المؤسسات الرسمية والأهلية وعملية صنع السياسة العامة
أولا : الدستور والسياسة العامة
يعرف الدستور
(بأنه نسق أو جسد المبادئ الأساسية طبقا له تتشكل وتحكم أمة أو دولة أو نظام
سياسي)(21)، وهو أيضا يشير إلى (مجموعة قواعد متفق عليها تصف تنظيم
حكومة بلد ما).
وتعتبر مجموعة
القواعد تلك، القواعد الأساسية التي تحكم طريقة اتخاذ القرار، وتضع أدوار صنع
السياسة وتقسمها إقليميا ووظيفيا وما شابه ذلك… ويضع (الدستور) شروط السباق
السياسي، حيث يسعى الأفراد والجماعات للتأثير في السياسات بالعمل ضمن إطار تلك
الأحكام . ففي غياب مجموعة شرعيه من الترتيبات لبلورة القضايا، ودراستها،
ومناقشتها، ثم اتخاذ قرار من بين عدد من وجهات النظر، فان الحكومة قد تنهار، وقد
تتخذ القرارات بالقوة(23) .
ويعد وجود
الدستور علامة بارزه على حداثة ألا نظمه السياسية واستقرارية مؤسساتها، لان وجود
الدستور يمثل الخطوة الأولى نحو بناء المؤسسات الديمقراطية .
فالدستور له
أهميه كبيره كونه يحدد مجموعة من المسائل الرئيسية، مثل العلاقة بين السلطات،
وحقوق المواطنين وواجباتهم، وضوابط تعديل الدستور وإجراءاته.. ويعتبر احترام أحكام
الدستور شرطا ضروريا لإسباغ المشروعية على القوانين والأحكام القضائية(24)
.
ووجود الدستور
له دور كبير في مراقبه أعمال الحكومة وآلية صنع السياسة العامة (فالمنهج المعتاد
في وصف الحكومة هو بالرجوع إلى دستورها… فالدستور الأمريكي، على سبيل المثال، يعطي
المحكمة العليا السلطة النهائية في تقرير ما يمكن للحكومة أن تفعله أو لا تفعله)
ويطرح (جورج
بيردو) فهمه للدستور، بالإشارة إلى أن للدستور مضمون مزدوج فهو يحدد
أولا/ الأشخاص
أو الهيئات الحاكمة التي يكون لها القدرة على التصرف واتخاذ القرارات باسم الدولة
ويحدد لهم اختصاصاتهم وكذلك كيفيه ممارستها .
ثانيا/ يحدد
مذهب التنظيم الاجتماعي والسياسي الذي تمثله السلطات الحاكمة وكذلك الاتجاه
الفلسفي والأيديولوجي الذي ينبغي أن تعمل في إطاره منظمات أو سلطات الدولة(26)
.
ويعمل الدستور
في أي نظام سياسي وفقاً لأيديولوجية سياسية تعكس المبادئ والقيم التي يتبناها
النظام السياسي وانعكاس تلك الإيديولوجية في صنع السياسات العامة من خلال علاقتها
مع المجتمع ونوعية الثقافات السياسية التي يتبناها ذلك المجتمع وآلية عمل المؤسسات
الرسمية وتطبيقها لأيديولوجية النظام السياسي .
ويشير مصطلح
الأيديولوجية إلى (نسق من المعتقدات والمفاهيم والأفكار الواقعية والمعيارية على
حد سواء، ويسعى في عمومة إلى تفسير الظواهر الاجتماعية المركبة من خلال منظور يوجه
ويبسط الاختيارات السياسية والاجتماعية للأفراد والجماعات)
.
والأيديولوجية
لها دور مهم في حركة الأنظمة السياسية وفاعليتها وقدرتها التأثيرية (فلا توجد دولة
دون أن يكون لها إطار أيديولوجي واضح وصريح، فالنظم السياسية لا تعمل بشكل عشوائي،
وإنما تعمل في إطار من المعتقدات والتوجيهات السياسية التي تعرب عنها صراحة كان
يقال أن النظام اشتراكي، أو ليبرالي، أو ديمقراطي…، أو تتركها ضمنيا يكشف عنها شكل
الفعل الاجتماعي الذي يصدر عن الدولة، وينسحب هذا القول إلى النظم السياسية كافه
بصرف النظر عن بساطتها وتعقيدها)
وكون
الأيديولوجية نظام للقيم والمعتقدات والأفكار والتوجيهات الخاصة بالنظام السياسي
فان نجاحها في القدرة على نقلها إلى واقع التطبيق وبالتالي فان نجاح السياسة
العامة للدولة يكمن بدوره في مقدار تكامل العلاقة ونجاحها بين الأيديولوجية وثقافة
المجتمع، حيث كلما كان هناك قدر من التفاهم والاتفاق بين النظام السياسي
وأيديولوجيته وبين المجتمع مما يحتوي من ثقافات متعددة وكيفيه التعبير عنها
والاستجابة لها، كلما كانت السياسة العامة اقدر على النجاح، ويتوقف ذلك على صفات
معينه تجعل من الايديولوجية أكثر قدرة وفاعلية في تحقيق أهدافها(29).
1)
البساطة والعفوية في المبادئ، فكلما كانت مبادئ الأيديولوجية أكثر بساطه وعفوية
واقل تعقيد، حققت انتشار اكبر وذلك نتيجة البساطة التي تجعلها في متناول المدراك
كافه، وكذلك نتيجة العمومية التي كل إنسان يجد فيها شيئا يحقق من خلاله ما
يريد .
2)
الاتفاق النسبي مع الثقافة السياسية، والثقافة السياسية لمجتمع ما، إنما
تعكس تاريخ ذلك المجتمع وخبرات أفراده وطبقاته وفئاته السياسية عبر الزمان، وعلى
ذلك، فكلما كانت الأيديولوجية السياسية المطروحة أكثر قربا من الثقافة السياسية،
تكون هذه الأيديولوجية اقرب إلى الانتشار والفاعلية .
3) الاتفاق مع
مصالح الجماعات المكونة للمجتمع.. فعلى الأيديولوجية آن تكون ذات مضمون تجد فيه
مختلف طبقات وفئات المجتمع الرئيسة ما يعكس أهدافها ويعبر عن أمالها ويحقق
مصالحها، وليس معنى هذا القول، أن تكون الأيديولوجية توفيقية أو تلفيقية، بل على
العكس من ذلك، أن تكون ذات صيغه تعبر عن مجمل أهداف الأمة.. فكلما كانت
الأيديولوجية ذات مضمون قومي اشمل يتجاوز ويشمل الجماعات الفرعية تكون اقدر على
التعبئة وأكثر قبولا، وبالتالي اقدر على تحقيق الأهداف .
ويحاول النظام
السياسي أيجاد قدر من التفاهم والاتفاق العام بينه وبين المجتمع بشكل يعطيه القدرة
والفاعلية في الحركة والتأثير وتنفيذ سياساته العامة (فالنظام السياسي يسخر كثيرا
من أجهزته الحزبية، والتعليمية والاتصالية، على وجه الخصوص، لنشر الأيديولوجية
السائدة، وخلق قدر من الاتفاق العام يتبلور حول الأفكار الأساسية لهذا النظام)(30).
وترتبط
بالأيديولوجية مسالة هامة هي الثقافة العامة للمجتمع وطبيعة العلاقة بينهما فيما
إذا كانت قائمة على التلاحم والجذب أو التنافر والتباعد وتأثيرات ذلك في السياسات
العامة التي تتبعها الدولة ونجاح تلك السياسات في الميادين السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية .
وتنبع أهمية
الأيديولوجية.. من قدرتها على تحقيق التعبئة والتماسك الاجتماعي، فهي أداة للتميز
بين الذات والغير أو بين الأنصار والخصوم، وهي تصوغ خطابها تبعا لذلك بحسب نوعية
متلقيه، ونجاح الأيديولوجية يتحدد بقدرتها على الجمع بين الاستدلال العقلي والشحن
الوجداني، وكذلك بما تقدمة من حلول ممكنة لأهم مشكلات المجتمع (31).
لكن قابلية
والتعبئة والتماسك هذه ليست عامة في جميع الأيديولوجيات وإنما تتوقف على نوعية
الأدوات والوسائل التي يستخدمها النظام السياسي في دعم أيديولوجيته وسياساته وبمدى
تفاعل المجتمع بثقافته العامة مع تلك الأيديولوجية .
وتشير الثقافة
السياسية إلى (مجموعة القيم والمعتقدات الأساسية السائدة في أي مجتمع والتي تميزه
عن غيره من المجتمعات وتخلق نوعا من الملائمة الاجتماعية لسلوك الأفراد، وتعطي
للعمليات السياسية شكلا ومضمونا بالطريقة نفسها التي تعطي بها الثقافة بوجه عام
ملائمة للحياة الاجتماعية) .
وتكمن العلاقة
بين الأيديولوجية والثقافة السياسية من خلال طبيعة تعامل النظام السياسي مع
المجتمع بما يحتوي من ثقافات وتفاعل الأخيرة معه، ومقدار ماتكتسبه أيديولوجية
النظام السياسي نفسها من الخصوصية الثقافية للمجتمع، لذلك يعمل النظام السياسي في
إطار توحيد وتقوية علاقته مع المجتمع وإجماع وتعبئة الفئات المختلفة حوله من اجل
النجاح في تنفيذ السياسات العامة، وهو ما يسمى بالجمعنة السياسية التي تشير إلى
(تلقين النظام السياسي لأفراده القيم والعواطف والتوجهات التي تتيح لهم تولي
أدوارهم المطلوبة منهم، والجمعنة السياسية هي أداة لترسيخ الإجماع، هدفها
الاستقرار العمودي لطبقه على أخرى في المجتمع من اجل ضمان الاستقرار في المجتمع
وسيادة التناغم والتلاحم والسلام المدني).
وعلى ضوء طبيعة
الوسائل المستخدمة ونوعيه العلاقة مع المجتمع تتعدد الثقافات السياسية بين مشاركة
أو خاضعة أو ثورية أو لا مبالية وهي تعكس بالمحصلة طبيعة النظرة والتعامل مع
السياسات العامة للدولة.
ففي ظل (الثقافة
السياسة المشاركة) يكون المواطن على درجة من الوعي السياسي ويكون لديه ميول
للاهتمام بالعملية السياسية بالإضافة إلى قدرته في التأثير فيها، حيث تعد هذه
الثقافة (إحدى الأدوات الأساسية في بناء المجتمع السياسي، الذي أساسه اتفاق أبناء
المجتمع على شكل العملية السياسية بالتزام النخب الحاكمة بعدم تجاوزها لحدود
السلطة السياسية الشرعية، مع التزام أفراد المجتمع بالمقابل، بقرارات هذه السلطة،
لتحقيق أهداف عامة تتجاوز المصالح الفرعية للقاعدة الاجتماعية التعددية) .
فالمواطن له
وعيا سياسيا، ولديه معلومات وله وضوح رؤيا جيدة للنظام السياسي ككل ومدخلاته
ومخرجاته إضافة إلى مشاركته الفاعلة في السياسة، وتصوره وأيمانه بأهمية دور الفرد
ودور الجماعة في صنع السياسات والتأثير فيها.
وفي إطار هذا
النوع من الثقافة تكون السياسة العامة للدولة اقرب إلى النجاح لطبيعة العلاقة
القائمة على التفاهم والحوار بين النظام السياسي والمجتمع مما يعني قبول المجتمع
بالعملية السياسية وبالكيفية التي يصنع بها النظام السياسي السياسة العامة، مقابل
استجابة النظام السياسي للمطالب المجتمع وهو ما يؤدي بالمحصلة إلى ترسيخ شرعية
النظام السياسي واستمراريته واستقراريته .
أما بالنسبة(
للثقافة السياسية الخاضعة)…ففيها يكون المواطن واعيا على نحو قوي بالنظام السياسي
وما يصدر عنه من أعمال قد يحبها المرء أو يكرهها، ولكن ليس له ألا شعور ضئيل
التطور بالمؤسسات التي تأخذ على عاتقها تحقيق المطالب الاجتماعية، وكذلك شعور مجرد
بفعاليته السياسية شخصيا، والواقع أن المؤسسات في مثل هذه الثقافة ضئيلة الاستجابة
إزاء حاجات الأفراد.
والفرد في إطار
هذا النوع من الثقافة يشك في قدرته على التأثير في السياسة العامة حتى لو حاول أو
سعى جاهدا في ذلك، وهذا ما يجعله سلبيا ومؤمنا بكل ما تصدره الحكومة من
السياسات.
ويبرز هذا النوع
من الثقافة في الدول النامية.. حيث تبقى حالة السلطوية الفردية قائمة والتي تتمثل
في احتكار السلطة، والنظام السياسي يستمد شرعيته من هذا الاحتكار، وقد تسمح بعض
الأنظمة بقدر محدود من التعددية أحيانا، لكنها لا تسمح بالمعارضة المكشوفة، ولا
بقيام منافسة سياسية منظمة من خارج إطار الحزب الحاكم
أما
بالنسبة(للثقافة السياسية الرافضة للنظام السياسي) ففي ظل هذا النوع من الثقافة
ينقسم المواطنون على بعضهم بحدة، وغالبا ما يدور انقسامهم حول شرعية النظام وحل
المشاكل الرئيسية…ويكون للمواطنين في مثل هذه الثقافة وجهات نظر تختلف بحدة،
بالنسبة لبعض القضايا بالغة الأهمية على الأقل، مثل حدود الدولة، أو طبيعة النظام،
أو العقيدة السياسية الصحيحة، ويستتبع ذلك عادة، الانضمام إلى أحزاب سياسية مختلفة
أو مجموعات مصالح.. وتكون الاختلافات في الثقافة خطيرة ومؤثرة في السياسات العامة
للدولة، عندما تتوحد الثقافات الفرعية مع الاختلافات في العرق أو القومية أو
الدين، كما هو الحال في لبنان، حيث تكون الانقسامات خطيرة وتدوم لفترة
طويلة.
