الدستور ونظام الحكم في لبنان:
دراسة مقارنة لعهدي الجمهوريتين
غني عن سرد الوقائع والاحداث التي ظهرت في لبنان حول النظام السياسي – الدستوري فيه، حيث امتزجت مختلف اسباب النزاعات العقائدية والسياسية، الاجتماعية والاقتصادية؛ ورغم ان عدم الاتفاق حول الاسباب الحقيقية لهذه النزاعات بين الاطراف اللبنانية، الا ان تحولات كبرى قد ظهرت مؤخرا، لا سيما في النصف الثاني من السبعينيات، اذ برزت بعض ملامح الاتفاق والنقاط المشتركة في اسباب بعض الازمات، وقد تجلت في اشارة معظم الاطراف، الى ان النظام السياسي – الدستوري الذي اتبع، كان احد الاسباب الداخلية الوجيهة لمختلف الازمات.
لقد اعطت غالبية الاطراف اللبنانية، اسلامية كانت ام مسيحية، تقليدية محافظة ام تقدمية تغييرية، اشارات صريحة بأن دستور 1926 وميثاق 1943 ، لم يعودا صالحين كصيغ لادارة شؤون لبنان، نظرا للتحولات العميقة التي طرأت على بنية المجتمع اللبناني في جوانبه المختلفة. ورغم ذلك التوافق، فإن الوصول لصيغة تسسوية لطبيعة والية النظام الدستوري في لبنان لم يكن أمرا سهلا. فقد جرت محاولات عديدة لصياغة جديدة لهذا النظام، ان لجهة الحكم، او الاطراف الحزبية الموالية او المعارضة، او غيرها من المؤسسات السياسية – الاجتماعية، الا ان مجمل هذه المشاريع لم تر النور لسبب او لآخر، اذ كانت الازمات الوطنية سرعان ما تتحول الى صراعات حادة تغلق الباب امام أي تسوية ممكنة؛ بل كان كل مشروع بحد ذاته يشكل سببا الى الانتقال لمرحلة أشد عنفا من المراحل التي سبقته؛ وبدلا من ان يكون حلا يصبح مع الوقت أزمة بتداخلاته مع قضايا اخرى لا تتعلق بالنظام السياسي – الدستوري.
أولا : نظام الحكم في الجمهورية الاولى
رغم ان كل عهد رئاسي تعاقب على الحكم في لبنان، اختاررموزا سياسية معينة لمباشرة الحكم، ان كان على مستوى رئاسة الحكومة او الوزراء ؛ ورغم ان كل عهد رئاسي طبع ولايته بسمات عامة ميَّزته عن غيره ببعض الجوانب، فإن جميع تلك العهود ارتكزت في الاساس على مصدرين ثابتين لممارسة الحكم: الاول دستور 1926 وتعديلاته عام 1943، والميثاق الوطني او صيغة 1943 .
غير ان هذين المصدرين لممارسة السلطة، لم يكونا في الواقع مصدرين جامدين لجهة تأويل الصلاحيات بين اطراف الحكم، خصوصا بالنسبة للمصدر الثاني (الميثاق). اذ ان هذا الاخير لعب دورا بارزا في تليين آلية الحكم والتعاون بين رأسي السلطة التنفيذية ( رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة). وتأكيدا على ذلك فقد تمسّك مؤيدو الميثاق ومعارضوه بضرورة الرجوع اليه في الحالات التي لجأ فيها الحكم على مستوى رئاسة الجمهورية الى التطبيق الحرفي للدستور ، باعتبار ان كلا المصدرين ( الدستور والميثاق) هما مكملان لبعضهما البعض من حيث الممارسة العملية للسلطة؛ وان عدم المجاراة او التوفيق بينهما يمكن ان يؤدي الى ازمات حكومية ، ان لم تتطور الى ازمات وطنية حادة، فما هي الخلفيات الدستورية لهذه الازمات؟.
ان احد الاسباب الرئيسة الكامنة وراء دوام اشكالية ممارسة السلطة في لبنان، كانت عدم التوازن بين الصلاحيات وما يترتب عليها من مسؤوليات في كل موقع من مواقع السلطة في النظام السياسي – الدستوري.
فرغم ان النظام الدستوري في لبنان صنَّف نفسه على انه نظام برلماني، فإن ممارسة الحكم فيه، هي اقرب الى النظام الرئاسي منه الى البرلماني، او حتى النظام المختلط الذي يدمج بين الاثنين. فصلاحيات رئيس الجمهورية كما نص عليها الدستور، هي صلاحيات واسعة جدا، بحيث يدير مفاصل الحكم بدقة ويخضع لسلطته وحتى لمشيئته كل شاردة وواردة في الدولة، فيما لا يخضعه الدستور لأي مسؤولية، عدا خرقه للدستور او الخيانة العظمى، وحتى الامران الاخيران، وان ادين بهما، فإن آليات تنفيذهما غير متوافرة، لعدم وجود القانون الذي يرعى تلك المسائل .
