كوردستان بعد السودان د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 30-6-2014 العراق والسودان والى حد بعيد مجمل باقي الدول العربية ، عانت الكثير الكثير من حالات وحركات الانفصال، ذلك بفعل التركيبة القومية والعرقية التي ظُهرت على زغل ، إبان اتفاق (سايكس بيكو)، علاوة على السياسات الخاطئة التي اعتمدت في غير حقبة سياسية في معظم بلداننا العربية، والتي وصلت في بعضها إلى حد الخطيئة التي لا تغتفر بحق بعض الأقليات. في العقود الماضية جرت حفلات الوحدة "القسرية" بين بعض الدول العربية تحت شعارات وعناوين مختلفة، معظمها انهار ،وإذا استمر بعضها، لا فعالية سياسية إقليمية أو دولية لها.كان آخرها في بداية تسعينيات القرن الماضي، توحيد اليمن غير السعيد بأحداثه الآن. لم تمض سنوات حتى أطلت مجددا شعارات الفدرالية والكونفدرالية، التي تعني إعادة تموضع الجغرافيا السياسية لبعض الأقليات بلغة دبلوماسية أو بقفازات دستورية. لكن الأخطر من ذلك حالتي السودان والعراق ، اللذان يتشابهان بأوجه كثيرة ومتنوعة. الاثنان كانا تحت الانتداب البريطاني الذي استفاد كثيرا من سياساته في هذين البلدين. والبلدان يضمان خليطا اتنيا وعرقيا شكلا أزمة حقيقية لنظامي الحكم في البلدين. والاثنان أيضا شهدا نزاعات داخلية ذات أبعاد خارجية متواصلة على مدى عقود. كما أن طبيعة النظامان السياسيان كانا ذات يوم، ذات طابع إما إيديولوجي قومي أو يساري أو إسلامي، وفي مطلق الحالات كان النظامان من ابرع الأنظمة والأكثر تفننا في ابتداع الحل – المأزق لمشاكلهما. شهد جنوب السودان وشماله حربا أهلية ضروس، ورغم الحكم الذاتي الذي أعطي لإقليم الجنوب استمرت الحرب واتخذت طابعا دينيا – مذهبيا، ونتيجة ظروف ما سميَّ يوما بربيع العرب انفصل الإقليم وأعلنت الدولة في 9 فبراير / شباط 2011 . الأمر تكرر ولو بصور مختلفة مع أكراد العراق في مختلف الحقب السياسية التي حكمت العراق. وعلى الرغم من خصوصية القومية الكردية الموزعة بين أربع دول بالإضافة إلى إيران وتركيا، سوريا والعراق، فكان هذا الأخير البلد الوحيد الذي أعطى أكراده حكما ذاتيا منذ العام 1970 ، ورغم ذلك ظل شعور الدولة القومية في الذاكرة الجمعية الكردية عاملا وسببا مباشرا للنزاع الداخلي . اليوم بعد دستور العام 2005 العراقي الذي أعطى أكراد العراق صفة الإقليم ضمن فدرالية سياسية واضحة المعالم والتي اقتربت إلى مفهوم الكونفدرالية، تتعالى الأصوات إلى المطالبة بالاستقلال النهائي عن الدولة الأم، ذلك بفعل تغيّر موازين القوى بعد تمدد تنظيم داعش من سوريا إلى غرب العراق والذي يؤسس إلى ملامح تغييرات الجغرافيا السياسية للمنطقة بكاملها. فخلال تسع سنوات تمكن إقليم كردستان العراق من تنظيم قواعده السياسية والدستورية، وبناء مؤسساته ومرافقه العامة التي وصلت إلى شكل الدولة التي لا يلزمها سوى الإعلان ليتم الاعتراف بها قانونيا. وفي سبيل ذلك ثمة عوامل عدة مساعدة لذلك التحرك بصرف النظر عن المعوقات الإقليمية والدولية التي تحكم هذا الإعلان أو المطالبة. الملفت في هذا الامر ، ان معظم الدول العربية عانت وتعاني من هذه المظاهر والحركات الانفصالية ، ورغم ضخامة هذه المخاطر لم تفكر أنظمتنا يوما بحل موضوعي للأقليات القومية والعرقية والدينية يكفل الحد الأدنى لاستمرار الدول التي تعاني من هذه الأزمات ، بل معظمها لجأ إلى حلول مجتزأة ذات طابع امني لا سياسي أو حضاري يكفل الحقوق السياسية وغيرها في مجتمعات متعددة. فكانت النتيجة انفصال جنوب السودان وتهيأ كردستان العراق للمصير ذاته، فيما باقي الدول تنتظر أزماتها للتفاقم والانفجار. ربما لن تكون حالة كردستان هي الثانية فقط بعد جنوب السودان ، بل من المؤكد وسط هذه الظروف الإقليمية والدولية ووسط هذه الفوضى العارمة ، أن تتمدد الحركات الانفصالية في غير منظفة وبلد عربي، فماذا عن الامازيغ وماذا عن الحوثيين وماذا وماذا .....؟ أسئلة كثيرة وهواجس مقلقة تواجهنا ونحن لا زلنا نتسلى بجنس الملائكة . أحزابنا القومية واليسارية والتقدمية العربية ، ابتدعت عشرات الشعارات وتغنت بالوحدة والحرية والاشتراكية، وحكمت وتحكمت باسم شعاراتها، وكانت أول من أسهم في تفتيت مجتمعاتنا ودولنا. اليوم نترحم ونناضل ونجاهد من اجل البقاء على حدود (سايكس – بيكو) ، أليس ذلك بمضحك ومبك ؟!