ويكون التعارض
بين الثقافة السياسية للمجتمع والثقافة السياسية للنخبة الحاكمة، أي التعارض بين
الأيديولوجية المهيمنة والثقافة السياسية للمجتمع، سبب أساس في فشل السياسات
العامة للدولة . ذلك بسبب حالة التقاطع بين الثقافتين وإعمال التغيير ورفض الوضع
القائم من قبل فئات المجتمع المعارضة، مما يؤدي إلى شيوع حالات العنف وعدم
الاستقرار المجتمعي، وهذا يبرز بشكل واضح في ظل امتلاك النظام السياسي لثقافة لا
تعكس خصوصية المجتمع وتتعارض معه قيمياً وعدم القدرة النظام السياسي بالمحصلة على
أيجاد قيم موحدة لعموم المجتمع تتناسب وخصوصية ذلك المجتمع وتعمل على تحقيق الولاء
للمجتمع الشامل .
ويتضح هذا
الأمر في أفريقيا وما أحدثه الاستعمار من أثار سلبية لازالت المجتمعات الأفريقية
في غالبيتها تعاني منها، فالثقافة السياسية الأفريقية هي خليط من عناصر متضاربة،
واهم تناقضاتها هي تلك القائمة بين نظم القيم الغربية التي أدخلتها الدول
الاستعمارية والاتجاهات الثقافية الأفريقية المحلية، ففي المجال الديني يتعارض
الإسلام مع المسيحية، وفي المجال الأيديولوجي ظهرت أشكال متعددة من الفلسفات
السياسية، انحصر معظمها في أقصى الخط الراديكالي (اليساري) وضمت خليطا من القومية،
والاشتراكية، والماركسية…هذا بالإضافة إلى الفوارق الإقليمية و العرقية.
أما بالنسبة
للنوع الآخر من الثقافة السياسية فهو (ثقافة اللامبالاة السياسية)، وفي هذا النوع
من الثقافة لا يقيم الأفراد أي علاقة مع النظام السياسي، أما لضعف الوعي السياسي
لديهم وعدم توفر معلومات سياسية كافيه عن طبيعة العملية السياسية واعتقادهم بأنهم
لا يستطيعون التأثير في عمل الحكومة، أو عدم الاهتمام أو الاكتراث بالعملية
السياسية أو نتيجة لحاله الانتعاش والترف الاقتصادي وعدم الرغبة في أحداث التغيير
في العملية السياسية، وهذه الحالة الأخيرة تبرز في البلدان المتقدمة، حيث أن
اللامبالاة السياسية والتبلد السياسي والاغتراب السياسي، أن وجد فيها فهو يعبر عن
رؤية نجمت عن عوامل داخليه في الفرد نفسه، وعن شخصيه انعزالية، وهذه العوامل
هي التي شكلت رؤيته المحرفة للواقع الخارجي وهو وضعها أمامه ليبرر سلوكه ومشاعره،
لان الواقع الحقيقي آنذاك يكون عكسيا، فالنظام السياسي لا يمنع أحدا من المشاركة،
بل أن المناخ العام يرحب بها، فإذا امتنع المواطن عن هذه المشاركة أو نفر منها،
فالمشكلة لا تكون في واقع النظام السياسي والاجتماعي، بل فيه شخصيا
أو في طبيعته
الاستقرار السياسي والرفاهية الاقتصادية وسيادة الأمن التي تجعل الفرد بعيدا عن
هموم العملية السياسية وليست لديه أي رغبة في تغيير وضع سياسي معين لما يحقق له من
فائدة .
ففي ظل هذا
النوع من الثقافة وفي إطار الدول المتقدمة لا يسعى الفرد إلى تغيير أو
التأثير في السياسات العامة للدولة طالما أن تلك السياسات تحقق بالمحصلة مصلحته
الشخصية ضمن أطار المصلحة العامة للمجتمع.
أما في
الدول النامية فان مظاهر اللامبالاة والتبلد السياسي تبرز من حيث كون
(توجهات المواطن نحو المواضيع السياسية ضعيفة للغاية، فهو لا يربط نفسه بأي طريقة
أيحابيه بالمؤسسات السياسية الوطنية ولا القضايا السياسية الوطنية، إذ يشعر انه
غير مؤثر فيها)(42)، وهنا يكون رد فعل المواطن على المشاركة في السياسة
العامة سلبي وضعيف لقناعته بعدم القدرة على التأثير فيها من جهة وان النظام
السياسي لا يبيح تلك المشاركة من جهة أخرى، ولعل هذا يعود إلى طبيعة الإطار
السياسي الذي تعيش فيه غالبية البلدان النامية، من حيث (انعدام المناخ الديمقراطي
السليم، وضعف العمل الدستوري وسيادة نمط الحكم الفردي… فضلا عن أن البنية السياسية
تتصف بغياب أو ضعف مؤسسات المشاركة، كالمجالس النيابية والأحزاب والمنظمات
الجماهيرية) .
وفي مثل هذه
الأوضاع قلما تنجح السياسات العامة في تحقيق الأهداف المطلوبة لأنها لا تنبع من
المصلحة العامة بقدر ما تنبع من مصالح النخبة الحاكمة وتوجهاتها فلا دور يذكر
للمواطن في رسم أو صنع السياسات العامة والقاعدة المجتمعية همشت إلى حد كبير لصالح
احتكار السلطة وانفراديتها .
وتبرز العلاقة
بين الدستور والسياسة العامة من خلال طبيعة العلاقة بين مؤسسات النظام السياسي
الرسمية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) واستقلالية كل منها وحدود صلاحياتها
واختصاصاتها، أي من خلال طبيعة العملية السياسة وأداء النظام السياسي وإمكانات
تطبيق المبادئ الدستورية والتي على ضوءها يتحدد نجاح أو فشل السياسة العامة
للدولة.
فكلما كانت
السياسة العامة مستندة في صنعها إلى القواعد الدستورية ولا تتجاوز أي مؤسسة من
مؤسسات النظام السياسي على الدستور كلما كانت السياسة العامة اقرب إلى النجاح
واقرب إلى تحقيق متطلبات ومصالح المجتمع .
ويكون واقع عمل
المؤسسات الرسمية وعلاقتها فيما بينها ودورها في السياسة العامة من خلال الخطوات
الأساسية لأعداد السياسة العامة التي تقوم على الرسم والتنفيذ ومراقبه التنفيذ
وتقييم أثار السياسة العامة. فكل مؤسسه من تلك المؤسسات تهتم بمفصل من مفاصل
السياسة العامة وتعمل على تحقيقه، والأداء السياسي السليم والمتكامل لتلك الخطوات
في الرسم والصنع والتنفيذ والتقييم للسياسات العامة على نحو مرن ومتوازن بين
مؤسسات النظام السياسي هو الذي يكفل نجاح متطلبات السياسة العامة .
ثانيا /
السلطة التشريعية والسياسة العامة :
تقوم السلطة
التشريعية على توافر مجموعة الوظائف الأساسية في إطار النظام السياسي، ومن أهم تلك
الوظائف هي (سن التشريع، وضع الدستور وتعديله، الوظيفة الانتخابية، الوظيفة
المالية، الوظيفة التنفيذية، الوظيفة القضائية، وظيفة التحقيق، ونشر وكشف عن
المعلومات)(44).
ولعل أداء
السلطة التشريعية للوظيفة التنفيذية والقضائية في الدول المتقدمة قد يشير إلى حالة
تنازع الاختصاص والتدخل في عمل مؤسسات النظام السياسي، ألا انه لا يعني ذلك بقدر
ما يعني الرقابة والأشراف على عمل السلطتين التنفيذية والقضائية من اجل أحداث نوع
من التوازن والترابط في عمليه صنع السياسة العامة .
وتنجز الهيئات
التشريعية مجموعة واسعة من الوظائف، فالمناقشات في الجمعيات التشريعية يمكن أن
تساهم في عمليات التأهيل الاجتماعي، وتبلور تصورات النخبة والمواطنين، ليس بالنسبة
للقضايا السياسية فحسب، بل وبالنسبة لقوانين وإجراءات النظام السياسي، ويمكن
للجمعيات التشريعية أن تلعب دورا رئيسيا في توظيف النخبة، خاصة في النظام
البرلماني، حيث يكتسب رئيس الوزراء وأعضاء وزارته عادة خبراتهم السياسية، وقد تكون
جلسات الاستماع في اللجان، والمناقشات في قاعة الجمعية التشريعية مواقع هامة
لتوضيح المصالح وتجميعها خاصة في غياب سيطرة حزب ألا غلبيه أو ممارسته لهذه
السيطرة .
وتبرز العلاقة
بين السياسة العامة والسلطة التشريعية كون الأخيرة تقوم بوضع التشريعات والقوانين
والخطط في رسم سياسة معينه أو، مواجهة مشكلة معينة.
فالسلطة
التشريعية تقوم بالدور المركزي لتشريع القوانين وصنع السياسات في النظام السياسي،
وهذه السمة تضفي على السلطة التشريعية ليس لكونها مخولة بذلك دستوريا فحسب، وإنما
يستلزم الأمر الممارسة الفعلية لذلك .
ويتباين دور
السلطة التشريعية في السياسة العامة تبعا للتباين والاختلاف بين ألا نظمه السياسية
(فمجلس العموم البريطاني، لا أهميه تذكر له، عادة، في مجال صنع السياسة، لان حزب
ألاغلبيه الحاكم يسيطر عليه، لكن مجلس العموم ومناقشاته هي مراكز لتأهيل النخبة
وتوظيفهم، ويلعب الكونغرس الأمريكي ولجانه دورا رئيسيا في تجميع المصالح وصنع
السياسة).
ولا يقتصر
الاختلاف في أداء السلطة التشريعية لدورها في السياسة العامة على صعيد المقارنة
بين نظامين سياسيين أو أكثر، وإنما أيضا، على صعيد النظام السياسي الواحد وذلك
تبعا لنوعيه القضايا المطروحة والتي تتطلب تشريعات وقوانين تكون ملزمة للسلطة
التنفيذية أولا كجهة منفذة لتلك التشريعات .
ففي الولايات
المتحدة يتباين دور السلطة التشريعية تبعا لاختلاف القضايا المطروحة للنقاش
والتشريع فكثير من أعضاء السلطة التشريعية في أمريكا، بسبب عدم استمرار يتهم أو
كفاية المساعدين الفنيين من حولهم، غير قادرين على التصرف باستقلالية واعتمادية
ذاتية في بعض القضايا ذات الطابع التقني والمتخصص، بينما يسارعون للموافقة على
تشريع اللوائح المتفق عليها في الولايات الأخرى، من جهة أخرى، فان اللجان الدائمة
في الكونغرس تمتلك صلاحيات إقرار أو صلاحيات إلغاء اللوائح وان اختلفت اللجنة مع
الغالبية المسيطرة في المجلس فسياسات الضرائب والحقوق المدنية والرفاهية وعلاقات
العمل صياغتها في الغالب من جانب لجان الكونغرس . أما في السياسات الخارجية فان
الكونغرس غالبا ما يحرص على الاتفاق مع الرئيس
وإذا كان هناك
تباين في أداء بعض الهيئات التشريعية عند رسم وتنفيذ السياسات العامة، فان هناك
هيئات يكاد يكون دورها ضئيل في عملية الرسم والتنفيذ، أن لم يكن مصادر لصالح
السلطة التنفيذية، وهذا ما نجده في كثير أنظمة الدول النامية، حيث يبرز في ظل هذا
النوع من ألا نظمه حاله دمج السلطات مع هيمنة واضحة للسلطة التنفيذية على باقي
السلطات وتكون السلطة التنفيذية هي المسؤول الفعلي عن عمليه صنع السياسة العامة،
وهذا يعني عدم وجود قنوات رقابه على عمل السلطة التنفيذية ويصبح هناك تداخل في
الأدوار وفي عمل المؤسسات القانونية مما يقود إلى نوع من التخبط السياسي والإداري.
ثانيا/
السلطة التنفيذية والسياسة العامة :
تذهب الفكرة
التقليدية في تحديد الدور الصحيح للسلطة التنفيذية إلى أن المهمة الأولى لها هي أن
تتولى تنفيذ القوانين والأشراف على الإدارة وليس من مهمتها أن تضع سياسة الدولة(49).
ورغم كون السلطة
التنفيذية ليس من مهمتها تشريع ووضع سياسة الدولة لان ذلك محصور في السلطة
التشريعية، ألا أن دور السلطة التنفيذية في غالبية الأنظمة السياسية واضح ومؤثر،
فإليهما ترجع عملية اتخاذ القرار باعتبارها مرحلة نهائية للقرار من خلال رئيس
السلطة التنفيذية (رئيس دولة، رئيس وزراء).
ويبرز دور السلطة
التنفيذية في السياسات العامة في عملية صنع السياسة العامة، خصوصا في إطار السياسة
الخارجية والعسكرية، حيث دورها في غالبية الأنظمة السياسية أن لم يكن جميعها بارز
بشكل كبير .
فالرئيس
الأمريكي يتمتع بسلطات واسعة في مجالات السياسة الخارجية والعسكرية، بموجب
الدستور، تفوق كثيرا سلطاته في المجال الداخلي، بل أن السياسة الخارجية الأمريكية
تعد من صنع الرئيس الأمريكي وممارساته، بدءا من حرب فيتنام، وحتى اليوم، يعتبر
الرئيس الصانع للعلاقات الخارجية والموجه لسياسات الدولة الخارجية.
ولا يقتصر دور
السلطة التنفيذية في مجال رسم السياسة العامة الخارجية، فهي أيضا لها الأهمية
الأولى في العملية السياسية، فقد تحزم كمدافع عن بعض المصالح المحددة، كأن يدعم
الرئيس مطالب تتقدم بهما مجموعة أقليات أو أحد قطاعات العمل، أو أن يدعم رئيس
الوزراء مصالح المتقاعدين ومناطق أصابها الكساد، ويتحدث أعضاء الوزارة عادة عن
مصالح معينة، مثل العمل، الزراعة، الأقليات ويمكن لهم أن يلعبوا دورا حيويا
كمجمعين للمصالح في أثناء سعيهم لإيجاد ائتلافيات تحبذ تشريعاتهم، والسلطة
التنفيذية، عادة، هي أهم بنية في صنع السياسة، فهي عادة تباشر سياسات جديدة
واعتمادا على تقسيم السلطات التنفيذية والتشريعية، يكون لها جزء هام تتبناه، وتشرف
السلطة التنفيذية أيضا على تنفيذ السياسات ويمكنها أن تحاسب المسؤولين التابعين
على تنفيذها
وإذا كان للسلطة
التنفيذية دورها البارز في عملية صنع السياسة في البلدان المتقدمة خصوصا في مجالات
السياسة الخارجية والعسكرية، فان هذا لا يعني بأي حال من الأحوال غياب السلطة
التشريعية واضمحلال دورها،فالتوازن بين السلطتين يبقى قائما ودور السلطة التشريعية
في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية وتقييم تنفيذها للسياسة العامة أثناء العمل وبعد
انتهاء مرحلة التنفيذ له أهميته التي تؤخذ بعين الاعتبار من قبل السلطة التنفيذية.
