روسيا
بين العقوبات والعقبات
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 28/4/2014
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 28/4/2014
بات السلوك الروسي في اوكرانيا مركز جذب وشد
في الاوساط السياسية والاقتصادية الدولية ، وعزّز من هذه التحولات ضمور مشاكل
المجال السياسي الاوراسي على الساحة الدولية وازدياد ضموره بسبب الاوضاع السائدة
في القرم حاليا. ويلاحظ ان موسكو دخلت بمواجهة واضحة المعالم مع الغرب ضمن منطق
خاص بها، ترجمته في العام 2008 في الحرب مع جورجيا التي اعقبها اعلان استقلال جنوب
أوسيتيا وأبخازيا وكذلك الحال بما يتعلق بالصراع الدائر في غير مكان من العالم ومن
بينها اوكرانيا وسوريا.
ولمزيد من الضغوط على موسكو، صعّد الغرب
من مستوى العقوبات الاقتصادية عليها الى الدرجة الثاني، فما هي آثارها؟ وما هي
بدائل روسيا الممكنة ؟ ومدى فاعيلة الاجراءات المتبادلة في تلك الظروف؟
في لغة الارقام ثمة مروحة تجارية واسعة جدا
بين روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ، وهو اعتماد تجاري متبادل من
الصعب تجاهل آثاره المتبادلة على الطرفين الغربي والروسي. ويؤكد
مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي ، أن روسيا مسؤولة عن 7% من إجمالي واردات
الدول الـ 28 الأعضاء في الاتحاد الاوروبي و12% من صادراتها، ما يجعل هذه الدول
مجتمعة الشريك التجاري الأول لروسيا بعد الولايات المتحدة والصين.
وقد
بلغ حجم التجارة البينية الروسية الامريكية العام 2013 الأربعين مليار دولار، وفق
غرفة التجارة الأميركية، إذ صدرت واشنطن إلى روسيا بقيمة 11.26 مليار دولار
واستوردت منها بقيمة 26.96 مليار. في المقابل صدرت موسكو ما قيمته حوالى 19 مليار
دولار من النفط ومشتقاته إلى واشنطن، اضافة الى أسمدة بقيمة مليار دولار، وهي مواد
من الصعب ايجاد بدائل منها عن السوق الروسية.
كما تعتبر روسيا
أكثر اعتماداً على التجارة مع الاتحاد الأوروبي، فدول الاتحاد تصدر نصف واردات
روسيا وتستورد نصف صادراتها. وسجلت التجارة الروسية - الأوروبية في العام 2012 حوالى 123 مليار دولار. اذ كانت أبرز
صادراتها إلى أوروبا الغاز الطبيعي الذي يعتمد عليه في المنازل والمصانع. كما ان ربع
الحاجة الأوروبية من الغاز تلبيه موسكو، ويشار الى ان ألمانيا تعتبر من أكبر
مستوردي الغاز الروسي في أوروبا في مقابل 30 بليون يورو سنوياً. وهنا أيضاً تبدو
الخيارات الأوروبية ضيقة في حال قرَّر الاتحاد الأوروبي المضي في عزل موسكو
تجارياً وسياسيا.
وفي حال تمكنت العقوبات من ان تفعل فعلها، فيبدو ان خيارات موسكو ستتجه
شرقا ، وبالتحديد استثمار منظمة شنغهاي باعتبارها بديلا معقولا .
فمنظمة شنغهاي للتعاون هي محفل قاري جمع تشكيلات واسعة من الدول السريعة الصعود.
وبما أن المنظمة تعتبر اختراع روسي - صيني، فإنها تضم عددًا من دول آسيا الوسطى
كأعضاء دائمين، بينما ظلت إيران وأفغانستان وباكستان دولاً مراقبة. وتعد
إيران وروسيا مجتمعتين أكبر منتج للطاقة في العالم. كما تضم المنظمة أكثر الدول
استهلاكًا لموارد الطاقة، وهي الصين والهند. ولدى معظم تلك الدول ما ينافسون الغرب
من أجله، علاوة على الطموحات السياسية والعسكرية. كما ان هذه الدول هي الأكبر في
أوراسيا ومن أهم الدول تأثيرًا في الشؤون الدولية.كم ان الامر لن ينحصر عند هذا
الحد ومن الممكن ايضا التركيز على تجمع دول البريكس الذي سيعطي موسكو مزيدا من
عوامل الصمود ولو لوقت ليس بالضرورة طويلا.
وعلى الرغم من البدائل الروسية المريحة
نسبيا في المدى المنظور، إلا انها تعاني من حزمة من المشاكل والمصاعب الاجتماعية
والاقتصادية الداخلية، كإهمال رأس المال الإنساني ، ونمو النزعة القومية ، وانعدام
النمو الاقتصادي ، واعتماد الاقتصاد بصورة أساسية على تصدير الهيدروكربونات.
اليوم يتواجه الطرفان الروسي والغربي في
اشد المناطق حساسية بالنسبة لروسيا او بالتحديد بالنسبة لفلاديمير بوتين، وهي
المنطقة الاوراسية التي تعتبر عصب البرنامج السياسي الذي صعد اليه بوتين الى
الكرلمن، ولهذا فان العقوبات الغربية ، ربما تفعل فعلها في روسيا على المستوى
المتوسط والطويل،لكنها دونها عقبات كثيرة ، وهي قابلة للمواجهة بوسائل القوة
الناعمة التي اجادتها وتجيدها الولايات المتحدة في سياق التعامل مع الازمات
الدولية الكبيرة، ومنها الحالية مع روسيا.