ترامب والولايات غير المتحدة الأميركية
د.خليل حسي
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
بيروت: 2/2/2017
عندما صعد ميخائيل غورباتشوف إلى قمة السلطة في الاتحاد السوفياتي السابق ،
على حصان البروسترويكا، منتصف ثمانينات
القرن الماضي، حصد شعبية داخلية وخارجية لا مثيل لها، لكن تداعيات المشروع كانت
وبالا، تفكك الاتحاد السوفياتي.اليوم وصل الرئيس الاميركي دونالد ترامب ، إلى سدة
السلطة بشعارات شعبوية تتقاطع كثيرا مع شعارات غورباتشوف، فهل ستكون النتيجة واحدة
مستقبلا.
فقد علت الأصوات مؤخرا في ولاية فلوريدا الأميركية الداعية للانفصال عن
الاتحاد الفدرالي، ويبدو أن ثمة إجراءات دستورية سيتم العمل فيها، وفي الواقع
لا تعتبر هذه المطالبة سابقة في الحياة
السياسية الأميركية ، فقد سبقها العديد من المحاولات، في ظروف مختلفة، فهل سيسهم
الرئيس ترامب في تحفيز المجتمع الأميركي على الانفصال؟.
بداية، في قراءة بسيطة للسلوك النفسي والسياسي الذي يحرّك ترامب شخصيا، لها
من المفارقات التي تجزم بجدية المأزق الذي يضع بلاده فيه ، ليس على صعيد السياسة
الخارجية فحسب، وإنما في جملة قضايا داخلية، ومنها الاتحاد وتأجيج مشاعر الانفصال،
بعد تعاظم المعارضة ضده، وتسجيله رقما قياسيا في هبوط شعبيته قياسا بالرؤساء
الأميركيين الذين سبقوه، إذ خلال ثمانية أيام فقط بعد تنصيبه رئيسا، تقلصت شعبيته إلى
51% ، وهو رقم استغرق أسلافه سنوات للوصول إليه، ما يعني أن ثمة ، سابقة أيضا بين
الرؤساء الأميركيين وهو ترامب تحديدا ، الذي سيقود أميركا إلى التفكك ، إذا ما
استمر بسلوكياته السياسية التي لا تشبه أميركا أصلا.
صحيح إن المطالبة بالانفصال أمر متكرر في الحياة السياسية الأميركية، لكنه
ارتدى صورا خاصة ومتنوعة، منها على سبيل المثال أسبابا قومية وعرقية، وهذا ما أشار
إليه بول كيندي مثلا في معرض رؤيته للامتداد الإمبراطوري المفرط للولايات المتحدة،
ما يشجع لاحقا بنظره على الدعوة للانعزالية ،وإعادة التركيب والتفكيك للمجتمع
الأميركي. وعلى قاعدة التحلل الأخلاقي والإيديولوجي، ترى جويل غارو في كتابها ،
الأمم التسع للولايات الشمالية، المظاهر الواضحة للتفسخ والتحلل الأميركي
الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.والرؤية ذاتها تبناها عالم الاجتماع الفرنسي
ايمانويل تود في كتابه ما بعد الإمبراطورية.
ما يقوم به ترامب حاليا ، المضي بتأجيج هذه النزعات القومية والعرقية،عبر
قوانين تتوجه أساسا إلى ما تسميه الإدارات الأميركية المتعاقبة الدول المارقة ،
والتي تعكس الإجراءات التنفيذية للقوانين تعزيز الانكفاء الأميركي نحو مطالب
انفصالية بعد تذمرها من سياسات سابقة، ويمارسها الرئيس الحالي بسلوك سياسي فظ ، ما
يعزز معارضيه الذين لن يجدوا سوى انفصال الولايات عن السلطة الاتحادية حلا للمشاكل
التي تعاني منها مختلف الولايات.
صحيح أن ثمة تململ وتذمر واضحين من قبل شرائح
واسعة من المجتمع الأميركي تجاه الرئيس ترامب وسياساته الداخلية والخارجية، إلا أن
هذا الاتساع من الصعب أن يثمر سريعا ، في وقت تتسارع فيه موجات المطالبة
بالانفصال، فعلى سبيل المثال، بدء ولاية فلوريدا بالإجراءات الدستورية
كالاستفتاء،وسبقها في ذلك ولاية ألاسكا في العام 2014، وكذلك ولايتا فيرموت وهاواي
في العام 2012، على خلفية أن الاتحاد قام على أساس كونفدرالي لا فدرالي، وتطور إلى
أن أصبحت السلطة الفدرالية هي الأساس على حساب القضايا المحلية المتعلقة
بالمواطنين تحديا، والذي يتحكم فيها كارتل وتراست المال في وول ستريت. هذا عدا استطلاعات
الرأي التي أجريت بين أغسطس / آب وسبتمبر / أيلول 2016 ، والتي أفضت إلى أن 39.3 %
تطالب بانفصال ولاياتها عن الاتحاد.
ما يجري حاليا في الولايات المتحدة الأميركية هو مشابه تماما لما جرى في
معظم الإمبراطوريات التي سادت ثم بادت في التاريخ القديم كما الحديث، إلا أن ما
تمضي به هذه الإدارة تحديدا، سيسرع في الغليان الاجتماعي ما سيؤدي إلى المزيد من
التحلل والتفكك، فهل سيكون ترامب بطل التفكك ، كما سبقه غورباتشوف في الاتحاد
السوفياتي، سؤال مشروع لدى التدقيق فيما يجري في الولايات غير المتحدة الأميركية !.