القراءة
الاسرائيلية لمجريات الازمة السورية
د.خليل
حسين
استاذ
العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت:
2/5/201
نشرت
في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 9/5/2013
من الواضح ان ثمة اهتمام اسرائيلي بالغ لما
جرى ويجري في سوريا ليس باعتبارها ازمة من النوع الاستراتيجي التي يمكن ربط النزاع
فيها بشتى الطرق والوسائل،وإنما طبيعة "الصراع المنضبط" في مختلف مراحله
التاريخية السابقة وما يمكن ان يتأتى لاحقا بعد انجلاء موازين القوى فيها.
فعلى الرغم عما يحكى ويقال من هدوء تام
لجبهة الجولان منذ اربعين عاما،إلا ان جميع المحاولات الاسرائيلية لاستيعاب سوريا
لم تتوصل إلى نتيجة محددة،كما فعلت مع مصر والأردن والفلسطينيين على سبيل المثال،
وظلت المعضلة السورية بنظرها قائمة دون رؤية استراتيجية واضحة لكيفية الحل،ومن
بينها اطار المفاوضات المباشرة في مؤتمر مدريد 1990 وارتداداته اللاحقة في غير
مكان وزمان على مدى عقدين ونيف من الزمن.وعلى الرغم من اجادة الطرفين للعبة كسب
الوقت في اطار برغماتي محترف، إلا ان ادوات الصراع تعددت اوجهه واستثمر بوسائل
فائقة اللدقة والنتائج في آن معا.
إلا ان ما جرى خلال العامين المنصرمين
وبخاصة الفترة الأخيرة، اسهم في تغير الرؤية الاسرائيلية وان كانت مربكة وضبابية
حتى الآن، فهي تدرك تماما ان سقوط النظام
لن يحل مشكلتها بل سيزيدها تعقيدا في ظل فوضى غير قابلة للضبط مع وجود جماعات يصعب
السيطرة عليها ،وعدم امكانية استئناف لعبة ادارة الازمات في المنطقة كما كان الحال
سابقا، وفي نفس الوقت هي غير قادرة على الدخول مباشرة في الأزمة والتأثير فيها
لأسباب كثيرة ومتنوعة تتعلق بحسابات الربح والخسارة غير الواضحتين عمليا بالنسبة
لها،وبالتالي يبقى خيار الانتظار افضل الممكن لها باعتباره يضعف النظام رويدا
رويدا ويتركه لقدره لاحقا.
إلا ان المستجد في هذا الخيار أو الفرضية
الأقل كلفة حتى الآن ، لها مخاوفها الاستراتيجية اسرائيليا أيضا لجهة انخراط اطراف
لبنانية مباشرة في الأزمة والتحكم ببعض مفاصلها وان كانت تبدو ميدانية إلا ان لها
من الدلالات ما يعزز القلق والخوف والإرباك الاسرائيلي وهذا ما ترجمته في المناورة
الأخيرة التي اجرتها في الجولان المحتل.
ان احد المخاوف الاسرائيلية الرئيسة التي
تؤرق القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية هو انهيار قوة النظام ودعائمه وما
يمكن ان يترك من تداعيات على الاسلحة غير التقليدية المزعومة وإمكانية انتقالها
إلى اطراف يمكن بواسطتها ان تشكل تهديدا كيانيا،الأمر الذي لا تستوعبه اسرائيل ولا
تسمح به في تاريخ استراتيجياتها العسكرية والأمنية ماضيا وحاضرا وبالتأكيد
مستقبلا.
ان التدقيق في مجمل المواقف الاسرائيلية
تجاه الازمة السورية حاليا،يثبت ان ليس لديها رؤية واضحة، بل ان ثمة تشويشا واضحا
في السلوك السياسي والعسكري والأمني الذي ينم عن عدم القدرة في تقييم المعطيات
ونتائجها المفترضة حتى الآن. ففي الوقت الذي اجرت مناورة عسكرية لقياس جهوزية
الاحتياط وهو في العمل العسكري يعتبر امر عمليات للاستعداد للحرب ، اي بمعنى آخر
لا زالت القوة السورية تشكل تهديدا حيويا لإسرائيل.وفي نفس الوقت اجراءاتها
الميدانية العسكرية تتجه نحو غزة بعد حادثة صواريخ ايلات مؤخرا، الأمر الذي لا
يعني بالضرورة قدرتها على خوض معارك مزدوجة في جبهات مختلفة وإنما ينم عن اربك في
تحديد حجم المخاطر المفترضة عليها. علاوة على ذلك ورغم هدوء الجبهة اللبنانية منذ العام
2006 لا زالت اسرائيل تخصص جل اهتماماتها الاستراتيجية باتجاه الجبهة الشمالية
باعتبارها الخاصرة الرخوة التي منها يمكن ان تنطلق شرارة حرب اقليمية لن تستطيع
استيعاب نتائجها كما كانت تفعل في السابق.
في اي حال من الاحوال تعيش اسرائيل قلقا
متعدد الاوجه وهي غير قادرة على ادارة الازمات المحيطة بها ومن بينها الازمة
السورية،ذلك بفعل تشعب وتعدد عناصرها
الاقليمية والدولية الامر الذي لا يطمئن أيضا، ففي مثل تلك الحالات ان اي خطوة غير
مدروسة تعتبر منزلقا خطرا لن تستطيع التحكم بتداعياته المحتملة بخاصة ان ادوات المعركة
ووسائلها لن تكون كسابقاتها بل ستكون عواقبها كارثية على اسرائيل كما غيرها في
المنطقة.
لقد اعتادت اسرائيل الهروب إلى الامام في كل
منعطف داخلي أو خارجي تواجهه،واليوم تعيش اسرائيل ازمة حقيقية،فهي تخشى ان يستمر
اختلال موازين القوى لغير مصلحتها وهو امر لا تقبله وغير معتادة عليه، وفي نفس
الوقت لا تمتلك جرأة المقتدر للتحرك، وفي كلتا الحالتين انها ازمة بنيوية بالنسبة
إليها،وهنا تكمن مشكلتها ومشكلة غيرها!.