المقاومة وكسر قواعد الاشتباك مع إسرائيل
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية الشرق الاوسط 30-1-2015 بلعت إسرائيل عملية مزارع شبعا، وهي تحاول اليوم هضم إعلان المقاومة اللبنانية سقوط قواعد الاشتباك. وهو أمر ذات دلالات كبيرة لما ستكون عليه طبيعة الأوضاع ليس في جنوب لبنان، وإنما على كامل المناطق المحتلة ومنها الجولان السوري المحتل. هذه الانعطافة الإستراتيجية في طريقة التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية أتت كنتيجة حتمية لطبيعة الصراع مع إسرائيل وما يحيط به من فواعل وقواعد ثابتة ومتغيرة.
فبعد اعتداء القنيطرة ، ردت المقاومة في عملية معقدة لجهة المكان والزمان، والوسائل والأدوات، لتؤكد مرة أخرى أن على إسرائيل إدراك عواقب شر أعمالها. فهي لم ترد في الجولان بل ردت في مزارع شبعا التي تعتبر أراض لبنانية محتلة ولا تخضع لمقتضيات وقواعد اشتباك القرار 1701 ، وبالتالي لم تخرق المقاومة البيئة القانونية للقرار. إضافة إلى أن العملية وان كانت عسكرية في الشكل إلا أنها أمنية بامتياز، وهنا اتكأت المقاومة في ردها على نوعية الهدف وليس حجمه، وبالتالي توجيه ضربة ازدواجية موجعة ، هدفها إيصال رسائل متعددة الاتجاهات للداخل الإسرائيلي سياسيا وعسكريا ، وهذا ما ترجمته الوقائع المتلاحقة بعد العملية، مفادها إعادة تركيب وتنظيم قواعد الرعب بأسس وقواعد جديدة.
ففي الصراع الممتد بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل، تاريخ طويل حاولت إسرائيل خلاله فرض قواعد محددة على خلفية عدم كسر التوازن الذي ترسمه لمصلحتها. ورغم ذلك ، ثمة ثلاثة مفاصل رئيسة في هذه القواعد وان لم تحترمها إسرائيل يوما.الأولى في العام 1996 التي كانت نتاج لعملية "تصفية الحساب" ، التي أنتجت أيضا " تفاهم نيسان" ، الذي رعته ضمنيا كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وسوريا، والذي أجبر إسرائيل على عدم التعرض للمدنيين في الصراع القائم. والثاني كانت القواعد التي أرسيت مع انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000 وبموجبه احتفظت المقاومة بحقها بتحرير باقي المناطق التي تعتبر محتلة وهي تلال كفرشوبا ومزارع شبعا. وثالثة هي قواعد الاشتباك التي أرساها القرار 1701 الذي أتى كنتيجة لعدوان إسرائيل على لبنان في العام 2006 ، والذي أرسى معادلات وتفاهمات ضمنية.
اليوم ، وبعد إعلان المقاومة سقوط هذه القواعد جميعا ، ثمة وقائع ومتغيرات وتداعيات كثيرة ستظهر لاحقا ، وبالتالي تأثيرها المباشر على المنطقة برمتها ، خاصة وان إعلان هذا السقوط ترافق مع الإعلان عن أن الجبهة مع إسرائيل ستكون مفتوحة وممتدة على طول الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، ما يعني إدخال جبهة الجولان في دائرة المقاومة بعد حالة من الستاتيكيو الممتد منذ العام 1974 ، وهو الأمر الذي اقلق إسرائيل وأغرقها في الخوف الذي ترجمته في عملية القنيطرة كرسالة واضحة الدلالات بالنسبة إليها.
فكسر هذه القواعد وسقوطها، يعني كسر توازن الردع والرعب أيضا والتي تولي إسرائيل اهتماما كبيرا لبقائه لمصلحتها دائما، وبالتالي يعتبر امرأ من المحرمات بالنسبة إليها ويعتبر من وجهة نظرها المبرر والدافع لتنفيذ اعتداءاتها على لبنان وسوريا. ففي السابق قضت القواعد الضمنية عدم التعرض للمدنيين والاكتفاء بردود تحكمها ضوابط دقيقة لا تسمح بتفلت كبير يشعل حروبا إقليمية.
إن إعادة التموضع الجديد للمقاومة في منظومة الصراع مع إسرائيل ، يفتح آفاقا أخرى لطبيعة الصراع وشروط استمراره ونجاحه ، في ظل ظروف عربية وإقليمية استثنائية تصعب فيها القدرة على التحكم في الخيارات المتاحة إلى نهاياتها وفقا لآمال ورغبات أصحابها.
في أي حال من الأحوال ، ثمة قراءة واحدة لما جرى مؤخرا في القنيطرة السورية وشبعا اللبنانية،وجميعها تتقاطع على أن العملية الأخيرة ثبتت ان الكلمة الأخيرة هي للمقاومة، وهذا ما اعترفت فيه القراءة الإسرائيلية تحديدا ، وباتت على يقين أن لاءات قمة الخرطوم التي ارتفعت في وجهها بعد حرب 1967 ، تتكرر اليوم بثلاث لاءات جديدة لا لقواعد اشتباك1996(تفاهم نيسان) ولا لقواعد العام 2000,وأيضا لا لقواعد 1701، ذلك في حال استمرت إسرائيل في اعتداءاتها وهو أمر معتاد بالنسبة إليها.