الألغام عدوان مستمر على البشر والحجر
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية
والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج
الاماراتية ( الملحق السياسي) بتاريخ
10/4/2014
نظرا لإدراك المجتمع الدولي بخطورة الالغام وآثارها
، بخاصة في المناطق الساخنة من العالم ،وفي
بؤر الصراعات الدداخلية، أقرّت الامم المتحدة بموجب قرار الجمعية العامة الرقم rev.1/L.7 / 60/ c.4/ A الصادر بتاريخ
8/11/2005 ، اعتماد الرابع من نيسان من كل
عام، يوما عالميا للألغام . وقد جرت في مختلف دول العالم منذ ذلك التاريخ فعاليات للتأكيد
على خطورة الالغام ، وتمَّ عرض نشاطات وحملات توعية في هذا الصدد ، وعلى الرغم من
ذلك، فما تحقق في مختلف المناطق الواقعة تحت رحمة الموت المفاجئ ، لا يتناسب مطلقا
مع حجم الكارثة الانسانية التي سببتها مخلفات الحروب من حقول الالغام ، التي لم
يتم تطهيرها ، إلا بنسب ضئيلة جدا ؛ باعتبار ان هذه القضية ،تحتاج الى جهد دولي فني
ومالي مشترك للتخلص منها خلال سنوات طويلة.
ارقام
مرعبة
تؤكد التقارير الصادرة عن الامم المتحدة ، والفرق
الدولية المتخصصة في نزعها، ان ثمة ارقام فلكية مرعبة تتصل بالألغام والكوارث
الانسانية والمادية التي تتسبب بها. فثمة اكثر من 120 مليون
لغم مزروع في أراضى 71 دولة في العالم . وتعتبر
اكثر من خمس عشرة دولة مشلولة بسبب وجود آفة الألغام فيها ، ومنها ما يزيد عدد الألغام
فيها على العشرة ملايين .وهناك ما معدله لغم واحد لكل ستة عشر طفلاً ،أي لغم
واحد لكل 48 فرداً من سكان العالم .
كما تقتل الألغام حوالى 800 شخصاً وتجرح حوالي
1200 شهريا، في أماكن شتى من العالم ، أي ما معدله 2000 إصابة
في الشهر ، أي إصابة واحدة كل 20 دقيقة .كما أن ما يفوق الثلث من
مصابي الألغام ، يتم بتر أحد أطرافهم على الأقل.
والمفارقة المخيفة الأخرى ، إن عدد
الضحايا التي سقطت خلال الستين سنة الماضية، بسبب الألغام يفوق عدد ضحايا
الأسلحة النووية والكيميائية مجتمعة. كما ان في مقابل حوالى 100 ألف لغم يتم نزعها ،
يتم زرع مليوني لغم سنوياً ، أي ما معدله
زرع 20 لغما جديدا في مقابل نزع كل لغم واحد ، ويقدر خبراء نزع الالغام ، أنه في الظروف الحالية
، تتطلب عملية إزالة الألغام من العالم
بشكل نهائي ، حوالي مئة عام ، شرط عدم زرع أي لغم جديد.
واللافت ، ان كلفة
إنتاج لغم مضاد للأفراد تتراوح بين 3 و30 دولارا أميركيا ، بينما تتراوح
كلفة تعطيل ، او نزع اللغم الواحد بين 300 و 1000دولار أميركيا. كما انه
في مقابل نزع 5000 لغم ، يقتل واحد من العاملين على
نزعها ، ويصاب اثنان آخران
يشار
في هذا المجال ، الى ان البلدان التي تشهد صراعات داخلية او خارجية ، تتواجد في أرضها
الكميات الأكبر من الألغام ، نسبة إلى مساحتها ومنها : فيتنام ، وكمبوديا
، وكرواتيا، وبوسنيا ، وأفغانستان ،وأثيوبيا، وانغولا، وموزامبيق ، ورواندا والصومال،
والسودان ،وزمبابواي ،والعراق ، والكويت ، وسوريا ولبنان . وبذلك يمكن القول، ان مشكلة
الألغام في العالم وصلت الى مرحلة دقيقة جدا ،
بسبب استمرار وتزايد عدد الألغام المزروعة ،وصعوبة وكلفة عمليات
إزالتها ، والفترة الطويلة المطلوبة لتنظيف البقع الملغومة والعدد الكبير
والمتزايد للإصابات الناجمة عنها.
