لبنان بين ازمة حكم
وحكومة
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
اقل من شهر ويدخل لبنان حرج استحقاق انتخاب
الرئاسة الاولى ، في وقت لا تزال لجنة صياغة بيان الحكومة تتخبط في صياغة بيان
وزاري لن يدوم في احسن احواله الشهر.وبين ازمة الحكومة والحكم ، ثمة قراءات مختلفة
عما سيكون عليه حال لبنان في الفترة القادمة ، أو بعبارة ادق في الفترة الفاصلة
بين ملفات مستعرة في المنطقة،بدءا بالأزمة السورية وصولا إلى الازمة الاوكرانية ،
مرورا بملف ايران النووي.
ففي
لبنان ثمة من يقول، ان رئيس الجمهورية عندما ينتهي من تلاوة القسم الدستوري،يبدأ
مباشرة في البحث عن الطرق الكفيلة بالتمديد أو التجديد له. وهي في الواقع ظاهرة
تكرّست في غير حقبة رئاسية لبنانية ، ويكاد يشذ عن هذه الظاهرة ، رئيس واحد هو
فؤاد شهاب، الذي اجمع السياسيون اللبنانيون على التجديد له ، لكنه رفض الفكرة من
اساسها ، تاركا السلطة ولبنان في مرحلة ضبابية تهيأت جميع الظروف فيها للانفجار
الكبير في العام 1975.
اليوم يمر لبنان في ظروف هي اشد قسوة من
اي ظرف مر به سابقا ، مشروع حكومة لتصريف اعمال بل تصريف ملفات تمس كيان لبنان
ووجوده،في وقت تستعر المواقف الاقليمية والدولية حول الاستحقاق الرئاسي،تمديدا أو
انتخابا. وفي كلتا الحالتين ، ثمة من يراهن على ان لبنان قد ادى قسطه للعلى ، وان
اسباب تحييده في الوقت الراهن عن بعض الملفات الملتهبة هو خدمة لهذه الملفات وليس
خدمة له ، وهنا تكمن خطورة المسألة ، التي
تعتبر ان لبنان فقد قيمة اقليمية كانت في يوم من الايام مثلا ومثالا يسعى كثيرون التمثل والتشبه به.
ثمة تباين فرنسي اميركي واضح حول انتخاب
الرئاسة الاولى ، فباريس ماضية في مشروع التمديد مدعومة بأطراف اقليمية وازنة.فيما
تشجع واشنطن على انتخاب رئيس جديد وسط مروحة كبيرة من الاسماء التي لها بعض
الدلالات المتصلة بالمرحلة القادمة ، أو لها رمزيتها انطلاقا من رصيدها المحلي في
بعض الملفات ان كانت عسكرية أو امنية أو مالية أو اقتصادية.
ان التدقيق في حيثيات انتخابات الرئاسة
اللبنانية سابقا ، تشير بشكل واضح إلى دوام وجود تقاطعات وتفاهمات واضحة ومستترة
في بعض الاحيان ، على اسماء الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم لبنان ، بل المؤكد انه
لم يشذ عن هذه القاعدة سوى الرئيس سليمان فرنجية في 17 أب العام 1970، وثمة من
يقول ان حتى هذا الاستثناء له من الظروف الخاصة جدا التي يشكك البعض في تأثيرها
على وصول الرئيس فرنجية لسدة الحكم.
لقد شكلت انتخابات الرئاسة في لبنان بيئة مؤثرة
لأطراف دوليين وإقليميين في رسم معالم المنطقة من خلال الوظيفة التي يؤديها لبنان
في ادارة بعض ازماته أو ازمات غيره ، وهي لعبة اتقنت جميع من تعاطت فيها ، كيفية
الاستغلال والاستثمار السياسي وحتى الامني فيها.
والأمر هنا لا يقتصر على الرئاسة الاولى، بل
يشمل أيضا الحكومة وتشكيلها وحتى التفنن في اللعب على الألفاظ والمصطلحات ، لتمرير
بيانات وزارية يعتبر بعض اللبنانيين انها تتضمن قضايا لا اجماع عليها بينهم ، مما
يصعب تظهير الحكومة في توقيتها الدستوري الطبيعي.هذا الامر له سوابقه أيضا في
تاريخ تشكيل الحكومات اللبنانية ، حيث ان بعضها استمر شهورا لانطلاقتها ، وبعضها
الآخر لم تتمكن من صياغة بيانها والمثول امام المجلس النيابي لنيل الثقة ، وبعضها
الآخر أيضا استقال قسم من وزرائها واستمرت في ممارسة اعمالها وسط شكوك بشرعيتها
الدستورية والميثاقية ، والأغرب من كل ذلك أيضا،
وجود حكومتين حكمت في نفس الوقت وبالتحديد الفترة التي تلت انتهاء ولاية
الرئيس امين الجميل في 23 ايلول 1988 ولغاية التعديلات الدستورية التي اتت بالرئيس
الياس الهراوي رئيسا للجمهورية والرئيس سليم الحص رئيسا للحكومة.
وغريب المفارقات اللبنانية تبدو في الرقم
11 ، حيث تناوب على رئاسة لبنان 11 رئيسا، واستهلك الرئيس تمام سلام 11 شهرا
لانطلاقة تشكيلته الحكومية، كما استهلكت اللجنة الوزارية 11 اجتماعا في محاولة
صياغة بيان الحكومة لنيل الثقة. انه فعلا بلد العجائب!