وفيما رئيس الوزراء الذي يتحمل مسؤولية ممارسة الحكم بمختلف جوانبها، لم يشر الدستور اليه، الا في مادة وحيدة هي المادة (66) وبشكل عرضي، عند اشارتها الى ان رئيس الوزراء يلقي بيان الحكومة امام المجلس النيابي او يقوم أي وزير آخر بهذه المهمة. وفي الواقع، فإن رئيس الوزراء قد مارس الحكم مع رئيس الجمهورية بموجب اعراف دستورية، عن طريق بعض المظاهر منها :
- ان المادة (53) من الدستور تولي رئيس الجمهورية الحق في تعيين الوزراء وتسمية من بينهم رئيسا، بينما في الواقع ، كان رئيس الجمهورية يكلف احدى الشخصيات ( الاسلامية – السنية) بتشكيل الوزارة عبر اختيار الوزراء وعرض اسمائهم على رئيس الجمهورية.
- المادة (53) التي توجب توقيع الوزير المختص على أي مرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية، وفي الواقع ايضا، كان رئيس الوزراء يوقع على المراسيم بصفته رئيسا للوزراء وليس بصفة وزير مختص ، رغم ان ليس في الدستور نص يوجب ذلك.
- لقد مارس رئيس الوزراء الحكم بموجب العرف الدستوري، لذلك ظلت مظاهر الازمات الدستورية في لبنان عرضة للظهور عند اختلاف رأسي السلطة التنفيذية؛ وخاصة عندما يكون في الرئاسة الاولى اشخاص ميالون بطبعهم الى الهيمنة والتفرّد ، وعندما يشاركهم في الحكم رؤساء وزراء يتم اختيارهم على اسس عدم مراعاة تمثيلهم الشعبي، او كفاءاتهم السياسية العالية التي يفرضها موقع رئيس الوزراء في آلية الحكم.
باختصار يعود عمق الازمات الدستورية في لبنان على صعيد ممارسة الحكم في الجمهورية الاولى، لعدة اعنبارات سلبية تتعلق بنص الدستور وممارسته وابرزها:
- عدم تحديد مسؤولية رئيس الجمهورية بشكل متوازن مع صلاحياته .
- عدم اعتماد النظام الرئاسي بشكل صريح اذا كان المقصود النظام الرئاسي، او عدم حصر صلاحية رئيس الجمهورية في حدود " الحكم" اذا كان المقصود النظام البرلماني.
- عدم تحديد صلاحيات الوزراء ومسؤولياتهم بشكل دقيق ومتوازن .
- عدم تطبيق المواد المتعلقة باتهام رئيس الجمهورية والوزراء ومحاكمتهم وتعيين المجلس الاعلى.
- عدم تحديد صلاحيات رئيس الوزراء بشكل متوازن مع مسؤولياته.
ثانيا : نظام الحكم في الجمهورية الثانية
وفقا لبعض البنود المعدّلة في الدستور ، التزم لبنان مرة اخرى بالنظام البرلماني الديمقراطي . وظهر ذلك في ديباجة الدستور، لاسيما الفقرات (ج) و (د) و (هـ) :" فلبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية" و " الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة" و " النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها".
اذن، من الناحية النظرية على الاقل، اعتمد الدستور مبادىء النظام البرلماني؛ فهل جاءت النصوص العامة في الدستور مكملة لذلك؟ أم أتت في اشكال مغايرة؟. ثم هل ان النصوص قد أمَّنت السبيل العام لممارسة السلطة بشكل يؤمن التعاون والتوازن أم لا؟. واذا كان التوازن قد تمَّ على الصعيد النظري ، فما هي العوامل المؤثرة ففي اختلال صيغة التعاون بين المؤسسات الدستورية ورئاساتها؟.
ان التدقيق في الصلاحيات الدستورية لكل من الرئاسات الثلاث ومؤسساتها، تعطي فكرة واضحة عن امكانية التوازن المتوافرة وعن امكانية التعاون فيما بينها، كما ان مقاربة هذه الصلاحيات مع الصلاحيات المناطة بها سابقا قبل تعديل الدستور، يمكن ان تساعد على تلمّس العوامل المؤثرة في التعاون.
1– السلطة التنفيذية
انيطت السلطة التنفيذية في لبنان وفقا لنص المادة (17) من الدستور المعدل، بمجلس الوزراء بعدما كانت مناطة برئيس الجمهورية ويعاونه فيها الوزراء. وبذلك يكون الدستور قد قوض من حيث " الشكل" من صلاحيات رئيس الجمهورية، واعتبر مجلس الوزراء الذي من المفترض ان يمثل مختلف التيارات السياسية والطائفية في المجتمع اللبناني، هو المؤتمن على ادارة البلاد وحماية مصالحها الحيوية.
