“داعش” يُدخل الأردن دائرة استهدافاته
د.خليل حسين الخليج الاماراتية بتاريخ 7-2-2010
لا يختلف اثنان على حساسية الواقع السياسي والاجتماعي الأردني حتى في الظروف الطبيعية للمنطقة، فهو مركز شد وجذب شديدين لفواعل إقليمية ودولية بحكم موقعه الجيو سياسي، الواقع على خط التصدعات الإقليمية الكبرى . وفي الواقع أيضا تمكنت السياسات الأردنية من النأي بالأردن إلى حد كبير، عما جرى في المنطقة، وبخاصة في السنوات القليلة الماضية، حيث عجّت الساحات العربية بحراك التغيير، ذلك بفضل مواقف متوازنة راعت حساسية الإسلاميين في الواقع المجتمعي الأردني .
لكن ذلك، لم ينفع بإبعاد خطر التطرف الذي تمدد نحوه، وسعى جاهداً لاختراق الساحة الأردنية من بوابات مختلفة، وهو في الواقع كان هدفاً دائماً للجماعات الإرهابية المتطرفة في السنوات الماضية، وموقعاً مفترضاً للتفجير السياسي والأمني في العقل الجمعي للتنظيمات المتطرفة ومنها القاعدة وأخواتها، خاصة تنظيم "داعش" .
ويبدو جلياً، أن ظروف إعدام الطيار الأردني، معاذ الكساسبة ووقائعه، بهذه الوحشية غير المسبوقة في تاريخ البشرية، هي رسالة واضحة لنيات التنظيم في إدخال الأردن دائرة أعماله الإرهابية، بعد ظهور العديد من المعطيات والوقائع التي لم تكن لمصلحة التنظيم الإرهابي والتي يريد التعويض عنها .
فبعد التمدد الملتبس الذي أحرزه تنظيم "داعش" في مناطق عراقية وسورية وغيرها من الساحات، بدءاً من سيناء وصولاً إلى ساحات شمال إفريقيا ووسطها، تبدو رقعة الجغرافيا السياسية التي سيطر عليها مؤخراً، بدأت في التبدد، وبخاصة في مناطق غرب العراق وشمال سوريا في منطقة عين العرب، الأمر الذي هز صورته، والذي حاول جاهداً لصقها في ذهن المجتمعات العربية والإسلامية بفعل مجازره ووحشيته وبطشه غير المسبوق، وهو الآن يبحث عن انتصارات ولو وهمية لإعادة تموضعه السياسي والعسكري في المنطقة، ولم يكن الأسلوب الذي تم تظهيره لجريمة إعدام الطيار سوى إحدى الوسائل الإعلامية المكشوفة للتنظيم .
ان واقعة الإعدام الجريمة، وإن تعد مفصلاً في النيات "الداعشية" مستقبلاً، فإنها ثبّتت النيات المضمرة لاستعمال الجريمة وسيلة لجر الأزمات وافتعالها في الساحة الأردنية . فالتنظيم فاوض على الطيار والرهينة الياباني مقابل إرهابيين محكومين بالإعدام من قبل القضاء الأردني، في الوقت الذي كان الطيار قد اعدم، وهو بذلك اشترى الوقت ليفتعل وقائع استفزازية من الصعب عدم الرد عليها، وبالتالي إدخال عمان في رد الفعل والفعل المضاد، في وقت هو بأمسّ الحاجة لتظهير خصم وعدو آخر له مواصفات الدولة كالأردن .
في أي حال، وإن يكن الأردن هو جزءاً من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وفقا للقرار،2170 وبالتالي هو من وجهة نظر داعش جزء من مسرح عملياته الإرهابية، وعلى الرغم من أن الأعمال الإرهابية حتى في مفهوم أصحابها لا تحتاج إلى تبريرات شرعية أو أخلاقية أو قانونية، فقد استعمل الجزء الإعلامي من الجريمة وسيلة لحقن الشارع الأردني وتهيئة الظروف لإدخاله في دوامة الاستهدافات الإرهابية "الداعشية" بشكل مباشر، بعدما تم تحييده نسبياً في فترات سابقة .
في المقابل، يبدو خيار الأردن بالاندفاع نحو المواجهة أمراً واقعياً ومنطقياً من الوجهة العملية، بعدما توحّدت الساحة الأردنية بمختلف أطيافها باتجاه المواجهة، إلا أن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه متعلق بقدرات الأردن الفعلية على الانخراط بمستويات عالية الشدة في مواجهات مع جماعات إرهابية حُشدت قوى عالمية ضدها، وحتى الآن لم تؤدِ إلى نجاحات حاسمة .
إن سبل المواجهة تتطلب وسائل وآليات مختلفة عما هي مطروحة الآن، فالقتال من الجو ليس كالقتال على الأرض، وسبل القضاء على الجماعات الإرهابية تتطلب أولا وأخيرا تجفيف مصادر تمويلها ودعمها اللوجستي، الأمر الذي يتطلب قرارات أكثر جرأة من المجتمع الدولي، الذي دفع أثماناً باهظة جراء التوحش "الداعشي"، لذا ينبغي العمل بجدية على رفد قرارات أممية إلى جانب القرار 2170 الذي لم يكن - ولن يكون- كافياً للقضاء على هذا الوحش الذي لم يشهد تاريخ البشرية مثل جرائمه .- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/49020b7d-b27b-4a38-a88e-ae137b97834b#sthash.ejWP7myP.dpuf