لكن بالمقابل
فان هناك أنظمة سياسية في الدول النامية وخاصة في أفريقيا بقيت السلطة التنفيذية
فيها هي صاحبة اليد الطولى في عمليتي رسم وتنفيذ السياسات العامة، فشكل رسم
السياسة، بقي متأثرا بقوة بتركيز السلطة في يد الحاكم السياسي، والطريقة الشخصية
التي تمارس بهما السلطة تعني أن ليس لدى القطاعات المؤسساتية سوى قدر ضئيل نسبيا
من الاستقلالية، وليس لها دور مستقل قوي تلعبه في العملية السياسية، فالمركز
الحيوي للدولة هو الرئاسة ذاتها، ولا تمثل الأحزاب والهيئات التشريعية تحديات
هامة، لذلك يتوجب على مؤسسة الرئاسة نفسها اتخاذ معظم القرارات المهمة
ويحتاج إلى أن يكون لديه كادراً من التقنيين الأكفاء والمساعدين المخلصين
للرئيس، الذين يمكنهم توفير الحد الأدنى من المتطلبات الإدارية الضرورية للنجاح...
وهذا يعني أن رئيس السلطة التنفيذية غير مقيد بالشكليات الدستورية أو
القانون، فلديه صلاحية مواجهة في الرد على المواقف معينة حسبما يمليه تقديره
الشخصي للأمر (53).
ولعل هذه
الهيمنة، شبه المطلقة، على عمليات رسم وتنفيذ السياسات العامة، تقود إلى القول أن
هناك اندماج واضح في الاختصاصات بين والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية
لصالح السلطة التنفيذية المتمثلة، وانفرادية السلطة هذه تؤشر مجموعة من المحاذير
كما أشار إلى ذلك (د. صادق الأسود) في (كتابه الاجتماع السياسي) منها(54)
:
1. أن السلطة
الفردية لا تقدم تفسيرا مقبولا للسلطة ذاتها .
2. عندما تتعدد
الوظائف السياسية التي تقتضيها الحياة الجماعية لا يستطيع الرئيس أن يقوم بها كلها
على الوجه الاتم، الأمر الذي يقلل من اتصاله برعاياه ويدفع بهم إلى إطاعة المبادئ
والأفكار بدلا من شخص الرئيس أو الزعيم .
3. أن الإخلاص
إلى شخص الرئيس أو الزعيم والخضوع له بدون قيد أو شرط هو موقف بدائي، وكلما تطورت
العقلية السياسية لدى الأفراد كلما أدى بهم إلى الفصل بين السلطات وبين الشخص الذي
يمارسهما .
4. كلما أصبح
الفرد يشعر بذاته وشخصه وكرامته كلما تحول عن طاعة الشخص الذي يمارس السلطة.
5. المفروض في
الرئيس الذي يمارس السلطة التنفيذية أن يكرسها لخدمة المصلحة العامة للجماعة، ألا
أن الرئيس قد يتمسك بالسلطة لمصلحته الخاصة وبكل الوسائل الممكنة.
6.
أن السلطة الشخصية لا تعطي حل لقضية الشرعية .
أن مثل هذه الأمور التي توضح طبيعة الممارسة الفردية
للسلطات وكيفية أداء السياسة العامة تؤدي إلى تقويض شرعية السلطة وعدم استقرارية
المؤسسات والذي يؤدي إلى فشل السياسات العامة لأنها ستكون عرضة للتغيير المستمر
وعدم الثبات النسبي وبالتالي عدم نجاحها، لان من الخصائص المميزة لنجاح
السياسات العامة هي قابلية الاستمرارية والثبات النسبي، أما العلاقة بين السلطات
على هذا النحو والتي تفرز طابع التداخل أو الاندماج في الاختصاصات وعدم وضوح آلية
ممارسة الوظائف والنشاطات وعدم استقلالية المؤسسات السياسية فهي تمثل مقدمات
أساسية لفشل أي سياسة عامة ولعل هذا الوضع يمثل السمة البارزة لدى اغلب النظم
السياسية في الدول النامية والتي تؤشر على عدم قدرتها في الاحتكام إلى سياسة عامة
متوازنة ومستقرة وثابتة نسبيا، وهذا يبرز في الجانب الأداء التوزيعي والتنظيمي
والرمزي والاستخلاصي للنظام السياسي، هذا بالإضافة إلى أن طابع السلطوية وانفرادية
العملية السياسية وإهمال دور المؤسسات التمثيلية والنيابية في صنع السياسات العامة
يشير إلى عدم أدراك واهتمام النخبة الحاكمة بالبيئة المحيطة خصوصا مؤسسات المجتمع
المدني التي قد تتنامى بصورة كبيرة وتعمل بالضد من توجيهات النخبة من اجل تحقيق
مطالبهما ومما يؤدي ذلك إلى حالات التعارض والصراع بين النخبة الحاكمة والمجتمع
وهذا مؤشر أخر لفشل السياسات العامة في هذه الدول.
ثالثا/
السلطة القضائية والسياسة العامة :
تقتضي الفكرة
المثالية في استقلالية القضاء، بوجوب تنظيم القضاء وفقا لقاعدتين أساسيتين هما :
أولا - يعتقد
أنصار هذه الفكرة انه لا يمكن تحقيق العدالة بأي حال من الأحوال إذا كان الخصم
والحكم شخص أو هيئه واحدة، فهم يرون أن الحكمة في مثل هذه الحالة تفقد كل
مظهر من مظاهر الحياد وعدم التحيز، وتصبح مجرد سلاح للاضطهاد والمطاردة .
ثانيا- يذهب
مويدوا فكرة استقلالية القضاء إلى انه إذا ما أريد لمرفق القضاء أن يقوم بوظيفته
على أتم وجه فانه يتحتم أن يتاح له العمل في جو من الهدوء و الإناة والتبصر(55)
.
من الناحية
العملية يتباين دور الجهاز القضائي في العملية السياسية في مراقبة وتقييم تنفيذ
السياسات العامة من نظام سياسي إلى أخر بحسب أهمية وأولوية هذا الجهاز ودرجة
استقلاليته .
ففي الولايات
المتحدة يلعب جهاز القضاء دور هام في تقييم ومراقبة وتفسير السياسات العامة أو من
خلال مراجعة النصوص أو تعديلها حين تفرض عليهم لتقديم المشورة، سواء تعلق الأمر
بمضمون السياسة العامة أو تطبيقها، وتكتسب المحاكم هذا الدور من خلال سلطاتها
القضائية، فالمراجعة القضائية عادة من سلطات المحاكم التي تقرر من خلالها دستورية
وشرعية النصوص وعدم تعارضها مع القوانين النافذة .
ويمارس القضاء
الأمريكي دوره في قضايا السياسات العامة من خلال (مبدأ المراجعة التشريعية للمحاكم
بإسقاط تشريعات أو مراسيم تنفيذية، وتعديل الدستور حسب الظروف المتغيرة عن
طريق تفسيره، وقد يكون له دور في كبح أعمال الحكومة التعسفية لغرض معايير
الإجراءات السليمة في إدارة العدل) .
أما في
بريطانيا فأن دور السلطة القضائية في السياسات العامة لا يصل إلى مرحلة إلغاء
تشريعات أو مراسيم ودستوريه كما هو الحال في أمريكا، فالمحاكم الانكليزية ليس لها
سلطه لإعلان عدم دستوريه أي مرسوم برلماني، كما لا يمكنهم إلغاء قانون لأنه يتعارض
مع ما يصفه المدعون بالحق الطبيعي، ويعتقد القضاة الإنكليز انه يمكن تغيير الدستور
غير المكتوب، لكنهم لا يريدون أي دور لهم في هذا العمل، فهذا من شأن البرلمان
والناخبين .
ودور المحاكم
الانكليزية يقع ضمن حد مراقبه السلطة التنفيذية، والتقرير فيما إذا كانت السلطة
التنفيذية تعمل ضمن صلاحياتها القانونية، فإذا قامت الحكومة المركزية أو إيه سلطه
محليه بعمل خارج عن صلاحياتها (ultra vires)
فقد تطلب المحاكم من الحكومة أو السلطة المحلية بالكف عنه، ويمكن للمحاكم
أيضا أن تلغي أعمالا تمت حسب إجراءات غير صحيحة، لكن إذا ما فوض تشريع ما لإحدى
السلطات العامة حقا بالتصرف، فان المحاكم لا تبحث في كيفية ممارسه السلطة
التنفيذية لهذا الحق، وحتى لو حكمت المحكمة ضد السلطة التنفيذية فان أثار هذا
الحكم يمكن أبطالها برسوم برلماني لاحق يعيد للعمل قانونيته.
أما في الأنظمة
السياسية للدول النامية فان هيمنة السلطة التنفيذية وعلاقتها بالسلطة
التشريعية انعكست أيضا على السلطة القضائية، وبالتالي فان مجال العلاقة بين السلطتين
التنفيذية والقضائية محصور في إطار هيمنة الأولى على الثانية (وأحقية) رئيس الدولة
في إدارة العملية السياسية (فرغم النص على استقلال القضاء في دساتير (الدول
النامية)، ألا أن رئيس الدولة عادة ما يتدخل في شؤون القضاء ، سواء كان النظام
ملكي أو جمهوري .
أن هذه العلاقة
بين السلطتين التنفيذية والقضائية في الأنظمة السياسية للدول النامية، تؤشر صعوبة
إمكانية مراقبة وتقييم أعمال السلطة التنفيذية ودورها في تنفيذ السياسات العامة،
ذلك بسبب تداخل اختصاصات السلطات وعدم استقلالية القضاء وبالتالي فان قرارات وتشريعات
القضاء تأتي متطابقة ومتماشية مع مصالح السلطة التنفيذية وليس مع متطلبات الصالح
العام مما يعني صعوبة إمكانية قيام سياسة عامة ونجاحها على نحو ديمقراطي لاختلال
خطوات أعداد وصنع وتنفيذ وتقييم السياسات العامة .
رابعا /
الجهاز الإداري والسياسة العامة:
يمارس الجهاز
الإداري مجموعات عدة من الوظائف تكون ذات طبيعة مرفقية وخدمية ووظائف إنتاجيه
ووظائف محليه إقليميه، وكل هذه المجموعات يتم التعبير عنها في السياسة العامة وفي
توجهات النظام الحاكم.
ويقوم الجهاز
الإداري بمهام تتعلق بتنفيذ القوانين وتنفيذ القواعد والتعليمات، والجهاز الإداري
هو الذي يحتكر جانب المخرج من النظام السياسي .
ويتجاوز دور
الجهاز الإداري مهمة التنفيذ إلى التأثير في عملية صنع السياسة العامة، ولعل ذلك
يعود لارتباط الجهاز الإداري الوثيق بالسلطة التنفيذية مما جعله (جزءا هاما من
السلطة التنفيذية في الدولة، مما فسح لها مجال التأثير غير المباشر في صنع
القرارات وذلك من خلال الدور الذي تلعبه السلطة التنفيذية في صنع السياسة العامة
للدولة مع السلطة التشريعية).
وارتباط الوظيفة
الإدارية بالسلطة التنفيذية ومهامها، يعني، استبعادها عن السلطتين القضائية والتشريعية،
وسبب هذا الاستبعاد يعود إلى أن، الهيئات التشريعية والقضائية ذات مهام خاصة تترتب
عليها مشكلاتها الخاصة الدقيقة التي تبرز من طبيعة تكوينها ونشاطها ووجودها، وهذا
يستلزم ترتيبات ومقاييس خاصة، لأصله لها بميدان الإدارة العامة،لذلك لا تختلط
الوظيفة الإدارية بالوظيفة القضائية التي تنحصر في تطبيق القانون ولا بالسلطة
التشريعية التي تتمثل عادة في وضع القواعد التي تحكم النشاطات العامة أو الخاصة
دون أن تخوض في تفاصيل التطبيق.
هذا الاستبعاد
للوظيفة الإدارية عن مهام السلطتين التشريعية والقضائية لا يعني بأي حال من
الأحوال تصرف تلك الأولى بحرية تامة دون مراعاة لهاتين السلطتين، فهاتين السلطتين
لهما حق الرقابة وتقييم أعمال السلطة التنفيذية بما في ذلك أعمال الجهاز الإداري
وكيفية تنفيذه للسياسات العامة (حيث تمارس الهيئات التشريعية والقضائية رقابة
خارجية على الدوائر الحكومية، فلجان التحقيق، والاستفسارات التي قد يطرحها أعضاء
الهيئة التشريعية على الوكالات الإدارية، والإجراءات القضائية الخاصة بمراقبة
التجاوزات الإدارية، قد يكون لها جميعا تأثير على الأداء الإداري…وهذا يتضح في
البلدان الاسكندنافية وبريطانيا وألمانيا ودور مؤسسه التحقيق في الشكاوى، حيث يحقق
مكتب الشكاوى في الادعاءات التي يتقدم بها الأفراد بوقوع ظلم أو ضرر عليهم نتيجة
أعمال الحكومة، ويقوم بإجراءات أسرع واقل كلفة من إجراءات المحاكم، ويقدم مكتب
الشكاوى تقريره إلى الهيئة التشريعية لتصحيح الوضع).