بيد ان اسناد السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء مجتمعا ليس مطلقا. فهناك مواد ونصوص تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، تحد من آلية ممارسة هذه السلطة من قبل المجلس، ويمكن ان تنزع عنه الى حد بعيد صفة " الاناطة" التي تعني ضرورة التحكّم في آلية ممارسة السلطة بشكل دقيق. أي بعبارة اخرى، رغم ان الحدود مرسومة لصلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور، فقد اعطته مجالا وهامشا واسعين للتحرك في الاتجاه الذي يريد، وبالتالي التأثير بشكل او بآخر في ممارسة مجلس الوزراء لسلطته.
أ- صلاحيات رئيس الجمهورية: بعيدا عن بعض المواد والنصوص الدستورية المعدّلة التي أبقت في جانب منها على صلاحياته وقيَّدت بعضها الآخر، فإن عددا من الفقرات الواردة في المادة (53) تعطي لرئيس الجمهورية قدرة على التحكّم في مسار ممارسة السلطة الاجرائية.
فالفقرة الاولى من المادة (53) تجيز له ان يترأس جلسات مجلس الوزراء ، وعندما يشاء ، ورغم وضع الشرط للحضور عدم التصويت، فإن عدم تحديد الحالات للحضور، وابقاءها خاضعة لمشيئته ، تعني ابقاء شراكته كاملة في السلطة التنفيذية، وهذا ما اكدته الفقرات اللاحقة من نفس المادة.
فالفقرة (11) تجيز له عرض " أي أمر من الامور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال" الامر الذي يجعله مشاركا اساسيا في ترتيب الاولويات المطروحة للمناقشة والبت في مجلس الوزراء. اضافة الى امكانية "الطرح" من خارج جدول الاعمال، وكونه يرأس اجتماع المجلس، فهو بحكم الضرورة يدير الجلسة، وبالتالي يملك القدرة على الاخذ والرد في المواضيع المطروحة، وبالتالي المساهمة في تعجيل او تأخير تقريرها على جدول اعمال مجلس الوزراء.
أما الفقرة (12) من المادة (53) نفسها، فتعطيه الحق في دعوة " مجلس الوزراء استثنائيا، كلما رأى ذلك ضروريا" وعلى الرغم من ربط هذا الحق " بالاتفاق مع رئيس الحكومة" فإن عدم تحديد – ولو بشكل عام – الحالات الضرورية للاجتماعات الاستثنائية لمجلس الوزراء، تعطيه خيارات واسعة واستنسابية في تحديد الضرورات التي توجب الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء.
ان الفقرات الثلاث السالفة الذكر، وان ربطت بقيود معينة، كعدم حق التصويت، او موافقة رئيس الحكومة او غيرها، تفسح المجال لتكريس اعراف دستورية لاحقة، تصبح بقوة القانون اذا ما تواترت بالممارسة والقبول، الامر الذي سيتسبب ببعض التشابك في الصلاحيات بين الرئاستين الاولى والثالثة .
ب- صلاحيات رئيس مجلس الوزراء: أُعتبر رئيس مجلس الوزراء في تركيبة الحكم اللبناني الشريك المسلم الى جانب رئيس الجمهورية بخصوص ممارسة السلطة الاجرائية. وكما اسلفنا، فإن ممارسته لصلاحياتهّ تمّت بنصوص مكتوبة، ذلك لعدم ذكر دستور 1926 وتعديلاته (عدا الاخير) لأي صلاحية مباشرة وواضحة سوى المادة (66) التي ذكرت عرضا، انه يلقي ببيان حكومته امام المجلس النيابي لنيل الثقة، وحتى ان المادة نفسها، لم تحصر هذه المهمة، بل يمكن ان يقوم بها أي وزير في التشكيلة المقترحة.
ان الوضعية الدستورية التي احاطت برئيس مجلس الوزراء، كانت احد الاسباب المباشرة لاختلال صيغة التوازن في الحكم التي سادت مختلف الحقبات الحكومية التي مارست الحكم مع رئيس الجمهورية ، والتي غالبا ما اظهرت فتورا في العلاقة بين رأسي السلطة التنقيذية عند نشوء أي ازمة حكومية او وطنية، الامر الذي دفع بالاطراف المساندة لرئيس الوزراء الى المطالبة بالمزيد من الصلاحيات الدستورية لاعادة التوازن الذي يعاني خللا واضحا في الاساس.فهل اتت التعديلات الدستورية الاخيرة، موافقة لتطلعات المنادين بتوسيع صلاحيات رئيس مجلس الوزراء ام لا؟
في الواقع، ان التدقيق في المادة (64) من الدستور المعدّل وفقراتها الثماني ، التي خصصت لصلاحيات رئيس مجلس الوزراء، تظهر بعض الصلاحيات في الشكل، وبنفس المستوى الذي قُيّدت فيه شكلا صلاحيات رئيس الجمهورية ، اضافة الى ان الصلاحيات المذكورة في نفس المادة تكرس صلاحياته بنص مكتوب بعدما مارسها عرفا.
