القطبة المخفية في القرار 2199
د.خليل جسين
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 17-2-2015
في المبدأ، وإن يكن مجلس الأمن قد تحرك أخيراً لضرب الإرهابيين كتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، من البوابة المالية والاقتصادية عبر عناوين تجفيف مصادر تمويل الإرهاب، فإن قراره المتخذ بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين، لا يعدو تحركاً استنسابياً من الناحية العملية، وغير كافٍ لتحقيق أغراضه، رغم صدوره وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
فالفصل السابع الذي يتضمن 12 مادة، توضح كيفية التصرف مع حالات تهديد الأمن والسلم الدوليين، تدرّجت في سبل استعمال وسائل المواجهة، فبدأت بالمادة (41) التي تنص على: "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية، وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية" . وانتقل بعدها إلى المادة (42) التي تنص على: "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة (41) لا تفي بالغرض، أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه . ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة" .
ووفقاً لنص القرار 2199 الذي أشار إلى عدم إمكانية استعمال القوة العسكرية لتنفيذ مقاصد القرار، وبالتالي، يخضع تنفيذ القرار إلى المادة (41)، أي تطبيق الإجراءات الواردة ضد الدول والجماعات التي تتعاطي بطرق مباشرة أو غير مباشرة مع الجماعات الإرهابية بوسائل الحصار وصولاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية . وعلى الرغم من أن مجلس الأمن هو سيد نفسه لجهة اعتبار أي مشروع قرار سيصدره هو عمل إجرائي لا يستلزم بالضرورة موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية، أو اعتباره موضوعياً، وبالتالي يستلزم موافقة الدول الخمس صاحبة حق النقض . وفي ذلك تصرف مجلس الأمن بإصداره القرار ضمن الفصل السابع ووفقاً للمادة (41) إضافة إلى اعتباره أمراً موضوعياً . ما يعني أن مقاصد القرار تستهدف حماية الأمن والسلم الدوليين من الإرهاب "الداعشي"، الأمر الذي ذكره صراحة في النص .
إن المشكلة هنا في كيفية تعاطي مجلس الأمن مع قراراته تحديداً، فهو كان قد اتخذ العديد من القرارات ذات الصلة بالأعمال الإرهابية وكيفية تجفيف منابع التمويل، وجلها خضعت للمادة (42)، أي استعمال القوة العسكرية لتطبيقها مع المتخلفين عن تنفيذها . والمفارقة في هذه الحالة تحديداً، هي المقاربة القانونية لطبيعة القرار 2170 الذي شكل قوة عسكرية دولية لمواجهة إرهاب تنظيم "داعش" وأخواته، فيما القرار 2199 لم يصل إلى إمكانية استعمال القوة العسكرية لتنفيذه، الأمر الذي يفسر تراخياً ويصنف بعدم اتساقه بالتدرج المفترض للشدة في معرض التنفيذ، وهو أمر يتعارض ويتناقض عملياً وفعلياً مع الأعراف المفترض اتباعها في معرض تكوين البيئة القانونية لأي عمل يفترض مواجهته، وهو أمر غير متوفر في سياق القرار 2199 .
ومن المسلم به عملياً، أن إحدى الوسائل الناجحة للقضاء على الإرهاب هي تجفيف منابع تمويله، وهو أمر يستلزم مزيداً من الشدة في التعامل وليس الإيحاء بالتراجع عن القوة العسكرية إلى الحصار الاقتصادي وقطع العلاقات الدبلوماسية، سيما وأن الأطراف المستفيدة من التعامل الاقتصادي وتبادل المنافع هي معروفة، ولا تتطلب جهداً لمعرفتها وتوقيع الجزاءات عليها .
ثمة ثابتة محققة في تاريخ التعامل مع الجماعات الإرهابية، وهي وجوب مواجهتها بقسوة وبقوة وعدم التساهل والمواربة في طرق مكافحتها، فالسلوك الإجرامي لهذه الجماعات يزداد عنفاً وقسوة، كلما رأت ضحاياها أقل قوة ومنعة في مواجهة أعمالها، وعليه فإن استعمال التدرج رجوعاً في المواجهة أمر لن يصيب إلا الضحايا، وبالتأكيد لن يصيب الجماعات الإرهابية أو من يسهل أعمالها، وهو أمر ظاهر إلى حد كبير في القرار ،2199 والسوابق التي تم فيها التعامل مع حالات مماثلة هي كثيرة، ولا تحتاج إلى عناء كبير للبحث والتدليل عليها .