حراك العرب وتحديات السودان
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 1/2/2012
خلال عام من الحراك العربي ،شهد السودان تحولات لافتة ربما تهيئ لظروف مساعدة على تغيير الوضع القائم.من بين هذه التحولات،انفصال الجنوب، وحالة التمرّد في جنوب ولاية كردفان ولجوء زعيمها عبد العزيز الحلو إلى الحدود مع دولة الجنوب، وانفجار الوضع الأمني في المناطق الحدودية بعد توقيع الحكومة السودانية اتفاقيتين مع الحركة الشعبية لتحرير السودان والمتعلقتين بمنطقة ابيي المتنازع عليها ومنطقتي كردفان والنيل الأزرق في ظل حركة التمرّد التي يقودها مالك عقار في النيل الأزرق ولجوئه أيضا إلى جنوب السودان، في الوقت الذي لم تكن حكومة الإنقاذ لتلبي طموحات الشرائح السياسية والاجتماعية السودانية.
وان كانت هذه التحوّلات لا ترنو عمليا إلى مستويات الحراك التغييري،فثمة تحدّيات كبيرة تواجه المجتمع السوداني وسلطته، وتجعله على قاب قوسين أو أدنى لحراك قادم، من الصعب التنبؤ بنتائجه بالنظر للظروف الذاتية والموضوعية للسودان.فعلى الرغم من التجارب التي مرّت بها كل من تونس ومصر وليبيا،التي تعتبر مفتاحا لأي تغيير في الدول العربية الأخرى في أفريقيا، ثمة عوامل داخلية مثبطة من بينها عدم المبالاة الشعبية وضعف أحزاب المعارضة وانعدام التواصل بين مختلف مكونات المجتمع السوداني.
إلا ان ثمة تحديات كبيرة تواجه السودان في المرحلة الراهنة تدفع باتجاه حتمية الحراك والتغيير، وهي بمجملها تحدّيات داخلية،مع وجود عناصر خارجية مساعدة،ويمكن رصد العديد منها وأبرزها:
ثمة تحديات إقليمية ودولية تتمثل في إعادة صياغة الواقع الجيو سياسي لدول الجوار الجغرافي للسودان، وهي في الواقع تحديات تلامس أمنه القومي، وهي بطبيعة الأمر تشكّل خصما وازنا في مكانته العربية والأفريقية. علاوة على مجموعة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على الرئيس حسن البشير من بوابة المحكمة الجنائية الدولية،والتي كانت إحدى نتائجها موافقته على الاستفتاء الذي أدى إلى انفصال الجنوب.
أما التحدي السياسي ، فيتمثل في انقسام النخب السياسية على نفسها، وافتقادها لبرامج ورؤى لمستقبل السودان بعد انتهاء المرحلة الانتقالية. في ظل شعور سياسي عام بحالة الاستئثار بالسلطة التي تمارس من قبل الحكومة على حساب مكونات سياسية رئيسية في البلاد، مثل حزب المؤتمر الشعبي وحزب الأمة، علاوة على حركات التمرّد القديمة منها والجديدة في دارفور والنيل الأزرق وكردفان،ما يعوق صياغة سياسية دستورية لنظام الحكم المفترض.
ثالث التحدّيات يكمن في الوضع الأمني والعسكري في غير منطقة سودانية، ففي المناطق الحدودية الجنوبية وبخاصة النيل الأزرق وجبال النوبة وجنوب كردفان،ثمة إعادة إنتاج لحركات تمرّد مسلحة تنذر بمزيد من الانقسامات وحفلات الانفصال والتفتيت والتجزئة، علاوة على السلام البارد الذي تعيشه حاليا قبائل شرق السودان والتي تعزز مظاهر انهيار الأطراف السودانية.فوق ذلك كله الوضع في دارفور حيث تتعثر الرعاية القطرية لعملية السلام في ظل استمرار حركة العدل والمساواة بحمل السلاح والعمل على إسقاط نظام الرئيس حسن البشير.
رابع التحديات الوضع الاقتصادي، إذ خسر السودان غالبية عوائده النفطية بعد انفصال الجنوب، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسب التضخم والضائقة الاقتصادية لشرائع واسعة في المجتمع السوداني،الذي يعاني في الأساس نظامه من مشاكل اقتصادية ومالية بنيوية.
ان التحديات التي تواجه مستقبل السودان هي من النوع الذي يتطلب حلولا عاجلة ،في الوقت الذي يبدو فيه الحراك السياسي السوداني بطيئا مقارنة بما يدور حوله من عمليات تغيير،وبالتالي ان تصوّر مشاريع الحلول في مثل تلك الأوضاع يتطلب جرأة واضحة من النظام نفسه قبل غيره،انطلاقا من إمكانية ان يكون النظام نفسه جزءا من حل يمكن التوافق عليه بدلا من ان يكون جزءا من المشكلة القائمة والمرشحة إلى مزيد من التعقيدات.
ثمة من يدعو في السودان إلى تشكيل حكومة جديدة تتمثل فيها جميع مكونات السودان السياسية والعرقية، على ان تكون من أولوياتها قيادة عملية الإصلاح من خلال صياغة النظام السياسي بعد تحديد العديد من القضايا المختلف عليها في طبيعة النظام كالهوية والدين والمواطنية والمشاركة وغيرها من المسائل التي كانت سببا في تشرذم الواقع السياسي السوداني في العقود الماضية.
ربما يختلف السودان في بعض الحيثيات عن غيره من دول الجوار العربي لجهة نظام الحكم الذي استمر بوجوه مختلفة بعد الاستقلال،علاوة على التعددية القومية والعرقية والقبلية التي أثرت في سلوك القيّمين على السلطة وكيفية إدارة أزماته، لكن المشترك بين المجتمع السوداني بشكل عام وغيره من المجتمعات العربية ، حاجته الماسّة لصياغة نظام حكم يتطلع إليه السودانيون في عصر باتت قضايا حقوق الإنسان ومفراداتها من مخلفات القرن الماضي!.فهل سيستجاب لمتطلبات التغيير الحقيقية؟أم سيكون السودان مرتعا للفوضى والاقتتال والتناحر؟ سؤال لا يملك الإجابة عليه إلا السودانيين أنفسهم.