فرئيس مجلس الوزراء ، عرفته المادة (64) على انه " رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم باسمها، ويعتبر مسؤولا عن تنفيذ السياسة العامة التي يصنعها مجلس الوزراء". اذا بموجب نص هذه الفقرة، فإن رئيس مجلس الوزراء هو حكما رئيس الحكومة الذي يمثل مجلس الوزراء ويتكلم باسمه، أي بعبارة اخرى، ان رئيس الحكومة هو المسؤول عن سياسة الحكومة تعبيرا وتنفيذا، وهذا الحق وفق نص المادة (64) هو حصرا به ، وليس في أي شخص اخر سواه.
لقد حددت الفقرة الاولى من المادة (64) انه " يرأس مجلس الوزراء " في حال عدم حضور رئيس الجمهورية، وفي ذلك نص مكتوب آخر يحدد مهامه. اذ ان رئيس الحكومة كان في السابق يرأس " مجلسا وزاريا" في حال عدم حضور رئيس الجمهورية، ولا يسمى " مجلس الوزراء" ما يعني ان رئيس الحكومة يرأس مجلس الوزراء ويسمى قانونا ، اجتماعا لـ " مجلس الوزراء" وليس اجتماعا لـ " مجلس وزاري" وتكمن اهمية التفريق في هذه الحالة ؛ ان مجلس الوزراء، هو مؤسسة دستورية لها شخصيتها الدستورية والقانونية بمعزل عن رئاسة الجمهورية، الامر الذي لم يكن واضحا في دستور 1943 .
ووفقا للفقرة ( 2 ) من نفس المادة، فهو الذي يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية على مرسوم التعيين، وفي الواقع مارس رئيس الوزراء هذه المهمة عرفا في السابق، بخلاف ما نص عليه الدستور قبل التعديل الذي اناط مهمة تعيين الوزراء وتسمية رئيس من بينهم، برئيس الجمهورية.
ان الامر اللافت في هذه الفقرة اضافة الى وضوحها بنص مكتوب لصالح رئيس مجلس الوزراء، فإن تحديد مهلة تقديم بيانها الوزاري امام مجلس النواب لنيل الثقة بثلاثين يوما، تقطع الطريق على أي عملية للتسويف او المماطلة التي كانت سائدة في بعض العهود الرئاسية ، كما ان تحديد ممارسة عملها بعد نيل الثقة امر طبيعي في النظام البرلماني، الا ان مدى ممارسة صلاحياتها بعد " استقالتها او اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال" فتعتبر محاولة التفاف على أي خطوة يمكن ان تحدث من قبل رئيس الحكومة، باعتبار ان الامثلة على ذلك متعددة في تاريخ لبنان الدستوري، لا سيما في الفترات التي رأس فيها الرئيس رشيد كرامي الحكومة، كنموذج المقاطعة في العام 1969 مع الرئيس شارل حلو، ورئاسته للحكومة في أواخر عهد الرئيس سليمان فرنجيه، وكذلك مع الرئيس أمين الجميل في العام 1986 ومقاطعته وتفديم استقالة حكومته، وبقائه فيما بعد ممارسا مهامه الدستورية حتى اغتياله".
ج- مجلس الوزراء: يمكن القول ان محور ممارسة السلطة الاجرائية في لبنان باتت مناطة بمجلس الوزراء مجتمعا وفقا لبعض النصوص الدستورية المعدلة. فبعدما كانت هذه المهام يمارسها رئيس الجمهورية في السابق وفقا للمادة (17) ويعاونه الوزراء؛ بات مجلس الوزراء هو الذي يتولى السلطة مباشرة في جميع المجالات تقريرا وتنفيذا.
فالفقرات (1) و(2) و(3) و (4) من المادة (65) تعطي مختلف أوجه النشاطات العامة التي يمكن لمجلس الوزراء ممارستها، كاخضاع القوات المسلحة لسلطته، ووضع السياسة العامة للدولة، ووضع مشاريع القوانين، والمراسيم التنظيمية، وتعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم.
- ان الامر اللافت بخصوص مجلس الوزراء، هو تحديد صلاحياته بشكل واضح واناطة السلطة التنفيذية به. فرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، رغم تمتعهما بصلاحيات معينة، باتا مقيدين الى حد ما في ممارسة صلاحياتهما بموافقة مجلس الوزراء، الامر الذي يجعل مجلس الوزراء – ولو على الصعيد النظري – الاداة المركزية لهيكلية الدولة، اذا ما استبعدت بعض العوامل المؤثرة في اضعاف دوره بين المواقع الدستورية الاخرى.
