تحديات موازنة الأمم المتحدة
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
ليس جديدا أن تواجه الأمم المتحدة مشاكل وتحديات عند إقرار الجمعية العامة للموازنة، فمنذ تأسيسها حكمت الموازنة العديد من الاعتبارات ،أبرزها تحكم بعض الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية التي تسهم في 22% من الموازنة العامة و28 % من تمويل عمليات حفظ السلام.وبالنظر لتكرار هذه المصاعب سنويا، عمدت الجمعية العامة ومنذ العام 1973 إلى إقرار الموازنة لكل عامين بدلا من سنوية الموازنة في محاولة للتقليل من المفاجآت المحتملة سنويا.
وما زاد الطين بلة في هذا الاطار ، التوجه الذي قاده الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعي إلى خفض مساهمة واشنطن في الموازنة، ووصل الأمر به إلى التفكير بالانسحاب من الأمم المتحدة واصفا إياها بأسوأ الأوصاف. وظهر هذا التحوّل عمليا وواقعيا خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017 ، حيث قادت واشنطن تيارا عمد بقوة إلى تخفيض الموازنة بنسب غير مسبوقة ، حيث بلغ التخفيض 5% لموازنتي 2018 و2019 مقارنة بالعامين المنصرمين 2016 و2017. فموازنة العامين المقبلين وصلت إلى 5.379 مليار دولار بينما كانت موازنة العامين الماضيين 5.683 مليار دولار ، فيما بلغت موازنة قوات حفظ السلام 7.3 مليار دولار التي تقر منفصلة عن الموازنة العامة عادة، التي أقرت في يونيو/ حزيران 2017. وفيما طالبت واشنطن بتشدد كبير التخفيض 250 مليون دولار ، طالبت الدول الأوروبية بتخفيض آخر وصل إلى 160 مليون دولار. ويعكس التوجه الأميركي قرار الرئيس ترامب بتخفيض ميزانية وزارة الخارجية الأميركية بنسبة 37% إي ما نسبته 20 مليار دولار والذي يؤكد العزم على تخفيض نسبة واشنطن في تمويل المنظمة الدولية المقترح 50% ، وفي وقت لم تسدد حتى الآن واشمطن مساهمتها عن العام 2017.
وفيما تعتزم الإدارة الأميركية البدء في آليات تنفيذية للتخفيض تقدر بـ 40% للوكالات المتخصصة وفقا لمعايير أبرزها؛ أولا إذا عمدت هذه المنظمات أو الوكالات إلى الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كعضو كامل العضوية فيها، أو ساهمت هذه الوكالات في عمليات الالتفاف على العقوبات الموجهة ضد إيران وكوريا الشمالية، ثانيا وقف التمويل عن أي وكالة تسيطر عليها إي دولة تؤوي الإرهاب أو تقع تحت أي شكل قي نفوذ هذه الدولة ، منع التمويل لأي منظمة أو وكالة تقع تحت نفوذ دولة تضطهد جماعات مهمشة أو تخترق حقوق الانسان. يشار إلى أن الولايات المتحدة أوقفت تمويل منظمة الاونيسكو في العام 2011 بعد اعترافها بفلسطين كعضو كامل العضوية في أعمالها.
وفي الواقع لا تعتبر الولايات المتحدة وحيدة في التشدد لخفض موازنة الأمم المتحدة، بل تساندها العديد من الدول النامية التي ليس لها قدرة على الدفع رغم استفادتها من هذه الموازنات ، فيما تحاول بعض الدول الكبرى كالصين مثلا زيادة مساهماتها بعد تعاظم ظهورها على الصعيد العالمي، ورغم ذلك لا زالت تبدو المساهمات الصينية ضئيلة مقارنة بنظيرتها الأميركية. وتتخوف الكثير من الأوساط الاقتصادية والمالية الدولية من هذه المناهج المتبعة مع الأمم المتحدة إلى تداعيات اقتصادية وتجارية دولية تنذر بفوضى عارمة ستنعكس على الدول النامية والغنية على حد سواء.كما من شأن هذه التخفيضات التأثير على مستويات التقديمات للدول الفقيرة وكذلك لتداعيات اللاجئين والمهاجرين في العديد من الدول، ناهيك عن التخفيضات التي طالت منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين والتي في الأساس تعاني من أزمات تمويلية عميقة.
في الواقع حلت الأمم المتحدة محل عصبة الأمم وعلى أنقاضها، ومحاولة تفادي السقوط في الثغر التي وقعت فيها العصبة سابقا، عبر التركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، لكن ما يحدث حاليا لا يشي بخير لمستقبل هذه المنظمة التي علقت عليها الآمال منذ سبعة عقود ونيف. فالتمويل يعتبر من الوسائل الأولية التي يجب أن تؤمن للمنظمة إذا ما أريد لها القيام بما أوكل لها في الميثاق، وإذا لم يكن الأمر كذلك فحتما ستلحق بسابقتها وهو أمر ينبغي التنبه له ، لما له من تداعيات خطيرة على الأمن والسلم الدوليين التي قامت المنظمة على أساس حفظهما منذ العام 1945.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
ليس جديدا أن تواجه الأمم المتحدة مشاكل وتحديات عند إقرار الجمعية العامة للموازنة، فمنذ تأسيسها حكمت الموازنة العديد من الاعتبارات ،أبرزها تحكم بعض الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية التي تسهم في 22% من الموازنة العامة و28 % من تمويل عمليات حفظ السلام.وبالنظر لتكرار هذه المصاعب سنويا، عمدت الجمعية العامة ومنذ العام 1973 إلى إقرار الموازنة لكل عامين بدلا من سنوية الموازنة في محاولة للتقليل من المفاجآت المحتملة سنويا.
