء دولتين على ارض فلسطين التاريخية، بدأت مسيرة الألف ميل اذا جاز التعبير بتطبيق القرار ولو مجتزأ من الناحية القانونية.فكثير من المحاولات التي خاضها الشعب الفلسطيني ومن مثله في المحافل الاقليمية والدولية للوصول إلى اعلان الدولة الفلسطينية ولم يوفق بفعل السياسات الدولية المعروفة،فما هي الآثار القانونية والسياسية لمثل هذه العضوية ؟.
في المبدأ ، ليس ثمة نص محدد بعينه، لتوصيف عضو مراقب في الامم المتحدة.فهناك مواد تحدد الشروط التي يجب توافرها للانضمام إلى المنظمة الدولية،اضافة إلى الاجراءات التي ينبغي الولوج بها للوصول إلى العضوية المحددة نصا وحصرا في الميثاق الأممي. ومن هذه الشروط الأساسية ينبغي على الدولة ان تكون محبة للسلام،وقادرة على القيام بجميع الالتزامات التي تقررها الامم المتحدة بكافة أجهزتها الرئيسية والفرعية.
وإذا كانت هذه الشروط العامة والخاصة ، محددة وموصّفة وجرت العادة والعرف من قبل المجتمع الدولي على التقيّد بها والعمل فيها ، فثمة حالات أخرى،جرت العادة على القيام بها،ومن بينها تكريس عرف عضوية المراقب في أجهزة الامم المتحدة ، لاعتبارات ودوافع هي سياسية أكثر من أي أمر آخر ، وهو أمر يتعارض مع مبدأ المساواة بين الكيانات السياسية المنصوص عليه في المادة الثانية للميثاق الاممي. لكنه اجراء تم اللجوء اليه بفعل الضغوط السياسية التي مورست على المجتمع الدولي ، ونزولا عند الرأي العام الدولي اذا جاز التعبير ، للتخفيف من حدة غلواء السياسات الدولية المؤثرة في عمل الامم المتحدة وقراراتها.
ثمة سوابق تم اللجوء إليها ، كمثل حالة قبول عضوية سويسرا ، كعضو مراقب،وفي حقيقة الأمر ، هو اجراء كانت خلفياته المباشرة مراعاة نظام الحياد القانوني الذي وضعت فيه سويسرا تاريخيا ، وهو نظام يمنع على سويسرا القيام بأي عمل دولي يخالف حيادها،وهو أمر يتعارض مع الواجبات التي ينبغي القيام بها لجهة تنفيذ قرارات اجهزة الامم المتحدة. وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لحاضرة الفاتيكان التي مُنحت هذا التوصيف من العضوية،وله اسبابه وخلفياته أيضا.
وبطبيعة الأمر ، ان وضع فلسطين مختلف عن هاتين الحالتين ، فالسلطة الفلسطينية تتمتع بالشخصية المعنوية الدولية ، وتتوفر فيها الشروط المحددة نصا في الميثاق لأن تكون عضوا كاملا في الأمم المتحدة ، علاوة على وجود قرار دولي (181) بإنشاء الدولة ، ورغم ذلك تم معارضة هذا الواقع القانوني في الأمم المتحدة سابقا وحاليا، واعتبر قرار قبولها كعضو مراقب الاجراء الممكن التوصل اليه في ظل موازين القوى الاقليمية والدولية السائدة حاليا.
وفي أي حال من الأحوال ، وعلى الرغم من الاجحاف غير المسبوق الذي لحق بالشعب الفلسطيني ومن يمثله، فان هذه الصفة ستمكّن فلسطين من الانضمام إلى الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة وبعض أجهزتها الفرعية،وكذلك عضوية المحكمة الجنائية الدولية.وهي بطبيعة الأمر أجهزة وفروع تنفيذية تتيح للسلطة الفلسطينية مباشرة العمل في قضايا ومسائل دولية ستمكنها من الاطلالة المباشرة للمشاركة في الكثير من القرارات والإجراءات التي تعتبر مقياسا لفعالية وحضور الدول في المجتمع الدولي.
ان السياق الذي مشت به الامم المتحدة في هذا التدبير والإجراء ، كان الهدف منه ، محاولة ربط الاعتراف بفلسطين كدولة ، وعضوا كاملا في الامم المتحدة، بالنهايات التي يمكن التوصل إليها عبر المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية بهذا الخصوص ، والمشلولة اصلا منذ انطلاقتها فعليا وعمليا ، وهذا ما سيرخي بظلال كثيفة على العضوية الكاملة.
الغريب العجيب في عالم الامم المتحدة ومن يديرها ، تحديدا قرار التقسيم (181)، وهو قرار استثنائي وفريد من نوعه،ويشكل سابقة غير مضيئة في قرارات الامم المتحدة ، فعلى سبيل المثال تمَّ قبول اسرائيل كعضو كامل في الامم المتحدة كشرط لقبولها القرار (181)، وعلى الرغم من عدم مشروعيته القانونية لجهة تعليق قبول عضوية دولة ما على شرط القبول بقرار دولي ، إلا ان اسرائيل لم تقبل به وما زالت تعرقل تنفيذه منذ اربعة وستين عاما. انها مفارقة للاستثناء الاسرائيلي الدائم على الشرعية الدولية ، واستثناء دائم يُمارس على الشعب الفلسطيني لمنعه من تحقيق وتنفيذ حقوقه المشروعة المؤيدة بقرارات الامم المتحدة ، والتي لا زالت تعمل بخجل وبلا وجل ضد قضية عمرها من عمر الامم المتحدة نفسها !.