- مظهر اّخر لتمييز مجلس الوزراء كمؤسسة دستورية في ممارسة مهامه بمعزل عن الرئاسات الاخرى ، اجتماعه في مقر خاص، اضافة الى تحديد اّلية انعقاد جلساته، كنصاب، الثلثين، ومبدأ التصويت على القرارات اذا تعذر التوافق عليها، معطوفة على حصر المواضيع الاساسية التي تحتاج الى موافقة ثلثي اعضاء مجلس الوزراء .
- ان المادة (69) قد قطعت الطريق امام أي تأويل لاعتبار الحكومة مستقيلة، فقد حصرت الحالات التي تعتبر فيها مستقيلة: في استقالة رئيسها، وفقدان ثلث عدد اعضائها، بوفاة رئيسها، عند بدء ولاية رئيس الجمهورية، عند بدء ولاية مجلس النواب، ونزع ثقة المجلس النيابي عنها في حالتين، اما بطلب من مجلس النواب، او عند طرحها الثقة بنفسها .
2 – السلطة التشريعية:
رغم ان السلطة التشريعية في عهد الجمهورية الاولى قد عانت الكثير، ويعود ذلك الى الضغوط التي مورست عليها من قبل السلطة التنفيذية في احيان كثيرة، اضافة الى تشرذم الجسم النيابي، وافتقاره في الاساس لأصول اللعبة البرلمانية وآلياتها، كالكتل البرلمانية الفاعلة على سبيل المثال . فإنها تظل افضل حالا من السلطة التنفيذية، ولو بشكل نسبي عند النظر الى ممارسة النشاطات والاداء والنتائج.
غير ان التعديلات الدستورية فيما خص السلطة التشريعية، لم تعطها تحرراً كاملاً وانفصالاً تامين عن السلطة التنفيذية (وهذا أمر طبيعي في النظام البرلماني)، إلا انه يمكن ملاحظة الفرق بين الوضعين (السابق واللاحق للتعديل عبر تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل نسبي يسمح للسلطة التشريعية في حال أحسن استعمال النصوص، بممارسة أعمالها بمعزل عن الضغوط التي كانت تُمارس عليها. على أن هذه الإمكانية في التحرك، ليس مردها الى تعديلات طالت الجسم النيابي مجتمعاً، بل تعود في جوهرها إلى تقوية موقع رئيس المجلس النيابي الذي يكون من الناحية النظرية رئيس الأغلبية النيابية الموالية له.
إن أحد مظاهر تقوية موقع رئيس المجلس النيابي، انتخابه لمدة ولاية المجلس، أي اربع سنوات وفقاً للفقرة الأولى من المادة (44). وبذلك يكون رئيس المجلس قد تمكن من التحرك في مجال سلطاته التشريعية بهامش أوسع وأكبر لعدم اضطراره إلى مسايرة باقي المواقع الدستورية في نظام الحكم. ففي السابق كان رئيس المجلس النيابي ينتخب مع أعضاء هيئة مكتب المجلس لمدة عام واحد، الأمر الذي جعله مضطراً للتصرف ضمن اعتبارات كثيرة لتمكنه من إعادة انتخابه مرة أخرى ولمتابعة نهجه التشريعي.
على أن هذا الوضع الجديد الذي اكتسبه رئيس المجلس النيابي ليس مطلقاً، فقد حدّت منه الفقرة الأخيرة من نفس المادة، إذ أفسحت المجال لأعضاء المجلس إعادة النظر في موقعه عبر نزع الثقة عنه وعن نائبه بناء على طلب من ثلثي أعضاء مجلس النواب، وبعد عريضة يوقعها عشرة منهم.
بيد أن نزع الثقة عن الرئيس ونائبه قد حددت بشرطين أساسيين: الأول بعد مرور سنتين على انتخابهما، وهي فترة كافية ومعقولة لإثبات قدرته في ممارسة السلطة، وكذلك في تحديد وتنفيذ النهج التشريعي الذي يتبناه. أما الثاني فيتعلق في عدد الأعضاء الذين يطلبون نزع الثقة، وفي ذلك، قد ساوى الدستور بين نزع الثقة عن الرئيس ونائبه وبين تعديل الدستور نفسه. إذ ان الدستور قد لحظ هذه الأغلبية وآلية تنفيذها في نزع الثقة وتعديل الدستور، الأمر الذي يصعب توفره إذا لم تكن الأسباب الموجبة له أسباباً جوهرية وتتعلق بالقضايا الوطنية ذات الشأن.
مظهر آخر لتقوية موقع رئيس المجلس النيابي، يظهر في إلزامية اطلاعه على الاستشارات التي يجريها رئيس الجمهورية في معرض استشاراته لتكليف رئيس الحكومة بتشكيل الوزارة وفقاً للفقرة الثانية من المادة (53). فبعدما كان رئيس الجمهورية يكلّف أحد الشخصيات بتشكيل الحكومة وفقاً لاستشارات نيابية غالباً ما كانت شكلية، باتت الاستشارات ملزمة لرئيس الجمهورية وملزمه له باطلاع رئيس المجلس عليها، أي بعبارة أخرى، لقد اصبح رئيس المجلس النيابي شريكاً فعلياً لرئيس الجمهورية في آلية التكليف، الأمر الذي ساعد إلى حد كبير في توطيد العلاقة بين رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب من جهة وأعضاء المجلس النيابي الذين أبدوا رغبتهم في تكليفه من جهة أخرى.