ويعد دور الجهاز
الإداري في عملية تنفيذ السياسات العامة دور حيوي وهام لا يستطيع أي نظام سياسي
حديث الاستغناء عنه (فالجهاز الإداري يعد العصب الرئيس في الدولة الحديثة، وهو
المنفذ الأكثر فاعليه للأهداف التي تضعها السلطة السياسية، لذلك تم تنظيم العلاقة
بين الجهاز الإداري وسلطته وبين السلطة السياسية في الدول الحديثة وفق القواعد
القانونية النابعة من الإدارة الاجتماعية لتحقيق أهداف المجتمع السياسي)
ويكون الجهاز
الإداري في الأنظمة السياسية الحديثة مسؤولا عن أمور عدة تتعلق في التنظيم
والتفسير والتطبيق للسياسات العامة والتشريعات الصادرة من الجهاز التشريعي في
الدولة .
ففي (جانب
التنظيم) يشير إلى ضرورة تكون الجهاز الإداري اللازم للتنفيذ .. وهذه المسألة
تتطلب من الجهاز الإداري أن يكون على اتصال مستمر مع المسؤولين عن رسم السياسة من
ناحية، والمستفيدين منها والمطالبين بإطاعتها من ناحية أخرى، لذلك فالإداريون
بطبيعة عملهم يقومون بأعمال تخرج من مجرد التطبيق البسيط لقواعد حل المشاكل أو
صراعات المجتمع …أما في (مجال التفسير).. فالمسالة هنا ترتبط، بكون العملية
السياسية لا تنتهي بصدور قانون أو قرار برسم سياسة عامة، بل تستمر بصورة واضحة إلى
مرحلة التنفيذ… ففعالية تطبيق قرار السياسة العامة يتطلب أن تصدر للإداريين
التنفيذيين تعليمات واضحة تحدد ما يلزم القيام به من أعمال، وكيفية القيام بها، إذ
أن عدم وضوح هذه التعليمات يؤدي إلى الاختلاف في تفسير التشريع بالصورة التي
تتناسب وهدف سنه، وهذا يتطلب ضرورة صدور قرارات تنفيذية تحدد بوضوح وتفصيل الخطط
وإجراءات وبرامج العمل ومعدلات التنفيذ … الخ، أما فيما يتعلق (بالتطبيق) فيقصد به
قيام الجهاز الإداري فعلا بأداء الأعمال ملتزما في ذلك بالخطط والبرامج والخطوات
والتعليمات الإجرائية التي تعد في مرحلة التفسير.. وعمليه التطبيق هي عمليه
ديناميكية تعتبر امتداد ونتيجة طبيعية لأنشطه التنظيم والتفسير
ويتباين دور
الجهاز الإداري في تنفيذ السياسات العامة وتحقيق المصلحة والمنفعة العامة بتباين
الأنظمة السياسية ويتوقف ذلك على دور هذا الجهاز في أي مؤسسة من مؤسسات النظام
السياسي وعلى نوعية العلاقة القائمة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية
فيما إذا كانت قائمة على التوازن أو التنازع في الاختصاص، بالإضافة إلى مكانة
الجهاز الإداري في المجتمع والكيفية التي يعمل بها على تحقيق متطلبات المجتمع .
ففي اليابان،
للجهاز الإداري تنظيمات ثابتة نسبيا.. ويعمل على تطوير كفاءات متخصصة ذات قيمة
عالية في مجالات معينة من الحكم .. وللبيروقراطية اليابانية دور هام في رسم
السياسة العامة، ولعل ذلك يعود للتقاليد اليابانية التي عززت من هذا التوجه الذي
أعطى للبيروقراطية نفوذا قويا نسبيا، فقد كان للبيروقراطية بشكل دائم تقريبا،
تأثير كبير في الحكومة.. وقد تعودت الوزارات على ذلك وعزز نفوذ البيروقراطية
ومكانتها توظيف أفضل خريجي النظام التعليمي النخبوي، منذ فترة ما قبل الحرب
العالمية الثانية حتى اليوم، فالنفوذ القوي للبيروقراطية في اليابان جعل جزء كبير
من المشاريع التي يدرسها البرلمان مقدمة في الأصل من الوزارات، وقدمت عن طريق مجلس
الوزراء بدلا من أن تتم صياغاتها عن طريق مجلس الدايت القومي (البرلمان))
.
والتفويض الكبير
للوزارات في صياغة التشريعات، جعلها تستخدم أداة أكثر (تهذيبا) لتنفيذ سياساتها
الوزارية، تدعى (التوجهات الإدارية) والتي يقصد بها ممارسات تعمل الوزارات القومية
بموجبها على إقناع القطاع الخاص بالانصياع للسياسات مستخدمة التحذير، بشكل ضمني أو
علني، من عقوبات بناء على السلطة الواسعة التي تفوضها لها التشريعات
وفي فرنسا
للجهاز الإداري أيضا دور هام في السياسات العامة، وقد ازدادت أهميه ذلك الدور، ولم
تعد النظرة للجهاز الإداري في فرنسا قاصرة على القدرة في تنفيذ السياسات، ولكن
أيضا المساهمة بفاعليه في صياغة أو وضع السياسات العامة.
ولعل ذلك يعود
إلى مديات الاهتمام بالجهاز الإداري من قبل النظام السياسي الفرنسي، والعمل على
تطوير هذا الجهاز، من خلال المدرسة الوطنية للإدارة ومدرسة البوليتكنيك مع المدارس
العليا الأخرى ودورها الأساسي في توظيف النخبة الإدارية والسياسية والاقتصادية.
أما دور الجهاز
الإداري في صنع السياسات العامة في الأنظمة السياسية للدول النامية، فيعتمد على
طبيعة ونوعية العلاقة بين المؤسسات السياسية بعضها مع البعض الأخر، من جهة،
وعلاقتها مع مؤسسات المجتمع من جهة أخري، وهذا يعود لمجموعة من العوامل تأثرت بها
أنظمة تلك البلدان أدت إلى أن تكون العلاقة بين الجهاز الإداري والسلطة السياسية
انعكاس لتلك العوامل، مثل (التأثيرات الاستعمارية وطبيعة البنية الاجتماعية
وتقييماتها التقليدية، لعبت دورها في عدم حيادية الجهاز الإداري، وبالتالي خضوعه
لشروط المجتمع التقليدي التعددي) .
وتكمن أهم سمات
الجهاز الإداري في الدول النامية :
1- أن
الجهاز الإداري في هذه الدول هو جهاز مقلد أكثر منه أصيل، حيث أن معظم الدول حتى
تلك التي لم تخضع للاستعمار تحاول أن تنقل صورة البيروقراطية الغربية، فالإدارة في
هذه الدول تحاول تقليد نموذج أداري معين مع استعارة بعض المظاهر الأخرى من أنظمة
أداريه أخرى.
2- افتقار
البيروقراطيات إلى الكوادر الماهرة القادرة على تخطيط وتنفيذ البرامج التنموية .
3-
وجود الاتجاهات غير الإنتاجية في الأجهزة الإدارية، حيث يوجه نشاط
البيروقراطيات لخدمة أهداف أخرى غير الأهداف العامة، فهناك رغبه لدى البيروقراطيين
لتفضيل المصالح الفردية أو مصالح الطبقة البيروقراطية نفسها على حساب المصلحة
العامة .
4-
تتمتع البيروقراطية في هذه الدول بدرجه استقلال كبيرة.. فالبيروقراطية،
فيها، تحتكر الخبرة الفنية وتنتفع بمزايا الهيبة التي تعنيها هذه الخبرة في مجتمع
يهدف إلى التصنيع والنمو الاقتصادي.
وهذه الأنظمة،
لم يكن لديها بنيان أداري بمعنى البنيان الإداري القادر على إدارة دفه الأمور وفق
منهج وطني يتطلع إلى التنمية باعتبارها هدفا محوريا تحقيق من خلالها الرقي
الاقتصادي والإداري والاجتماعي والثقافي، والعاملون في الأجهزة الإدارية
ألفوا نمطا معينا ونهجا معينا هو النهج والنمط السائد في حقبة الهيمنة
الاستعمارية وليس لديهم الإدراك الكافي لمتطلبات المرحلة الجديدة، في حقبة ما بعد
المستعمر.
واستمرت تأثيرات
تلك الأوضاع مع غيرها من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ألقت
بظلالها على عملية تنفيذ السياسات العامة من قبل الجهاز الإداري في تلك الأنظمة.
فتأثيرات الوضع
الاقتصادي والاجتماعي، وافتقار الإدارة للجهاز الكفوء في تحقيق وتطبيق مقررات
السياسة العامة.. خلق أزمة داخل تلك البلدان هي أزمتي التغلغل والانتشار المنوطة
أساسا بالجهاز الإداري، الذي عادة ما يتميز في هذه النظم، بعدم استعداده وتقبله
للتغير الاجتماعي، بفعل عوامل ضغط المجتمع التقليدي عليه، لذلك أصبح قوة ضاغطة على
المجتمع وليس أداة تنفيذية لتحقيق مطالب المجتمع السياسي.
وللنظام الحزبي
تأثيراته أيضا في الجهاز الإداري سواء اخذ هذا النظام بالأحادية الحزبية أو
التعددية الحزبية .
ففي نظام الحزب
الواحد، يمتاز الجهاز الإداري بدرجة بالغة في التعقيد ويخضع في الوقت ذاته لأشراف
الحزب مما يستدعي وجود شبكات رقابة تعمل تحت أشراف الفئة العليا من القيادة
الحزبية وهذا يعني أن للحزب الكلمة العليا حيث يمارس الرقابة التي يراها مناسبة
وغالبا ما بتم عن طريق أشغال الشخص وظيفتين حزبيه وأداريه يتم بواسطتها إخضاع
الجهاز الإداري للسلطة الحزبية.
هذا يعني أن
العلاقة بين الجهاز الإداري والحزب الواحد ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار مسالتين
أساسيتين هما :
1) أن
شروط التعيين في الوظائف الإدارية المهمة أن يكون المرشح، حزبيا، أو على الأقل، من
أنصار الحزب دون الأخذ بنظر الاعتبار توفر المؤهلات العلمية والخبرة الفنية .
2) حق
الرقابة والأشراف الذي تمتلكه الهيئات الحزبية على الإدارة في مختلف مستوياتها
والتي قد تأخذ شكل رقابه خارجية من فروع الحزب وشعبه وخلاياه على الجهاز الإداري،
ومن خلال نشر مبادئ الحزب والوعي الحزبي بين الموظفين، وهذا التغلغل كان هدفه
تامين إخضاع الإدارة خضوعا كليا لتوجيهات الحزب الواحد
أن هذه العلاقة
تعني أن الجهاز لا يستطيع تنفيذ أي سياسات عامة لا تتماشى مع توجهات
ومتطلبات الحزب وألا فان تلك السياسات مصيرها الفشل، ألا أن المشكلة الأساسية لا
تكمن في ضرورة كون السياسات تتماشى مع توجيهات الحزب لان الحزب هو الذي يقرر تلك
السياسات أولا وأخيرا، لكن المشكلة في مقدار توافق تلك السياسات مع متطلبات
ومقتضيات المصلحة العامة، وبما أن النظام الشمولي وسلطه الحزب الواحد مترسخة
ومتجذرة في المجتمع وهي تمنع أي صوت يعلو على صوت الحزب، فان حتميات فشل السياسات
العامة باقية ويصعب تجاوزها مادامت العلاقة القائمة بين الدولة والمجتمع هي ليست
علاقة تبادل أراء وأفكار واخذ مطالب وتحويلها إلى قرارات بقدر ما هي علاقة قائمه
وفق النموذج الأبوي في القرار والذي يقوم على صدور القرارات من الأعلى إلى الأسفل
بغض النظر عن كونها لقيت قبول في أوساط المجتمع أم لا .
أما في ظل نظام
التعدد الحزبي في الدول النامية، فالصورة لا تختلف من حيث كون الجهاز
الإداري هو مرتبط وتابع للحزب الحاكم، وان أحزاب المعارضة (خارج السلطة) غير قادرة
في التأثير على البيروقراطية لكونها تتجسد بيد الحزب الحاكم، بالإضافة إلى أن نزعة
تسييس الجهاز الإداري بارز في هذه النظم، وهذا يبرز في أمريكا اللاتينية بوضوح..
فهناك نسبه كبيرة من الوظائف الإدارية الهامة لا تزال خاضعة لسياسات الحزب الحاكم،
فلم تنجح تلك الدول، إضافة إلى الدول التي أخذت بالتعددية الحزبية لاحقا، التخلص
من موروث الفساد في أجهزتها الإدارية، مما انعكس على العمل السياسي بشكل سلبي وفي
فراغ السلطة في الكثير من أقاليم تلك الدول.
هنا لابد من
الإشارة إلى أن الجهاز الإداري في النظام التعددية الحزبي لا ينجح في تنفيذ
السياسات العامة، إلا بقدرة النظام السياسي وأهليته في تحقيق التوازن وإيجاد فرص
الحياة المجتمعية المشتركة وتوفير قدر لازم من الحريات المدنية والسياسية، فلو كان
النظام السياسي قائم على التعدد الحقيقي سياسيا واقتصاديا مع موازنات التعدد
الاجتماعي لأمكن تنفيذ السياسات العامة بصورة ناجحة من خلال جهاز أداري يعكس حاله
التوازن القائمة في المجتمع وتكون مهمته في التغلغل في مؤسسات المجتمع أكثر يسر
وهي متطلبات ضرورية لنجاح الإدارة الحديثة، ونجاح الجهاز الإداري في تنفيذ
السياسات العامة أيضا يتوقف على (الالتزام بالحياد السياسي وبقاؤه خارج تأثير
المنافسات الحزبية والخضوع في الوقت نفسه كرقابه المجلس النيابي والرأي العام،
(والالتزام) و تسلطه غير الشخصية التي تعتبر من أهم خصائص النظام السياسي القائم
على القواعد القانونية).
دور المؤسسات غير الرسمية في عملية صنع السياسة العامة
في الدول المتقدمة والنامية
تؤدي المؤسسات غير
الرسمية في النظام السياسي دور هام في عملية صنع السياسة العامة بصورة مباشرة او
غير مباشرة .
ويأتي البحث هنا
في فاعلية تلك المؤسسات في كل الأنظمة السياسية للدول المتقدمة والنامية، وهو
استكمالا لبحث سابق تناول دور المؤسسات الرسمية في عملية صنع السياسة العامة ذلك
من خلال إبراز اثر كل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والإدارية والية
عملها وكيفية تطبيقها للدستور بوصفه أعلى جهة قانونية في الدولة وعملية تطبيق وصنع
السياسة العامة تنبثق عن أيديولوجية معينة تمثل الثقافة السياسية للنخبة الحاكمة .
