مصير المفاوضات النووية الإيرانية ومسارها
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
في الرابع والعشرين من تشرين الثاني العام 2013 أنهت مجموعة الست مفاوضاتها النووية مع إيران باتفاق حفة الهاوية ، والذي تم الاعتراف من خلاله بإيران دولة نووية واقعيا مع الملامسة القانونية لمجمل الملف. في ذلك الوقت حكمت عدة معطيات هذا المسار الانفتاحي بين الغرب وطهران، استمرت المفاوضات حتى العشرين من تموز الحالي وتم تمديد مهلة إعادة التفاوض إلى تشرين الثاني القادم، فما جرى وما هي المعطيات المفترضة والى أين تتجه المفاوضات؟
عدة نقاط حساسة حُسمت سابقا، من بينها حق إيران بالتخصيب بنسبة خمسة بالمئة ودون تجاوز هذا الحد، علاوة على حسم عدم إنهاء البرنامج في فترة التفاوض، مع الحرص على عدم إقدام طهران على إنشاء المزيد من منشآت التخصيب، وتقليص التخصيب في مجمع نتانز وفوردو ، في مقابل تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية. وعلى الرغم من التفاؤل المفرط أحيانا ، لم يتم التوصل في الجولات الست إلى نهايات مخطط لها مبدئيا.ورغم ذلك تم تمديد جولات التفاوض لأربع أشهر قادمة دون تحديد المكان عمليا.
ثمة العديد من المؤشرات التي توحي بالتفاؤل، إلا ان ثمة العديد من العقبات التي تحد من إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي في الموعد المفترض في ظل وجود أزمات سياسية عميقة في المنطقة من السهل الربط والوصل بينها وبين جولات التفاوض القادمة. في الصورة الأولى ثمة بوادر تباين بين الدول الست نفسها لكيفية إدارة ملف التفاوض وغاياته النهائية ويبرز في هذا المجال الموقف الروسي في مواجهة الآخرين ربطا واستثمارا بملف أوكرانيا مثلا، كما وجهة النظر الفرنسية المتشددة وبخاصة تجاه ملف منشأة آراك العاملة بالمياه الثقيل التي تتطلع إلى الاستفادة منه مستقبلا باعتبارها الأكثر تقدما بهذا النوع من التشغيل عالميا. إضافة إلى ذلك عدد وحجم أجهزة الطرد المركزي الذي يحاول الغرب تقليصها إلى مستويات غير مقبولة إيرانيا في ظل تصريحات إيرانية متشددة بهذا الخصوص مترافقة مع تهديدات مبطنة بإمكانية العودة إلى التخصيب بنسبة العشرين بالمئة المتوقفة حاليا. أما العقبة الكأداء أو الخط الأحمر الإيراني والذي كاد في الجولة الثالثة أن يوتر المفاوضات ويوقفها هي قضية الصواريخ الباليستية الإيرانية والتي يعتبرها الغرب جزءا من وسائل نقل الأسلحة غير التقليدية المحتملة، فيما تعتبرها طهران جزءا مركزيا وأساسيا من سلاحها التقليدي المقدّس الذي لا يمكن مقاربته أو مجرد التفكير بربطه في إطار المفاوضات الجارية وهو موضوع فرنسي الطرح والتبني لاقى معارضة شرسة بمجرد وضعه على الطاولة.
جانب آخر من المصاعب المحتملة الضغوط التي تمارس على الرئيس الأميركي بارك اوباما باتجاه تشديد العقوبات على طهران وعدم التعامل بمرونة مع هذا الملف، وهي قضية قد تؤثر على مسار ومصير المفاوضات إذا لم يتم التعامل معها بدقة، إذ أن جلوس طهران على طاولة المفاوضات هدفه المرحلي والاستراتيجي حاليا هو الاقتصاد. إضافة إلى ذلك ، ثمة جانب آخر من المصاعب المحتملة متعلق بمستوى الاتفاق وتداعياته الإقليمية وبخاصة الخليجية منها، علاوة على العرقلة الإسرائيلية الدائمة لسير المفاوضات وحذرها في تقبل مطلق مقترح يطلق من هنا أو هناك.
في المحصلة ثمة جملة من العقبات التي تواجه سير المفاوضات ومصيرها المحتمل في تشرين الثاني القادم، في ظل ظروف إقليمية ضاغطة جدا ، بدءا من عدوان إسرائيل على غزة وهو المكان الأكثر عرضة للاستثمار والتموضع الإقليمي، مرورا بالأزمة السورية والعراقية، وصولا إلى الملف اللبناني برمته، جميعها قضايا تجيد كل الأطراف استعمالها وممارسة عمليات الشد والجذب السياسي والأمني بهدف الحصول على القدر الأكبر من المكاسب. فهل سيتوصل الطرفان إلى حل ما للبرنامج النووي وبالتالي بداية الولوج في مشاريع حلول لأزمات المنطقة المستعصية، أم أن الخريف القادم سيكون مناسبة أخرى لجولات جديدة من التصعيد في بعض المواقع الإقليمية تعيد خلط أوراق التفاوض من جديد؟ يبدو أن التجارب السابقة تعزز مثل هذه الفرضيات!