| |||||
الشائع لدى القيادات “الإسرائيلية” أن العرب لا يقرأون، وإن قرأوا لا يدققون ولا يستفيدون من العبر . ربما يصح ذلك في بعض المواقع والظروف . لكن ما تكشّف من وثائق “إسرائيلية” عن حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 يدعونا نحن العرب للتفكر والتدبر في بعض الأمور، ليس خوفاً من تأكيد المؤكد، بل أخذ العبر قبل فوات الأوان .
في أدبياتنا السياسية عن الهزائم والانتصارات في معاركنا مع “إسرائيل” الكثير من المفردات والمصطلحات البراقة والقليل من العبر، إذا وجدت . تغنينا بانتصار أكتوبر (حرب تشرين) وفي الواقع كان الأمر يستحق ذلك حتى قبيل وقف إطلاق النار، لكن انقلاب الأمور رأساً على عقب لم يوقظ العرب إلا بعد فوات الأوان . تمكنت “إسرائيل” بعد وقت قليل من استيعاب الصدمة وتحويل الهزيمة إلى نصر سياسي موصوف، سحبت مصر من دائرة الصراع عبر كامب ديفيد، وجلبت جميع العرب إلى مفاوضات السلام الموعود .
اليوم، وبعد أربعين عاماً ثمة قراءة “إسرائيلية” لما جرى في الساعات الأولى للمعركة وما تبعها، أخرجت وثائق عسكرية واستخباراتية ذات دلالات خاصة، في الشكل تظهر القيادة العسكرية وعلى رأسها وزير الدفاع آنذاك موشى دايان المحرّض الأول على استعمال السلاح النووي ضد العرب ووقف وراءه قيادة الأركان، في وقت كانت القيادة السياسية بشخص رئيسة الوزراء غولدا مائير معارضة مع بعض التردد . ماذا يعني ذلك؟
في الواقع ثمة مبدأ أساسي حرصت “إسرائيل” على التعامل به مع العرب وغيرهم، خاصة الملف النووي، وهو سياسية الغموض . فهي لم تنكر امتلاكها هذا السلاح ولم تنف ذلك، وبين التأكيد والنفي ظل العرب يقدّرون ويعدّون هذا السلاح، ولم يفكروا يوماً في معادلة استراتيجية لمواجهته، إما بالمثل أو إيجاد بدائل ممكنة التحقق .
اليوم، تعلن “إسرائيل” صراحة ومن دون أي لبس، ليس امتلاكها السلاح النووي فقط، بل كيفية عرض العضلات السياسية والعسكرية لاستعماله لدى وجود أي تهديد وجودي أو كياني . وبصرف النظر عن وصول هذا التهديد في العام 1973 لهذا المستوى أم لا، فمجرد التفكير فيه من قبل القيادة العسكرية السياسية فهو أمر موضوع على الطاولة، وحاضر للاستعمال، بصرف النظر أيضاً عمن يدعم أو يعارض، فالمسألة في استعماله مرتبطة بمستوى التهديد، وليس في أصل استعماله من عدمه .
ما يمكن استخلاصه من الوثائق “الإسرائيلية” العديد من الأمور، أولاً تخلي “إسرائيل” عن سياسة الغموض في برنامجها النووي . وثانياً أن “إسرائيل” لم، ولن تتردد في استعماله وهو أمر واضح ومعروف . وثالثاً هي رسالة واضحة الأبعاد والمعالم والتداعيات في زمن التحولات العربية وما أصاب بعض البلدان من إجبار على التخلي عن برامجها التسلحية غير التقليدية . ومحاولة حث العرب على التفكّر والتدبّر لما وصلوا إليه لحثهم أيضاً على المزيد من التنازلات المجانية .
وإن لم نكن في موقع أو موضع القادر على فرض الشروط أو اجتراح الحلول، هناك فرصة عربية يمكن الاستفادة منها وهي السعي إلى استثمار هذا الاعتراف وتحويله إلى مضبطة اتهام بحق “إسرائيل” . فالاعتراف “الإسرائيلي” الرسمي يمكن المضي به إلى نهاياته عبر المؤسسات الدولية ذات الصلة كالوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى بيئة المعاهدات الدولية ذات الصلة بمنع انتشار واستخدام السلاح غير التقليدي .
لقد غالت انظمتنا العربية كثيراً وتفننت بابتداع شعارات المواجهة مع “إسرائيل”، واستعانت بحجة ذلك على قمع شعوبها، وفي النهاية خسرت تأييد شعوبها ووقفت عاجزة عن مواجهة “إسرائيل”، بل أجهضت مشاريعها منذ البداية كنموذج العراق وسوريا، وتوِّجت بتدمير هذه الأنظمة تمهيداً لتفتيت شعوبها .
اليوم، أكدت “إسرائيل” المؤكد، في وقت بدأنا قراءة وثائق عمرها من عمر انتصار لم يكتمل، فهل بلغنا سن الرشد والفهم لما نقرأ أو نسمع؟ يبدو أن العرب مصّرون على ما هم فيه!
| |||||
21/10/2013
قراءة متأخرة في وثائق "إسرائيلية"
التسميات:
الصراع العربي الاسرائيلي,
قضايا عربية