ورغم أهمية تلك
المؤسسات الرسمية في صنع السياسة العامة، إلا إن عملية الصنع لا تقف عند الحدود
الرسمية والقانونية للنظام السياسي وإنما هناك في المقابل دور المجتمع لما يحتوي
من فئات وقطاعات اجتماعية واقتصادية وسياسية تعمل من اجل تحقيق مصالحها وتدفع
باتجاه تنفيذ مطالبها .. لذلك فان دور تلك الفئات والقطاعات يكون بمثابة عامل ضغط
ورقابة على مؤسسات النظام السياسي الرسمية وبالتالي تحفيز تلك المؤسسات من اجل
تحقيق أهدافها، فتكون تلك المؤسسات الغير رسمية جهة الاتصال بين النظام السياسي
ومؤسساته الرسمية وبين المجتمع من خلال العمل على نقل مطالب المجتمع إلى النظام
السياسي والسعي نحو تحقيقها من خلال التأثير في عمل المؤسسات الرسمية، ورغم أهمية
دور المؤسسات غير الرسمية في عملية صنع السياسة العامة.. إلا إن هذا الدور متباين
بحسب نوعية الأنظمة السياسية ودعمها لتلك المؤسسات وحرية عمل وحركة المؤسسات
وأهليتها القانونية التي اكتسبتها من النظام السياسي، وأساليب عماها لتحقيق
مطالبها ..وهنا تتباين الأنظمة السياسية المتقدمة عن النامية .
ففي الوقت الذي
تكون فيه المؤسسات غير الرسمية كجماعات الضغط والأحزاب السياسية على سبيل المثال
لها أهمية ودور وفاعلية في الدول المتقدمة، يكون دورها في الدول النامية مغيب
وهامشي نوعا ما إلى حد الذي تكون فيه تلك المؤسسات ردود أفعال للنظام السياسي تعكس
متطلباته وتعمل على تحقيقها وليس تحقيق مطالب وأهداف المجتمع.
لذلك يمكن
الانطلاق من فرضية أساسية تشير إلى انه هناك دور متباين لمؤسسات غير رسمية لعملية
صنع السياسة العامة في الدول المتقدمة والنامية ذلك بسبب طبيعة التكوين التاريخي
للنظم السياسية المتقدمة والنامية وترسخ مؤسساتها واستقرارية العمل السياسي في كل
منها ومدى توافر الأهلية والوعي السياسي للمجتمع، إضافة إلى طبيعة الظروف
الاقتصادية والاجتماعية.. حيث تسهم تلك الأمور لقوة أو ضعف دور المؤسسات غير
الرسمية في عملية صنع السياسة العامة في الدول المتقدمة والنامية .
وللتأكد من صحة
تلك الفرضية يمكن دراسة الموضوع في أربع محاور أساسية يتناول الأول جماعات الضغط
مفهومها وأساليب عملها وطبيعة علاقتها مع النظام السياسي، ثم دراسة الأحزاب
السياسية ودورها الرقابي على السلطات الثلاث والجهاز الإداري في صنع السياسة
العامة، ثم دراسة طبيعة البنية الاقتصادية والية توزيع الدخل ومستوى الوضع
الاقتصادي وانعكاساته على السياسة العامة، ثم دراسة طبيعة البنى الاجتماعية ودور
الانتماءات المتعددة وانعكاساتها على صنع السياسة العامة، ثم الانتهاء إلى خاتمة
توضح عملية صنع السياسة العامة في الدول المتقدمة والنامية من خلال اثر المؤسسات
غير الرسمية ودورها في إنجاح تلك السياسة أو إفشالها .
أولا / جماعات
الضغط :
وهي جماعات غير
محددة الحجم تتباين في نشاطاتها مع تباين المجتمعات التي نشأت فيها، وهذا يفسر أن
جماعات الضغط هي جماعات لا توجد في فراغ وإنما داخل مجتمع له أبنيته ونشاطاته لذلك
فدرجة تطور وتعقد تلك الجماعات متأتية من تطور وتعقد المجتمع الذي تعيش فيه، وتكون
أهداف تلك الجماعات أما مادية تسعى للربح فهي تضغط على النظام السياسية والاقتصادية
من اجل تحقيق مصالحها، أو تكون ذات طابع أيديولوجي تهدف للدفاع عن قيم ومبادئ
معينة(1) .
وهناك عدة أنواع
من الجماعات الضغط، يحدد كل نوع طبيعة تلك الجماعات والكيفية بها من التأثير على
النظام السياسي وتحقيق أهدافها، ومن تلك الجماعات:
الترابطية: وهي التي تقوم
على تنفيذ مطالب أعضاءها فيظهر بينهم قدر من الترابط فهي تعبر عن المصالح من خلال
توجيه المطالب نحو صنع القرار .
والمؤسسية: وهي التي تمثل
مؤسسات الحكومة الرسمية كالجيش والبيروقراطية والبرلمان والكنيسة .
وغير الترابطية: وهي لا تقوم
على العامل الاقتصادي فقط وإنما على عدة عوامل فالموقع الجغرافي والعرق والجنس..
وقد تمارس نشاطا سياسيا فتهدد النظام وتؤدي إلى عدم الاستقرار وهي تظهر عندما
تتهدد مصالحها فتتخذ ثقافة فرعية داخل المجتمع، وجماعات غير نظامية تظهر بصورة
فجائية ووقتية ويتخذ عملها شكل مظاهرات لعمال شغب(2).
ويبرز دور
جماعات الضغط على الصعيد السياسي بقيامها (بالدفاع عن مصالح أفرادها وعن الأفكار
والمبادئ التي يؤمنون بها، وهي تعمل على توجيه سياسة الدولة في الاتجاه الذي يخدم
هذه المصالح والأفكار، فهدفها التأثير في السلطة السياسية من اجل تحقيق المكاسب)
(3) .
وتمارس جماعات
الضغط دورها في السياسات العامة من خلال التأثير في عملية رسم السياسات العامة
وعلى تنفيذ تلك السياسات والرقابة عليها، ولها في ذلك وسائل عدة ذلك من خلال دورها
في التأثير على المؤسسات الرسمية في النظام السياسي مثل السلطة التشريعية والتنفيذية
والقضائية والإدارية .
فبالنسبة لدورها
في إطار السلطة التشريعية، تعمل تلك الجماعات على (تقديم المعلومات الفنية
والإحصاءات والأبحاث العلمية، والدراسات المستفيضة، التي قد تغير من تقدير الأمور
وتوجيه السياسة التشريعية لصالح أهداف هذه الجماعات . وقد تسمح المؤسسة التشريعية
لجماعات الضغط بان تقرر بما تراه مباشرة أمام لجان البرلمان المختلفة … كذلك تعمل
تلك الجماعات على تأييد مرشحين معينين في الانتخابات أو معارضة إعادة انتخابهم).
ويتباين تأثير
جماعات الضغط على السلطة التشريعية من دولة لأخرى، ومن نظام سياسي لآخر، ففي
الأنظمة الرئاسية يكون دور ونشاط جماعات الضغط أقوى وأوسع أثرا من الأنظمة
البرلمانية وذلك لسببين:
1) مبدأ
فصل السلطات الذي تأخذ به النظم الرئاسية، وخاصة الولايات المتحدة، يحتم الاتفاق
التام بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية قبل إقرار القوانين المختلفة، ولا
يتم هذا الاتفاق إلا عن طريق الضغط على كل من الرئيس والكونغرس، فالنظام الرئاسي
يعتبر مرتع خصب لنشاط جماعات الضغط .
2) إن كبر
حجم الدولة في الولايات المتحدة وتعدد أقاليمها وتباعدها يحتم على الحكومة
المركزية أن تبني سياساتها على أساس التوفيق بين المصالح الإقليمية، لذلك النظام
الفدرالي يقوم أساسا لحماية الطبائع والمعالم الخاصة لكل ولاية من الولايات، لا
القضاء عليها(5) .
كذلك في
الولايات المتحدة، تنهض لجان العمل السياسي بجملة من المساهمات لأعضاء الكونغرس
وتكون متأكدة من أنها ستحظى ببعض الاهتمام السياسي.. ومما يجعل من الكونغرس هدفا
رئيسيا لجهود مجموعات المصالح وذلك بسبب انفلات الانضباط الحزبي ولامركزية اللجان
التي تعتبر مصدرا للعديد من التشريعات(6) .
كذلك في الدول
البرلمانية إن وظيفة جماعات الضغط مختلفة عن وظيفتها في الدول الرئاسية، فمصدر
النشاط السياسي هنا هو الحكومة وحدها، ومن ثم لا تمارس جماعات الضغط عملها إلا في
نطاق الحكومة . فبينما يتأثر التشريع في الولايات المتحدة إلى حد كبير لمساعي
جماعات الضغط.. يكون للحكومة البريطانية الدور الأكبر في وضع السياسة الرئيسية
للدولة وفي اقتراح التشريعات اللازمة لتطبيق هذه السياسة(7) .
أما في
بريطانيا، فان الانضباط الحزبي القوي في الهيئات التشريعية واللجان المتفرعة عنها
يقلل من أهمية أعضاء البرلمان أو اللجنة البرلمانية كقنوات اتصال لمجموعات الصالح
.
وتستخدم جماعات
الضغط تأثيرها في السلطة التشريعية من خلال علاقتها بالأحزاب السياسية.. حيث تشترك
كل من الأحزاب وجماعات الضغط في تحقيق وظيفة واحدة هي التعبير عن المصالح، ومن شان
ذلك يوفر مصدر فعال للتأثير في السياسات العامة.. وفي بريطانيا تبدو العلاقة بين
حزب العمال البريطاني واتحادات العمال وثيقة، وهذه الأخيرة مصدر لعضوية الأولى،
ومنها تجند بعض القيادات كما أنها مصدر لتمويل الحزب.
أما في الدول
النامية، فجماعات الضغط بوجه عام ليس لها أي استقلال عن الحكومة، وتكمن مهمتها
الأساسية في حشد التأييد الشعبي للنظام وسياسته.. وإذا كانت الجماعات مرتبطة بحزب
معين فان وزنه السياسي وتأثيرها يتوقفان بدرجة كبيرة على ما للحزب من نفوذ(10)
. وطبيعة نظمها وتجربتها تبرز ضعف المجموعات المتحدة (جماعات الضغط في توضيح
المصالح وافتقارها إلى الاستقلالية.. ففي أنظمة الحزب الواحد، أو الحكم العسكري،
تبرز سيطرة الدولة على المجموعات القائمة، لتصبح أجهزة تابعة للحزب أو الدولة..
فالحزب الواحد ينظر لنفسه كونه الممثل الوحيد للمجتمع المدني، ويفترض في هذا
المفهوم بالضرورة أن الاتحادات التي تسعى لتوضيح مصالح معينة، يجب عليها أن تقوم
بذلك من خلال الإطار الحزبي. وما أن يصبح الاتحاد تحت وصاية الحزب حتى يتم إخضاعه
للتوجهات السياسية ويمنع من التعبير عن وجهات نظر تخالف مذهب الحزب أو
مصالحه.
أما في إطار
العلاقة مع السلطة التنفيذية، فكون السلطة التنفيذية هي اقدر وفق حقيقة الواقع
السياسي على ممارسة اقتراح القوانين باعتبارها تتولى مهمة التنفيذ، ومن ثم تكون أقرب
إلى لمس الحاجات التشريعية للمجتمع، وهي تملك الأدوات الفنية اللازمة لأعداد
اقتراح مشروع التشريع، لذلك فان الجماعات تحاول التأثير في أعضاء المؤسسة
التنفيذية على أساس أن الاقتراح هو الأصل الذي ينبثق عنه التشريع، ثم أن السلطة
التنفيذية تملك حق الاعتراض على القوانين، وفي إمكانها التغيير في التشريع عن طريق
التفسير والكيفية التي ينفذ بها، وجماعات الضغط تستخدم نفس الأساليب لتحقيق
تأثيرها في السلطة التنفيذية
أما في إطار
العلاقة مع السلطة القضائية فانه بالرغم من الإجماع على استقلال السلطة القضائية
فالجماعات الضاغطة تملك وسائل عدة في التأثير عليها من خلال الدخول كطرف في
الخصومة القضائية فتعمل الجماعات على تقديم الدراسات والبيانات والمعلومات إلى
المحكمة، وقد تتدخل في اختبار القضاة وفي انتخابهم في النظم التي تأخذ بوسيلة
الانتخاب في تعيين بعض قضاتها
أما في إطار
الإدارة فأن جماعات الضغط تمارس دورها في الرقابة على عملية تنفيذ السياسات العامة
من قبل الجهاز الإداري حيث يعتبر الاتصال مع الدوائر الحكومية المعنية بصنع
السياسة العامة مهما بشكل خاص، أو كانت الجماعات مهتمة بتشكيل الإجراءات أكثر من
اهتمامها بالمضمون السياسي، أو إذا كانت المصالح ضيقة وتهم عدد قليل من المواطنين
بشكل مباشر، ففي بريطانيا تميل الاتحادات في القضايا العامة المتعلقة بالطبقات أو
المجموعات العريقة، أو مجموعات المستهلكين إلى العمل من خلال الأحزاب، أما فيما
يخص القضايا الأضيق التي تهم مجموعات قليلة أخرى، أو القضايا التي فيها موضع نزاع
سياسي اقل، فان الاتحادات تميل إلى التوجه إلى الدوائر الحكومية المتخصصة
يكون دور جماعات
الضغط وتأثيرها في الجهاز الإداري واضح لدى بعض الدول المتقدمة، ففي ألمانيا نجدها
ممثلة في المجالس الاستشارية للأجهزة الإدارية، وفي بريطانيا أصبح التشاور بين
الإداريين وقيادات هذه الجماعات شكلا أساسيا لصنع القرار وتنفيذ السياسة العامة
وبالإضافة إلى
وسائل التدخل والتأثير المشروعة في السياسات العامة من قبل جماعات الضغط،
فان هناك وسائل وقنوات اتصال غير المشروعة تستخدمها جماعات الضغط للتأثير بصورة
غير مباشرة على السياسات العامة للنظام السياسي، ذلك من خلال أعمال الشعب
والإضرابات والاعتصامات وعمليات الاغتيال من اجل تغيير قواعد اللعبة السياسية أو
تكتيكات الإرهاب السياسي
وجماعات الضغط
تتباين في تأثيرها في السياسات العامة من نظام سياسي لأخر بحسب طبيعة ذلك النظام
وقوة تلك الجماعات ووسائلها التي تستخدمها في التأثير وحرية حركتها في ذلك، ففي
الوقت الذي تكون فيه لتلك الجماعات قدرة على التأثير في السياسات العامة لدول
معينة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كما هو الحال في نشاط جماعات الضغط
الصهيونية فان جماعات الضغط في نظم سياسية أخرى لا تكاد تمارس أي تأثير في
السياسات العامة وان دورها لا يعدو أن يكون تابعا وموجها من قبل النظام السياسي
كما هو الحال في كثير من الأنظمة السياسية للدول النامية (حيث تخضع تلك الجماعات
لإرادة الدولة، وتعتمد ماليا على الإعانات التي تقدمها لها، وهو ما يفقدها
استقلاليتها، وفي المقابل تقوم الدولة بفرض قيود على مطالب هذه الجماعات وقياداتها
وأساليب عملها
ثانيا/ الأحزاب
السياسية:
يعرف الحزب
السياسي بأنه تنظيم سياسي له صفة العمومية والدوام وله برنامج يسعى بمقتضاه للوصول
إلى السلطة(18).
