المعلن والمضمر في القمة الأميركية الروسية
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة
اللبنانية
ليست سابقة أن تكون هلسنكي
مكانا للقاءات القمم الأميركية الروسية، فقد شهدت لقاءات إبان الحقبة السوفياتية
وتلتها لقاءات أميركية روسية كانت في حقبات دولية حساسة، وأتت القمة الأخيرة لترسم
معالم فارقة في المضمر وعادية في المعلن.ففي المباشر أزمات حادة بين موسكو وواشنطن
ارتسمت بيئاتها في العديد من المناطق أوروبيا وشرق أوسطيا، إضافة إلى نظم العقوبات
المفروضة على روسيا وحلفائها، علاوة على حرب تجارية شعواء تقودها واشنطن بمواجهة
أوروبا وتكاد تشمل العالم اجمع بمن فيها الصين وجميع بيئات منظمة التجارة
العالمية. وفي المضمر محاولة للتفاهم ضمنيا على قواعد الاشتباك في بعض الساحات الإقليمية.
فليس مصادفة أن تتزامن أعمال
القمة مع مجريات تلتها بعد يومين فقط، أولها انطلاق الكونغرس الأميركي لجلسة
استماع حول الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، في وقت إذا
عدنا بالذاكرة قبل عام تقريبا عندما عقد الكونغرس جلسة مماثلة لنقل السفارة
الأميركية إلى القدس المحتلة ، حيث نفذ الأمر بعد شهر من ذلك، والسؤال الجوهري
الذي يطرح نفسه الآن هل سيتكرر الأمر مع الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على
الجولان، في وقت يتزامن في اجتماع الكنيست الإسرائيلي لإقرار قانون نهائية الدولة
اليهودية وعاصمتها القدس في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جميعها أسئلة ذات صلة
مضمرة في الكواليس الدولية وبالتحديد كمعطيات لبعض التداعيات المفترضة أو المحتملة
للقمة الأميركية الروسية.
ثاني المعطيات المفترضة
المضمرة هي تنظيم الاشتباك الأميركي الروسي في القارة الأوروبية وهو ما تخشاه معظم
الدول الأوروبية بمن فيهم حلفاء أميركا الموثوقين سابقا، والتي زعزعت تصريحات
ترامب الأخيرة هذه العلاقات كنموذج ألمانيا وفرنسا وحتى بريطانيا، الأمر الذي يشي بإمكانية
تفاهم أميركي روسي على تنظيم عمليات التنافس والتعاون إذا وجد في غير ملف أوروبي
من الاقتصاد إلى الأمن وبالتحديد مظلة الناتو الأمنية، والذي أظهر تذمرا أميركيا
واضحا من السلوك الأوروبي المالي في تغطية نفقاته، وهو أمر عرفت كيف تديره موسكو
تحديدا في توسيع التباين الأوروبي الأميركي في هذا الملف تحديدا.
في مجال أوروبي متصل، ثمة كلام
على إمكانية البدء في صفقة أميركية روسية تتعلق بالعقوبات وملف القرم والتواجد
الأميركي والروسي والإيراني في سوريا ، وهو ملف معقد طرحت بداياته في محادثات
ثنائية سابقة، لكن يتطلب المزيد من القراءات والمعطيات للبدء في معالم إيجاد خطط
تنفيذية لذلك، لارتباطه بالعديد من الأطرف الإقليمين المستفيدين أو المتضررين من
ذلك، وفي طليعتهم إسرائيل وإيران والى حد ما تركيا في بعض جوانب الأزمة السورية
الفرعية المتصلة.
أما
المعلن منها ، هو ما جاء على لسان الرئيس الروسي في المؤتمر الصحفي المشترك، :"الحرب
الباردة انتهت منذ فترة طويلة، وأصبح عهد المواجهة الإيديولوجية الحادة بين
البلدين في خبر كان، والوضع في العالم تغيّر جذرياً... اليوم تواجه روسيا
والولايات المتحدة تحديات أخرى، ومنها الإخلال بتوازن آليات الأمن والاستقرار
الدولي والأزمات الإقليمية وانتشار مخاطر الإرهاب والجريمة الدولية وتنامي المشاكل
في الاقتصاد العالمي".إن التدقيق في هذه المفردات السياسية ، يؤكد تفاهم
الطرفان على قضايا ذات طبيعة علاقات عامة في السياقات الدولية المعتادة ولا خلاف
جوهري فيها من الناحية العملية والفعلية اقله شكلا ، لكن تخفي الكثير من الآليات
والأدوات التنفيذية التي يمكن أن تكون على حساب قضايا أخرى ذات صلة في مصالحهما في
غير منطقة وقضية.
في أي حال من الأحوال،
وان بدت القمة الأميركية الروسية ضرورة واستثناءً في سياق العلاقات الثنائية في
مكانها وزمانها، إلا أن قاعدة لقاءات قمم الدول المتحكمة في النظام العالمي لا
تريح ما اخفي منها وما أعلن عنها، فغالبا ما تتبادل الأدوار في توزيع المغانم
والمكاسب على حساب الضعفاء الذي يتأملون دائما الخير منها، وفي واقع الأمر ما يحاك
فيها وبغيرها لم تكن يوما لصالح أدوات الأزمات المفتعلة في غير منطقة من العالم.