ثالثاً : الطائفية السياسية
رغم أن المادة (95) المعدلة في دستور 1926 قد لحظت التوزيع الطائفي للوظائف، وبتشكيل الوزارة "بصورة مؤقتة" فقد ظلت تتحكم بدقة في مسار الحكم والحكومات منذ الاستقلال دون الإخلال بها ولو بأشكال غير مباشرة، بل ان الأمر تعدّى صفة "المؤقت" إلى صفة "الدائم" مع إبراز "نظام الكوتا" المغلق للطوائف حفاظاً على أشكال التوازن الشكلي في ممارسة الوظيفة العامة والحكم على السواء .
فلبنان بتركيبته الاجتماعية ـ الطائفية التي احتوت على ثماني عشرة طائفة معترف بها رسمياً، لها أنظمة أحوالها الشخصية وحقوقها وامتيازاتها تجعل من النظام السياسي ـ الدستوري اللبناني، نظاماً له بعد خاص لجهة علاقة الطائفية السياسية بممارسة الحكم. فالطائفية تغلغلت في أسس النظام وتكرّست به في أشكال دستورية وقانونية وعرفية". وأعطته ابعاداً إضافية لجهة المجموعات الاجتماعية التي عاشت فيه ومارست الحكم من خلال مؤسساته .
غير أن الأمر اللافت في ذلك، أن غالبية الطوائف اللبنانية وأحزابها وتياراتها السياسية، طالبت ولا تزال تطالب بإلغاء الطائفية السياسية، فيما مطالبها وممارستها العملية، دلّت ولا تزال تدل على التمسك بها وعدم التخلي عنها حتى في أسلوب الطرح لإلغائها. فمجمل مشاريع الإصلاح السياسي التي ظهرت حتى من بعض الفئات السياسية غير الطائفية، طمعت بمطالب طائفية بحتة. مثلاً ينص أحد البرامج بتاريخ 19/8/1975 على إلغاء الطائفية السياسية، بينما في البند الثالث منه على "تحقيق التوازن" وبيان آخر في 9/3/1984 يقول من "المستحسن عدم إلغاء أي فئة من الإسهام في المشاركة في إطار الحوار الوطني" بينما ينص البند الثاني على إلغاء الطائفية السياسية. وورقة عمل مشتركة قدمت الى مؤتمر الحوار الوطني في لوزان بتاريخ 20/3/1984 "إلغاء الطائفية الوظيفية على كل المستويات" بينما يضيف البيان، يعتمد هذا المبدأ فور تسوية أوضاع الطوائف المغبونة .
مشروعان آخران لم يريا النور، وقد هدفا إلى إعادة النظر في أسلوب المشاركة في الحكم، وهما الوثيقة الدستورية عام 1976، والاتفاق الثلاثي عام 1985، وكلاهما كرسا الطائفية السياسية. الأول عبر توزيع الرئاسات الثلاث بشكل طائفي وبنص مكتوب بعدما كان الأمر مكرساً عرفا، إضافة الى التساوي في عدد أعضاء المجلس النيابي. اما الثاني وإن لم يُشر إلى توزيع الرئاسات، فقد انشأ مجلساً للشيوخ على أن يُعطى للطائفة الدرزية، ولحظ تشكيل مجلس وزاري ووزراء دولة، إرضاء لبعض الطوائف.
مشاريع الإصلاح في مجملها، كانت محاولات من قبل الطوائف أو الأطراف السياسيين التي تمثلها لتثبيت مواقعها في مراكز الحكم، إضافة إلى أنها كرَّست الطائفية في جوهر مشاريعها. فهل اتت التعديلات الدستورية مغايرة للوضع السابق؟ أم حاولت التوفيق بين الالغاء والتمسك بها، عبر التدرج في إلغاء الطائفية السياسية؟
ان التدقيق في المادة (95) المعدلة وفقاً لنص وثيقة الوفاق الوطني، تظهر الرغبة في إلغاء الطائفية السياسية، إلا أنها ربطت بقضايا أخرى لا تقل تعقيداً عنها، بحيث أصبحت مسألة عامة دون أطر محددة لإلغائها من حيث الزمان على الأقل.