وعرف اندريه
هوريو الأحزاب السياسية بأنها(تنظيمات دائمة تتحرك على مستوى وطني ومحلي من اجل
الوصول إلى ممارسة السلطة بغية تحقيق سياسة معينة)
وتعتبر الأحزاب
السياسية من أهم متغيرات النظام السياسي كونها تؤدي له مجموعة من الوظائف الأساسية
فهي توفر قنوات للمشاركة والتعبير عن الرأي، وهي تجمع المصالح وتعبئها، وهي أداة
للتنشئة والتجنيد السياسيين، وتساهم في إسباغ الشرعية على نظم الحكم .
وتلعب الأحزاب
السياسية دوراً هاماً في النظم السياسية المختلفة، نظراً لما تتمتع به الأحزاب من
قدرة على تنظيم وتجنيد الجماهير، وتزداد أهمية الدور الذي تلعبه الأحزاب في
الديمقراطيات المعاصرة نظراً لكونها أداة وسيطة بين الجماهير والسلطة السياسية
ورغم عمومية هذه
الوظائف، ألا أنها تختلف في واقع الأمر من نظام إلى أخر، وهو ما يعكس في النهاية
طبيعة علاقتها بالسياسات العامة، وكون الهدف الأساسي للأحزاب السياسية هو الوصول
إلى السلطة، فالسياسات العامة هي المجال الحقيقي الذي تبرز فيه محاولة الصول إلى
السلطة السياسية من خلال طرح البديل أو محاولة التأثير على السلطة للتعبير عن
مصالح ومطالب قوى اجتماعية محددة.
والأحزاب
السياسية تمارس وظيفة تجميع المصالح من اجل تحقيق أهدافها، وعملية تجميع
المصالح تمثل (النشاط الذي تتوحد فيه مطالب الأفراد والجماعات ومصادرهم
لتقديم اقتراح سياسي ذي مغزى، ويصبح الاقتراح ذي مغزى حين يكتسب مساندة مصادر
قوية،والأحزاب السياسية مهيأة بشكل خاص لتجميع المصالح، فهي تسمى مرشحين يمثلون
مجموعة من السياسات، ثم تحاول أن تحشد التأييد لهم، وتأخذ الأحزاب السياسية
الحديثة بشكل مجموعات مستثناة من السلطة تكافح للمنافسة عليها، ومجموعات مسيطرة
تسعى للاحتفاظ بالتأييد الشعبي لدعم نفسها)
ويتباين دور
الأحزاب السياسية في السياسات العامة باختلاف النظم السياسية من جهة، وباختلاف
مكانها في النظام السياسي في السلطة أو خارجها من جهة أخرى.
ففي الأنظمة
الديمقراطية تتنافس عدة أحزاب على حشد دعم مجموعات المصالح والناخبين.. ويحدث
تجميع المصالح في ظل هذه الأنظمة من قبل الأحزاب السياسية على مستوى واحد أو على
عدة مستويات: داخل الحزب ذاته حين يختار الحزب مرشحيه ويتبنى مقترحات سياسية، ومن
خلال المنافسة الانتخابية حيث يعطي الناخبون مقادير مختلفة من التأييد لكل
حزب، ومن خلال المساومة وبناء التكتلات داخل الهيئات التشريعية والتنفيذية
.
وفي ظل النظم
الديمقراطية تكون العلاقة بين الأحزاب السياسية والسياسات العامة قائمة على قضايا
هامة تتعلق
1- مدى تمثيل
الأحزاب لمطالب المواطنين، والاختلاف بين النظم السياسية التي يضمها نظام حزبي
تنافسي.. ويرتبط هذا الأمر بالقدرة على صنع ألا غلبيه المتماسكة والتي تعتبر عنصر
هام في استمرار وفاعليه الديمقراطيات.. وهنا تذهب الكتابات إلى أن نظام الحزبين
أكثر قدرة على توفير الاستقرار، وتكون وظيفة تجميع الصالح فيه أكثر فعالية. أما
نظام تعدد الأحزاب فهو يتسم بالتجزئة والتشتت وبالتالي يصعب توفير الأغلبية
المتماسكة وتقل درجة تمثيل المصالح وتجميعها عنه في نظام الحزبين .
2- أما القضية
الأخرى فتتعلق بمدى تأثير الأحزاب في عمليه صنع السياسات العامة في النظم
الديمقراطية، فتعتمد الأحزاب سواء كانت ثنائية أو متعددة على تحقيق المساومة
والتوفيق والميل إلى التوازن، بمعنى أن صانعي السياسات، وقادة الأحزاب يميلون إلى
الاستناد على منهج الإضافة التدريجية البسيطة، وهو ما يعني نبذ البدائل والقرارات
المتطرفة، والتي قد تهدد توازن النظام ككل وتأييد مفهوم التأثير المحافظ
التدريجي في عمليه صنع السياسات .
3- القضية
الأخرى اعتبار الأحزاب كمنظمات للرقابة على تنفيذ السياسات.. فهي تعد أجهزه لإرساء
الرقابة الجماهيرية على الحكومة والسياسات العامة، ومن خلال العضوية في حزب سياسي
يحدث نوعا من التنظيم لأفراده يتيح لهم الرقابة على الحكومة ويتيح لهم الاتصال
بصانعي السياسات العامة .
ومع أن واقع
العملية الديمقراطية يفرض دوره في جعل أهميه الأحزاب السياسية قائمه في درجة
تأثيرها السياسي في النظم الديمقراطية، كما هو الحال في ألمانيا التي جعل
المراقبين السياسيين يطلقون على نظامها السياسي بأنه (حكومة للأحزاب، وبالأحزاب،
ومن الأحزاب)
إلا أن تباين
النظم السياسية بين الثنائية والتعددية يؤدي إلى تباين التأثير في السياسات العامة
(ففي أمريكا وبريطانيا التي يهيمن فيها حزبان سياسيان، يحاول كل منهما أن يستقطب
أوسع الجماهير والشرائح، فان برامجهما تحرص على أن تتسع وتستجيب للمصالح العامة
لأوسع قاعدة جماهيرية، أما في المجتمعات التي تأخذ بالتعددية الحزبية، فان الأحزاب
ولا تبذل جهدا كبيرا في تجميع المصالح وتوحيدها قدر اهتمامها بمصالح محددة وضيقه،
كما هو الحال في فرنسا، ومع ذلك فان الأحزاب السياسية تظل في كل الأحوال غير
الجماعات الضاغطة في وظيفتها، وفي دورها فهي لا تتبنى قضايا صغيرة أو مصالح فئة
صغيرة بل تناصر مواقف وسياسات تقسم بالعمومية وبعض الشمولية.
أما في النظم
السياسية للدول النامية فان دور الأحزاب السياسية في السياسات العامة يتباين من
حيث كونها في السلطة أو خارجها، فالأحزاب التي هي خارج السلطة لا تكاد تمارس دور
إيجابي مؤثر في صنع السياسات العامة بالنسبة للأنظمة التعددية وينحصر ممارسة
السياسات العامة وتنفيذها والرقابة عليها في إطار الحزب الحاكم، وفي ظل الحزب
الواحد فهو يمثل الجهة الشرعية الوحيدة التي تمارس السياسة ويحتكر نشاط العمل
السياسي وبالتالي فالسياسات مقتصرة عليه كونه الجهة الوحيدة في ذلك .
ففي نظام الحزب
الواحد تكون العلاقة بين الحزب وعمليه صنع السياسات العامة قائمة، على كون الحزب
هو الذي يقوم بالدور الرئيسي في صياغتها، وهو الذي يشرف على تنفيذها، والحزب هو
الهيكل الرئيسي الذي يقوم بتجميع المطالب وطرح بدائل السياسات
ففي البلدان
النامية برزت صورة الحزب الواحد بشكل كبير كجهة أساسية ووحيدة والتي تحتكر
مقومات العمل السياسي وهي التي تضع السياسة العامة للدولة وتشرف على تنفيذها، وكان
أنصار الحزب الواحد، يدعون أن الحاجة لبناء الدولة وتحقيق الوحدة الوطنية تدعو
للأخذ بنظام الحزب الواحد (فالحاجة للقضاء على النزعات القبلية والطائفية والعرقية
وبالتالي تدعيم الوحدة الوطنية وبناء الأمة، تظهر كمبررات للأخذ بنظام الحزب
الواحد في البلدان النامية، إذ أن هذا النوع من النظم الحزبية يتسم غالبا برفضه
للتقسيمات الفرعية الضيقة في المجتمع كالقبلية والطائفية ويطرح هدف تأطير أوسع
للأمة خارج تلك التقسيمات والانقسامات)
أما في إطار
التعدد الحزبي في تلك الدول، فالصورة لا تختلف عنها في نظام الحزب الواحد في
العلاقة مع السياسات العامة .
فهياكل صنع
السياسات العامة تشير إلى تفرد في أدوار هذه الهياكل، وهذه الهياكل تتسم بوجود
مؤسسات بيروقراطية ضخمة متشعبة، وهناك فجوة بين أجهزة التخطيط ووحدات صنع وتنفيذ
السياسات، فهناك دور أحادي في صنع القرار، يعكس القيادة الكارزمية أو النخبة
المسيطرة، وهناك دور قوي للسلطة التنفيذية، وبالتالي فان أيديولوجية الحزب الحاكم
تتمثل في الدفاع عن الوضع والحيلولة دون التغيرات التي لا تتسق مع استمراريته،
وقدرة الحزب للأستجابة لمطالب المجتمع محدودة جدا، ويميل الحزب الحاكم إلى قمع
المطالب مع مواجهة الثورات الناتجة بمزيد من القهر والإجراءات ألا منيه.. أما دور
الحزب الحاكم في تنفيذ السياسات العامة فيأخذ شكل التعبئة الجماهيرية لتأييد
سياسات الحزب ذاته، بدلا من أن تكون تعبئه لخلق توجهات جديدة تتعلق بالتنمية
والتكامل.
وفي ظل هذا
النوع من الأنظمة الحزبية لا يوجد دور يذكر للأحزاب خارج السلطة في السياسات
العامة يدفع نحو تحقيق مطالب المجتمع أو الجهات التي تدعمها، وبالتالي فان أحزاب
المعارضة أما تكون شكليه وتعبوية وغير مؤثرة، أو تؤثر على نحو سلبي ويكون وضع
النظام السياسي قائم على عدم الاستقرار وعدم القدرة على انتهاج سياسة معينه في ظل
التنافر والتناحر بين الأحزاب المتعددة خصوصا إذا عكست تلك التعددية أوضاع
اقتصادية متردية أو طبيعة اجتماعية قائمة على التعدد والاختلاف في الدين أو المذهب
أو العرق، وهو ما ينعكس بدوره على سياسات عامه فاشلة لا تلبي طموحات المجتمع ككل
بقدر ما تلبي طموحات ومصالح الجهات والنخب المنتفذة سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا (لذلك فإن الحقيقة الأساسية التي تشار
إلى دور الأحزاب السياسية في عملية صنع السياسة العامة في الدول النامية وعلى
الرغم من عمليات التحول الديمقراطي في بعضها، إلا إن العملية السياسية بوجه عام
أما مغلقة أو شبه مغلقة أمام مطالب المشاركة السياسية .. فلم يسفر التحول
الديمقراطي عن وصول القوى الشعبية الواسعة إلى جهاز اتخاذ القرارات السياسية
وانتقاء السياسات العامة أو الاقتراب منه، وإنما ظل يدور في الإطار الشكلي
والمظهري والاستعراضي.. فالعملية السياسية مازالت بعيدة عن متناول القوى الشعبية
بسبب خضوعها لهيمنة السلطة الشخصية للرؤساء .. وبالتالي فإن قدرة المشاركة
السياسية تتعطل أو قد تتضاءل أو تنعدم كلية.
ثالثا/ البنى
الاقتصادية :
يعد النشاط
الاقتصادي واحدا من مصادر التناقض بين الجماعات وخاصة في المجتمعات الحديثة،
كالتعارض بين أصحاب الأعمال والمشاريع الكبيرة مع أصحاب المشاريع الصغيرة،وبين
أرباب العمل والعمال .. فالجهات التي ليست راضيه عما تحققه من عوائد في تعاملها مع
الجماعات أو الفئات الأخرى تسعى دوما إلى مناشدة الحكومة للتدخل لمساعدتها
وأنصافها، أن الجهات الضعيفة والمتضررة هي التي تطلب دائما تدخل الحكومة في الصراع
الذي يدور بينها وبين الأقوى، بينما لا تود الجهة المستفيدة أو المتسلطة تدخل
الدولة في النزاع أو الموافق التي تكون مصالحها متحققة على حساب غيرها
أن تحليل تأثير
البنى الاقتصادية في السياسات العامة يرتبط بشكل مباشرة بأمور أساسيه منها:
1) تركيب
الهيكل الاقتصادي والقطاعات الاقتصادية التي تحدد نوعيه ومجالات عمل الحكومة تبعا
لدرجة التوزيع الجغرافي للهيكل الاقتصادي ودرجة التعقيد وبساطه هذا الهيكل ونظام
التبادل الاقتصادي المتبع في المجتمع .
