الخلفيات القانونية والسياسية للقرار 2334
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية 31.12.2016
ضجت الأوساط القانونية والسياسية العربية بالقرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 23 /12/2016، باعتباره بيئة قانونية - سياسية لمواجهة إسرائيل في وقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نظرا لخصوصية بعض المواقف إبان التصويت على مشروع القرار ، وبخاصة ما يتعلق بالولايات المتحدة الأميركية.
في الواقع ، لا يعتبر هذا القرار سابقة قانونية صادرة عن مجلس الأمن،وفي الواقع لا يشكل أيضا بيئة قانونية ملزمة على إسرائيل لتنفيذ ما ورد في القرار. فالقرار 2334 هو كسائر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية خاصة ، والصراع العربي الإسرائيلي عامة، وجميعها أتت وبدون استثناء ، ضمن الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة، الذي يتطلب موافقة الأطراف المعنيين لتنفيذه. وبالتالي إن الحلقة الأساسية في موضوع القرار ليس متوفرا، وهو الجانب الإسرائيلي الذي يرفض أي مقاربة للقضية الفلسطينية عبر الأمم لمتحدة ، وبخاصة موضوع الاستيطان الذي يعتبره جوهر استمرار الكيان وديمومته.
وعلى الرغم من إسناد بعض الفقهاء القانونيين، مجمل قرارات مجلس الأمن خاصة ، وباقي الأجهزة عامة إلى المادة 25 من الميثاق، التي توجب التزام الدول بمقررات مختلف الأجهزة ، إلا أن هذه المادة تحديدا آتت في صياغاتها القانونية عامة وذات صفة إجمالية غير محددة ، لجهة نوعية القرارات أو الجهاز الذي يصدره، وبالتالي لا يمكن القياس عليها في معرض التخصيص المتعلق بقرارات مجلس الأمن الذي أفرد الميثاق لقراراته فصلين خاصين ، يوضحان العمليات الإجرائية والتنفيذية لصدور القرارات وتنفيذها وكيفية تعاطي الدول معها.وعليه لا يمكن التعاطي مع تنفيذ القرار المذكور سوى في إطار الفصل السادس وهو بطبيعة الأمر غير ملزم.
كما أن القرار 2334 ، لا يعتبر سابقة قانونية لجهة النوع أو المضمون، فقد سبق وأصدر مجلس الأمن قرارا مماثلا شكلا ومضمونا القرار 446 تاريخ 1979 ، لجهة اعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ،عملا غير مشروع ويخالف الاتفاقيات الدولية الشارعة وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة والحروب. والى جانب هذين القرارين ثمة عشرات التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة وبعض الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة التي تناولت القضية ، إضافة إلى البيانات الرئاسية الصادرة عن مجلس الأمن تحديدا ، وجميعها غير ملزمة عمليا.
إلا أن المفارقة السياسية في هذين القرارين تحديدا ، 2334 /2016 و446 / 1979، في أن التركيز عليهما من الوجهة السياسية يتعلقان بكل من الولايات المتحدة ومصر.ففي القرارين امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ولم تستعمل حق النقض لعدم تمرير القرار، وبالمناسبة هنا، فقد استعملت الولايات المتحدة حق النقض ثلاثين مرة في مراحل سابقة على قرارات مشابهة تتعلق بإدانة إسرائيل وإقامة المستوطنات. أما ما يتعلق بمصر، فهي التي قدمت مشروع القرار 2334 وسحبته في خلال عرضه باللون الأزرق،( في المراحل التمهيدية للمداولات قبل التصويت) ومن ثم تبنت طرحه نيوزيلندا ودول أخرى. أما القرار 446 فكان بناءً لطلب مباشر من قبل مصر آنذاك وامتنعت واشنطن عن التصويت حينها، في مرحلة حساسة كانت تمر بها المنطقة والمتعلقة بالتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد.
في المحصلة يعتبر القرار 2334 قرارا كغيره من القرارات ، ولا يعبر بالضرورة عن سياسة أميركية محددة تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وأن التدقيق في خلفياته السياسية يظهر بأنه كان نتاج تضارب المزاج السياسي بين الرئيس الأميركي المنتهية ولايته الشهر القادم باراك أوباما ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سبق لهذا الأخير أن تجاوزه في العديد من المراكز السياسية الأميركية المقررة ، ومن بينها لجوئه إلى الكونغرس الأميركي وتحريضه على أوباما في معرض النقاش المتصل بالملف النووي الإيراني. وفي أي حال من الأحوال ثمة حراك مستعر في مراكز القرار الأميركي حول سلوك الرئيس المنتخب دونالد ترامب في هذا الملف، وبخاصة أن مواقفه واضحة جدا في هذا لشأن والمتمثل في دعم إسرائيل المباشر في مجمل ملفات الصراع العربي الإسرائيلي، ومن بينها مثلا وعده الشهير بنقل مقر السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، الذي اعتبر تحديا رئيسا للإدارات الأميركية المتعاقبة على السلطة.
في المحصلة أيضا، ثمة ما يربو على خُمس قرارات الأمم المتحدة ذات صلة بالصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن أيا منها لا صلة له لا من قريب ولا بعيد بنوعية الإلزام ،وبخاصة الفصل السابع، فإسرائيل تعتبر استثناءً لقرارات الأمم المتحدة، إن لجهة قبول عضويتها في المنظمة الدولية أو بالسلوك السياسي المعتاد معها، فقد علقت عضويتها على شرط قبولها القرارين الشهيرين قرار التقسيم 181 وعودة اللاجئين 194، وهو امتياز لم تحصل عليه أي دولة منضمة إلى المنظمة سوى إسرائيل، فهل أن القرار 2334 سيوقف الاستيطان؟ انه فهلا أمر غريب عجيب!
