لبنان
إلى فخامة الفراغ
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 24/4/2014
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 24/4/2014
في سابقة هي الاولى في تاريخ الانتخابات
الرئاسية اللبنانية ، تمكنت الورقة البيضاء من تكريس حنكة الناخب اللبناني للعب في
الوقت الضائع، في محاولة لتصوير دور مفترض غير موجود ، مفاده قدرة اللبنانيين على
صناعة رئيس بأصوات لا دخل للخارج فيها ، وهي بطبيعة الأمر تخفي وقائع مغايرة
للحقيقة،اقلها ان ليس هناك سابقة يُعتد بها لوصول رئيس دون حبكة مخفية من الخارج.
والمفارقة الأخرى في هذا السياق ، ان
الدورة الانتخابية الاولى رسمت معالمها بدقة متناهية ، بحيث يكون متعذرا انتخاب
رئيس بلا اتفاق مسبق عليه ولو استغرق الامر وقتا اضافيا وصولا إلى فخامة الفراغ.
فماذا عن الجلسة القادمة ؟ فهل سيتكرر المشهد ام سيكون ثمة كلاما وفعلا آخرين؟
في المبدأ، ثمة استحالة لتغيير جذري في
موازين القوى السياسية الداخلية اللبنانية ، ما يعزّز القول بأن لا رئيسا منتخبا
في الجلسة القادمة وربما التي ستتبعها، وبالتالي ان سياقا يُرسم ويعبّد له الطريق
في المنتديات الاقليمية والدولية الفاعلة في ملفات الأزمة اللبنانية.
فتاريخ لبنان حافل بمثل تلك الحالات، فلم
يحدث ان انتخب رئيسا دون حبكة خارجية ، ذلك منذ العام 1943 والى يومنا هذا ،
باستثناء حالة واحدة هي انتخاب الرئيس سليمان فرنجية في 17/8/ 1970 ، وهي حالة
استثنائية كان هامش المناورة فيها صوت واحد ، مترافق مع ظروف ومعطيات اقليمية
ودولية هيأت للحرب الأهلية ، ما يعزّز القول ان هذا الانتخاب بحد ذاته، كان مرسوما
له بهدف الاستفادة اللاحقة منه في فترات أخرى، وهذا ما حدث فعلا يعد العام 1973 ،
بدء الشرارة الاولى للحرب وانقسام اللبنانيين حول قضايا كثيرة.
فالتدقيق في ظروف الانتخابات الرئاسية في
لبنان ، تثبت ان الناخب الاقليمي والدولي هو فاعل بمقدار الدور والظرف الذي سيلعبه
لبنان لاحقا،وبالتالي ان تحديد معالم
الظروف القادمة هي التي تشير إلى صورة الرئيس ونوعه وموقعة في الأزمة الداخلية
ووسائل ادارتها خارجيا ، وإذا كان من الصعب التكهّن بوسائل حلِّ الازمة اللبنانية
، فمن الثابت ارتباطها العضوي والموضوعي في العديد من ملفات المنطقة التي لا حصر
لها في مستويات الفصل والوصل للاستثمار فيها.
فالمنطقة وان بدت في صورة استرخاء يحيطها
ملامح تسوية في بعض ملفاتها الاساسية ، إلا ان المعتاد في تلك الحالات الحاجة
لملفات مساندة اخرى يجرى من خلالها تحسين شروط ادارة الأزمات ، من بينها بعض
الملفات اللبنانية ، وحاليا ملف انتخابات الرئاسة. وبذلك، ان شروط نجاح اي تسوية
للانتخاب تتطلب تحديد نوعية المسارات اللاحقة ليبنى على الشيء مقتضاه. وبالتالي ان
التدقيق في تفاصيل ظروف المنطقة توضح انها لم تصل إلى الحد الذي يتطلب حلولا
نهائية ، ما يستلزم مزيدا من الجهد والوقت ، وبالتالي ان دور الرئيس المفترض مرهون
بموقع لبنان ضمن هذه المسارات.
سابقتان مرَّ بهما لبنان ، حل فيها الفراغ
الرئاسي ضيفا ثقيلا ، لكنهما استثمرتا بشكل جيد داخليا وخارجيا ، الاولى في
23/9//1988 مع انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل ، وتسليم السلطة لحكومة ترأسها
انذاك العماد ميشال عون، والتي افضت بعد حروب طاحنة إلى اتفاق الطائف؛ والثانية في
24/11/2007، عند تعذر انتخاب رئيس خلفا للرئيس اميل لحود، والتي افضت إلى انقسام
عميق بين اللبنانيين ومن بعدها التوصل إلى اتفاق الدوحة، الذي اوصل العماد ميشال
سليمان إلى الرئاسة.
اليوم ، يبدو ان الظروف نفسها تتكرر وان
بصور مختلفة نسبيا ، لكن مآلاتها تبدو متطابقة. الانقسام العامودي الحاد بين
اللبنانيين سيد الموقف، والظروف الموضوعية المحيطة به غير ناضجة، ما ينذر بتكرار
تجربة الفراغ الرئاسي، إلى حين نضوج تسوية ما ليس للبنانيين بالضرورة دور اساسي
فيها. فهل سيستطيع الناخبون اللبنانيون الاربعاء المقبل من ايصال رئيس إلى سدة
السلطة ؟ ام سيكون فخامة الفراغ جاهزا لملئ الفراغ ؟ ان معظم المعطيات والوقائع
الذاتية والموضوعية المحيطة بهذا الملف ، تشير بوضوح إلى الفرضية الثانية، عندها
ستتيح سابقة انتخاب الرئيس ميشال سليمان بأدواتها وفتاويها الدستورية ، المجال
لشخصيات اخرى مضمرة الترشيح حاليا الوصول إلى سدة الرئاسة.