2) مستوى
التقدم والنمو الاقتصادي للمجتمع، فكلما كان المجتمع متقدما كلما اقتصر دور
الحكومة في التنسيق والرقابة، أما في المجتمعات المتخلفة اقتصاديا فالأمر يتطلب أن
تنهض الحكومة بدور تنموي كبير مما يترتب عليه قيامها بأعمال تنفيذية وتعقيد هيكلها
التنظيمي والإداري .
3) توزيع
الثروة والدخل، فإذا كان المجتمع يعاني من الفقر والتخلف وعدم عدالة توزيع الثروة،
وجدت فيه مشاكل عامة تتطلب تدخلا حكوميا يتخذ أشكالا متعددة منها جباية الضرائب من
ذوي الدخول العالية والقيام ببرامج رعاية وتقديم خدمات لذوي الدخول المحدودة أو
الفقراء، وقد يترتب على التفاوت الاقتصادي والطبقي ضغوط متزايدة على الحكومة إذا
عجزت عن علاجها تؤدي إلى قلاقل سياسية وصراع طبقي وعدم استقرار سياسي واجتماعي
فالعمليات
السياسية في الدولة تتأثر بالكيفية التي يتم بها توزيع الدخل والثروة والعمل
وبالتبعية الاقتصادية والفقر
وتؤدي معدلات
توزيع الدخل المتساوي والية التصنيع المتقدمة والثروات والموارد الكافية إلى عدة
مؤشرات أيحابيه على الدولة تساعدها في وضع سياسات عامة أكثر توازن وقدرة على
النجاح، وهذه المؤشرات لا تخلو من أثار اجتماعيه وسياسية . ذلك أن التقدم
الاقتصادي يودي من جملة ما يودي إليه إلى (رفع مستوى الوعي السياسي، حيث أن مساهمة
الجماهير في عملية صنع القرار بأسلوب ديمقراطي يتطلب أن تكون الجماهير على درجة من
الوعي الاجتماعي والدراية السياسية، ولا يمكن الوصول إلى هذا الهدف ألا يرفع
مستواها عن طريق التربية والتعليم وهما يقتضيان توفر مستوى اقتصادي متقدم يهيئ
مؤسسات التربية والتعليم والجامعات، والمراكز الثقافية و دور النشر.. والبلدان
الفقيرة لا تفتقر إلى الكوادر المدربة والمثقفة فحسب، وإنما أيضا إلى المؤسسات
التعليمية والثقافية، القادرة على رفع كفاءة الفرد، وإذا ما أرادت أقامتها وجب
توفير أموال وموارد كثيرة لا تتيسر لها، كذلك المستوى الاقتصادي المتقدم يؤدي أيضا
إلى تحقيق قدر من التلاحم والاندماج.. فالقرارات السياسية التي تتعلق بتسيير
الشؤون العامة تقوم على أساس حد أدنى من الاتفاق بين الجماعات والقوى السياسية
التي تؤلف المجتمع، ولأريب في أن توزيع الثروة يؤثر على بنيه المراتب والطبقات
الاجتماعية، وتبعا لذلك يتوزع النشاط السياسي حسب المراكز التي تتبواها كل مرتبه
في المجتمع، لذلك يؤدي المستوى الاقتصادي المتقدم، إلى تسويه المنازعات السلمية،
فقد دلت دراسات عديدة أجريت في بلدان مختلفة على أن فرص تسوية المنازعات السياسية
بالطرق السلمية تزداد بزيادة الإنتاج الوطني والإجمالي.. إذ أن هناك ترابط
إيجابي بين التطور الاجتماعي والاقتصادي وبين التسوية السلمية للمنازعات
السياسية، لان التطور الاقتصادي يؤدي إلى القضاء على حالة العوز والتقليل من تأثيراتها،
لان قلة الموارد المتوفرة من جهة مع كثرة الحاجات من جهة أخرى، فضلا عن سوء توزيع
الثروة يولد صراعا عنيفا وتوترات شديدة وتناقضات اجتماعيه حادة بين الفئات
المختلفة في المجتمع).
وعلى ضوء طبيعة
واليه توزيع الدخل والثروة والية العمل بين الفئات الاجتماعية المختلفة وقدرة
الدولة في استيعاب مطالب تلك الفئات الاجتماعية اقتصاديا تتباين الدول المتقدمة عن
النامية وعلى ضوء ذلك تتباين أليه سياساتها العامة سواء في التشريع أو التنفيذ .
فمستوى الدخل
القومي، على سبيل المثال، يؤثر على قواعد اللعبة الديمقراطية، فإذا كانت البلاد
غنية فان الحكام لا يصرون على التمسك بمقاعد الحكم، لان انتقال السلطة إلى حكام
آخرين لن يفقدهم مستويات الحياة التي يعيشونها وهم خارج الحكم، أما في البلدان
النامية فان تبؤا مراكز الحكم يعني في نفس الوقت التمتع بمستويات عالية من
الحياة،وفقدانهم السلطة يعني فقدانهم تلك الامتيازات، ولذلك فأنهم يتمسكون بكل
الوسائل الممكنة للاحتفاظ بمراكزهم في السلطة(36)، وهذا ما يساعد
على فهم أسباب الاضطرابات السياسية في العديد من البلدان النامية،كما يساعد
على فهم أسباب سرعة تأثر شعوبها بالحركات السياسية التي تدعو المساواة
ورغم أن
آلية توزيع الدخل بصورة متساوية بارزة في البلدان الصناعية المتقدمة ألا أن ذلك لا
يعني أن هذه المسالة محسومة بشكل متكامل، فبريطانيا وهي واحدة من الدول التي يتوزع
فيها الدخل بشكل اقرب ما يكون إلى المساواة تتعرض باستمرار لاضطرابات حادة بين
الصناعة والعمل حول توزيع الثروة، والدخل، والفرص، وقد تعقدت تلك المشاكل بسبب فشل
الصناعة البريطانية في تسريع عجلة (النمو) وفي الولايات المتحدة تزايدت نسبة عدم
المساواة في الدخل بشكل كبير خلال عقد الثمانينات في القرن الماضي، حيث تراجعت
معدلات الضرائب المفروضة مما جعل الوضع مواتيا أكثر للأغنياء.
وقد أشار( توماس
داي) إلى أهمية الأوضاع الاقتصادية وتأثيرها في السياسات العامة، ذلك من خلال
تأكيده على أن للمؤثرات المتعلقة بالتطور الاقتصادي مثل (معدل دخل الفرد، نسبه
السكان في الحضر، مستوى تشغيل للأيدي العاملة في الصناعة وغيرها) تأثيرا مباشرا
على نمط السياسات العامة وموضوعاتها المتمثلة بالتعليم والرفاهية والطرق السريعة
والضرائب والتدخل في الاقتصاد.
رابعا / البنى
الاجتماعية :
للعوامل
الاجتماعية أهميه كبيرة في تحديد شكل المجتمع وشخصيته من ناحية، ونظام حكمه
وأدارته وسياساته العامة من ناحية أخرى، فهناك إجماع على أن نظام الحكم والسياسة
والإدارة هي انعكاس لأوضاع وقيم وعادات وتقاليد اجتماعيه مميزة لمجتمعاتها .. وهذه
العلاقات والأوضاع لها تأثير على السياسات العامة التي هي مخرج ونتاج عمل نظم
الحكم والسياسة والإدارة ووسيلتها لعلاج مشكلات المجتمع وتوفير مطالبه
والحديث عن
تأثير البنى الاجتماعية في السياسات العامة سواء في إطار التشريع أو التنفيذ أو
الرقابة يرتبط بطبيعة السكان ودرجة تجانسهم الثقافي والاجتماعي، ومتوسط الأعمار
وعدد الذكور وطبيعة التكوينات الاجتماعية الطبقية والأهمية التي يوليها لها النظام
السياسي في تقرير سياساته العامة .
فالسكان يعتبرون
عنصرا تكوينيا من عناصر الدولة، فهم يعمرون إقليمها ويحرسون حدودها، وتستهدفهم
قراراتها السيادية، وهم على وجه الأجمال من أهم مصادر قوتها .
وتأثير السكان
قائم على الجوانب العددية من حيث متوسط الأعمار ومعدلات الذكور إلى الإناث،
والجوانب النوعية من حيث طبيعة العلاقات القائمة فيما بينهم ودرجة تجانسهم الثقافي
والتركيبة الطبقية وتوزيعاتها، وهذه الجوانب كلها هي التي تمثل البنى الاجتماعية
للدولة .
فبالنسبة
للتركيبة العددية والعمرية، فله دور بارز في المجتمع من حيث قوة وفاعليته المجتمع،
ودوره في النمو الاقتصادي ويتراوح متوسط الأعمار بين (15-65) سنه، فكلما
ازداد عدد أفراد المجتمع ضمن هذا المتوسط كلما ازداد حجم الإنتاج والعمل،
أما إذا كان عدد الأفراد دون سنه الخامسة عشرة كبيرا قياسا إلى مجموع السكان فان ذلك
يؤثر في ضعف المجتمع، وهذا ينعكس في الجانب السياسي من حيث أن زيادة نسبة الشباب
داخل المجتمع إلى سلوك سياسي من الطابع نفسه، فيكون سلوك المجتمع قائم على التغير
بسبب نزعة التغيير لدى الشباب، ولذلك فان دور النظام السياسي هنا تفترض اتخاذ
سياسات عامة تأخذ بعين الاعتبار الفئات العمرية الشابة، وتلبي متطلباتهم، لان أي
إهمال لدورهم ومطالبهم قد ينعكس سلبا على النظام السياسي فتكون ردود الأفعال على
سياسات النظام السياسي سلبية تأخذ حالة العنف ورفض الوضع القائم، ولعل هذا الأمر
يظهر بشكل مباشر في طبيعة التنظيم الحزبي أو الحركات السياسية ذات الطابع الثوري
(فالدول ذات التوزيع العمري الأصغر،، وهي عادة الدول النامية،، تتسم بارتفاع
معدلات البطالة وتزايد معدلات الحرمان النسبي وعدم الرضا، وعدم الاستقرار، وتكون
تلك الدول أكثر استعدادا لظهور السياسات القومية والحركات الوطنية، ويلعب عنصر صغر
السن دورا في تصعيد التفاعلات الصراعية لاسيما من جانب الجماعات التي تمارس ضدها
سياسات التمييز والتفرقة).
أما من ناحية
النوع، فالمجتمعات اغلبها تتألف من شرائح وفئات مختلفة ترتبط بمنظومة معقدة وفاعلة
من المصالح والأهداف والالتزامات والمسؤليات التي تتباين درجة انسجامها وتناقضها،
فتلعب نوعية العلاقات الاجتماعية والروابط والقيم ودرجة التجانس الثقافي والطبقي
دور هام ومؤشر في السياسات العامة للدولة فهذه الأبعاد تمثل أسس هامة للوحدة
الوطنية، لذلك فان المجتمعات الديمقراطية وهي المجتمعات التي تعيش حالة الانسجام
والتجانس الاجتماعي.. المواطنون فيها يتجاوزون حدود انتماءاتهم وعشائرهم إلى بناء
مجتمع الدولة الذي ينتمون إليه ويرفعون له مشاعر الولاء، فتكون الديمقراطية هنا هي
أساس الوحدة الوطنية.. وهنا فان المجتمعات التي تتنوع تكويناتها الاجتماعية تقتضي
ديمقراطية ناضجة يمكنها أن تعنى بالتعدد الثقافي وما يقترن به من تنوعات اجتماعية
وفكرية(44)، وأما المجتمعات التي تعيش حالة من عدم التجانس والصراع
الاجتماعي واختلال العلاقة بين فئات المجتمع والنظام السياسي مما يعني ضعف الوحدة
الوطنية، تؤشر هذه الأمور في الغالب، إلى إن السياسات العامة للدولة ستكون موجهة
غالبا نحو بناء الوحدة الوطنية وإيلاءها أهميه تفوق أهميه السياسات الأخرى، ومن
جهة أخرى تؤشر أن السياسات العامة للنظام السياسي قد تكون سببا في تدهور العلاقة
مع المجتمع وإعاقة بناء الوحدة الوطنية.
ويبرز ذلك بشكل
واضح في الدول النامية، فلم تستطيع غالبية تلك الدول تحقيق الوحدة الوطنية
وبناء قيم عامة مشتركة لعموم المجتمع وضم الانتماءات والولاءات
المحلية كافة في ظل ولاء وطني اكبر، فليس لهذه البلدان (حد أدنى من الاتفاق على
الأهداف العامة أو الجماعية، وليس هناك مؤسسات فاعلة، ولا مبادئ أو قيم يتبناها كل
أفراد المجتمع، وإنما هناك جماعات ذات أصول مختلفة وتحتفظ كل جماعة بدينها ولغتها
وقيمها، وأساليب حياتها الخاصة، والعلاقات بين الجماعات على هذه الشاكلة ليست
علاقات تفاعل، وإنما علاقات تماس فحسب)(45) ففي الوطن العربي على سبيل
المثال لم تستطع اغلب الدول فيه أن تبدد الانتماءات العشائرية أو أن تكمل بينها
عبر نقلة ديمقراطية حقيقية وبقيت في كثير من بقاع الوطن العربي دول عشائرية أو
طائفية تستمد نسق وجودها من التكوينات الصغرى القائمة في المجتمع، وتعتمدها في
الهيمنة على السلطة والمجتمع.
