“داعش” والصهيونية وجهان لإرهاب واحد - 08/01/2015 د . خليل حسين
ليست مفارقة أن تجتمع صور الإرهاب ووسائله وأهدافه بين التنظيمات والحركات على مر العصور، إنما المفارقة أن تتخذ بعض التنظيمات من الأديان السماوية، ذريعة لتنفيذ برامجها وغاياتها، بأدوات وطرق لا علاقة لها بالأديان لا من قريب ولا من بعيد . والمفارقة الأدهى أن يجتمع تنظيمان في منطقة هي الأشد حساسية بين أصقاع الأرض، حيث مهبط الرسالات ومكان انطلاقتها ووجهة البشر للحج إليها .
زرعت الصهيونية فكراً ومكاناً في فلسطين، واستعملت شتى صنوف الإرهاب والعنف، لإرعاب شعب فلسطين وتشريده من موطنه، ونجحت في كثير من المحطات في الوصول إلى غاياتها وصولاً إلى إنشاء دولة "إسرائيل"، ولم تكتف بذلك فما زالت تعمل على تحقيق يهودية الدولة، وما ورائها من تداعيات وآثار كارثية . كل ذلك تكرّس وكادت ان تعوِّدنا نحن العرب والمسلمين على ذلك خلال قرن مضى .
اليوم انطلق تنظيم "داعش" من نفس الطينة والعجينة الإرهابية التي سبقته الصهيونية إليها، بل أن التدقيق في السلوك الإرهابي الذي يستعمله تنظيم "داعش" يتطابق تماماً مع أساليب الصهيونية ووسائلها من القتل، والذبح، والتفنن في أشكاله وصوره، وهو الهدف المشترك بين التنظيمين، لطبع صور الرعب في العقل والذهن الجماعي لمن تريدان الحلول مكانه . فالعصابات الصهيونية مثل شترن والهاغانا تعتبران نموذجين واضحين لسلوك "داعش" وأخواتها من التنظيمات الإرهابية التي تدّعي الإسلام، كالنصرة والقاعدة ولقطائها الآخرين .
وإذا كان التستر وراء الدين وسيلة يستعملها الطرفان لتبرير وجوده واستمراره، فإنهما يجاهران بإقامة الدولة الدينية بالإرهاب والعنف والتنكيل والترهيب في وجه كل من يتصدى لهما، ويتوجهان بأفعالهما إلى الأكثريات والأقليات حيثما يتواجدان، فيروعون السكان وتتم سبي النساء وذبح الأطفال، وتخريب وتدمير المؤسسات، إنهما أشبه بحملات التتار والمغول، بل تخطيا أفعال ما سبقهم بأشواط وأشواط .
وما يعزز فرضية النشأة والتوجهات الواحدة، الاستناد إلى بعضها البعض، لجهة تبرير إنشاء الدولة الدينية، ففكرة الدولة اليهودية لم يتم بلعها وهضمها إلى الآن، وهي تواجه بمقولات وتحديات وازنة، إلا أن نشوء "دولة الخلافة الإسلامية" في صورتها "الداعشية"، يقوي ويعزز التمسك بإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين المغتصبة، وبالتالي القضاء على أي أمل أو مشروع حل للقضية الفلسطينية . من هنا تتعزز فرضية النشأة والأهداف الواحدة، لا سيما أن الكثير من المعطيات والوقائع الموثقة تشير وتؤكد إلى التعاون الميداني بشتى صوره بين الجانبين الصهيوني و"الداعشي" .
وإذا كان الاثنان يتقاسمان وجوه الإرهاب وآثاره، فإنهما تقاسما ويتقاسمان أيضاً صور المكافحة وآلياتها حتى من نفس المنظمة الدولية التي تختص بحماية السلم والأمن الدوليين . فبتاريخ 10/11/،1975 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3379 الذي نص على أن "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، وقد صوَّت لمصلحة القرار 73 دولة، بينما صوتت 35 دولة ضده، وامتنعت 32 دولة عن التصويت . إلا أن اللوبي الصهيوني ومن خلال نفوذه السياسي في الأمم المتحدة وبالتعاون مع حلفائه وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال ست عشرة سنة من العمل المستمر، استطاع إجبار الجمعية العامة وفي خطوة غير مسبوقة، على إلغاء القرار واستبداله بالقرار رقم 8646 بتاريخ 16/12/،1991 حيث صوّت لمصلحة الإلغاء 111 دولة، وعارضته 25 دولة، وامتنعت 13 دولة عن التصويت، وجاء قرار الإلغاء في كلمات معدودة صاغها نائب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك لورنس إيغلبرغ؛ "تُقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3379" .
اليوم تحارب الأمم المتحدة تنظيم "داعش" عبر القرار 2170 الصادر عن مجلس الأمن، تحت مسمى مكافحة الإرهاب في إطار تجمع دولي قلَّ نظيره شكلاً، لكن التدقيق في آليات ووسائل القرار ومضمونه، تظهر احتواء الإرهاب لا مكافحته أو محاربته، كما تمَّ فعلاً مع الصهيونية، فحين تغيّرت الظروف والأوضاع انتهى قرار الجمعية العامة بشأن الصهيونية، فهل سيكون الأمر متطابقاً مع الإرهاب "الداعشي"، إن سير وسلوك التعاطي مع "داعش"، يشير أيضاً إلى أن ثمة سياسة احتوائية واضحة، بحيث يستعمل تنظيم "داعش" كحالة استثمارية إقليمية ودولية، ومن يضمن أن الأمر لن يتكرر مع هذا التنظيم كما تكرر مع الصهيونية .
ثمة مفارقة أخرى ينبغي التركيز والتنبيه والعمل عليها، وهي تقاسم التنظيمين في أسلوب واحد، وهو العمل على اقتلاع وتشريد وترويع المجتمعات والحلول مكانها، الأمر الذي يستوجب العمل على كيفية المواجهة وصمود هذه المجتمعات في أرضها، وهي الطريقة الوحيدة التي تقضي على أهدافهما وغاياتهما، وبالتالي على إرهابهما اللذان يملكان وجهاً واحداً!- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/25483657-c654-4464-a9f1-e6f786cf0af9#sthash.skYMe8Mo.dpuf