اسرائيل تزرع
الموت في لبنان
اضافة
الى حوالى مئتا الف لغم زرعت في الاراضي اللبنانية ابان الحرب الاهلية، غطت
اسرائيل قبيل انتهاء العمليات العسكرية بساعات بعد عدوانها على لبنان العام 2006،
نحو 37 مليون مترا مربعا ، وزاد عددها الأربعة ملايين قنبلة عنقودية. أما الإصابات
فقد فاقت المئات، وهو ما يعتبر حرباً واحتلالا مستمرين ،عبر الحرب العنقودية .إذ تنتشر
عشوائياً بين المنازل والمدارس والحقول الزراعية وغيرها.
والقنابل العنقودية ، هي أسلحة مثيرة للجدل
تتكون من عبوة تنكسر لينطلق منها عدد كبير من القنابل الصغيرة في الهواء ، يتم
توظيفها للهجوم على أهداف مختلفة مثل المدرعات والعربات والأشخاص. وهي تحدث عند
انفجارها أضراراً وإصابات في مساحات كبيرة. كما ان فعاليتها غير محدودة، فقد تطمر
عشرات السنين ويمكن أن تنقل من مكان الى آخر ، بسبب العوامل الطبيعية وحسب الظروف
المناخية ، وبالتالي يصبح من الصعب جداً إزالتها أو تحديد مكانها. إلا ان ثمة بعض
الجهات المانحة التي ساعدت لبنان في فترة الحرب وما بعدها ، ومن ضمنها مساعدات
تتعلق بالتوعية من مخاطر الألغام، وكذلك عملية إزالتها ، ويأتي في طليعتها دولة الإمارات
العربية المتحدة التي قدّمت دعما ماديا ولوجستيا كبيرين في هذا المجال، شملت المشاركة في تنظيف
185 بلدة وقرية غطتها قنابل الموت العنقودية.
ومن
الأنواع التي استعملتها اسرائيل (M42) و(M46) التي
تُطلق بواسطة قذائف المدفعية ،وكل قذيفة تحمل 88 قنبلة عنقودية يمكن أن تلوث مساحة
تصل الى حوالى 22 ألف متر مربع. كما أطلقت قذائف صاروخية من نوع
(M26) تحمل كل واحدة منها 422
قنبلة عنقودية من نوع (M77). وهناك أيضاً قذائف صاروخية من نوع (M268) التي تحمل 518 قنبلة عنقودية من نوع.
(M85).ويؤكد تقرير المكتب الوطني لنزع الألغام في
لبنان، أن هذه الأنواع تعتبر ازدواجية الاستعمال، أي أنها مضادة للأشخاص والآليات، ما زاد من
خطورة إزالتها في ظل عدم وجود خرائط لحقول
الألغام أو القنابل العنقودية التي قصفت عشوائياً. بالإضافة الى العوامل الطبيعية
كالرياح والأمطار.
الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية
إن الإصابات الناجمة عن
انفجار الألغام والمقذوفات بأنواعها ، تسبب موت أو جرح الأشخاص وإحداث تشوهات
خلقية ،والتي بدورها تؤدي إلى خلق آثار نفسية مدمّرة على الفرد والأسرة والمجتمع .
إذ يتحوّل الأشخاص المصابون بالعاهات والمعوقين والمشوهين، إلى أشخاص غير قادرين
على العمل وعاجزين عن السير والحركة. وتشير تقارير الأمم المتحدة أن 80% من
المصابين بعد عودة الحياة الطبيعية هم من الأطفال والعمال والفلاحين.