فإلغاء الطائفية وفقاً للفقرة الأول من نفس المادة، أعطت حق الالغاء لمجلس النواب "المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين" وعدا عن كون التوزيع الطائفي للمجلس، فان انتخاب أعضاء المجلس قد أسند في الأساس إلى قانون الانتخاب" الذي وزَّع المقاعد النيابية على أساس طائفي "كالتساوي" و"نسبياً بين المناطق" و"نسبياً بين الفئتين" إضافة الى اعتماد "المحافظة كدائرة انتخابية" .
لقد ارتبط الغاء الطائفية السياسية بالمجلس النيابي عبر "خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية" دون لحظ الأطر العامة "لاقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية" المناطة بالهيئة التي ستقدمها الى مجلسي النواب والوزراء.
إضافة الى هذه العموميات في الفقرة الأولى، فإن المرحلة الانتقالية التي أبرزتها المادة نفسها في الفقرتين (أ) و (ب) تظهر التمسك ببعض جوانب التوزيع الطائفي. فالفقرة (أ) أعطت الطوائف حق تمثيلها في الوزارة "بصورة عادلة" أما الفقرة (ب) فقد ألغت الطائفية في الوظيفة العامة في جميع المجالات باستثناء وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها "دون تخصيص أية وظيفة لأي طائفة"
فرغم تخصيص الفئة الأولى لجهة مراعاة التوزيع الطائفي فيها، فإن الإيجابية الوحيدة التي ظهرت فيها، هي عدم حصر بعض المراكز ببعض الطوائف، على أن اعتماد الكفاءة ولو على الصعيد النظري تبقى إحدى الوسائل لسد بعض أنواع الخلل التي تنشأ في المؤسسات في غالب الأحيان.
ورغم ان هدف الإصلاحات السياسية في الأساس هو إلغاء الطائفية السياسية التي عُدل على أساسها الدستور، فإن نصاً آخر في الدستور يمكن أن يظهر بعض الوجوه في طائفية النظام. فالمادة (22) نصت: "مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلسا للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية" . فظاهر النص هو وعد غير محدد بإلغاء الطائفية وبطريق غير مباشر، عبر انتخاب المجلس على أساس غير طائفي، لكن العلة تكمن في الفقرة المكملة لهذا الوعد، وهي استحداث مجلس الشيوخ سيضم مختلف العائلات الروحية، بمعنى أن هذه المادة أتت لتطمئن الطوائف اللبنانية إلى تمثيلها "العادل" في مؤسسة دستورية أنيطت بها قضايا مصيرية، دون تحديدها أو حصرها أو تعريفها .
إن مجلس الشيوخ كمؤسسة دستورية، ظل في غالب الأحيان، مخرجاً لتمثيل الاثنيات العرقية والقوميات والطوائف في الدول التي تتألف شعوبها من أصول غير متجانسة، بيد ان الأمر في لبنان إن تشابه في تلك الحالة (لجهة التعددية الطائفية) فإن إنشاء مجلس للشيوخ من الممكن ان يزيد في تعقيد القضايا الدستورية في لبنان، خصوصاً إذا لم يتم الاتفاق فيما بعد على صلاحياته بشكل دقيق، وعلى طرق تعامله مع السلطات الأخرى، إضافة إلى كون الغاية التي سينشأ من أجلها (وهي تمثيل الطوائف) تتناقض في الأساس مع مبدأ إلغاء الطائفية السياسية.
رابعاً : إيجابيات وسلبيات التعديلات الدستورية
ان ممارسة الحكم في أي دولة وفقاً لتقاليدها وأعرافها وقوانينها ودستورها، هي بالدرجة الأولى عملية تطورية وغير ثابتة. بمعنى أن أعرق الدساتير التي تبنّتها بعض الأنظمة المتطورة في العالم، لم تصل الى مرحلة الرقي والاستقرار، إلا بعد فترات متعاقبة من الزمن، إذ ان الأنظمة الرئاسية أو البرلمانية أو المختطة قد عانت الكثير من السلبيات قبل ان تستقر في ممارساتها الدستورية في الأنظمة التي تبنتها، وبالتالي فإن التعديلات الدستورية في لبنان، وإن كانت غير واسعة في الأساس، فإن وجودها على غير الوجه الأكمل، لا يعني عدم وجود الايجابيات فيها والتي يمكن أن تسهم مستقبلاً في تطوير الوضع الدستوري وبالتالي ممارسة الحكم بطرق مثلى.
أما الايجابيات التي تبرز في الدستور لجهة السلطة التشريعية فأبرزها:
ـ اعتماد النظام الديموقراطي البرلماني.
ـ إقرار مبدأ استقلالية السلطة التشريعية.
ـ إقرار مبدأ التوكيل العام الشامل.
ـ انتخاب المجلس النيابي بالاقتراع العام المباشر من قبل جميع المواطنين.
ـ أخضاع الأعمال التشريعية لمجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين وهذا ما تم مؤخراً.
ـ تقوية موقع رئاسة المجلس النيابي بموازاة السلطة التنفيذية.