وما زاد الطين بلة في هذا الاطار ، التوجه الذي قاده الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعي إلى خفض مساهمة واشنطن في الموازنة، ووصل الأمر به إلى التفكير بالانسحاب من الأمم المتحدة واصفا إياها بأسوأ الأوصاف. وظهر هذا التحوّل عمليا وواقعيا خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017 ، حيث قادت واشنطن تيارا عمد بقوة إلى تخفيض الموازنة بنسب غير مسبوقة ، حيث بلغ التخفيض 5% لموازنتي 2018 و2019 مقارنة بالعامين المنصرمين 2016 و2017. فموازنة العامين المقبلين وصلت إلى 5.379 مليار دولار بينما كانت موازنة العامين الماضيين 5.683 مليار دولار ، فيما بلغت موازنة قوات حفظ السلام 7.3 مليار دولار التي تقر منفصلة عن الموازنة العامة عادة، التي أقرت في يونيو/ حزيران 2017. وفيما طالبت واشنطن بتشدد كبير التخفيض 250 مليون دولار ، طالبت الدول الأوروبية بتخفيض آخر وصل إلى 160 مليون دولار. ويعكس التوجه الأميركي قرار الرئيس ترامب بتخفيض ميزانية وزارة الخارجية الأميركية بنسبة 37% إي ما نسبته 20 مليار دولار والذي يؤكد العزم على تخفيض نسبة واشنطن في تمويل المنظمة الدولية المقترح 50% ، وفي وقت لم تسدد حتى الآن واشمطن مساهمتها عن العام 2017.
وفيما تعتزم الإدارة الأميركية البدء في آليات تنفيذية للتخفيض تقدر بـ 40% للوكالات المتخصصة وفقا لمعايير أبرزها؛ أولا إذا عمدت هذه المنظمات أو الوكالات إلى الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كعضو كامل العضوية فيها، أو ساهمت هذه الوكالات في عمليات الالتفاف على العقوبات الموجهة ضد إيران وكوريا الشمالية، ثانيا وقف التمويل عن أي وكالة تسيطر عليها إي دولة تؤوي الإرهاب أو تقع تحت أي شكل قي نفوذ هذه الدولة ، منع التمويل لأي منظمة أو وكالة تقع تحت نفوذ دولة تضطهد جماعات مهمشة أو تخترق حقوق الانسان. يشار إلى أن الولايات المتحدة أوقفت تمويل منظمة الاونيسكو في العام 2011 بعد اعترافها بفلسطين كعضو كامل العضوية في أعمالها.
وفي الواقع لا تعتبر الولايات المتحدة وحيدة في التشدد لخفض موازنة الأمم المتحدة، بل تساندها العديد من الدول النامية التي ليس لها قدرة على الدفع رغم استفادتها من هذه الموازنات ، فيما تحاول بعض الدول الكبرى كالصين مثلا زيادة مساهماتها بعد تعاظم ظهورها على الصعيد العالمي، ورغم ذلك لا زالت تبدو المساهمات الصينية ضئيلة مقارنة بنظيرتها الأميركية. وتتخوف الكثير من الأوساط الاقتصادية والمالية الدولية من هذه المناهج المتبعة مع الأمم المتحدة إلى تداعيات اقتصادية وتجارية دولية تنذر بفوضى عارمة ستنعكس على الدول النامية والغنية على حد سواء.كما من شأن هذه التخفيضات التأثير على مستويات التقديمات للدول الفقيرة وكذلك لتداعيات اللاجئين والمهاجرين في العديد من الدول، ناهيك عن التخفيضات التي طالت منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين والتي في الأساس تعاني من أزمات تمويلية عميقة.
في الواقع حلت الأمم المتحدة محل عصبة الأمم وعلى أنقاضها، ومحاولة تفادي السقوط في الثغر التي وقعت فيها العصبة سابقا، عبر التركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، لكن ما يحدث حاليا لا يشي بخير لمستقبل هذه المنظمة التي علقت عليها الآمال منذ سبعة عقود ونيف. فالتمويل يعتبر من الوسائل الأولية التي يجب أن تؤمن للمنظمة إذا ما أريد لها القيام بما أوكل لها في الميثاق، وإذا لم يكن الأمر كذلك فحتما ستلحق بسابقتها وهو أمر ينبغي التنبه له ، لما له من تداعيات خطيرة على الأمن والسلم الدوليين التي قامت المنظمة على أساس حفظهما منذ العام 1945.