أما في البلدان
المتقدمة فان حالة التعدد الاجتماعي تعطي لها دعم وتماسك وبالتالي فان درجة
التجانس الثقافي فيها مرتفعة (فقد وصلت تلك البلدان إلى درجة عالية من التلاحم
والاندماج بين عناصرها حيث تبدو الأقلية الاثنية بمثابة جماعة فرعية، بمعنى أنها
جزء من الجماعة الوطنية الأكبر التي تنبثق عنها المؤسسات الكبرى، ولاسيما المؤسسات
السياسية وعلى رأسها الدولة والنظام السياسي، ولا ريب أن هذه المؤسسات هي التي
تقود عموم المجتمع في حركته العامة وانتقالاته النوعية والتاريخية في مجال النمو
التقدم، ذلك أن هذه المؤسسات تمثل لصيغ التنظيمية لكل ما هو مشترك بين أفراد
الجماعات الوطنية الشاملة، ويلاحظ ذلك بوجه خاص من خلال القوانين التي تنشئها
أولا، ثم عبر القواعد التي تسيرها ثانيا، وعبر ذلك ومن خلاله تبين بواعث وجود هذه
المؤسسات والأهداف التي ترمي إلى تحقيقها) .
وهذا يعني أن
السياسات العامة في البلدان المتقدمة بعدما وصلت إلى مرحلة بناء وترسيخ الوحدة
الوطنية انتقلت إلى مرحلة أخرى من مراحل تحقيق المتطلبات المجتمعية، ويعني أيضا أن
سياسات إشراك المواطنين في السياسة والضمانات الدستورية والنوعية والتنشئة على قيم
عامة مشتركة مثلت سياسات ناجحة ومثمرة في تحقيق الوحدة الوطنية .
وبالانتقال إلى
البلدان النامية فان على نظمها السياسية القيام بسياسات عامة تهدف إلى تعزيز
الوحدة الوطنية، ولعل من أهم تلك السياسات:
1) إشراك
الجماهير في مسؤولية الحكم، فجوهر مشكلة تحقيق الوحدة الوطنية يكمن في وجوب أن
تكتسب الجماهير لا الحكومات وحدها، الشعور بالمسؤولية في إدارة الشؤون العامة،
سواء في مجال العمل السياسي أو في عملية التنمية والتطوير الاجتماعي والاقتصادي.
2) تحسين
ظروف الحياة الاقتصادية للمواطنين وإزالة العقبات والحواجز بين الريف والمدينة
والقضاء على عقبات التباعد الجغرافي من خلال تحسين وسائل الاتصال والمواصلات بين
الريف والمدينة وإيصال الحركة الإنتاجية لأرجاء الإقليم كافة.
3) إقامة
أحزاب سياسية على صعيد قومي، والتي تدخل فعلا في عملية التحول الاجتماعي والثقافي
والسياسي، إذ أن الأحزاب الوطنية لا تجلب أفكارا وقيما جديدة إلى المناطق النائية
فحسب، وإنما تنتظم أفراد ذوي تحسس نسبي أو وعي سياسي نوعا ما في الوحدات الإنتاجية
الصغيرة العشائرية والطائفية والإقليمية . والواقع أن نجاح هذه العملية موكول
بنجاح التنمية والتطوير في تلك المناطق وبمدى شعور هؤلاء الأفراد بإمكانية
الاستفادة من الأحوال الجديدة .
4) التوعية والإعلام، ذلك من خلال وسائل
التنشئة الاجتماعية السياسية التي تعزز الروابط والصلات بين أبناء المجتمع من جهة
وبينهم وبين النظام السياسي من جهة أخرى .
5) الضمانات الدستورية . فتحقيق الوحدة
الوطنية لا يعني بالضرورة صهر المجاميع السكانية في وحدة بحيث تغلب مجموعة على
أخرى مهما كانت طبيعة هذه المجاميع ومهما كانت الوسيلة المستعملة في ذلك، وإنما
المقصود بذلك هو التقريب بين هذه الوحدات ووضعها في إطار وطني عام وتعزيز الشعور
الوطني لدى أفرادها بانتماءاتهم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا إلى الدولة القائمة،
لذلك يجب أن لا يفرط بحقوق ومصالح مجموعة اثنية أو إقليمية لحساب الأغلبية، وإلا
فان طغيان مصلحة فئة على فئات أخرى لن يؤدي ألا إلى التمرد على السلطات القائمة
وتفكيك الوحدة الوطنية .
وتمثل تلك الأمور الأسس الديمقراطية الحقيقية
لقيام وتعزيز الوحدة الوطنية للمجتمع وبالتالي فان غياب الديمقراطية يقوي من تأثير
البنى الطائفية والعشائرية.. فالديمقراطية يمكنها أن تؤسس لدولة عصرية تضمن لجميع
إفرادها الحق في الوطن والمواطنة على حد السواء وهذا بدوره يشكل المنطلق المنهجي
لتغييب مختلف أشكال الولاءات الطائفية والعشائرية الضيقة في المجتمع .
نخلص من ذلك أن للبنى الاجتماعية دور هام في
تقرير السياسات العامة للدولة وهو الأمر الذي يؤدي إلى أن تكون طبيعة تلك البنى
قائمة على قدر من التجانس والانسجام وتكون علاقتهما مع النظام السياسي متوافقة
وهذا يعني أن السياسات العامة موجهة لخدمة وتحقيق متطلبات المجتمع وللتقريب بين
الفئات الاجتماعية المختلفة ولتحقيق حالة التوازن داخل المجتمع، أما العكس فانه
يؤدي إلى تأثيرات سلبية لتلك البنى على النظام السياسي تعرقل من سير العملية
السياسية والتنموية وهو ما يعني بالمحصلة فشل السياسة العامة وعملية نجاح أو
فشل السياسات العامة للدولة تتوقف بدرجة كبيرة على قدرة النظام السياسي في أداء
مهام ووظائف السياسة العامة على نحو صحيح ومتوازن على كافة فئات المجتمع، وتتعلق
تلك الوظائف في السياسات الاستخراجية، الضريبية، والسياسات التوزيعية أي
عدالة والية التوزيع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والسياسات
التنظيمية أي عملية ضبط وتنظيم الحركة داخل المجتمع أفقيا وعموديا، ويقصد بذلك
الحركة والتفاعل بين فئات المجتمع المختلفة وبينها وبين النظام السياسي، والسياسات
الرمزية وهو ما يتعلق بالشعارات والرموز التي يطرحها النظام السياسي وإمكانية
تحقيقها .
وعملية التوازن في تحقيق تلك السياسات يرتبط
بآلية ودور المؤسسات والبنى الرسمية وغير الرسمية في صياغة السياسة العامة وهذا
يفرز طابع التباين بين النظم السياسية الديمقراطية والنظم السياسية الشمولية في
صياغة وتنفيذ السياسات العامة .
الخاتمة
من خلال دراسة دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية
في السياسات العامة في مجالات الرسم والتنفيذ والتقييم، يبرز تباين أداء كل مؤسسة
من تلك المؤسسات في صنع السياسات العامة في البلدان النامية والمتقدمة، وتباين قوة
وفاعلية كل منها، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي
والسياسي والتطور التاريخي لتلك المؤسسات ودرجة علاقتها مع بعضها ودرجة علاقتها
ككل مع المجتمع .
ففيما يتعلق بدور المؤسسات الرسمية فترسخ
المؤسسات واستقراريتها وإمكانيتها في ممارسة نشاطها وقدرتها على نقل متطلبات
المجتمع إلى حيز التطبيق يؤدي إلى أن تكون مخرجات السياسات العامة أكثر ديمقراطية
وأكثر شمولية لمتطلبات المجتمع وبالتالي تكون السياسة العامة سائر في إطار
ديمقراطي سليم.
ومن خلال ذلك يبرز التباين بين الأنظمة السياسية
في الدول المتقدمة والأنظمة السياسية في الدول النامية، فبقدر ما تكون الأولى
قائمة على ترسخ المؤسسات واستقرارها واستقلاليتها النسبية وتوازنها في تحقيق
متطلبات المجتمع، تكون البلدان النامية معبرة عن حالة هيمنة المؤسسات التنفيذية
وضعف المؤسسات التمثيلية المتمثلة بالسلطة التشريعية أو المجالس النيابية، وانعدام
وضعف الحلقات الوسيطة بين النظام السياسي والمجتمع المتمثلة بوجود مؤسسات
المجتمع المدني، وبالتالي فان السياسات العامة للبلدان النامية تكون معبرة في
الغالب عن طبيعة العلاقة القائمة بين مؤسسات النظام السياسي الرسمية وغير الرسمية
هذا يؤدي إلى أن تكون السياسات العامة لغالبية تلك البلدان عاجزة عن تلبية جميع
أهداف المجتمع أو إنها سياسات لا تتميز بطابع الاستمرارية والثبات النسبي نظرا
لعدم الاستقرار السياسي وضعف الاستجابة للمطالب المجتمعية ولأن كثير من أهداف
المجتمع لم تتحقق بعد فآلية الأداء التوزيعي وكيفية استخلاص الموارد البشرية
والمادية وآلية التوزيع الاقتصادي المتمثلة بالدخل وفرص العمل الاقتصادي والتوزيع
الاجتماعي المتمثلة بالعلاقات الاجتماعية ومراكز النفوذ الاجتماعي،والتوزيع
السياسي المتمثل بالمشاركة السياسية وتوزيع المناصب والنفوذ السياسي، إضافة إلى
آلية ضبط وتنظيم العلاقة بين فئات المجتمع المختلفة وتلك الفئات مع النظام السياسي
بالإضافة إلى صيغ الخطاب والشعارات وآلية طرح الأفكار والمبادئ،لا تسير كل تلك
الأمور في الدول النامية على نحو متوازي وغالبا ما تعبر عن حالة القطيعة والتنافر
بين فئات المجتمع والنظام السياسي وبالتالي فأن السياسات العامة تكون انعكاس
لطبيعة تلك العلاقة وهو غالبا ما يكون على عكس آلية العمل السياسي وأداء الأنظمة
السياسية في الدول المتقدمة، الأمر الذي يتطلب بالضرورة العمل على أن تكون
السياسات العامة قائمة على تمثيل مصالح المجتمع المختلفة ولتحقيق قدر من التوازن
وحد أدنى من الاتفاق بين مؤسسات النظام السياسي والمجتمع واستقلالية كل مؤسسة
نسبيا وفاعليتها وقدرتها في تمرير وتحويل مطالب المجتمع إلى سياسات قابلة للتطبيق
من اجل ان تكون السياسات العامة قائمة على ديمقراطية التشريع والتنفيذ وتمثل
الغالبية العظمى للمجتمع،عند ذاك تكون السياسات العامة أكثر قدرة على الثبات
والاستمرارية وهو
ما ينعكس بدوره على استقرار العلاقة مع المجتمع والذي يعني تحقيق حالة الاستقرار
المجتمعي الذي ينصب بالمحصلة في تحقيق متطلبات التنمية الشاملة والوحدة الوطنية .
أما بالنسبة لدور المؤسسات غير الرسمية أن دورها
من حيث علاقتها بالنظام السياسي وتأثيرها في عملية صنع السياسة العامة في الدول
المتقدمة والنامية يبرز حالة التباين في التأثير من حيث قوة أو ضعف التأثير
والتغيير أو الاستمرار على سياسة عامة معينة تحقق مصالح ومطالب تلك المؤسسات، أو
من حيث ايجابية أو سلبية التأثير في عملية صنع السياسة العامة.. فبقدر ما تبرز تلك
المؤسسات حالة التوازن والقدرة على حمل مطالبها وأهدافها إلى مؤسسات النظام
السياسي الرسمية وترغمها في أحيان عدة على اتخاذ قرارات وسياسات عامة تتماشى مع
مصالحها كما هو الحال في الدول المتقدمة، بقدر ما تبرز حالة الضعف والسلبية وهشاشة
البنيان الفكري والتنظيمي للمؤسسات غير الرسمية في الدول النامية وهامشية دورها في
العملية السياسية .
فالمؤسسات غير الرسمية في الدول النامية من
جماعات ضغط وأحزاب سياسية وغيرها.. عاجزة عن القيام بوظائفها في توصيل وتمرير
مطالب القوى التي تمثلها، كما أنها معزولة تماما عن العملية السياسية، فعلى الرغم
من أنها تبدو من ناحية رسمية ممثلة لمصالح معينة لكنها من الناحية الواقعية ليست
سوى أدوات للحكونة أو الحزب الحاكم، ولا تتمتع إلا بدور هامشي في رفع وتوصيل
المطالب الشعبية لأنها مكرسة أصلا لكسب التأييد للنخب الحاكمة وممارسة عملية
التعبئة لصالحها، مما يدلل على كونها عديمة الفاعلية وضعيفة التأثير كقنوات اتصال
مع جهاز صنع واتخاذ القرارات السياسية(50) .
كذلك فان الأمر لا يقف عند حد جماعات الضغط
والأحزاب السياسية ودورها الضعيف في التأثير على سير عمل الحكومة وتحقيق مصالح
وأهداف الجهات التي تمثلها قياسا بما هو حاصل بالنسبة لدور الجماعات والأحزاب
السياسية في الدول المتقدمة، وإنما هناك أيضا طبيعة الوضع الاقتصادي والاجتماعي
والانتماءات الاجتماعية المتعددة والتشكيلات الطبقية وآلية توزيع الدخل وحالة
التوازن أو عدم التوازن بين الأغنياء والفقراء وتأثيرات مشاكل سوء توزيع الدخل
والفقر وعدم التجانس والصراع الاجتماعي في العملية السياسية وتحقيق أجواء
الديمقراطية وبناء وترسيخ الوحدة الوطنية.. وهنا يبرز ليس حالة ضعف الانتماء والولاء
للهوية الوطنية فحسب، وإنما أيضا سلبية دور التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية بسبب
حالة الصراع والقطيعة مع النظام السياسي وعدم قدرة الأخير على بلورة مصالح فئات
وقطاعات المجتمع المختلفة والعمل على تحقيق حالة التوازن بينها وعدم تجاوز أو
إلغاء الهويات الفرعية وإنما العمل على احتواء تلك الهويات في إطار الهوية الوطنية
الكبرى..لأن تحقيق مثل تلك الأمور التي ترتبط بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعاشية
وتوفير أجواء الديمقراطية والمشاركة السياسية على نحو متوازن وفاعل وغير شكلي يؤدي
إلى أن تكون السياسة العامة اقرب إلى النجاح في تحقيق أهدافها وهنا تتضح ايجابية
دور المؤسسات غير الرسمية في عملية صنع السياسة العامة .