كما إن الألغام والمقذوفات غير المنفجرة ، تعتبر
من ابرز العوامل التي تعيق خطط التنمية الصناعية والاقتصادية والعمرانية والسياحية
، وعمليات استثمار الأراضي الزراعية واستصلاحها ، كما تشكل عائقاً كبيراً أمام
التطور والتوسّع العمراني والسكاني ، وإقامة المشاريع الخدماتية والمنشآت المدنية
المختلفة. إضافة إلى الخسائر المادية والمعنوية التي تهدد البنية التحتية ، هناك
الكثير من الطرق والمحاور الداخلية والخارجية قطعت بسبب حقول الألغام ما أدى إلى
إعاقة عمليات التنقل والتبادل التجاري والاقتصادي، وحدت من حركة النقل البري ، خاصة
في المناطق القريبة من المراكز الرئيسة للصناعة والزراعة. ومن الواضح أن عمليات
تطهير الألغام والمقذوفات غير المنفجرة تكلف مبالغ باهظة، ما تشكل عبئاً كبيراً
على الاقتصاد الوطني.
علاوة على ذلك ، ان ما استعمل في بعض المناطق،تعدى المعقول والمسموح به
قانونا في الحروب ، فقد استعملت اسرائيل قنابل ومقذوفات اليورانيوم المنضب ، ما
لوّث البيئة ،وأثر بشكل مباشر على التربة ومصادر المياه الجوفية في بعض المناطق
اللبنانية.
المواجهة القانونية
تعتبر اتفاقية اوتاوا لعام 1977، من ابرز الاتفاقيات
الدولية ذات الصلة بالألغام ، والتي اصبحت سارية المفعول اعتبارا من اول آذار / مارس 1999، كرد فعل دولي على مخاطر الالغام
الارضية ضد الاشخاص.وتتضمن هذه الاتفاقية الاسس التالية :
1.ان الغاية من حظر الالغام المضادة للأفراد ، هي وقف
الاذى الذي يصيب البشر، لأنها غالبا ما تلحق الضرر بالمدنيين اكثر من العسكريين ،وإذا
اصابت الفرد ، فهي اما ان تقتله او تلحق به ضررا جسديا خطيرا ، وهذه الالغام
تستعمل بكثرة لرخص ثمنها وسهولة استعمالها وهنا مكمن الخطر .
2. يجب على كافة الدول المنضمة للمعاهدة ، الامتناع عن
استعمال الالغام الارضية وتخزينها وإنتاجها او نقلها ، وواجب تدميرها والتخلص منها
خلال اربع سنوات بالنسبة للألغام المخزّنة ، وعشر سنوات للألغام المدفونة ، لذلك على
الدول الاطراف في المعاهدة، الاجتماع وتحضير
خرائط الالغام للعمل على تطهير الاراضي المزروعة فيها.
3. إن الالغام المقصودة في هذه الاتفاقية ،هي التي توضع
على الارض لتنفجر ضد الفرد ، ولهذا لا تشمل هذه الاتفاقية الالغام المضادة
للدبابات او العجلات ، لأنها محكومة باتفاقية اخرى وبالقواعد العامة للقانون الدولي
الانساني .
4. على الدول التي تنضم للمعاهدة ، توفير الامكانات
الفنية لإزالة الالغام ومساعدة ضحاياها ،وإعادة تأهيلهم جسديا ونفسيا وعقليا ، سواءً
من الدول او من الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية والدولية .
5.تتولى الدول الاعضاء في المعاهدة ، رفع التقارير
السنوية الى الامين العام للأمم المتحدة ، تحيطه علما عن الالغام المزروعة ضد
الافراد وحقولها وكذلك المخزونة منها ، وفي حال التقصير ، يتولى الامين العام للأمم المتحدة دعوة الدول
للاجتماع والتداول بشأن الالتزامات وفقا للمعاهدة.
آمال معلقة
لقد صحا
المجتمع الدولي متأخرا لحل قضية الموت غدرا، فأطلق بيئة قانونية للمعالجة ، لكنها
غير كافية ، في ظل تفنن بعض الدول بالتهرّب منها، كما ان هذه البيئة القانونية لم
تكن رادعة بما فيه الكفاية لتجبر بعض الدول عن ممارسة وحشيتها ضد البشرية والقيم
الانسانية ، اضافة الى ذلك ، ثمة أكلاف
فلكية لإصلاح القليل القليل من آثار الموت الغادر، فهل ستعمد الدول المصنعة لهذه
الالغام عن التوقف في تصنيعها، او على الأقل عدم اثارة الحروب لتسويقها ، انه امر
مشكوك فيه في ظل امتناع الولايات المتخدة حتى الآن عن التوقيع على معاهدة اوتوا!.