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية 31.12.2016
ضجت الأوساط القانونية والسياسية العربية بالقرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 23 /12/2016، باعتباره بيئة قانونية - سياسية لمواجهة إسرائيل في وقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نظرا لخصوصية بعض المواقف إبان التصويت على مشروع القرار ، وبخاصة ما يتعلق بالولايات المتحدة الأميركية.
في الواقع ، لا يعتبر هذا القرار سابقة قانونية صادرة عن مجلس الأمن،وفي الواقع لا يشكل أيضا بيئة قانونية ملزمة على إسرائيل لتنفيذ ما ورد في القرار. فالقرار 2334 هو كسائر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية خاصة ، والصراع العربي الإسرائيلي عامة، وجميعها أتت وبدون استثناء ، ضمن الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة، الذي يتطلب موافقة الأطراف المعنيين لتنفيذه. وبالتالي إن الحلقة الأساسية في موضوع القرار ليس متوفرا، وهو الجانب الإسرائيلي الذي يرفض أي مقاربة للقضية الفلسطينية عبر الأمم لمتحدة ، وبخاصة موضوع الاستيطان الذي يعتبره جوهر استمرار الكيان وديمومته.
وعلى الرغم من إسناد بعض الفقهاء القانونيين، مجمل قرارات مجلس الأمن خاصة ، وباقي الأجهزة عامة إلى المادة 25 من الميثاق، التي توجب التزام الدول بمقررات مختلف الأجهزة ، إلا أن هذه المادة تحديدا آتت في صياغاتها القانونية عامة وذات صفة إجمالية غير محددة ، لجهة نوعية القرارات أو الجهاز الذي يصدره، وبالتالي لا يمكن القياس عليها في معرض التخصيص المتعلق بقرارات مجلس الأمن الذي أفرد الميثاق لقراراته فصلين خاصين ، يوضحان العمليات الإجرائية والتنفيذية لصدور القرارات وتنفيذها وكيفية تعاطي الدول معها.وعليه لا يمكن التعاطي مع تنفيذ القرار المذكور سوى في إطار الفصل السادس وهو بطبيعة الأمر غير ملزم.
كما أن القرار 2334 ، لا يعتبر سابقة قانونية لجهة النوع أو المضمون، فقد سبق وأصدر مجلس الأمن قرارا مماثلا شكلا ومضمونا القرار 446 تاريخ 1979 ، لجهة اعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ،عملا غير مشروع ويخالف الاتفاقيات الدولية الشارعة وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة والحروب. والى جانب هذين القرارين ثمة عشرات التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة وبعض الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة التي تناولت القضية ، إضافة إلى البيانات الرئاسية الصادرة عن مجلس الأمن تحديدا ، وجميعها غير ملزمة عمليا.
إلا أن المفارقة السياسية في هذين القرارين تحديدا ، 2334 /2016 و446 / 1979، في أن التركيز عليهما من الوجهة السياسية يتعلقان بكل من الولايات المتحدة ومصر.ففي القرارين امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ولم تستعمل حق النقض لعدم تمرير القرار، وبالمناسبة هنا، فقد استعملت الولايات المتحدة حق النقض ثلاثين مرة في مراحل سابقة على قرارات مشابهة تتعلق بإدانة إسرائيل وإقامة المستوطنات. أما ما يتعلق بمصر، فهي التي قدمت مشروع القرار 2334 وسحبته في خلال عرضه باللون الأزرق،( في المراحل التمهيدية للمداولات قبل التصويت) ومن ثم تبنت طرحه نيوزيلندا ودول أخرى. أما القرار 446 فكان بناءً لطلب مباشر من قبل مصر آنذاك وامتنعت واشنطن عن التصويت حينها، في مرحلة حساسة كانت تمر بها المنطقة والمتعلقة بالتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد.
في المحصلة يعتبر القرار 2334 قرارا كغيره من القرارات ، ولا يعبر بالضرورة عن سياسة أميركية محددة تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وأن التدقيق في خلفياته السياسية يظهر بأنه كان نتاج تضارب المزاج السياسي بين الرئيس الأميركي المنتهية ولايته الشهر القادم باراك أوباما ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سبق لهذا الأخير أن تجاوزه في العديد من المراكز السياسية الأميركية المقررة ، ومن بينها لجوئه إلى الكونغرس الأميركي وتحريضه على أوباما في معرض النقاش المتصل بالملف النووي الإيراني. وفي أي حال من الأحوال ثمة حراك مستعر في مراكز القرار الأميركي حول سلوك الرئيس المنتخب دونالد ترامب في هذا الملف، وبخاصة أن مواقفه واضحة جدا في هذا لشأن والمتمثل في دعم إسرائيل المباشر في مجمل ملفات الصراع العربي الإسرائيلي، ومن بينها مثلا وعده الشهير بنقل مقر السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، الذي اعتبر تحديا رئيسا للإدارات الأميركية المتعاقبة على السلطة.
في المحصلة أيضا، ثمة ما يربو على خُمس قرارات الأمم المتحدة ذات صلة بالصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن أيا منها لا صلة له لا من قريب ولا بعيد بنوعية الإلزام ،وبخاصة الفصل السابع، فإسرائيل تعتبر استثناءً لقرارات الأمم المتحدة، إن لجهة قبول عضويتها في المنظمة الدولية أو بالسلوك السياسي المعتاد معها، فقد علقت عضويتها على شرط قبولها القرارين الشهيرين قرار التقسيم 181 وعودة اللاجئين 194، وهو امتياز لم تحصل عليه أي دولة منضمة إلى المنظمة سوى إسرائيل، فهل أن القرار 2334 سيوقف الاستيطان؟ انه فهلا أمر غريب عجيب!