التداعيات القانونية لاعتراف استراليا بالقدس
الغربية
بروفسور خليل حسين
رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في
الجامعة اللبنانية
شكَّل إعلان رئيس الوزراء الاسترالي سكوت مريسون،الاعتراف بالقدس الغربية
عاصمة لإسرائيل انعطافة نوعية في السياسات الخارجية الاسترالية، والتي دأبت خلال
العقود الماضية على محاولة التوازن في القرارات المتصلة بالصراع العربي الإسرائيلي
وبالأخص الفلسطيني الإسرائيلي. وعلى الرغم من إن الاستعداد لهذا الاعتراف لم يكن
جديدا ،فله خلفيات سياسية وقانونية مهدت لها استراليا منذ شهور وكان آخرها منتصف
اكتوبر / تشرين الأول الماضي، من خلال سلسلة نقاشات داخلية وإعلانية خارجية.
وعلى الرغم من محاولة مريسون التخفيف من وطأة الإعلان بالاعتراف، عبر ربطه
بالإجراءات العملية لنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس حين الاتفاق بين
الفلسطينيين وإسرائيل حول الوضع النهائي، والملفت في ذلك أيضا إعلانه ربطا
بالموضوع فتح مكتب تجاري وملحقية عسكرية في القدس الغربية في محاولة لاسترضاء إسرائيل،
فما هي الخلفيات القانونية والسياسية لهذه الخطوة غير المفاجئة؟ وهل هذا الاعتراف
المشروط يمكن أن يصرف في السياسة والقانون عربيا وفلسطينيا؟
الاعتراف وفقا لمبادئ وقواعد القانون الدولي العام وبخاصة الاتفاقيات
الدولية الشارعة،يمكن الاعتداد به ، فخلفياته عادة ما تكون سياسية مراعاة لظرف أو
وقائع ومعطيات معقدة، وعادة ما تلجأ إليها الدول حين تعرّض الاعتراف لقضية حساسة
يمكن أن تشكل خطرا على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وهي الحالة المتصلة بالقدس
والاعتراف الاسترالي، وبذلك إن إعلان مريسون يعتبر اعترافا واضحا وكاملا وله
تداعياته القانونية والسياسية على طرفي النزاع وفي هذه الحالة تعتبر إسرائيل
المستفيد الوحيد من هذا الإعلان وان أحجمت القيادات الإسرائيلية عن التعليق بحدة ،
باعتبارها خطوة ناقصة من الجانب الاسترالي والتي اعتبرها أيضا الناطق باسم
الخارجية الإسرائيلي خطوة ناقصة ينبغي تصويبها لاحقا، أي بمعنى آخر الاعتراف بكامل
القدس عاصمة لإسرائيل.
ومهما حاولت استراليا التخفيف من إعلانها هذا، عبر تأجيل نقل سفارتها إلى
القدس ، فلن يغير من أساس المشكلة، فاتفاقية العلاقات الدبلوماسية للعام 1961
وكذلك العلاقات القنصلية للعام 1963 ، ليس فيهما أي نص موجب للتبادل الدبلوماسي
والقنصلي في عواصم الدول، وان تكن السفارة عادة في عاصمة الدولة المضيفة فلها
رمزية سياسية وليس لها علاقة بالاعتراف، وهي تنشأ في العواصم بهدف تسهيل الاتصالات
بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة، وفي الحالة الاسترالية فعدم نقل السفارة
الاسترالية إلى القدس لا يغيّر شيئا بقيمة الاعتراف من حيث المبدأ، ولا يعدو كونه
تلطيفا سياسيا للسلطة الفلسطينية لا أكثر ولا أقل.أما بخصوص فتح ملحقية عسكرية في القدس
إلى جانب المكتب التجاري، فيعتبر أيضا لجهة القيمة القانونية للاعتراف سندا معنويا
له، فعادة ما توفد الدول ملحقيات عسكرية للتعبير عن حسن ودفء العلاقات البينية
طبعا ، إضافة إلى الاهتمام بصفقات السلاح وغيرها، إلا أن الجانب الأول في هذه
الحالة هو من له أولوية إسرائيلية واسترالية، وبالتالي كذلك يعتبر إضافة سلبية على
الوضعين الفلسطيني بعامة والقدس بخاصة.وعلاوة على كل ذلك لاستراليا قنصلية عاملة
في القدس وهي أحد مظاهر التمثيل وإن يكن غير سياسي ومقتصر بشكل عام حماية الرعايا
الاستراليين في علاقاتهم الخاصة.
في أي حال من الأحوال من الصعب التخفيف من تداعيات الخطوة الاسترالية، بصرف
النظر عن آي تلطي وتخفي وراء إجراءات أو مواقف مشروطة، فالاعتراف هو اعتراف ،
ويرتب حقوقا وواجبات بين الطرفين الاسترالي والإسرائيلي، أما تداعياتها السلبية
فتقع على الفلسطينيين ومستقبل القدس لاحقا.إضافة إلى ذلك ثمة سوابق مماثلة منذ أن أعلنت
الولايات المتحدة الأميركية قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في مايو/ أيار
2017، حيث تلطت بعض الدول عبر طرق ملتوية للتعمية والتخفيف من وطأة القرار
الأميركي، حيث احتجت بالعمل القنصلي في القدس كما فعلت بعض الدول.