لمن توجه مناورات الاطلسي
د.خليل حسين
صحيفة الخليج الاماراتية 25-10-2015
عندما تطلق الدول والتجمعات العسكرية الإقليمية مناوراتها، يعني أن ثمة متغيرات وازنة، تستدعي إيصال رسائل عاجلة، إما لثني الطرف الآخر عن أفعاله، وإما لردعه فعلاً إذا تجاوز الأمر حدود المخاطر الحيوية المحتملة. وعادة ما تستتبع المناورات بمواقف ولهجات غير دبلوماسية، تمهد لمسارات أشد عنفاً، وفي كثير من الأحيان تتحول إلى نزاعات وصراعات، تبدأ بوجوه ليست بالضرورة عسكرية، لكن غالباً أيضاً ما تصل إلى ذلك.
في الشرق الأوسط، ثمة تحولات ذات طبيعة استراتيجية لم تشهدها المنطقة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، هناك دخول عسكري روسي لا سابق له في مواجهة الغرب عامة والأوروبيين خاصة، ما أيقظ عصب حلف الأطلسي الذي لم تنته مهامه مع الانهيار السوفييتي وحل حلف وارسو، بل جدد شبابه للعديد من الاعتبارات الغربية، كونه يشكل دعامة الأمن والسلم الأوروبيين بعد التشكيلات السياسية التي شهدتها المنطقة خلال ربع القرن الماضي.
وما عزز ذلك ضم روسيا للقرم مؤخراً، ومجموعة التداعيات التي أفرزتها السياسات الروسية في أوروبا والشرق، بخاصة بعد غوص موسكو المتزايد في ملفات الأزمة السورية، الإقليمية منها والدولية.
المناورات العسكرية التي أطلقها حلف الناتو مؤخراً، ليست بالمعنى الأمني والعسكري فجائية، لكن وعلى الرغم من أنها كانت مقررة سابقاً، فهي رد سريع على مجمل قضايا ملحة، بصرف النظر عن قدرة الحلف على تنفيذها جميعاً دفعة واحدة، أو عبر مراحل. بداية اكتفت أوروبا بالرد على موسكو بالعقوبات الاقتصادية بعد ضمها القرم، رغم أنها رفعت سقف المواجهة عبر تحريض أوكرانيا على المواجهة ولو عسكرياً. الأمر ذاته يتطابق عبر الموقف الأوروبي مع التحولات الروسية في سوريا، وإن اختلفت بعض تفاصيله عبر تحريض تركيا على المواجهة، ضمن أطر محددة لا تخلو من التصعيد في إطار سياسات حافة الهاوية.
وإذا اكتملت رسائل الناتو التي تبدو مباشرة في موضوعاتها وأماكنها، ثمة ساحة أخرى مغرية بالنسبة للناتو وهي الشمال الإفريقي عبر بوابة الأزمة الليبية التي بدأت مظاهرها تشي بانفلات الوضع على مصراعيه، الأمر الذي يقلق جنوب القارة الأوروبية بشكل مباشر، وهو أمر كافٍ لأن تشمل رسائل المناورات العسكرية في البحر المتوسط الدائرة الليبية، استناداً إلى القرار الدولي في الأزمة الليبية الذي يجيز التدخل في حال نشوء الأخطار وتمددها.
في المحصلة، ثمة أصابع على زناد الأعتدة الحربية، وسط ظروف معقدة جداً، تتنافس فيها موسكو مع الناتو في منطقة طالما اعتبرتها الولايات المتحدة حديقة خلفية لها، ومن الصعب السماح لغيرها بالتطلع إليها أو التنزه فيها. لذا فمناورات حلف الأطلسي من الصعب فصلها عن إطار مواجهة روسيا في سوريا وأوكرانيا، باعتبارهما جردة حساب سياسية وعسكرية ممتدة ينبغي الاتفاق عليهما لاحقاً، كما أن المناورات نفسها لا يمكن فصلها عن المجال الحيوي للناتو في شمال إفريقيا، وهي فرصة متاحة لإعادة تموضع عسكري وأمني في ليبيا مثلاً، والذي يشكل فرصة قوية لنقطة انطلاق التمدد الأطلسي في غير اتجاه.
ورغم أن هذه الأخيرة، تعتبر فرضية ضمن فرضيات محتملة، إلا أن ذلك هو الاحتمال الأكثر والأنجح استثماراً بين خيارات أخرى، باعتباره يشكل ساحة اشتباك غير مباشر مع روسيا، كما يربك الحسابات الروسية في البحر المتوسط، بخاصة أن الحلف يمسك شمال المتوسط الشرقي عبر تركيا، وهو من بين الأهداف الروسية الرئيسية لانعطافتها العسكرية في الشرق الأوسط، أي للحد من التداعيات التركية في حال قرر الناتو رفع سقف المواجهة.
إن كل تلك الوقائع، لا تعني بالضرورة أن المواجهة باتت على الأبواب، وإنما أقله، أن أسباب المواجهة وظروفها وشروطها بدأت بالتكون، كما أن الأكيد في كل ذلك، أن مجمل أزمات المنطقة وبخاصة السورية والليبية، قد انتقلت فعلياً من أزمات ذات طابع مزدوج داخلي إقليمي بدعم دولي، إلى أزمات ذات طابع إقليمي دولي خالص، ما يعني أن كثيراً من القرارات ونتائجها، باتت كلياً لغير مصلحة العرب، وفي الواقع هذا ما اعتدنا عليه سابقاً وبالتأكيد لاحقاً. - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/dda88fb9-aa4f-4d5e-aedb-5ee50c399007#sthash.mwXQbuJN.dpuf
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/dda88fb9-aa4f-4d5e-aedb-5ee50c399007#sthash.mwXQbuJN.dpuf