أما لجهة السلبيات فمنها:
ـ اغتصاب السلطة التنفيذية لحق المجلس النيابي عن طريق "مشاريع القوانين المعجلة".
ـ امكانية إشراك غير المجلس النيابي في الأمور التشريعية بطرق غير مباشرة، إذا ما حددت صلاحيات مجلس الشيوخ لاحقاً لهذه الجهة.
أما لجهة السلطة التنفيذية فيمكن تسجيل الإيجابيات التالية:
ـ تحديد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء ومسؤولياته بنص مكتوب.
ـ إناطة السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء، وتحديد آلية ممارسته لسلطته، والحالات التي يكف عنها.
ـ شبه التوازن الظاهر بين صلاحيات ومسؤوليات كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.
ـ إخضاع بعض اعمال رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء لموافقة مجلس الوزراء.
خامساً : مستقبل النظام السياسي الدستوري في لبنان
إن مراقبة الظروف التي أحاطت بلبنان ومجتمعه في الوصول الى صيغة النظام الحالية، تظهر ان التسوية القائمة حالياً عبر وثيقة الوفاق الوطني والتعديلات الدستورية التي جرت على أساسها، كانت مخرجاً لكل الأطراف التي انخرطت في الحرب الأهلية. وإن كانت لا تلبي طموحات البعض، فهي لم تغضب غالبيتهم، أي بعبارة اخرى، إن النظام القائم حالياً، أعطى الحد الأدنى من السقف الأعلى الذي رفعته بعض الأطراف، كما راعى ظروف ومتطلبات كل فئة من أجل وضعها بموازاة الفئات الأخرى دون هيمنة فئة على فئة.
فإن أُخذ من صلاحيات رئيس الجمهورية، فإنها لم تعط لرئيس مجلس الوزراء، بل حولت الى مجلس الوزراء. وإن أسندت بعض الصلاحيات لرئيس مجلس الوزراء، فقد أُسند له ما كان يمارسه عرفاً. وإن مارس رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بعض الصلاحيات، فقد اخضعت لموافقة مجلس الوزراء، وإن أبقت الجسم النيابي كما هو، فقد تميّز رئيس السلطة التشريعية بموقعه عبر مشاركته في آلية تعيين رئيس مجلس الوزراء.
فالتعديلات الدستورية والأسس التي قامت عليها، والتي أبرزت توزيع بعض الصلاحيات وإبراز رئاساتها، يمكن القول إن آلية التعاون المرسومة فيما بينها، يمكن أن تؤدي الى ظهور مؤسسات دستورية قائمة بذاتها بمعزل عن أشخاص رئاساتها. الأمر الذي افتقره لبنان من استقلاله. فالسمة العامة للدول المتطورة واستقرارها هو ارتكازها على بنية مؤسساتية في مزاولة اعمالها الأمر الذي يخفف من أهمية الشخص الذاتية، ويجيرها لحساب المؤسسة التي يتولى رئاستها.
على ان هذه التعديلات والنصوص القانونية التي يمكن أن تكتمل في المستقبل، لا تفي بالغرض المطلوب إذا لم تكن إرادة العيش المشترك موجودة بين فئاته. وإرادة العيش هذه يمكن تكريسها وتقويتها عبر تقوية المؤسسات، سياسية كانت أم إجتماعية ـ إقتصادية، لتؤدي دورها الصحيح في عملية انصهار المجتمع، وهنا من الصعب إغفال دور القيمين على المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الإنتقالية ( غير المحددة ) التي لحظتها تسوية الطائف.
فنظام الحكم في مطلق دولة، لا تحدده قواعده القانونية، ولا أصوله الدستورية وحدها، بل تلعب اعتبارات كثيرة في مجال استمراره واستقراره، منها الأشخاص القيمون على الحكم فيه، ومنها واقعية السياسة المعتمدة منهم، ومنها تجاوب الشعب مع حكامه. فمجمل الاعتبارات سالفة الذكر يمكن ان تحدد مستقبل النظام في لبنان، فكلما ارتفعت مستويات ارتقائها نحو الأمثل، كلما كُتب للنظام السياسي ـ الدستوري في لبنان : إمكانية تطويره واستمراره، كلما انخفضت ستزيد إمكانية انفجاره من جديد وبالتالي دفع الضريبة مجدداً للوصول الى تسوية أخرى.
صحيح ان هناك اعتبارات خارجية كثيرة ساهمت بعض الأحيان في استقرار النظام السياسي ـ الدستوري اللبناني أو تفجيره، إلا ان هذه الاعتبارات لا يمكن أن تفعل فعلها لو أنها لم تجد ظروف نجاحها متوافرة في الداخل. من هنا يمكن القول ان تحصين الوضع الداخلي للبنان، على صعيد المؤسسات بمختلف أوجه نشاطاتها يمكن أن يضع لبنان بمنأى عن بعض التدخلات الخارجية مع بعض ازماته الداخلية.